أصول الفقه

برنامج المادة:

الأهداف:

  1. أن أتعرف أنواع الأفعال النبوية.
  2. أن أميز بين ما هو تشريع وبين ما ليس بتشريع من أفعال النبي ﷺ.
  3. أن أقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله.

تمهيد:

أرسل الله سبحانه وتعالى النبي محمدا ﷺ مبلغا ومبينا للقرآن الكريم أصلِ أصول الشريعة الإسلامية، وقد كان بيانه ﷺ لذلك بالقول وبالفعل وبالإقرار. فما هي أنواع الأفعال النبوية؟ وما حكم كل نوع؟

المتن:

قال إمام الحرمين رحمه الله: "فِعْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ دَلَّ دلِيلٌ عَلَى اَلِاخْتِصَاصِ بِهِ يُحْمَلُ عَلَى اَلِاخْتِصَاصِ، وَإنْ لَمْ يَدُلَّ، لَا يُخَصَّصُ بِهِ؛ لِأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: alahzab 21 الأحزاب: 21، فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُتَوَقَّفُ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى اَلْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا ".

الفهم:

شرح المفردات:

الْقُرْبَة: ما يُتَقَرَبُ به إلى الله من البر والطاعة. أسْـوَةٌ: – بضم الهمزة وكسرها– قدوة صالحة.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أستخرج من النص أنواع أفعال الرسول ﷺ.
  2. أبين حكم كل قسم من أفعال النبي ﷺ.

التحليل:

تتنوع أفعال النبي ﷺ إلى ما هو طاعة وقربة، وإلى ما ليس بطاعة وقربة، وإليهما أشار المصنف بقوله: "فِعْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ"، وبيان ذلك في الآتي:

أولا: أفعال النبي ﷺ التي هي قربة:

تنقسم أفعال النبي ﷺ التي هي قربة وطاعة إلى قسمين وهما:

الأفعال الخاصة بالنبي ﷺ:

وإلى هذا النوع يشير المصنف بقوله: "فَإِنْ دَلَّ دلِيلٌ عَلَى اَلِاخْتِصَاصِ بِهِ يُحْمَلُ عَلَى اَلِاخْتِصَاصِ". فالأفعال الخاصة بالنبي ﷺ هي التي دل دليل على أنها خاصة به. وحكمها أنها ليست تشريعا للأمة وإنما هي تشريع خاص به ﷺ. ومثالها: الوصال في الصوم، فإن الصحابة لما أرادوا الوصال نهاهم ﷺ عنه وقال: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِ" [صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب الوصال ومن قال ليس بالليل صيام]. وهذا دليل على أن الوصال خاص به ﷺ.

الأفعال غير الخاصة بالنبي ﷺ:

أشار المصنف إلى هذا النوع بقوله: "وَإنْ لَمْ يَدُلَّ، لَا يُخَصَّصُ بِهِ؛ لِأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: alahzab 21 الأحزاب: 21 ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُتَوَقَّفُ عَنْهُ " إذا لم يدل دليل على أن الفعل خاص بالنبي ﷺ فيعم الأمة جميعها، ولا يُخصّ به؛ لأنه ﷺ قدوة لنا جاء لبيان الشرع، ولذلك وجب الاقتداء به. ومن أمثلة ذلك تشريع التهجد، وليس وجوبه؛ لأن وجوبه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. لكن ما حكم هذا الاقتداء؟ في ذلك تفصيل: فإن علم حكم ذلك الفعل من وجوب أو ندب، فواضح أنه يحمل على الصفة التي علم عليها، وإن لم يعلم حكمه اختلف في ذلك على أقوال ثلاثة أشار إليها المصنف بقوله: "فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُتَوَقَّفُ عَنْهُ" وبيان هذه الأقوال الثلاثة في الآتي: القول الأول: الحمل على الوجوب؛ في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حقنا؛ لأنه الأحوط، وبه قال الإمام مالك رضي الله عنه وبعض أصحابه. وهو قول أكثر الشافعية وهذا هو القول الراجح. القول الثاني: الحمل على الندب؛ لأنه المحقق بأصل الطلب. القول الثالث: التوقف؛ لتعارض الأدلة السابقة في ذلك.

ثانيا: أفعال النبي ﷺ التي ليست قربة:

أشار لذلك المصنف بقوله: "فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى اَلْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا" أي: أن الأفعال التي يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم على وجه غير القربة والطاعة، هي الأفعال الجبلية، وذلك مثل القيام والقعود والأكل والشرب والنوم وغيرها من الأفعال. هذه الأفعال يميَّز في حكمها بين أصل الفعل وبين صفة الفعل وذلك كالآتي:

حكم أصل الفعل:

حكم أصل الفعل هو الإباحة في حق النبي ﷺ وفي حق أمّته، وهذا مراد المصنف بقوله: "فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى اَلْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا".

حكم صفة الفعل:

اختلف في حكم صفة الفعل؛ فقال بعض المالكية: يحمل على الندب، ويؤيده ما ورد عن كثير من السلف من الاقتداء به في ذلك، وقال بعضهم: يحمل على الإباحة أيضاً. وعلم مما ذكره المصنف من حكم أنواع أفعال النبي ﷺ انحصار أفعاله صلى الله عليه وسلم في الوجوب والندب والإباحة، فلا يقع منه ﷺ محرَّم؛ لأنه معصوم، ولا مكروه ولا خلاف الأولى؛ لقلَّة وقوعِ ذلك من المتقي من أمته، فكيف يقع ذلك منه ﷺ؟

التقويم:

  1. أبين حكم الأفعال النبوية التي لم يدل الدليل على أنها خاصة بالنبي ﷺ مع التعليل.
  2. كيف أميز بين ما هو خاص بالنبي ﷺ وبين ما ليس خاصا به من الأفعال؟
  3. ما الغاية من التمييز بين ما هو خاص بالنبي ﷺ وبين ما ليس خاصا به من الأفعال؟

الاستثمار:

من الأفعال التي ثبتت عن النبي ﷺ حجه راكبا، وذهابه إلى صلاة العيد من طريق ورجوعه من طريق أخرى.

  1. أبحث في بعض شروح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني عن حكم هذين الفعلين مع تعليل ذلك.
  2. أوضح في أي نوع من أفعاله ﷺ يدخل هذان الفعلان مع التعليل.

الأهداف

  1. أن أتعرف أنواع الإقرار النبوي.
  2. أن أميز بين ما هو تشريع من الإقرارات النبوية وبين ما ليس بتشريع منها.
  3. أن أتمثل إقرارات النبي ﷺ باعتبارها سنة متبعة ووحيا من رب العالمين.

تمهيد

الرسول ﷺ معصوم من الخطأ وعصمته هذه تقتضي أن أقواله وأفعاله وإقراراته تشريع ما لم يدل الدليل على خلاف ذلك؛ لإنه ﷺ لا يقر أحدا على باطل. فما هي أنواع الإقرار النبوي؟ وما حكم كل نوع؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشرِيعَةِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ كَفِعْلِهِ، وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فحكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي مَجْلِسِهِ ".

الفهم

الشرح:

إِقْرَار: من أقرَّ الشيءَ تركه قارّاً، وفي المصباح: أَقْرَرْتُ العاملَ على عمله، والطيرَ في وكره، تركتُه قَارّاً.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أبين أنواع الإقرار النبوي.
  2. أحدد حكم كل نوع من أنواع الإقرار النبوي.

التحليل

الإقرار النبوي هو: سكوت النبي ﷺ عن إنكار قولٍ أو فعل قيل أو فُعِلَ بحضرته أو في زمانه مع علمه به. وبيان أنواع ذلك وأحكامه فيما يأتي:

أولا: إقراره ﷺ على ما قيل أو فعل بحضرته:

إقراره ﷺ على ما قيل بحضرته:

أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشرِيعَةِ" إقرار الرسول ﷺ على القول الصادر من أحد من الناس بحضرته هو كقوله ﷺ من حيث الحكم وتشريع الأحكام؛ وذلك لأنه ﷺ معصوم من أن يقر على قول منكر. ومن أمثلة ذلك: حديث أم المومنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم مسرورا فقال: "يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أنّ مُجزِّزاً المُدْلِجيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْداً، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ" [ صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد]. فالرسول ﷺ سكت عن ذلك القول وسُرَّ به.

إقراره ﷺ على ما فعل بحضرته:

قال المصنف رحمه الله: "وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ كَفِعْلِهِ" أي: أن إقراره ﷺ على الفعل الصادر من أحد من الناس بحضرته هو كفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقر أحدا على فعل منكر. ومن أمثلته: إقراره ﷺ خالد بن الوليد على أكل الضب، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن خالد بن الوليد: "أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ،– مشوي– فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ" قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ". [ صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد باب: الضب].

 ثانيا: إقراره ﷺ على ما قيل أو فعل في زمانه:

إقراره ﷺ على ما فعل في زمانه:

 أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فحكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي مَجْلِسِهِ" فما فعل في وقته ﷺ في غير مجلسه، وعلم به ﷺ ولم ينكره، فحكمه حكم ما فعل في مجلسه؛ لأنه ﷺ معصوم، لا يقر على المنكر متى علمه. ومثال ذلك علمه ﷺ بحلف أبى بكر الصديق رضي الله عنه إنه لا يأكل الطعام في وقت غيظه، ثم أكل لما رأى ذلك خيراً، كما يؤخذ من حديث مسلم في الأطعمة.

إقراره ﷺ على ما قيل في زمانه:

ما قيل في زمانه ﷺ في غير مجلسه وعلم به صلى الله عليه وسلم ولم ينكره فحكمه حكم ما قيل في مجلسه؛ لأنه ﷺ معصوم لا يقر على المنكر متى علمه. ومثال ذلك حديث البخاري: قال سَلْمَانُ لأبي الدرداء رضي الله عنهما: "...إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه"، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ سَلْمَانُ" [ كتاب الصيام، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له].

التقويم

  1. أذكر أنواع الإقرار النبوي.
  2. لماذا كان إقرار النبي ﷺ على القول والفعل كقوله وفعله.

الاستثمار

أبحث عن أمثلة تطبيقية لإقراراته ﷺ وأصنفها حسب الأنواع التي درستها.

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم النسخ وحكمه.
  2. أن أميز بين النسخ وبين البراءة الأصلية والتخصيص.
  3. أن أتمثل الحكمة من النسخ في نصوص الشريعة.

تمهيد

من الخصائص التي اتسمت بها الشريعة الإسلامية خاصية التدرج في تشريع الأحكام، ومظاهر خاصية التدرج متعددة ومتنوعة منها نسخ أحكام شرعية متقدمة بأخرى متأخرة عنها. فما هو النسخ؟ وما حكمه؟ وما الحكمة منه؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وأَمَّا النَّسْخُ: فَمَعْنَاهُ لُغَةً: الْإِزَالَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ النَّقْلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخْتُ مَا فِي الْكِتَابِ أي: نَقَلْتُهُ. وَحَدُّهُ هُوَ: الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتاً، مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ ".

الفهم

الشرح:

تَرَاخِيهِ: من التراخي وهو الفسحة والاِمتداد، والمراد هنا التأخر الزماني.

استخلاص مضامين النص:

  1. أحدد مفهوم النسخ.
  2. أبين حكم النسخ والحكمة منه.

