الحديث

برنامج المادة:

 

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ النِّيَّةَ وَأَثَرَهَا فِي الْمَقَاصِدِ وَالْأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ ثَمَرَةَ إِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ النِّيَّةَ الصَّادِقَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

تَمْهِيدٌ

لِلنِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِمَا لَهَا مِنْ أَثَرٍ بَلِيغٍ فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ وَعَدَمِهَا، فَهِيَ الْفَيْصَلُ الْأَسَاسُ بَيْنَ الْعَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَبَيْنَ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. فَمَا المَقْصُودُ بِالنِّيَّةِ؟ وَمَا أَثَرُهَا فِي أَعْمَالِ الْإِنْسَانِ؟

اَلْحَدِيثُ

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِامْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [متفق عليه]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: هُوَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَثَانِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. كَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، أَسْلَمَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَمَاتَ شَهِيداً سَنَةَ: ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ لِلْهِجْرَةِ .

الشَّرْحُ

  •  الْأَعْمَالُ : جَمْعُ عَمَلٍ، وَالْمُرَادُ: الْأَفْعَالُ.
  • النِّيَّاتُ : جَمْعُ نِيَّةٍ، وَهِيَ القَصْدُ وَالعَزْمُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  •  أُحَدِّدُ مَوْضُوعَ الْحَدِيثِ.
  • أُبَيِّنُ أَثَرَ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ.

اَلتَّحْلِيلُ

حَدِيثُ «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَظِيمِ مَوْقِعِهِ وَجَلَالَتِهِ وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا الله: «يَدْخُلُ فِي حَدِيثِ (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) ثُلُثُ العِلْمِ»؛ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ كَسْبَ العَبْدِ يَكُونُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَالنِّيَّةُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ مَهْدِي: «يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ صَنَّفَ كِتَابًا أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ». وَيَتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ مَا يَلِي:

أَوَّلاً: اَلنِّيَّةُ وَأَثَرُهَا فِي تَمْيِيزِ الْأَعْمَالِ

النِّيَّةُ أَسَاسُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَبَيْنَ رُتَبِ العِبَادَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَبِهَا تَصِيرُ الْعَادَاتُ عِبَادَاتٍ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْجُلُوسَ فِي المَسْجِدِ قَدْ يُقْصَدُ لِلاِسْتِرَاحَةِ فِي الْعَادَةِ، وَقَدْ يُقْصَدُ لِلْعِبَادَةِ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، فَالمُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ هُوَ النِّيَّةُ. وَكَذَلِكَ اْلغُسْلُ؛ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ تَنْظِيفُ الْبَدَنِ فِي الْعَادَةِ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْعِبَادَةُ، فَالْمُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا هُوَ النِّيَّةُ. وَمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ رُتَبِ الْعِبَادَةِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، قَدْ يَقْصِدُ إِيقَاعَهَا عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَدْ يَقْصِدُ إِيقَاعَهَا عَنِ السُّنَنِ؛ فَالْمُمَيِّزُ هُوَ النِّيَّةُ. وَمِثَالُ الثَّالِثِ:أَنْ يَنْوِيَ الْعَبْدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّيَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، أَوْ يَنْوِيَ بِأَكْلِهِ الِاقْتِدَاءَ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ؛ فَلَوْ كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ صَلَاة ٌمَقْضِيَّةٌ، فَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهَا ظُهْراً أَوْ عَصْراً أَوْ غَيْرَهُمَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وَلَوْلَا هَذَا الَّلفْظُ لَاقْتَضَى اللَّفْظُ الْأَوَّلُ صِحَّةَ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينٍ.