التحليل

يشتمل الدرس على ما يأتي:

أولا: تعريف النسخ:

النسخ لغة:

أشار المصنف إلى تعريف النسخ في اللغة بقوله: "وأَمَّا النَّسْخُ: فَمَعْنَاهُ لُغَةً الْإِزَالَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ النَّقْلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخْتُ مَا فِي الْكِتَابِ، أي: نَقَلْتَهُ " النسخ في اللغة هو الإزالة؛ يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساط ضوئها. والإزالة والرفع بمعنى واحد. وقيل يطلق في اللغة أيضا على النقل؛ من قولهم: نسخت ما في هذا الكتاب أي: نقلته. وفي الاستدلال بهذا على أن النسخ بمعنى النقل نظر، فإن نسخ الكتاب ليس هو نقلاً لما في الأصل في الحقيقة، وإنما هو إيجاد مثل ما كان في الأصل في مكان آخر، وذكر بعضهم أنه يطلق على معنى ثالث وهو التغيير، كما في قولهم: نسخت الريح آثار الديار، أي: غيرتها، والظاهر أنه يرجع إلى المعنى الأول وهو الإزالة فإنها أعم. واختلف في استعماله في المعنيين اللذين ذكرهما المصنف فقيل: إنه حقيقة في الإزالة والنقل، فيكون مشتركاً لفظيا بينهما، وقيل إنه حقيقةٌ في الإزالة مجازٌ في النقل. وذكر بعضهم قولاً ثالثاً: إنه حقيقة في النقل مجاز في الإزالة، وهو بعيد.

النسخ اصطلاحا:

عرف المصنف النسخ في الاطلاق الشرعي بقوله: "وَحَدُّهُ هُوَ: الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتاً، مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ " هذا الذي ذكره المصنف حدٌّ للناسخ وليس للنسخ، ولكنه يؤخذ منه حد النسخ وأنه: رفعُ الحكمِ الثابتِ بخطابٍ متقدمٍ، بخطاب آخر، لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه. ويقصد بــ"رفع الحكم" رفع تعلقه بفعل المكلف، بحيث يصبح غير مكلف به. و"رفع الحكم" جنس يشمل النسخ وغيره. وقوله: "الثابت بخطاب" فصل يخرج به رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية، التي هي عدم التكليف بشيء، فإنه ليس بنسخ، إذ لو كان نسخاً كانت الشريعة كلها نسخاً، فإن الفرائض كلها كالصلاة والزكاة والصوم والحج رفع للبراءة الأصلية. وقوله: "بخطاب آخر" فصل ثان يخرج به رفع الحكم بالجنون والموت؛ فإنه لا يعتبر نسخا، وإنما الجنون والموت مانعان من التكليف وقوله: "على وجه لولاه لكان ثابتا" فصل ثالث يخرج به ما لو كان الخطاب مُغَيَّا بغايةٍ أو مُعَللاً بمعنى، وخرج الخطاب الثاني ببلوغ الغاية أو زوال المعنى فإن ذلك لا يكون نسخاً له؛ لأنه لو لم يرد الخطاب الثاني الدال على ذلك لم يكن الحكم ثابتاً لبلوغ الغاية وزوال العلة. مثال ذلك: قوله تعالى:

aljomoaa 9 الجمعة:9

فتحريم البيع مُغَيَّا بقضاء الجمعة، فلا يقال: إن قوله تعالى:

aljomoaa 10 الجمعة: 10

ناسخٌ للأول، بل هو مبيّن لغاية التحريم.

وكذا قوله تعالى:

al maida 98 المائدة: 98

، فلا يقال: إنه منسوخ بقوله تعالى:

al maida 3 المائدة: 3

، لأنَّ التحريم لأجل الإحرام، وقد زال. وقوله: "مع تراخيه" فصل رابع يخرج به ما كان متصلاً بالخطاب من صفة أو شرط أو استثناء، فإنَّ ذلك تخصيص كما تقدم، وليس ذلك نسخاً.

ثانيا: حكم النسخ والحكمة منه:

حكم النسخ الجواز لقوله عز وجل:

al bakara 105 البقرة 105

. ويدل أيضا على جوازه وقوعه في الكتاب والسنة كما سيأتي في أنواع النسخ. والنسخ يكون في الأمر والنهي والحظر والمنع والإباحة، أما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ومنسوخ. والحكمة من النسخ الإتيان بما هو خير وأرفق وأصلح بالمكلفين كما تدل عليه الآية

el bakara 105 البقرة 105

، كما أن في النسخ اختبارا للعباد في طاعتهم لله عز وجل الذي لا معقب لحكمه. [ تفسير ابن كثير: 1 / 132 – 133 بتصرف ].

التقويم

  1. أعرف النسخ لغة واصطلاحا.
  2. أبين حكم النسخ والحكمة منه.
  3. ما الفرق بين النسخ وبين البراءة الأصلية؟

الاستثمار

أراجع تفسير ابن كثير لقوله عز وجل:

al bakara aya 105 [ البقرة 105]

وأجيب عن الآتي:

  1. أبين معنى الآية.
  2. ألخص أقوال العلماء في حكم النسخ.
  3. أبين القول الراجح في حكم النسخ.

الأهداف

  1. أن أتعرف أنواع النسخ.
  2. أن أميز بين أنواع النسخ من حيث الحكم.
  3. أن أتمثل أحكام نسخ الكتاب والسنة أحدِهما للآخر.

تمهيد:

اقتضت حكمة الله عز وجل أن يقع النسخ في أحكام الشريعة الإسلامية، تحقيقا لما تَصلح به أحوال الناس، أو دفعاً للحرَج عنهم، أو اختبارا لهم. وقد وقع ذلك في الكتاب والسنة بوجوه وأنواع متعددة. فما أنواع النسخ؟ وما حكم نسخ الكتاب والسنة أحدهما الآخر؟

المتن:

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَالرَّسْمِ مَعاً. والنَّسْخُ إِلَى: بَدَلٍ، وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ، وَإِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ، وَإِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ. وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، وَنَسْخُ السُنَّةِ بِالسُنَّةِ، وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهُمَا، وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ وَبِالْمُتَوَاتِرِ، وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ".

الفهم:

الشرح:

الْمُتَوَاتِر: لغة: المتتابع، والمراد به هنا الحديث الذي ترويه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم عن الكذب عادة متى كان مستندهم في الرواية الحس. الْآحَــــاد: لغة الأفراد، والمراد به الحديث الذي لم يبلغ درجة التواتر.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أستخرج من المتن أنواع النسخ.
  2. أبين حكم نسخ القرآن والسنة أحدهما للآخر.

التحليل:

يشتمل هذا الدرس على ما يأتي:

أولا: أنواع النسخ باعتبار الحكم والرسم وطبيعة النسخ:

أنواع النسخ باعتبار الحكم والرسم:

ذكر المصنف ثلاثة أنواع للنسخ بهذا الاعتبار فقال: "وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَالرَّسْمِ مَعاً" أشار المصنف رحمه الله إلى أنواع النسخ باعتبار الحكم والرسم وهي:

نسخ الرسم وبقاء الحكم: يجوز نسخُ رسمِ الآية في المصحف وتلاوتِها على أنها قرآن، مع بقاء حكمها والتكليف به.

نسخ  الحكم وبقاء الرسم: ومثاله قوله تعالى:

elbakara aya 238 البقرة الآية 238

 نُسخت بالآية التي قبلها، وهي قوله تعالى:

al bakara 232 البقرة: 232

. وهذا كثير.

نسخ الحكم والرسم معاً: ومثاله حديث مسلم: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ"؛ فعشر رضعات نسخت رسما وحكما. والمذهب المالكي أن التحريم ليس له مقدار محدد، عملا بعموم قوله تعالى:

annisaa23 النساء: 23

 أنواع النسخ باعتبار طبيعة الحكم:

 النسخ إلى بَدَلِ: ومثاله نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة المشرفة كما يشير إليه قوله عز وجل:

albakara 143 البقرة: 143

النسخ من غير بدلٍ: كقوله تعالى

al mojadala 12 المجادلة: 12

؛ فإن هذا الحكم منسوخ ولم يتم تبديله بحكم آخر.

النسخ إلى ما هو أغلط وأشد: كما في نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء بوجوب صوم رمضان، وكما في نسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بالطعام إلى وجوب الصوم وتعيينه؛ لقوله تعالى:

al bakara 183 البقرة:183

؛ فقد نُقلَ عن جماعةٍ من الصحابة مثل: ابن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر رضي الله عنهم أنهم قالوا: كان من شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى بإطعام مسكين عن كل يوم، حتى نزل:

albakara 184 البقرة:184

أي: فوجب صيام رمضان على من انتفت عنهم الموانع من المكلفين، ونُسخَ التخييرُ.

 النسخ إلى ما هو أخفُّ: مثاله: صوم يوم عاشوراء الذي كان فرضا ثم صار ندبا حين فُرض صوم رمضان، وقد قال عياض رحمه الله: وكان بعض السلف يقول: كان فرضا، وهو باق على فرضيته لم ينسخ، وانقرض القائلون بهذا، وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض، إنما هو مستحب. [ عمدة القاري شرح صحيح البخاري للامام العيني 11 /  118 ].

ثانيا: أنواع النسخ باعتبار الخطاب الشرعي الناسخ والمنسوخ:

يتنوع النسخ بهذا الاعتبار إلى عدة أنواع أشار إليها المصنف بقوله: "وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، وَنَسْخُ السُنَّةِ بِالسُنَّةِ، وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهُمَا، وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ وَبِالْمُتَوَاتِرِ، وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ" وبيان هذه الأنواع في الآتي:

نسخ الكتاب بالكتاب:

يجوز نسخ الكتاب بالكتاب كما في آيتي العدة في قوله تعالى:

albakara238 البقرة: 238

؛ فإنها منسوخة بقوله تعالى:

elbakara 232 البقرة: 232

  فتتربص المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا بدل حول كامل.

نسخ السنة بالكتاب:

ومثاله نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة الفعلية في حديث صحيح البخاري، [كتاب التفسير، باب قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء] بقوله تعالى:

albakara 149 البقرة: 149

نسخ السنة بالسنة:

يجوز نسخ السنة المتواترة بمثلها، والسنة الآحاد بمثلها، وبالمتواترة، كما يجوز نسخ السنة المتواترة بالآحاد على الصحيح، خلافا لما ذكره المصنف في قوله: "وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ". بل الصحيح جوازه كما قاله الحطاب.  ومثال نسخِ السنة الآحاد بمثلها حديث مسلم: "أَنّهُ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَجِّلُ عَنِ امْرأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" [صحيح مسلم، الحيض، باب إنما الماء من الماء]. فإنه نسخُ بحديث: "إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأرْبَعِ ثُمّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإنْ لَمْ يُنْزِلْ" [صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين] لتأخر هذا الحديث عن الأول؛ لما روى أبو داود وغيره عن أبي بن كعب رضي الله عنه: "أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَفْتُونَ، أَنَّ الْمَاءَ مِنَ المَاءِ، كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ". [سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في الاغتسال].

نسخ الكتاب بالسنة:

يختلف حكم نسخ الكتاب بالسنة حسب ما يأتي:

نسخ القرآن بالسنة المتواترة: وهذا جائز؛ لأنه من نسخ المتواتر بالمتواتر. وفي ذلك قال المصنف: "وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِر مِنْهُمَا ".

 نسخ القرآن بالسنة غير المتواترة: صرح المصنف بعدم جواز ذلك في قوله: "وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ" والصحيح جوازه كما قاله الحطاب وصححه ابن السبكي في جمع الجوامع وإن لم يقع إلا بالمتواترة. وقيل وقع بالآحاد، ومنه حديث: "فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ". [سنن الترمذي، كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث]؛ قيل إنه ناسخ لقوله تعالى:

al bakara 179 البقرة: 179

التقويم:

  1. ما حكم نسخ الكتاب بالسنة المتواترة.
  2. أبين حكم نسخ الكتاب بالسنة الآحاد.
  3. أمثل للنسخ إلى بدل، وإلى ما هو أخف.

الاستثمار:

  1. قال رسول الله ﷺ : «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا». [صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ﷺ في زيارة قبر أمه].
  2. قال رسول الله ﷺ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ » [سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر].
  3. وعن قيس بن طلق عن أبيه قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ».[ سنن أبي داود كتاب الطهارة باب الوضوء من مس الذكر].

أقرأ الأحاديث وأجيب عن الآتي:

  1. أبين الناسخ والمنسوخ في الحديث الأول مع التعليل.
  2. ما الحديث الذي يأخذ به المالكية من الحديثين الثاني والثالث؟ ولماذا؟

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم التعارض بين النصوص.
  2. أن أدرك طرق دفع التعارض بين النصوص.
  3. أن أتمثل الغاية من دفع التعارض بين النصوص.

تمهيد

جاءت الشريعة الإسلامية لهداية الناس وبيان الجائز من غيره مما هو وارد في القرآن والسنة وما تفرع عنهما من أدلة، وكل هذه الأدلة تتسم بالتكامل والانسجام، وما قد يظهر من تعارض في بعض نصوصها فإنما هو في بداية النظر، ولذلك قعَّد أهل العلم قواعد لدفع هذا التعارض الظاهري بين النصوص. فما هو التعارض؟ وما أنواعه؟ وكيف يمكن دفعه؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ: إِذَا تَعَارَضَ نُطْقَانِ فَلا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ، أَوْ خَاصَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُما عَامَّاً وَالآخَرُ خَاصَّاً، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما عَامّاً منْ وجْهٍ خَاصّاً مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُتَوَقَّفُ فِيهِمَا إِنْ لَم يُعْلَمِ التَّارِيخُ، فَإنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَيُنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّرِ، وَكَذَا إِذَا كَانَا خَاصَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامَّاً وَالْآخَرُ خَاصَّاً، فَيُخَصُّ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ، وَإِنْ كَان أَحَدُهُمَا عَامَّاً مِنْ وَجْهٍ وَخَاصَّاً مِنْ وَجْهٍ، فَيُخَصُّ عُمُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ اِلْآخَرِ".

الفهم

الشرح:

التَّعَارُض: التمانع والتخالف بين شيئين. نُطْـــقَــانِ: نصان من قول الله تعالى ومن قول رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أحدهما من قول الله تعالى والآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. الْـــوَجْـــه: الجهة.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أعرف التعارض بين النصوص.
  2. أبين أنواع التعارض بين النصوص وطرق دفعه.

التحليل

اشتمل الدرس على ما يأتي:

أولا: تعريف التعارض بين النصوص وأنواعه:

التعارض لغة: تَفَاعُلٌ، من عرَض الشّيء يَعْرِضُ، كأنّ كلا من النصين عرض للآخر حين خالفه والتعارض اصطلاحا هو: تقابل نصين من قول الله سبحانه وتعالى أو من قول رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أحدهما من قول الله تعالى والآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التمانع في الظاهر.

وهو أنواع أشار إليها المصنف بقوله: "إِذَا تَعَارَضَ نُطْقَانِ فَلا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ، أَوْ خَاصَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُما عَامَّاً وَالآخَرُ خَاصَّاً، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما عَامّاً منْ وجْهٍ خَاصّاً مِنْ وَجْهٍ" التعارض بين النصوص أنواع أربعة حسب ما ذكره المصنف وهي:

  1. التعارض بين عامين.
  2. التعارض بين خاصين.
  3. التعارض بين عام وخاص.
  4. التعارض بين نصين كل منهما عام من وجه، وخاص من وجه.

ثانيا: كيفية دفع التعارض بين النصوص:

التعارض بين عامين:

أشار المصنف إلى كيفية دفع التعارض بينهما بقوله: "فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُتَوَقَّفُ فِيهِمَا إِنْ لَم يُعْلَمِ التَّارِيخُ، فَإنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَيُنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّرِ" إذا كان التعارض بين نصين عامين فلا يخلو الأمر مما يأتي:

 أن يمكن الجمع بينهما: فيجمع بينهما؛ بأن يحمل كل منهما على حال؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما مع إجراء كل منهما على عمومه؛ لأنَّ ذلك محالٌ، لأنه يفضى إلى الجمع بين النقيضين، فإطلاق الجمع بينهما مجاز عن تخصيص كل واحد منهما بحال. مثال ذلك: الجمع بين حديث: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ اَلذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا". [ صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب خير الشهود ]، وبين حديث: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا " [صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهَدُ على شهادة جور إذا أشهد]. فالحديث الأول يمدح من يأتي بالشهادة قبل أن يطلب منه ذلك، والحديث الثاني يذم من يفعل ذلك، فجُمع بين الحديثين بحمل الأول على ما إذا كان المشهود له غير عالم بها، والثاني على ما إذا كان المشهود له عالما بها. وحمل بعضهم الأول على ما كان في حق الله كالطلاق، والثاني على غير ذلك.

 أن لا يمكن الجمع بينهما: فإذا علم التاريخ فيُنسخ المتقدم في النزول بالمتأخر كما أشار إليه المصنف. ومثال ذلك: نسخ قوله عز وجل:

albakara238 البقرة: 238

، بقوله تعالى:

elbakara 232 البقرة: 232

 أن لا يعلم تاريخ المتقدم من المتأخر: فيتوقف في الدليلين عن العمل بهما حتى يظهر المرجح لأحدهما.

التعارض بين خاصين:

إذا كان التعارض بين نصين خاصين، فتطبق القواعد السابقة في تعارض العامَّين، لقول المصف: "وَكَذَا إِذَا كَانَا خَاصَّيْنِ" أي: فإن أمكن الجمع بينهما جمع. مثال ذلك حديث: أنه صلى الله عليه وسلم "تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ" [صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة]، وحديث: "أنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَرَشَّ الْمَاءَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا فِي النَّعْلَيْنِ". [سنن أبي داود، كتب الطهارة، باب الوضوء مرتين]؛ فإن الجمع بين الحديثين ممكن بحمل الرش على حالة تجديد الوضوء، وقيل: المراد بالوضوء في حديث الغسل الوضوء الشرعي، وفي حديث الرش اللغوي وهو النظافة. وقيل: إنه غسلهما في النعلين وسمي ذلك رشاً مجازاً.

وإن علم التاريخ نُسخ المتقدم بالمتأخر كما في حديث: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا". [صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أمه]. فالأمر بالزيارة سبقه النهي عنها. وإن لم يمكن الجمع بينهما ولم يعلم التاريخ توقف فيهما إلى ظهور مرجح لأحدهما. مثاله ما جاء عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: "لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ" [سنن أبي داود، كتاب الطهارة باب المذي ] وجاء أنه قال: "اصْنَعُوا كَلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ" أي: الوطء.[ صحيح مسلم، كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها ]، ومن جملة ذلك الاستمتاع بما تحت الإزار، فتعارض فيه الحديثان فرجح بعضهم التحريم احتياطاً، وبعضهم الحل؛ لأنه الأصل في المنكوحة، والأول هو المشهور عندنا وعند الشافعية، وقال أبو حنيفة وجماعة من العلماء بالثاني.

التعارض بين عام وخاص:

أشار المصنف إلى كيفية دفع التعارض بين العام والخاص بقوله: "وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامَّاً وَالْآخَرُ خَاصَّاً، فَيُخَصُّ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ" أي: يخصص العام بالخاص، كحديث الصحيحين: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشُرُ"[ الموطأ كتاب الزكاة باب زكاة ما يخرص من ثمار النخل]، وحديث: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" [ الموطأ كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة ] فالأول عام والثاني خاص فيخصص الأول بالثاني، سواء وَرَدَا معاً أو تقدَّم أحدهما على الآخر أو جهل التاريخ.

التعارض بين نصين كل منهما عام من وجه خاص من وجه:

أشار إليه المصنف بقوله: "وَإِنْ كَان أَحَدُهُمَا عَامَّاً مِنْ وَجْهٍ وَخَاصَّاً مِنْ وَجْهٍ، فَيُخَصُّ عُمُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ اِلْآخَرِ" إذا كان أحد النصين عاماً من وجه وخاصاً من وجه والآخر كذلك، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر إن أمكن ذلك. ومثال ذلك حديث: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ". [سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب ما ينجس من الماء]، وحديث: "المَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شيءٌ إلاَّ ما غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ". [سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الحياض]. فالحديث الأولُ خاصٌّ في القُلتين، عامٌّ في الماء المتغير وغيره. والحديث الثاني خاصٌّ في الماء المتغير عامٌّ في القلتين وما دونهما؛ فيُخصُّ عموم الأولِّ بخصوص الثاني؛ فيُحكمُ بأن ما دون القُلتين من الماء ينجس بوقوع النجاسة فيه وإنْ لم يتغير شيء من أوصافه، على ما ذهب إليه الشافعية. ورجح المالكية الحديث الثاني؛ لأنه نصٌّ، والحديث الأولُ إنما يُعارض بمفهومه، ودلالة النصِّ أقوى من دلالة المفهوم. وعليه فالقصد هو التمثيل.

وإذا لم يمكن الجمع وعلم التاريخ فالمتقدم يُنسخ بالمتأخر، وإن لم يمكن الجمع ولا النسخ فإنه يتوقف كما قررنا فيما سبق.

التقويم

  1. أبين طريقة دفع التعارض بين نصين أحدهما عامّ والآخر خاصّ.
  2. أوضح طريقة دفع التعارض، إذا كان كل من النصين عامّاً من جهة، وخاصّاً من جهة أخرى.

الاستثمار

  1. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ». [صحيح البخاري. كتاب مواقيت الصلاة، باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس ]؛ وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا». [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها]. 
  2. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ». [ صحيح البخاري. كتاب مواقيت الصلاة، باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس ]. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». [ صحيح البخاري، كتاب التهجد باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى].

أتأمل الأحاديث وأبين التعارض الحاصل بينها وكيفية دفعه.

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم الإجماع وحجيته.
  2. أن أدرك أنواع الإجماع وشروطه.
  3. أن أتمثل إجماعات العلماء المجتهدين ولا أخالفها.

تمهيد

من أصول الشريعة الإسلامية إجماع علماء الأمة المجتهدين في عصر من العصور، مستندين في ذلك إلى دليل شرعي؛ لأن الشارع الحكيم شهد لهذه الأمة بعصمتها من الخطأ. فما هو الإجماع؟ وما أنواعه؟ وما حجيته وشروطه؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الإجْمَاعُ فَهُوَ: اتِّفَاقُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ. وَنَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءَ، وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ: الْحَادِثَةَ الشَّرْعِيَّةَ. وَإِجْمَاعُ هَذِهِ اِلْأُمَّةِ حُجَّةٌ دُونَ غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ"، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِعِصْمَةِ هَذِهِ اِلْأُمَّةِ. وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى الْعَصْرِ الثَّانِي، وفِي أي عَصْرٍ كَانَ، وَلَا يُشْترَطُ اِنْقِرَاضُ الْعَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ قُلْنَا: "انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ، فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ وُلِدَ فِي حَيَاتِهِمْ، وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ اِلِاجْتِهَادِ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ.  وَالإجْمَاعُ يَصِحُّ بقَوْلِهِمْ، وَبِفِعْلِهِمْ، وَبِقَوْلِ الْبَعْض وَبِفعْلِ الْبَعْضِ وَانتشَارِ ذَلِكَ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ. وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِه، عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ".

الفهم

الشرح:

الإجْمَاعُ: لغة: العزم والِاتفاق. الْحَادِثَــة: النّازِلة والواقعة. بِعِصْمَــةِ: بحفظ. انْقِرَاض: انقطاع وانتهاء الوجود.