ثَانِياً: إِخْلَاصُ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ

يَحُثُّ قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي كُلّ الْأَعْمَالِ، خُصُوصاً مِنْهَا مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ؛ فَمَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ خَالِصاًلِلَّهِ، مُوَافِقاً لِلهَدْيِ النَّبَوِيِّ، فَهُوَ فِي الشَّرْعِ أَدْعَى لِلْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً أَوْ يَسِيراً، وَمَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ رِئَاءَ النَّاسِ، أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ شِرْكٍ، فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيراً أَوْ عَظِيماً. فَالْإِخْلَاصُ هُوَ الَّذِي يَرْتَقِي بِالْعَمَلِ إِلَى شَرَفِ الْقَبُولِ وَاسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ الثََّوَابَ، وَانْعِدَامُهُ يُؤَدِّي إِلَى رَدِّ العَمَلِ وَمَحْقِ بَرَكَتِهِ. وَبِالْإِخْلاَصِ تَتَفَاوتُ مَرَاتِبُ الْأَعْمَالِ وَفَضَائِلُهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»؛ فَمَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله تَعَالَى، فَهِجْرَتُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْخَالِصَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الثَّوَابَ، وَمَنْ هَاجَر َلِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ فَذَلِكَ حَظُّهُ، وَهِجْرَتُهُ مَصْرُوفَةٌ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِ نَفْسِهِ وَأَغْرَاضِ دُنْياَهُ، وَلا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَيُوَضِّحُهُ ما نُقِلَ فِي سَبَبِ وُرُودِ الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الله (ابْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ: هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ، وَكَانَ يُسَمَّى مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ. [المعجم الكبير للطبراني].

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  •  أَنَّ الْأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ.
  • إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ سَبِيلُ النَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْفَوْزِ فِي الْآخِرَةِ.
  • عَدَمُ إِغْفَالِ النِّيَّةِ لِدَوْرِهَا فِي تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَتَمْيِيزِهِ.
  • تَجَنُّبُ الرِّيَاءِ وَالشِّرْكِ فِي الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ وَيَحْرِمُ الثَّوَابَ.

اَلتَّقْوِيمُ

  •  أَذْكُرُ مَكَانَةَ حَدِيثِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
  •  أُبَيِّنُ أَهَمِّيَّةَ النِّيَّةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ.
  • أَذْكُرُ أَمْثِلَةً تُبَيّنُ أَثَرَ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ.
  • مِنْ أَيْنَ أَفْهَمُ الْحَثَّ عَلَى الْإِخْلَاصِ مِنْ خِلَالِ الْحَدِيثِ؟
 

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَأَهَمِّيَّتَهَا.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فِي وِجْدَانِي وَسُلُوكِي.

تَمْهِيدٌ

لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُسْلِمًا حَقًّا إِلَّا إِذَا اسْتَوْعَبَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ عِلْماً وَاعْتِقَاداً وَعَمَلاً وَسُلُوكاً، تِلْكَ الْأرْكَانُ الَّتِي جَعَلَهَا الشَّرْعُ دَعَائِمَ وَقَوَاعِدَ لَا يَقُومُ بُنْيَانُ الدِّينِ، وَلَا تَكُونُ النَّجَاةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلَّا بِهَا. فَمَا هُوَالْإِسْلَامُ؟ وَمَا هِيَ أَرْكَانُهُ؟ وَمَا هُوَالْإِيمَانُ؟ وَمَا هِيَ أَرْكَانُهُ؟ وَمَاأَهَمِّيَّةُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ،وَقَالَ: «يَامُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: مَاالْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ العُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: يَاعُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». [صحيح مسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

  • عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ: تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  • طَلَعَ عَلَيْنَا: أَيْ ظَهَرَ لَنَا.
  • رَجُلٌ: هُوَ جِبْرِيلُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُونَهُ.
  • أَثَرُ السَّفَرِ: عَلَامَةُ السَّفَرِ وَهَيْئَتُهُ.
  • فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ: أَيْ أَصَابَنَا الْعَجَبُ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ الْعَارِفِ الْمُحَقِّقِ الْمُصَدِّقِ.
  • الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ، وَالْإِسْلَامُ، وَقَبُولُ الشَّرِيعَةِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  •  أُحَدِّدُ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ فِي الْحَدِيثِ.
  • أُبَيِّنُ أَرْكَانَ الْإِيمَانِ مِنْ خِلَالِ الْحَدِيثِ.