استخلاص مضامين المتن:

  1. عمّ تتحدث الفقرة الأولى والثانية من المتن؟
  2. ما هو مضمون الفقرة الثالثة؟
  3. ما حكم قول الصحابي الوارد في الفقرة الرابعة؟

التحليل

أولا: تعريف الإجماع وأنواعه:

تعريف الإجماع:

الإجماع لغة: العزم ومنه قوله تعالى: yonnoss 71 يونس: 71

. ويطلق عند الأصوليين على ثالث الأدلة الشرعية الأربعة المتفق عليها عند الجمهور: التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وقد عرفه المصنف بقوله: "اتِّفَاقُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ" ثم قال: "وَنَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءَ، وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ: الْحَادِثَةَ الشَّرْعِيَّةَ". والمراد بـــ"عُلَمَاءِ الْعَصْرِ": من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يُعتبَرُ وفاق العوام معهم على المعروف. والمقصود بــ"العُلَمَاءِ" الفقهاء المجتهدون، فلا تعتبر موافقة الأصوليين لهم. والمراد "بِالْحَادِثَةِ" الحادثة الشرعية؛ لأنها محل نظر الفقهاء، بخلاف غير الشرعية كاللغوية مثلاً فإنها محل نظر علماء اللغة.

أنواع الإجماع:

 أشار المصنف إلى هذه الأنواع بقوله: "وَالإجْمَاعُ يَصِحُّ بقَوْلِهِمْ، وَبِفِعْلِهِمْ، وَبِقَوْلِ الْبَعْض وَبِفعْلِ الْبَعْضِ وَانتشَارِ ذَلِكَ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ" ومعنى ذلك أن الإجماع أنواع:

  1.  الإجماع القولي؛ نسبة إلى القول وهو: أن يقول المجتهدون في حكم من الأحكام: إنه حلال، أو حرام، أو واجب، أو مندوب، أو مكروه، أو مباح. مثاله: إجماع الصحابة على جواز المضاربة.
  2.  الإجماع الفعلي؛ وهو: أن يفعل المجتهدون فعلا ويجمعوا على ذلك الفعل. قال الحطاب: "مثال الإجماع الفعلي: إجماع الأمة على الختان؛ فهو مشروع بالإجماع الفعلي، أمَّا وجوبه أو سُنِّيَّتُهُ فمأخوذ من أقوالهم، وذلك مختلف فيه".
  3.  الإجماع السكوتي؛ وهو: قولُ أو فعلُ بعض المجتهدين وسكوت الباقين منهم مع علمهم من غير إنكارٍ. واختلف هل يعتبر إجماعا وحجة، أو حجة وليس بإجماع، أو ليس بإجماع ولا حجة؟ والقول بكونه إجماعا وحجة هو مذهب أكثر المالكية والشافعية وغيرهم.

ثانيا: حجية الإجماع:

 أشار المصنف إلى هذه الحجية بقوله: "وَإِجْمَاعُ هَذِهِ اِلْأُمَّةِ حُجَّةٌ دُونَ غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ"، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِعِصْمَةِ هَذِهِ اِلْأُمَّةِ. وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى الْعَصْرِ الثَّانِي، وفِي أَيِّ عَصْرٍ كَانَ". فإجماع الأمة المحمدية دون غيرها من الأمم حجة شرعية؛ لأن الله تعالى مدحها في قوله:

al imrane 110 آل عمران: 110

، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ". [سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة]. والإجماع حجة على العصر الثاني ومن بعده، وفي أي عصر كان؛ سواء كان في عصر الصحابة أوفي عصر من بعدهم.  واختلف هل يشترط انقراض العصر أو لا يشترط؟ قال المصنف: "وَلَا يُشْترَطُ اِنْقِرَاضُ الْعَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ قُلْنَا: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ، فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ وُلِدَ فِي حَيَاتِهِمْ، وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ اِلِاجْتِهَادِ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ" وبيان هذه الأقوال هو الآتي:

القول الأول: لا يشترط في حجية الإجماع انقراض العصر؛ بأن يموت أهله، وهذا هو القول الصحيح كما ذكر المصنف؛ لسكوت أدلة حجية الإجماع عن ذلك، فلو اجتمع المجتهدون في عصر على حكم لم يكن لأهل هذا العصر ولا لغيرهم مخالفته.

القول الثاني: يشترط في حجية الإجماع انقراض المجتهدين؛ لجواز أن يطرأ لبعضهم ما يخالف اجتهاده فيرجع.

وعلى القول بهذا الشرط فيعتبر في انعقاد الإجماع قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، فإن خالفهم، لم ينعقد إجماعهم السابق، ولهم على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك الحكم الذي أجمعوا عليه. وعلى القول الأول وهو الصحيح لا يقدح في إجماعهم مخالفة من ولد في عصرهم ولا يجوز لهم الرجوع.

ثالثا: حكم قول الصحابي الذي لم يجمع عليه الباقون:

أشار إليه المصنف بقوله: "وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِه، عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيد" قول الواحد أو الاثنين أو الثلاثة من الصحابة الذي لم يجمع عليه الصحابة اختلف هل هو حجة أو لا؟ على أقوال:

القول بحجية قول الصحابي:

ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن قول الصحابي حجة، وهو المذهب القديم للإمام الشافعي قبل دخوله مصر.

القول بعدم حجية قول الصحابي:

وهذا ما أشار إليه المصنف بقوله: "وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِه عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيد" قول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره من الصحابة اتفاقاً ولا على غيره من غير الصحابة على القول الجديد للإمام الشافعي.

التقويم

  1. أذكر أنواع الإجماع وأمثل لها.
  2. أبين حجية الإجماع.
  3. ما القول الراجح في حكم قول الصحابي؟

الاستثمار

قال ابن جزي رحمه الله في بقية أنواع الإجماع: "أَمَّا إِجْمَاعُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخْبَارِ، خِلَافاً لِسَائِر الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ عِندَ الْجَمِيعِ". [تقريب الوصول إلى علم الأصول: 184]  أتأمل النص، وأجيب عن الآتي:

  1. أبحث عن الأدلة التي استند إليها المالكية في الاحتجاج بإجماع أهل المدينة وتقديمه على خبر الآحاد.
  2. أراجع ما درسته في مادة الحديث من الموطأ وأمثل لإجماع أهل المدينة.

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم الخبر.
  2. أن أميز بين أقسام الخبر.
  3. أن أدرك الغاية الشرعية من معرفة أقسام الخبر.

تمهيد

دقق علماء الحديث في طرق نقل الأخبار؛ لتكون الأحكام المأخوذة منهاجا للاقتداء القويم في الاعتقادات والعبادات والمعاملات، ومرجعا للمسلمين، يعتمدونه للتَّحلِّي بمكارم الأخلاق. ومما دققوا فيه: عدد الرواة الذين رووا كل حديث ومن هنا قسموا الخبر بهذا الاعتبار إلى أقسام. فما هو الخبر؟ وما أقسامه باعتبار عدد الرواة؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا اَلْأَخْبَارُ؛ فَالْخَبَرُ: مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ. وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: آحَادٍ، وَمُتَوَاتِرٍ. فَالْمُتَوَاتِرُ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ لَا يَقَعُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ مِثْلِهِمْ، إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ. وَيَكُونُ فِي اِلْأَصْلِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، لَا عَنِ اِجْتِهَادٍ. وَالْآحَادُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ".

الفهم

الشرح:

الْخَــبـَر: النبأ. الصِّدْق: ضد الكذب. الْآحَــاد: الأفراد. التَّوَاتُـر: التتابع.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أعرف الخبر.
  2. أبين أقسام الخبر الواردة المتن.

التحليل

أولا: تعريف الخبر:

الخبر لغة: مطلق النبأ، ويجمع على أخبار بفتح الهمزة. واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "فَالْخَبَرُ: مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ" فقوله: "يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ"؛ يعنى أنه محتمل لهما لا أنهما يدخلانه جميعاً في آن واحد، واحتماله للصدق والكذب بالنظر إلى ذاته أي: من حيث إنه خبر، كقولك: خالد مجتهد، فمتى طابق هذا الخبر الواقع فهو صدق؛ لأن الصدق مطابقة الخبر للواقع، ومتى خالف الواقع فهو كذب؛ لأن الكذب عدم مطابقته للواقع. وقد يقطع بصدق الخبر أو بكذبه ليس بالنظر إلى ذاته وإنما بأمر خارجي، فالأول كخبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، والثاني كقولك: الضدان يجتمعان؛ لاستحالة ذلك عقلاً، فلا يخرجه القطع بصدقه ولا كذبه عن كونه خبراً.

ثانيا: أقسام الخبر:

 الخبر ينقسم إلى قسمين: آحاد، ومتواتر وبيانهما في الآتي:

تعريف المتواتر:

المتواتر لغة: من التواتر وهو التتابع، أي: مجيء واحد بعد الآخر، ومنه قوله عز وجل:

almouminoune 44 المومنون: 44

واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ لَا يَقَعُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ مِثْلِهِمْ، إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ. وَيَكُونُ فِي اِلْأَصْلِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، لَا عَنِ اِجْتِهَادٍ".  وقول المصنف: "فَالْمُتَوَاتِرُ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ" فيه إشارة إلى أن المتواتر يفيد العلم والقطع، ولا يوجب العلم إلا بشروط تستفاد من تعريف المصنف وهي:

  • أن ترويه جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم من بداية السند إلى أن ينتهي إلى المخبَر عنه.
  • أن يكون في الأصل مستنِدا إلى مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد؛ كالإخبار عن مشاهدة مكة، وسماع خبر الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف الإخبار عن أمر يجتهد فيه كإخبار الفلاسفة بقدم العالم فلا يعد تواترا.

تعريف خبر الآحاد وحكمه:

عرف الحطاب رحمه الله خبر الآحاد بأنه: "ما لا يبلغ إلى حد التواتر". وأشار المصنف إلى حكمه حبث قال: "وَالْآحَادُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ" حكم خبر الآحاد أنه يوجب العملَ بمقتضاه، ولا يفيد العلم، وإنما يفيد الظن لاحتمال الخطأ فيه، ولو بالسهو والنسيان. والظن الراجح يجب العمل به. قال الباجي رحمه الله: "وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ: فَمَا قَصُرَ عَنِ التَّوَاتُرِ، وَذَلكَ لَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَإنَّمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ اِلسَّامِعِ لَهُ صِحَّتُهُ لِثِقَةِ الْمُخْبِرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ كَالشَّاهِدِ".[الإشارة في معرفة الأصول233 – 234]

التقويم

  1. أعرف الخبر في الاصطلاح.
  2. ما الفرق بين المتواتر وبين خبر الآحاد؟
  3. أبين حكم العمل بخبر الآحاد.

الاستثمار

قال شهاب الدين القرافي رحمه الله: "وَهُوَ (أي المتواتر) يَنْقَسِمُ إِلَى اللَّفْظِي: وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ ذَلِكَ الْعَدَدِ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ. وَالْمَعْنَوِيِّ: وَهُوَ وُقُوعُ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعْنًى عَامٍّ" [ شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، للقرافي: 353 ].  أقرأ النص وأراجع شرح تنقيح الفصول وأجيب عن الآتي:

  1. أستخرج أنواع المتواتر وأعرف بكل نوع.
  2. أمثل لكل من المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي.

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم المسند والمرسل.
  2. أن أميز بين المسند وبين المرسل من حيث الاحتجاج.
  3. أن أتمثل حكم الاحتجاجِ بالمسند وبالمرسل.

تمهيد

ينقسم خبر الآحاد باعتبارات مختلفة؛ من حيث الصحة والضعف، ومن حيث اتصال السند وانقطاعه، وهو بهذا الاعتبار الأخير ينقسم إلى مسند ومرسل، وهذا التقسيم له آثار من حيث الاحتجاج والعمل. فما هو المسند، والمرسلُ؟ وما حكم الاحتجاج بهما؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَيَنْقَسِمُ إِلَى مُرْسَلٍ، وَمُسْنَدٍ، فَالْمُسْنَدُ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ، وَالْمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً، إِلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، فَإنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم".

الفهم

الشرح:

الْمُرْسَلُ: المطلق. الْمُسْنَـــد: المضاف والمنسوب. الإِسْنَــاد: إضافة الشيء إلى غيره.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أعرف المسند والمرسل من خلال المتن.
  2. أبين حكم الاحتجاج بالحديث المرسل.

التحليل

يشتمل الدرس على ما يأتي:

أولا: تعريف المسند:

 عرف المصنف الخبر المسند بقوله: "فَالْمُسْنَدُ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ" المسند ما اتصل إسناده؛ بأن ذُكر في السند رواتُه كلهم ولم يسقط منهم أي واحد. ومثال ذلك: مارواه البخاري في صحيحه فقال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ". [صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة]  فهذا الحديث اتصل سنده من الإمام البخاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسقط منه أيُّ راو، ومثل هذا كثير في الكتب الصحيحة. والحديث المسند يحتج به متى كان رواته كلهم ثقات.

ثانيا: الخبر المرسل وحكم الاحتجاج به:

تعريف المرسل:

عرف المصنف الخبر المرسل بقوله: "وَالْمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ" المرسل عند الأصوليين عكس المسند بالمفهوم السابق، فهو ما لم يتصل إسناده؛ بأن سقط بعض رواته من السند، فالمرسل بهذا المعنى يشمل جميع أنواع الانقطاع؛ فهو أعم من المرسل عند المحدثين. ومن أمثلته: أن يقول الإمام البخاري مثلا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبين البخاري والرسول صلى الله عليه وسلم سقط عدة رواة. أو يقول تابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهنا سقط الصحابي وقد يكون الساقط أكثر من صحابي.

حكم الاحتجاج بالمرسل:

 اختلف في حكم الاحتجاج بالمرسل على قولين: القول الأول: جواز الاحتجاج بالمرسل، وهذا القول سكت عنه المصنف ترجيحا لمذهبه، قال الإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه وجماعة من العلماء: المرسل حجة؛ لأنَّ الثقة لا يرسل الحديث إلا حيث يجزم بعدالة الراوي؛ فالمرسِل إذا كان عدلا فإنه لا يسقط إلا من كان عدلا عنده وإلا اعتبر ذلك تلبيسا. وأما مراسيل الصحابة فحجَّةٌ؛ لأنهم لا يروون غالباً إلا عن صحابي والصحابة كلهم عدول، فإذا قال الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو محمول على أنه سمعه من صحابي آخر فله حكم المسند. وقوله المؤلف"غالباً"، لأنه قد وجدت أحاديث رواها الصحابة عن التابعين، خلافاً لمن أنكر ذلك. وهذا فيما عُلم أن الصحابي لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذا لم يعلم ذلك وقال الصحابي: قال النبي صلى الله عليه وسلم، فهو محمولٌ على أنَّه سمعه منه صلى الله عليه وسلم. القول الثاني: عدم جواز الاحتجاج بالمرسل، أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "فَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً، إِلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، فَإنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" الشافعية يميزون في المرسل؛ فإن كان المرسل من مراسيل غير الصحابة كأن يقول التابعي أو مَن بعده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس ذلك المرسل حجة عند الشافعي؛ لاحتمال أن يكون الساقط مجروحاً.  واستثنوا من ذلك مراسيل سعد بن المسيب وهو من كبار التابعين رضي الله عنهم، فإذا أسقط الصحابي وعزا الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم فإن مراسيله حجة؛ لإنها فُتِّش عنها فوجدت مسانيد رواها الصحابي الذي أسقطه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغالب صهره أبو زوجته أبو هريرة رضي الله عنه. والراجح هو القول الأول، وهو قول جمهور الأئمة، والاحتمال الذي رد به الشافعية المرسل مجاب عنه بأن العدل لا يرسل إلا عن العدل.

التقويم

  1. أذكر الفرق بين الخبر المسند والمرسل.
  2. أبين مذاهب العلماء في الاحتجاج بالخبر المرسل مع الترجيح.

الاستثمار

قال الشريف التلمساني رحمه الله: جوابا على من يرد الاحتجاج بالمرسل:'' وَالْجَوَابُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْمَرَاسِلَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ التَّابِعُونَ رِضْوَانُ اللهِ عَنْهُمْ يُرْسِلُونَ الْأَحَادِيثَ وَيَحْتَجُّونَ بِهَا؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ إِسْحَاقَ الْإمَامُ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى عَنْ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ صَحِيحٌ عِنْدِي، فَقُلْتُ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: نَعَمْ، هَكَذَا رَوَيْنَاهُ، وَلَكِنْ رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَهُ، وَقَدْ كَانُواْ يُحَدِّثُونَ الْحَدِيثَ فَيُرْسِلُونَهُ، فَإذَا قِيلَ لَهُمْ عَمَّنْ؟ أَسْنَدُوهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضاً جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم''. [ مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الاصول، للشريف التلمساني، ص: 16]  أتأمل النص وأجيب عن الآتي:

  1. أستخرج الأدلة التي استدل بها الشريف التلمساني تأييدا للاحتجاج بالمرسل.
  2. ماذا يقصد بقوله:
  • فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ التَّابِعُونَ رِضْوَانُ اللهِ عَنْهُمْ يُرْسِلُونَ الْأَحَادِيثَ وَيَحْتَجُّونَ بِهَا؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ.
  • وَقَدْ كَانُواْ يُحَدِّثُونَ الْحَدِيثَ فَيُرْسِلُونَهُ، فَإذَا قِيلَ لَهُمْ عَمَّنْ؟ أَسْنَدُوهُ.

الأهداف:

  1. أن أتعرف أهم صيغ الرواية.
  2. أن أدرك الغاية من التمييز بين صيغ الرواية.
  3. أن أتمثل أهمية القراءة من الشيخ أو عليه.

تمهيد:

يرتبط بدراسة الأخبار الصيغُ التي يحصل بها تحمل الخبر وأداؤه، وهذه الصيغ كثيرة، مختلفة في دلالتها، فمنها ما هو صريح في الدلالة على اتصال السند ومنها ماهو ظاهر في ذلك. فماهي صيغ التحمل والأداء؟ وما علاقتها باتصال السند؟

المتن:

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالْعَنْعَنَةُ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسَانِيدِ. وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي؛ وَإنْ قَرَأَ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ فَيَقُولُ: أَخْبَرَنِي، وَلا يَقُولُ حَدَّثَنِي؛ وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَقُولُ: أَجَازَنِي، أوْ أَخْبَرَنِي إِجَازَةً".

الفهم:

الشرح:

الْعَنْعَنَةُ: الرواية بعن. إِجَـازَة: الإذن بالرواية.

استخلاص مضامين المتن:

  1.  أحدد صيغ الرواية الواردة في المتن.
  2.  أبين حكم الصيغ الواردة في المتن وكيفية أداء الرواية بها.

التحليل:

صيغ الرواية كثيرة، تحدث المصنف عما هو من قبيل المسند منها، وبيان ذلك فيما يأتي:

أولا: الرواية بالعنعنة وحكمها:

 أشار المصنف إلى حكم الرواية بالعنعة بقوله: "وَالْعَنْعَنَةُ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسَانِيدِ" العنعنة مصدَرُ عَنْعَنَ الحديث إذا رواه بكلمة "عن"، ومن أمثلتها: ما رواه إمامنا مالك في الموطأ، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ". [الموطأ، كتاب السهو، باب العمل في غسل يوم الجمعة]. وحكمها إذا دخلت على الأحاديث المسندة أنها لا تخرجها عن حكم الإسناد إلى حكم الإرسال، فيكون الحديث المروي بها مسنداً؛ لاتصال سنده في الظاهر لا مرسلاً. وإذا حُكم على الخبر بالإسناد فإنه يكون مقبولا في الاحتجاج.

ثانيا: القراءة من الشيخ أو عليه:

القراءة من الشيخ:

أشار المصنف إلى حكم القراءة من الشيخ بقوله: "وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي" إذا قرأ الشيخ على الرواة وهم يسمعون– وهذ طريق من طرق تحمل الحديث–، فإنه يجوز للراوي عند الأداء أن يقول: حدثني فلان أو أخبرني.

القراءة على الشيخ:

أشار المصنف إلى حكم القراءة على الشيخ بقوله: "وَإنْ قَرَأَ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ فَيَقُولُ: أَخْبَرَنِي، وَلا يَقُولُ حَدَّثَنِي" إذا قرأ الراوي على الشيخ في مرحلة تحمل الحديث، فإنه لا يقول عند الأداء حدثني؛ لأنه لم يحدثه؛ فالقراءة على الشيخ حسب ما ذهب إليه المصنف ليست من صيغ التحديث. ومنهم من أجاز للراوي أن يقول حدثني، وهو قول الإمام مالك رضي الله عنه وسفيان ومعظم الحجازيين، وعليه عُرْف أهل الحديث؛ لأنَّ القصدَ الإعلامُ بالرواية عن الشيخ. وهذا إذا أطلق، وأما إذا قال: حدثني قراءةً عليه، فلا خلاف في جواز ذلك.

ثالثا: الإجازة:

أشار المصنف إلى حكم الرواية بالإجازة بقوله: "وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَقُولُ: أَجَازَنِي، أوْ أَخْبَرَنِي إِجَازَةً" إذا تحمل الراوي الحديث إجازة؛ بأن أجازه الشيخ وأذن له في الرواية وهو لم يتحمل قراءةً من الشيخ عليه، ولا قراءة منه على الشيخ، فإنه يقول عند الأداء: أجازني أو أخبرني إجازة. وفُهِمَ من كلام المصنف جواز الرواية بالإجازة وهو الصحيح.

التقويم:

  1. أبين حكم الرواية بالعنعة.
  2. أبين كيف يؤدي من قرأ عليه الشيخ، أو قرأ هو على الشيخ.
  3. ما حكم الرواية بالإجازة؟

الاستثمار:

يقول ابن عبد البر رحمه الله: "اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ أَنِّي تَأَمَّلْتُ أَقَاوِيلَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَنَظَرْتُ فِي كُتُبِ مَنِ اشْتَرَطَ الصَّحِيحَ فِي النَّقْلِ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، فَوَجَدْتُهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ، لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذَا جَمَعَ شُرُوطًا ثَلَاثَةً، وَهِيَ عَدَالَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَلِقَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مُجَالَسَةً وَمُشَاهَدَةً، وَأَنْ يَكُونُوا بُرَآءَ مِنَ التَّدْلِيسِ". [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد1 / 12]. أقرأ النص، وأجيب عن الآتي: ما حكم الحديث المعنن من حيث القبول والاحتجاج به؟

الإعداد القبلي:

أحفظ متن الدرس القادم، وأنجز ما يلي:

  1. أعرٍّفُ القياس لغة واصطلاحا.
  2. أبيِّن أقسامه مع التعريف بكل قسم.

الأهداف

  1. أن أتعرَّف مفهوم القياس.
  2. أن أميز بين أقسام القياس.
  3. أن أتمثَّل أهمية القياس في استيعاب القضايا المستجدة.

تمهيد

النصوص الواردة في الكتاب والسنة معدودة ومتناهية في حين أن القضايا المستجدة كثيرة ومتجددة في كل زمان ومكان، وقد لا نجد لبعضها نصا صريحا بحكمها في الكتاب والسنة، والحال أنه لا تخلو نازلة من حكم الله عز وجل، مما جعل الحاجة تدعو إلى إلحاق هذه المستجدات بما يشبهها مما هو منصوص على حكمه عن طريق القياس. فما هو القياس الأصولي؟ وما أقسامه؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ: رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى اَلْأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الْحُكْمِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِيَاسِ عِلّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسِ شَبَهٍ. فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: مَا كانَتْ الْعِلّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ هُوَ: اَلِاسْتِدْلَالُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلَا تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الشَّبَهِ وهُوَ: الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهاً. وَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ مَا قَبْلَهُ".