اَلتَّحْلِيلُ

يُعْرَفُ هَذَا الْحَديثُ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ؛ وَهُوَ حَديثٌ عَظِيمٌ قَدِ اِشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ وَظَائِفِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ؛ وَعُلُومُ الشَّرِيعَةِ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ وَمُتَشَعِّبَةٌ مِنْهُ، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ جَمْعِهِ عِلْمَ السُّنَّةِ؛ فَهُوَ كَالْأُمِّ لِلسُّنَّةِ، كَمَا سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ أُمَّ الْقُرْآنِ، لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ جَمْعِهَا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ. وَيَتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ بَيَانَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، وَهِيَ مَرَاتِبُ ثَلَاثٌ لِلدِّينِ، ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ مُرَتَّبَةً حَسَبَ أَثَرِهَا فِي الِامْتِثَالِ وَالِاسْتِيعَابِ. فَالْإِسْلَامُ مَدْخَلٌ وَأَرْكَانٌ مَحْدُودَةٌ، وَالْإِيمَانُ شُمُولٌ فِي الِامْتِثَالِ وَتَوَسُّعٌ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْإِحْسَانُ كَمَالٌ فِي الْإِتْقَانِ ورُسُوخٌ فِي حُضُورِ الْجَنَانِ. وَهَذَا بَيَان مَا يَتَضَمَّنُهُ الْمَقْطَعُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَرْكَانِ الْإِيمَانِ.

أَوَّلاً: الْإِسْلَامُ وَأَرْكَانُهُ

اَلْإِسْلَامُ فِي اللُّغَةِ: الْاِسْتِسْلَامُ وَالْاِنْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ. وَفِي الشَّرْعِ: الدِّينُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ عَقِيدَةٌ وَشَرِيعَةٌ وَأَخْلَاقٌ، وَهُوَ الدِّينُ السَّمْحُ الْمُعْتَدِلُ، دِينُ الْإِسْلَامِ الْمَوْسُومُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَالْمِلَّةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّةِ. وَلَهُ أَرْكَانٌ خَمْسَةٌ، هِيَ: الشَّهَادَتَانِ، وَإقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَإيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ. وَسَتَأْتِي فِي حَديثِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ

ثَانِياً:الْإِيمَانُ وَأَرْكَانُهُ

الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِالْأُمُورِ السِّتَّةِ الْمُنْتَظِمَةِ فِي بَيَانِ الْإِيمَانِ فِي الْحَديثِ، دُونَ أَنْ يُخَالِجُهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ أَوِ التَّرَدُّدِ.وَيَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ، وَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ. وَأَرْكَانُهُ: الْأُمُورُ السِّتَّةُ الْمُبَيَّنَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ:

الْإِيمَانُ بِالله تَعَالَى

الْإِيمَانُ بِالله هُوَ: التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ -  الَّذِي لَا يُخَالِجُهُ شَّكٌّ أَوْتَرَدُّدٌ -  بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَقٌّ وَاجِبُ الْوُجُودِ، مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ، مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ أَحدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ، خَالِقٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، مُتَصَرِّفٌ فِيمَا يَشَاءُ، يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يُرِيدُ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ أَنَّهُ الْمَنْشَأُ الْأَصْلِيُّ لِكُلِّ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِهِ، وَالْأَسَاسُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَعْمَالِ.

الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ

يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَالتَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ عِبَادٌ لِلهِ مُكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، كَمَا وَصَفَهُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: iimage 0502 [الأنبياء: 62-72] وَقَالَ: image 0503 [التحريم: 6]. وَبَيَّنَ أَنَّ عَدَدَهُمْ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: image 0504 [المدثر: 13]. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَطْمَئِنُّ إِلَى أَنَّ مَعَهُ حَفَظَةً يَحْفَظُونَهُ كُلَّ لَحْظَةٍ بِإِذْنِ الله مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَيَسْتَحْضِرُ كَذَلِكَ مَقَامَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وشِمَالِهِ مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ مَا يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ فَيُسَارِعُ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَيَجْتَنِبُ الشُّرُورَ.

الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ

اَلْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ هِيَ: كُتُبٌ أَنْزَلَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُسُلِهِ لِيُبَلِّغُوهَا لِلنَّاسِ؛ وَمِنْهَا: صُحُفُ إبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ؛ فَلَا يَكْتَمِلُ إِيمَانُ الْعَبْدِ حَتَّى يُصَدِّقَ بِأَنَّهَا كَلَامُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْكُتُبِ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْهِدَايَةِ الَّتِي تُرْشِدُ إِلَى كُلِّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتُحَذِّرُ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ هَدْيَهَا ورُشْدَهَا. 

الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ

الرُّسُلُ: جَمْعُ رَسُولٍ؛ وهُوَ: مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ. وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِ الله هُوَ: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ الله، وَأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ الله تَعَالَى الَّذِي أَيَّدَهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَنَّهُمْ بَلَّغُوا عَنِ الله رِسَالَاتِهِ، وَبَيَّنُوا لِلْمُكَلَّفِينَ مَا أَمَرَهُمُ الله بِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ احْتِرَامُهُمْ وَتَوْقِيرُهُمْ، وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْإِيمَانِ. قَالَ تَعَالَى: image 0602 .[البقرة: 482] وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ اتِّخَاذُ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ قُدْوَةً بَشَرِيَّةً مِثَالِيَّةً فِي تَطْبِيقِ شَعَائِرِ الدِّينِ دُونَ حَرَجٍ أَوْ عَنَتٍ، وَدُونَ إِفْرَاطٍ أَوْ تَفْرِيطٍ.

اَلْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ

اَلْيَوْمُ الْآخِرُ هُوَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ وَسُمِّىَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ لَا يَوْمَ بَعْدَهُ. وَالْإِيمَانُ بِهِ هُوَ: التَّصْدِيقُ بِوُقُوعِهِ، وَبِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّهُمَا دَارُ ثَوَابِهِ وَجَزَائِهِ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْمُسِيئِينَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ الْأَمِينُ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمِ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ الْيَقِينُ بِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ؛ فَلَنْ يَضِيعَ عَمَلٌ لِعَامِلِهِ، وَلَا حَقٌّ لِصَاحِبِهِ؛ وَلَنْ يُفْلِتَ آخِذٌ لِغَيْرِ حَقِّهِ بِحَقٍّ، وَلَا ظَالِمٌ بِمَظْلَمَةٍ، وَلَا مُعْتَدٍ بِتَبِعَةٍ.

الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ

الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ هُوَ: التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَمُقَدِّرُ الْمَقَادِيرِ، وَمُدَبِّرُ الْأُمُورِ كُلِّهَا: خَيْرِهَا وَشَرِّهَا،لاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ تَقْدِيرِهِ، ولاَ يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ إِرَادَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ إِحْصَاؤُهُ وَتَقْدِيرُهُ وَكِتَابَتُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. يَدُلُّ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: image 0603 [الصافات: 69] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: image 0702 [الحديد: 12] فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ مَا قَدَّرَ الله لَهُ مِنْ خَيْرٍ سَيَصِلُهُ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ صَرْفَهُ عَنْهُ، وَمَا قَدَّرَ عَلَيْهِ مِنْ شَرٍّ سَيَلْحَقُهُ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْهُ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ الطُّمَأْنِينَةُ النَّفْسِيَّةُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالرِّضَا الْكَامِلُ بِكُلِّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْأَقْدَارِ، وَيَنْزِلُ بِهِ مِنْ الشَّدَائِدِ، دُونَ تَسَخُّطٍ عَلَى قَضَاءِ الله، أَوِ اعْتِرَاضٍ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ جَلَّ وَعَلَا. فَمَنْ صَدَّقَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ تَصْدِيقاً جَازِماً كَانَ مُؤْمِناً حَقّاً، مُوَافِقاً مَذْهَبَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ، الْمَبْنِيَّ عَلَى الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ وَالاِعْتِقادَاتِ الْجَازِمَةِ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