الفهم

شرح المفردات:

الْقِيَـــاسُ: التقدير والمساوة. الْعِـــــلَّـــة: السبب، والمراد هنا ما يجمع بين شيئين. اَلِاسْتِدْلَالُ: طلب الدليل، ويطلق بمعنى الأدلة المختلف فيها، وبمعنى إقامة الدليل. النَّظِيرَيْــنِ: الشبيهين والمثيلين.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أعرف القياس عند الأصوليين.
  2.  أبيِّن أقسام القياس الواردة في المتن.

التحليل

يشتمل الدرس على ما يلي:

أولا: تعريف القياس:

القياس لغة التقدير؛ تقول قست الثوب بالذراع أي: قدرته، ويطلق أيضا على المساواة؛ تقول فلان لا يقاس بفلان أي: لا يساويه، ويأتي بمعنى التشبيه نحو قولهم: يُقَاس المرء بالمرء. وأما القياس عند الأصولين فهو الدليل الرابع من الأدلة الشرعية يأتي بعد الكتاب والسنة والإجماع، وعرفه المصنف بقوله: "وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ: رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى اَلْأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الْحُكْمِ" معنى ردِّ الفرع إلى الأصل جعلُه راجعاً إليه ومساوياً له في الحكم؛ وسبب هذا الرد هو اشتراكهما في علة الحكم. ويؤخذ من التعريف أن أركان القياس أربعة: الأصل: وهو المقيس عليه، والفرع: وهو المقيس، والعلة: وهي الوصف المشترك بين الأصل والفرع. والحكم: وهو حكم الأصل المراد تعديته إلى الفرع. ومن أمثلته: قياس الأرز على البُر في حكم الربا، للعلِّة الجامعةِ بينهما، وهي الاقتيات والادخار عند المالكية، وكونه مطعوماً عند الشافعية، فالبر هو الأصل، والأرز هو الفرع، والعلة الجامعة بينهما هي الاقتيات والادخار، والحكم هو حرمة الربا فيهما.

ثانيا: أقسام القياس:

قال المصنف: "وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِيَاسِ عِلّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسِ شَبَهٍ" ينقسم القياس إلى ثلاثة أقسام وهي: قياس العلة، وقياس الدلالة، وقياس الشبه، وبيانها في الآتي:

قياس العلة:

عرفه المصنف بقوله: "فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ مَا كانَتْ الْعِلّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ" ومقتضية له، بمعنى أنه لا يحسن عقلاً تخلف الحكم عنها، ولو تخلف عنها لم يلزم منه محال، كما هو شأن العلل الشرعية. وليس المرادُ الإيجابَ العقلي، بمعنى أنه يستحيل عقلاً تخلف الحكم عنها، لأنها علامة على الحكم وليست مؤثرة فيه. ومثاله: قياس ضرب الوالدين على التأفيف في التحريم بجامع الإيذاء، فإنه لا يحسن في العقل إباحة الضرب مع تحريم التأفيف. وقد اختلف في هذا النوع، فمنهم من جعل الدلالة فيه على الحكم قياسية، أي: طريقها الاجتهاد والقياس، وهذا مذهب الجمهور، ومنهم من ذهب إلى أنها غير قياسية، وأنها من دلالة اللفظ على الحكم، وهذا رأي بعض الحنفية.

قياس الدلالة:

قال المصنف: "وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ هُوَ: اَلِاسْتِدْلَالُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلَا تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ" الفرق بين قياس الدلالة وبين قياس العلة هو: أن قياس الدلالة العلةُ فيه دالةٌ على الحكم وليست موجبة للحكم، وهذا النوع غالب أنواع الأقيسة، وهو ما يكون الحكم فيه لعلة مستنبطة لجواز أن يترتب الحكم عليها في الفروع ويجوز أن يتخلف. وهذا النوع أضعف من الأول، فإنَّ العلَّةَ فيه دالة على الحكم وليست ظاهرة فيه ظهوراً لا يحسن معه تخلف الحكم. ومثال ذلك قياس مال الصبي على مال البالغ في وجوب الزكاة فيه، بجامع أنه مالٌ نامٍ، ويجوز أن يقال: لا تجب في مال الصبي، كما قال أبو حنيفة.

قياس الشبه:

قال المصنف في تعريفه: "وَقِيَاسُ الشَّبَهِ وهُوَ: الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهاً. وَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ مَا قَبْلَهُ ". بحيث يكون الفرع المقيس صالحا لأن يلحق بأصلين مختلفين. ومثاله: الوضوء؛ فإنه فرع دائر بين أصلين، هما: التيمم، وإزالة النجاسة؛ فيُشبِه التيمم في رفع الحدث المعنوي، ويُشبِه إزالة النجاسة في رفع الحدث الحسيَّ، فمن شبهه بالتيمم أوجب النية، وهذا ما ذهب إليه المالكية والشافعية، ومن شبهه بإزالة النجاسة لم يوجب فيه النية وهذا ما ذهب إليه الحنفية.

التقويم

  1. أعِّرفُ القياس وأبين أهميته.
  2. أبين الفرق بين:
  • قياس العلة وقياس الدلالة.
  • قياس الدلالة وقياس الشبه.

الاستثمار

أتأمل الأمثلة الآتية وأستخرج منها أركان القياس.

  1. الأكل في رمضان عمدا موجب للقضاء والكفارة عند المالكية كالجماع عمدا؛ حيث ورد النص في السنة على وجوب الكفارة بالنسبة للجماع، بجامع انتهاك حرمة رمضان.
  2. سب الوالدين محرم كالتأفيف الوارد تحريمه في القرآن بجامع الإذاية.
  3. الاستبراء كالعدة في المنع من الزواج بالمستبرأة والمعتدة قبل الاستبراء وتمام العدة بجامع عدم التأكد من براءة الرحم.

الأهداف

  1. أن أتعرف أركان القياس وشروطها.
  2. أن أستحضر أحكام القياس وشروطه لتطبيقها في فهم النصوص الشرعية.

تمهيد

القياس أصل من أصول الشريعة، ودليل من أدلتها المعتبرة، وله أهمية كبيرة في إلحاق الصور المسكوت عن حكمها بالمنصوص على حكمها، لكن هذا الإلحاق لا يكون إلا من مجتهد متى توفرت أركان القياس وشروطه التي تضبط صحته وعدم فساده. فما هي أركان القياس؟ وما هي شروط كل ركن من هذه الأركان؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وِمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِباً لِلْأَصْلِ؛ وَمِنْ شَرْطِ اِلْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتاً بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ؛ وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَلَا تَنْتَقِضُ لَفْظاً وَلَا مَعْنىً؛ وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ، أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ. وَالْعِلَّةُ: هِيَ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ".

الفهم

شرح المفردات:

مُنَاسِباً: ملائما. الْخَصْمَيْنِ: المتنازعين والمراد هنا المستدل بالقياس والمعترض عليه. تَـــــطَّــرِدَ: من اطرد الأمر تبع بعضُه بعضا. تَنْتَقِــــضُ: تبطل.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أحدّدُ أركان القياس.
  2. أبين شروط كل ركن منها.

التحليل

سبقت الإشارة إلى أن أركان أركان القياس أربعة هي: الفرع والأصل والعلة والحكم، وفيما يلي بيان لشروطها هذه الأركان:

أولا: الفرع وشرطه:

الفرع هو المقيس الذي لم يرد نص بحكمه. قال المصنف: "وِمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِباً لِلْأَصْلِ" من شرط الفرع أن يكون مناسباً للأصل في الأمر الذي يجمع بينهما، للحكم بأن تكون علَّةُ الفرع مماثلة لعلَّةِ الأصل. وهذه المماثلة إما أن تكون في عين العلة: كقياس النبيذ على الخمر لعلة الإسكار؛ فالعلة الموجودة في الأصل هي عينها الموجودة في الفرع. وإما أن تكون المماثلة في جنس العلة: كقياس الضرب على التأفيف بجامع الضرر في كل، فالضرر غير متماثل بين الفرع والأصل، لكن التماثل في جنس الضرر موجود وهذا المطلوب.

 ثانيا: الأصل وشرطه:

قال المصنف: "وَمِنْ شَرْطِ اِلْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتاً بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ" الأصل هو المقيس عليه الذي ورد نص شرعي بحكمه ويُراد إلحاق الفرع به، ومن شرطه أن يكون حكمه ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين وهما القائس المستدل والمعترض على القياس؛ بأن يتفقا على عِلَّةِ حكمِه ليكون القياس حجة على الخصم. فإن كان حكم الأصل متفقاً عليه بينهما ولكن لعلتين مختلفتين لم يصح القياس. وإن لم يكن خصم يعترض على القياس فالشرط ثبوت حكم الأصل بدليلٍ يقول به القائس.

ثالثا: العلة وشرطها:

قال المصنف: "وَالْعِلَّةُ: هِيَ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ" العلة هي الوصف المشترك بين الأصل والفرع المناسبُ لترتب الحكم عليه، ولها شروط أشار إليها المصنف بقوله: "وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَلَا تَنْتَقِضُ لَفْظاً وَلَا مَعْنىً" الاطراد في العلة معناه: أنه كلما وجدت الأوصاف المعبر بها عنها في صورةٍ، وجد الحكم، وإذا اطردت العلة فلا تنتقض لفظاً؛ بأن تصدق الأوصاف المعبر بها عنها في صورة لا يوجد الحكم معها، ولا تنتقض معنى؛ بأن يوجد المعنى المعلل به ولا يوجد الحكم. فمتى انتقضت العلة لفظاً أو معنى فسد القياس، ومثاله أن يقال: تجب الزكاة في المواشي لدفع حاجة الفقير، فيقال: ينتقض ذلك بوجود ذلك المعنى وهو دفع حاجة الفقير في الجواهر. والمرجع في الانتقاض لفظاً ومعنى إلى وجود العلة بدون الحكم، وإنما غاير بينهما لأن العلة في الأول لما كانت مُركّبة من أوصاف متعددة نظر فيها إلى جانب اللفظ، ولما كانت في الثاني أمراً واحداً نظر فيها إلى المعنى وكأنه مجرد اصطلاح.

رابعا: حكم الأصل وشرطه:

عرفه المصنف بقوله: "وَالْحُكْمُ هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ" أي: الأمر الذي يصح ترتبه على العلة، فالحكم هو الذي ورد نص شرعي به ويُراد تعديته إلى الفرع. وقد أشار المصنف إلى شرطه بقوله: "وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ"؛ بحيث يكون تابعاً لها في الوجود والعدم؛ فإن وجدت العلة وجد الحكم وإن انتفت انتفى. وهذا إن كان الحكم معللاً بعلة واحدة، كتحريم الخمر، فإنه معلل بالإسكار، فمتى وجد الإسكار وجد الحكم ومتى انتفى الإسكار انتفى الحكم. وأما إذا كان الحكم الواحد معللا بِعِلَلٍ متعددة فإنه لا يلزم من انتفاء بعض تلك العلل انتفاء الحكم؛ لجواز أن يكون للحكم الواحد أكثر من علة.

التقويم

  1. أعرف: العلة– الأصل– الفرع.
  2. أبين شروط: الفرع– الأصل– حكم الأصل.
  3. يوجد اليوم كثير من أنواع المخدرات التي تضر بالجسم وتفعل ما يفعله الخمر، هل يمكن تحريمها قياسا على الخمر مع التعليل؟

الاستثمار

قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: "وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي أَنْكَرَ لَوْنَ ابْنِهِ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا لَوْنُهَا؟ قال: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَّى تَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ: عِرْقٌ نَزَعَهُ. قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ". [ الإشارة في معرفة الأصول، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي: 303 – 304]  أقرأ النص، وأجيب عن الآتي:

  1. أحدد أركان القياس في المثال الوارد في النص.
  2. أوضح شروط أركان القياس في المثال.

الأهداف:

  1. أن أتعرف مفهوم الاستصحاب والإباحة والحظر.
  2. أن أتبين الحكم الأصلي في الأشياء، وترتيب الأدلة.
  3. أن أتمثل مرونة الشريعة الإسلامية في الأصل في الأشياء والاستصحاب.

تمهيد:

معلوم أن لله تعالى حكما شرعيا في كل نازلة، فمنها ما ثبت حكمها بالقرآن أو السنة أو غيرهما من الأدلة المعتبرة، ومنها ما هو مسكوت عنه وهو موضع خلاف بين العلماء، في حمله على الحظر أو الإباحة. فما قول الأصوليين في حكم الأصل في الأشياء؟ وما معنى الاستصحاب؟ وكيف نرتب بين الأدلة الشرعية عند التعارض؟

المتن:

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ إِلَّا مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَيُتَمَسَّكُ بِالأَصْلِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا عَلَى الْإبَاحَةِ إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ. وَمَعْنَى اسْتِصحَابِ الْحَالِ الذي يُحْتَجُّ بِهِ: أَنْ يُسْتَصْحَبَ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.  وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ، وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلظَّنِّ، وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ؛ فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُفَسِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ".

الفهم:

الشرح:

الْحَظْر: المنع. الْإبَاحَةُ: خلاف المنع. اسْتِصحَاب: طلب المصاحبة والملازمة.

استخلاص مضامين المتن:

  1. ما هو الأصل في الأشياء؟
  2. ما معنى الاستصحاب؟ ومتى يعمل به؟
  3. كيف يتم الترجيح بين الأدلة؟

التحليل:

لما فرغ المصنف من ذكر الأدلة الشرعية المتفق عليها شرع في بيان المختلف فيها، وختم هذه الأدلة بكيفية الترتيب بينها عند التعارض، وينتظم ذلك في المحاور الآتية:

أولا: الأصل في الأشياء:

اختلف هل الأصل في الأشياء الإباحة أو الحظر على أقوال: القول الأول: الأصل في الأشياء الحظر، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ إِلَّا مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَيُتَمَسَّكُ بِالأَصْلِ" أصحاب هذا القول يرون أن الأشياء مستمرة على الحرمة بعد البعثة المحمدية؛ وذلك لأنها الأصل فيها، إلا ما أباحته الشريعة. والاستثناء في قول المصنف: "إِلَّا مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ" منقطع؛ فإن ما أباحته الشريعة الأصل فيه أيضاً الحرمة على هذا القول. وينبني على هذا القول أنه إذا لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فإنه يتمسك بالأصل وهو الحظر والحرمة. القول الثاني: الأصل في الأشياء الإباحة، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا عَلَى الْإبَاحَةِ إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ" أصحاب هذا القول يرون أن الأشياء مستمرة على الإباحة بعد البعثة المحمدية؛ وذلك لأنها الأصل فيها إلا ما حظره الشرع وحرَّمَه. القول الثالث: التفصيل بين المنافع وبين المضار، قال الحطاب رحمه الله: والصحيح التفصيل وهو:

  • أنَّ أصلَ في المضار التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ". [سنن ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره]. فالضرر ممنوع.
  • أن الأصل في المنافع الحل؛ لقوله تعالى:

albakara 28 البقرة:28

، فقد جاءت الآية في معرض الامتنان، ولا يكون الامتنان إلا بجائز. وهذا حكم الأشياء بعد البعثة، وأما قبل البعثة فليس هناك حكم شرعي يتعلق بشيء لعدم وجود الرسول المبين للأحكام.

ثانيا: الاستصحاب:

الاستصحاب له معنيان: أحدهما: متفق على قبوله، وهو الذي ذكره المصنف بقوله: "وَمَعْنَى اسْتِصحَابِ الْحَالِ الذي يُحْتَجُّ بِهِ: أَنْ يُسْتَصْحَبَ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ" أي: أن استصحاب الحال المتفق عليه هو الذي يحتج به عند عدم الدليل الشرعي؛ بأن يستصحب الأصل أي: العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي، إذا لم يجده المجتهد بعد البحث عنه بقدر طاقته. ومن أمثلته: إذا لم يجد المجتهد دليلاً على وجوب صوم رجب فيقول: لا يجب؛ لاستصحاب الأصل، أي: العدم الأصلي. وإذا لم يجد دليلا على وجوب صلاة زائدة على الخمس فإن الأصل عدمه. ثانيهما: مختلف في قبوله، وهو ثبوت أمر في الزمان الثاني لثبوته في الأول، أي: استمرار الحكم الذي ثبت أولا في الحالة الثانية. والاستصحاب بهذا المعنى حجة عند المالكية والشافعية دون الحنفية، ومثاله: المتيمم إذا دخل في الصلاة ثم وجد الماء أثناءها؛ فقال مالك: يتمادى، اعتبارا باستصحاب حال الإجماع وهو الصحة التي دخل بها الصلاة؛ وقال أبو حنيفة: يقطع، اعتبارا بأن صلاته فسدت بحضور الماء.

ثالثا: الترجيح بين الأدلة:

سبق للمصنف أن تحدث عن الترجيح بين النصوص، وهنا تحدث عن الترجيح بين الأدلة، فلما ذكر الأدلة المتفق عليها وبعض الأدلة المختلف فيها بين كيفية الترجيح بينها، فقال: "وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ، وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلظَّنِّ، وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ؛ فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُفَسِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ" أفاد المصنف أنه يتم الترجيح بين الأدلة وفق الآتي:

  1. تقديم الجلي من الأدلة على الخفي: كتقديم الظاهر على المؤول؛ لأنه أوضح منه، وتقديم الحقيقية على المجاز؛ لأن الحقيقة أوضح من المجاز.
  2. تقديم الدليل الموجب للعلم على الموجب للظن: فيقدّم المتواتر على الآحاد إلا أن يكون المتواتر عاماً والآحاد خاصا فيخصُّ به كما تقدم الترجيح بين النصوص.
  3. تقديم النطق على القياس: فالنص من كتاب أو سنة يقدم على القياس إلا أن يكون النطق عاماً فيخص بالقياس كما تقدم.
  4. تقديم القياس الجلي على القياس الخفي: كقياس العلة فيقدم على قياس الشبه.
  5. تقديم النص من الكتاب أو السنة على استصحاب الحال: فلا يستصحب العدم الأصلي إلا إذا لم يوجد في النص من الكتاب أو السنة ما يفسر الأصل، فإن وجد نص من من كتاب أو سنة فيعمل به ويترك الأصل.
  6. تقديم الإجماع أو القياس على استصحاب الحال: لاستناد كل من الإجماع والقياس إلى دليل.

التقويم:

  1. أبين القول الراجح في الأصل الأشياء.
  2. ما المعنيان اللذان يطلق عليهما الاستصحاب.
  3. رتب بين الأدلة الآتية مع التعليل:
  • تعارض السنة مع القياس.
  • تعارض القياس مع الاستصحاب.

الاستثمار:

قال أبو الوليد الباجي: "فَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ حَظْرٌ وَلاَ إِبَاحَةٌ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ بِالشَّرْعِ، والْبَارِي تَعَالَى يُحَلِّلُ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ، وقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: الْأَشْيَاءُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ ".[ الإشارة في معرفة الأصول:325 ] أقرأ النص وأجيب عن الآتي:

  1. أبين مصدر الأحكام الشرعية انطلاقا من النص.
  2. أقارن بين ما ذكره الأبهري وبين ما درسته.
  3. ما مصدر الأصل في الأشياء الإباحة؟ هل باستعمال العقل أو الشرع أو هما معا مع التعليل؟

الأهداف:

  1. أن أتعرف شروط المجتهد.
  2. أن أدرك متى يجوز التقليد ومتى لا يجوز.
  3. أن ألتزم بشروط الفتوى.

تمهيد:

الفتوى أعظم وسيلة لتبليغ الأحكام الشرعية إلى الناس فيما يطرأ لهم من قضايا وما ينزل بهم من نوازل، والمفتي هو المبين لأحكام الله عز وجل في النوازل والمستجِدات، ولأهمية الفتوى اشترط فيها العلماء مجموعة من الشروط، من لم تتوفر فيه هذه الشروط فهو من أهل التقليد. فما هي شروط المجتهد المفتي؟ وما هي صفات المستفتي؟

المتن:

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِماً بِالْفِقْهِ أَصْلاً وَفَرْعاً، خِلَافاً وَمَذْهباً، وَأنْ يَكُونَ كَاملَ الأَدِلَّةِ في الِاجْتِهَادِ، عَارِفاً بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا. وَمِنْ شَرُوطِ الْمُسْتَفْتِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَيُقَلِّدَ الْمُفْتِيَ فِي الْفُتْيَا وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ. والتَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ. فَعَلَى هَذَا قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى تَقْلِيداً. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اَلتَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَبُولُ قَوْلِهِ تَقْلِيداً".

الفهم:

الشرح:

الأَدِلَّــــةِ: القواعد، وفي بعض النسخ الآلة: وهي وسيلة العمل. اسْتِنْبَاط: استخراج، والمراد هنا استخراج خاص.

استخلاص مضامين المتن:

أبين ما تضمنه الفقرة الأولى من المتن.

  1. أحدد مفهوم التقليد.
  2. متى يجوز التقليد؟

التحليل:

اشتمل الدرس علي ما يأتي:

أولا: شروط المجتهد:

أشار المصنف إلى شروط المفتي المجتهد بقوله: "وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي: أَنْ يَكُونَ عَالِماً بِالْفِقْهِ أَصْلاً وَفَرْعاً، خِلَافاً وَمَذْهباً، وَأنْ يَكُونَ كَاملَ الأَدِلَّةِ في الِاجْتِهَادِ، عَارِفاً بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا" ومعنى ذاك أن شروط المجتهد هي:

  1. العلم بأصول الفقه: وذلك قول المصنف: "عَالِماً بِالْفِقْهِ أَصْلاً" فمراده بالأصل دلائل الفقه المذكورة في علم أصول الفقه، ويحتمل أن يريد بالأصل أمهات المسائل التي هي كالقواعد ويتفرع عليها غيرها، لكن يفوته التنبيه على معرفة أصول الفقه إلا أن يدخل ذلك في قوله كامل الأدلة.
  2. العلم بالفروع: وذلك قول المصنف: "وَفَرْعاً" ومراده فروع المسائل المدونةُ في كتب الفقه.
  3. العلم بمسائل الخلاف: وذلك قول المصنف: "خِلَافاً وَمَذْهباً" مراده بالخلاف المسائلُ المختلف فيها بين العلماء، وبالمذهب ما يستقر عليه رأيه، هذا إن حمل على المجتهد المطلق، وإن حمل على المجتهد المقيد فمراده بالمذهب ما يستقر عليه رأي إمامه. وفائدة معرفة الخلاف ليذهب إلى قول منه، ولا يخرج منه بإحداث قول آخر؛ لأن فيه خرقاً لإجماع من قبله، حيث لم يذهبوا إلى ذلك القول.
  4. كمال الأدلة: هكذا في أغلب النسخ وفي بعض النسخ: "كمال الآلة " يحتمل أن يريد بكمال الأدلة صحة الذهن وجودة الفهم بعده، فيكون ما بعده شرطاً آخراً، ويحتمل أن يريد بكمال الأدلة ما ذكره بعده فيكون تفسيراً له، أي: عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام؛ من النحو والفقه ومعرفة الرجال الراوين للحديث، ليأخذ برواية المقبول منه دون المجروح.

وإذا أخذ الأحاديث من الكتب التي التزم مصنفوها تخريج الصحيح كالموطأ والبخاري ومسلم لم يحتَج إلى معرفة الرجال. وأن يكون عارفا بتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها ليوافق ذلك في اجتهاده ولا يخالفه. والمراد من ذلك معرفة ما يتعلق بفقه تلك الآيات وفقه تلك الأخبار دون معرفة القصص. ولا يشترط أن يكون حافظاً للقرآن ولا لآيات الأحكام منه ولا محيطاً بالأحاديث والآثار الواردة في الأحكام وإن كان ذلك هو الأفضل. وقد نقل عن ابن جزي المالكي وابن السمعاني والزركشي اشتراط حفظ القرآن الكريم، وهو أحوط للاجتهاد وأدعى لسلامته من الخطأ، وأما السنن فقد قال الشافعي رضي الله عنه: لا تجتمع السنن كلها عند أحد، فالمراد أن يكون عالماً بجملة من الأحاديث الواردة في الأحكام المشهورة عند أهل العلم وعالماً بفقهها، ولا يشترط أن يعرف الأحاديث الغريبة ولا تفسير غريب الحديث، وإن كان معرفة ذلك تزيده تمكيناً.

ثانيا: شروط المستفتي:

قال المصنف: "وَمِنْ شَرُوطِ الْمُسْتَفْتِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَيُقَلِّدَ الْمُفْتِيَ فِي الْفُتْيَا وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ" المقلد هو الذي لم تجتمع فيه شروط الاجتهاد، فيجب عليه تقليد المفتي المجتهد. وأشار المصنف بذلك إلى مسألتين: إحداهما: أنه لا يجوز تقليد كل أحد، بل إنما يقلد المجتهد إن وجده. والثانية: أنه إنما يقلده في الفتوى، ولا يقلده في الأفعال، فلو رأى الجاهلُ العالمَ يفعل فعلاً لم يجز له تقليده فيه حتى يسأله؛ إذ لعلَّه فعله لأمر لم يظهر للمقلد. وعُلِمَ منه أن من كان من أهل الاجتهاد لم يجز له أن يقلد غيره كما نبه عليه بقوله: "وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ" أي: غيره، لتمكنه من الاجتهاد، هذا هو الصحيح، وقيل: يجوز.

ثالثا: تعريف التقليد:

ذكر المصنف تعريف التقليد فقال: "والتَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ. فَعَلَى هَذَا قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى تَقْلِيداً. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اَلتَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَبُولُ قَوْلِهِ تَقْلِيداً" فعلى التعريف الأول الذي ذكره المصنف قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يذكره من الأحكام يسمى تقليداً؛ لأنه يجب الأخذ بقوله فيما يذكره من الأحكام، وإن لم يذكر دليل ذلك الحكم؛ لأنه قد قام الدليل على قبول قوله، وهو المعجزة الدالة على رسالته. ومنهم من قال التقليد: قبول قول القائل وأنت لا تدرى من أين قاله، أي: لا تعلم مأخذ ذلك القول عند قائله. فإن قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بالقياس ويجتهد ولا يقتصر على الوحي؛ فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً؛ لاحتمال أن يكون قاله عن اجتهاد. وإن قلنا: إنه لا يجتهد وإنما يقول عن وحي لقوله تعالى:

 annajm 3 4 النجم:3 – 4

فلا يسمى قبول قوله تقليداً لإسناده إلى الوحي. ومسألة اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيها خلاف، والصحيح جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم ووقوعه منه، وهو الذي رجحه ابن الحاجب. وقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز في الآراء والحروب. والصواب أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ.

التقويم:

  1. أذكر شروط المجتهد.
  2. لماذا يشترط في المجتهد العلم بالخلاف؟
  3. متى يكون الشخص مؤهلا للفتوى مع التعليل؟

الاستثمار:

عَن الإمام مالك رضي الله عنه قال: "وَهَذَا الشَّأْنُ، يَعْنِي الْحَدِيثَ وَالْفُتْيَا، يَحْتَاجُ إِلَى رَجُلٍ مَعَهُ تُقًى وَوَرَعٌ وَصِيَانَةٌ وَإِتْقَانٌ وَعِلْمٌ وَفَهْمٌ، فَيَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ وَمَا يَصِلُ إِلَيْهِ غَداً، فَأَمَّا رَجُلٌ بِلَا إِتْقَانٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ، فَلَا يُنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا هُوَ حُجٌّة، وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُ. [ترتيب المدارك، للقاضي عياض:1 /  137].

  1. أضاف الإمام مالك رحمه الله بعض الشروط التي لم ترد في الدرس فما هي؟ وما الغاية من اشتراطها؟
  2. في زماننا ابتليت الأمة بأناس يتصدرون للفتوى بدون توفر شروطها، أبين حكم فتواهم انطلاقا من النص.

الأهداف

  1. أن أتعرف مفهوم الاجتهاد وحكمه.
  2. أن أميز بين مراتب المجتهدين.

تمهيد

الاجتهاد من أهم الوسائل لفهم روح الشريعة الإسلامية وضمان صلاحيتها لكل زمان ومكان، واستيعابها كل القضايا والمستجدات، ولأهمية الاجتهاد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المجتهد مأجور في كل الأحوال. فما هو الاجتهاد؟ وما هي مراتبه؟ وكيف حث الشرع عليه؟

المتن

قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَهُوَ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ. فَالْمُجْتَهِدُ إنْ كَانَ كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ، فَإِنِ اِجْتَهَدَ فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ مُصِيبٌ، ... وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ: "لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيباً"، قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اِجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ". وَجْهُ الدَّلِيلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَّأَ الْمُجْتَهِدَ تَارَةً، وَصَوَّبَهُ أُخْرَى".

الفهم

شرح المفردات:

الِاجْتِهَاد: بذل الجهد. الْوُسْـــع: تمام الطاقة. الْغَـرَض: المقصود وهو هنا الحكم الشرعي. الْأُصُـولِ: العقائد.

استخلاص مضامين المتن:

  1. أعرف الاجتهاد ومراتبه.
  2. أبين حكم الاجتهاد في الفروع والأصول.

التحليل

يشتمل الدرس على ما يأتي:

أولا: تعريف الاجتهاد وحكمه ومراتبه:

أشار المصنف إلى تعريف الاجتهاد بقوله: "وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَهُوَ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ" الاجتهاد هو بذل الوسع وتمام الطاقة في بلوغ المقصود من العلم لتحصيله؛ بأن يبذل المجتهد تمام طاقته في النظر في الأدلة الشرعية ليُحصل الظن بالحكم الشرعي. والاجتهاد حكمه الوجوب على من اجتمعت فيه شروطه المتقدمة. والمجتهد مراتب:

  1. المجتهد المطلق: وهو المجتهد الذي يكون كامل الأدلة في الاجتهاد.
  2. مجتهد المذهب: وهو دون المجتهد الممطلق؛ فهو المتمكن من أن يخرج الدليل منصوصاً زائداً على نصوص إمامه.
  3. مجتهد الفتوى: وهو دون مجتهد المذهب؛ فهو المجتهد المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من تخريج ترجيح قول على آخر.

ثانيا: حكم الاجتهاد في الفروع والأصول:

أشار المصنف إلى الاجتهاد في الفروع بقوله: "فَإِنِ اِجْتَهَدَ فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ"، الاجتهاد واجب على من توفرت فيه شروطه، فإن اجتهد كل واحد من المجتهدين حسب المراتب السابقة فهو مأجور في جميع الأحوال سواء أصاب أو أخطأ. فمن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران؛ أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، ومن اجتهد في الفروع وأخطأ فله أجر واحد على اجتهاده، ولا إثم عليه بسبب خطئه على الصحيح، إلا أن يُقَصِّرَ في اجتهاده فيأثم لتقصيره وفاقاً؛ فليس كل مجتهد مصيب، قال المصنف: "وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ: "لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيباً"، قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اِجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ". وَجْهُ الدَّلِيلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَّأَ الْمُجْتَهِدَ تَارَةً، وَصَوَّبَهُ أُخْرَى". ولفظ الإمام البخاري: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ". [صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ]  ومن العلماء من قال: كل مجتهد في الفروع التي لا قاطع فيها مصيب، بناء على أنَّ حُكْمَ الله في حَقِّهِ وَحَقِّ من قلده ما أداه إليه اجتهاده. وهذا قول الشيخ أبي الحسن والقاضي أبى بكر الباقلاني من المالكية وغيرهما، ونقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أن المصيب واحد.  وأما الفروع التي فيها قاطع من نص أو إجماع فالمصيب فيها واحد وفاقاً، فإن أخطأ فيها المجتهد لعدم وقوعها عليه لم يأثم على الأصح. وهذا الاختلاف في الفروع أما العقائد فليس كل مجتهد فيها مصيب؛ لقول المصنف رحمه الله: "وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ مُصِيبٌ".

التقويم

  1. أذكر مراتب المجتهدين.
  2. هل المجتهد مصيب أو مخطئ؟ ولماذا؟
  3. أبين كيف شجع الإسلام على الاجتهاد.

توصيف المادة:

يسرنا أن نضع بين يدي القارئ الجزء الثاني من مادة أصول الفقه للسنة الرابعة من برنامج الدراسات الإسلامية من خلال كتاب الورقات لإمام الحرمين بشرح الحطاب المالكي ليكون سبيلا للترقي في مراتب العلم الشرعي، ومدخلا مهما لدراسة علم أصول الفقه الذي تنتظم به مسالك الفهم، وتدرك به مآخذ الأدلة، وقواعد الاستدلال التي يتوقف عليها استنباط الأحكام الشرعية، وتنزيل مقتضياتها على واقع المكلفين وأحوالهم. وللتذكير فإن هذا الكتاب يهدف إلى التعريف بأهم المصطلحات الأصولية التي لا غنى للمبتدئ في طريق تحصيل ملكة الفقه عن معرفتها، وبيان أقسام الحكم الشرعي ومراتب الأدلة، ووجوه الدلالات وشروط الاجتهاد، وصفة المفتي والمستفتي،  وقد تم عرض محتوى الكتاب بعبارات موجزة، ومنهجية تربوية تتضمن أنشطة تعليمية تعلمية وأمثلة تطبيقية تعين على فهم المسائل الأصولية المقررة، وتدرب على اكتساب مهارات في الفهم والتحليل والتأصيل والتركيب والاستنباط، وتمكن من إدراك حقيقة علمية وشرعية مفادها أن مدار فقه الكتاب والسنة على العلم، وأن الإفتاء في الدين له حرمة عظيمة، ومنزلة جليلة لا يتقلد منصبها إلا من استجمع شروطها، وحصل صفاتها العلمية والتربوية المرعية.

أهداف المادة :

 الفهم السليم لمتن المقرر حفظا جيدا، والتمكن من فهم مفردات المتن ودلالة ألفاظه ومصطلحاته.  استيعاب المفاهيم والمعاني الواردة في المتن.  القدرة على التعامل مع الشروح المتعلقة بالمتن المساعدة على استيعاب المتعلم للمفاهيم الأصولية وتوضيح مقاصد مؤلفه.  امتلاك لعدد من القواعد الأصولية التي تؤهله إلى استثمارها في أحكام المسائل الفقهية المقررة في مادة الفقه.  القدرة على تطبيق بعض القواعد الأصولية على أحكام المسائل الفقهية.

المراجع المعتمدة:

كتاب الورقات لإمام الحرمين بشرح الحطاب المالكي.


الأستاذ
محمد اليوسفي