مُرَاقَبَةُ الله تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ. الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ الْإِيمَانِ. فَالإِسْلَامُ هُوَ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ، وَالْإِيمَانُ هُوَ الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ. التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: image0705 [النّحل:34] .وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: كَيْفَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ؟ قَالَ: «بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ». [فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ لِلْإمَامِ أَحْمَدَ]. الِاهْتِمَامُ بِالْجَمَالِ وَالنَّظَافَةِ فِي الثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ مِنْ هَدْيِ الْإِسْلَامِ وَصِفَاتِ الْمُسْلِمِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أُبَيِّنُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.
  •  مَاذَا يَعْنِي الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؟
  • أُلَخِّصُ أَهَمِّيَّةَ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الْإِحْسَانِ وَمَرَاتِبَهُ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ خُلُقَ الْإِحْسَانِ فِي حَيَاتِي.

تَمْهِيدٌ

تَحُثُّ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَمَا دَخَلَ الْإِحْسَانُ شَيْئًا إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نَقَصَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَهُوَ مَا يَجِبُ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ اسْتِعْدَادًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، الَّتِي أَخَذَتْ أَمَارَاتُهَا تَظْهَرُ تِبَاعًا. فَمَا مَعْنَى الْإِحْسَانِ؟ وَمَا مَرَاتِبُهُ؟ وَمَا هِيَ أَمَارَاتُ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَال: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ،وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: مَاالْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِها. قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ العُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: يَاعُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».[صحيح مسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ: تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  •  أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ: أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ وَقْتِ مَجِيءِ الْقِيَامَةِ.
  •  السَّاعَةُ: الْجُزْءُ مِنَ الزَّمَنِ، وَالمُرَادُ بِهَا فِي الْحَدِيثِ: الْيَوْمُ الْآخِرُ.
  •  أَمَارَاتُهَا : عَلَامَاتُهَا.
  •  الْحُفَاةُ: جَمْعُ حَافٍ، وَهُوَ مَنْ لَا نَعْلَ فِي رِجْلَيْهِ.
  •  الْعُرَاةُ : جَمْعُ عَارٍ، وَهُوَ مَنْ لَا ثِيَابَ عَلَى جَسَدِهِ.
  •  الْعَالَـةُ: جَمْعُ عَائِلٍ، وَهُوَ الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَعُولُهُ.
  •  رِعَـاءَ: جَمْعُ رَاعٍ، وَهُوَ حَافِظُ الشَّيْءِ.
  •  الشَّـاءِ: جَمْعُ شَاةٍ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الْغَنَمِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • مَا مَعْنَى الْإِحْسَانِ؟ وَمَا مَرَاتِبُهُ؟
  • أَسْتَخْرِجُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ.
  • يَتَنَاوَلُ هَذَا الدَّرْسُ الْكَلاَمَ عَلَى الْإِحْسَانِ وَأَمَارَاتِ السَّاعَةِ.

أَوَّلًا: الْإِحْسَانُ وَمَرَاتِبُهُ

الْإِحْسَانُ

الْإِحْسَانُ هُوَ المَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ؛ وَهُوَ فِي الُّلغَةِ: إِتْقَانُ الشَّيْءِ وَتَجْوِيدُهُ؛ وَالْمَقْصُودُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ: إِتْقَانُ الْعِبَادَاتِ، وَمُرَاعَاةُ حُقُوقِ الله تَعَالَى، وَمُرَاقَبَتُهُ وَاسْتِحْضَارُ نَظَرِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ حَالَ الْعِبَادَاتِ. وَيَشْمَلُ الْإِحْسَانُ كُلَّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ نِيَّةٍ وَقَصْدٍ، عِبَادَةً كَانَ ذَلِكَ أَوْ مُعَامَلَةً، مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ، أَوْ بَيْنَ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ.

مَرَاتِبُ الْإِحْسَانِ

يَتَبَيَّنُ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» أَنَّ لِلْإِحْسَانِ مَرْتَبَتَيْنِ: الْأُولَى: مَرْتَبَةُ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. وَالثَّانِيَةُ: مَرْتَبَةُ الْمُرَاقَبَةِ، وَهِيَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ: أَنَّ الْإِحْسَانَ في عِبَادَةَ الله تَعَالَى يَتَمَثَّلُ فِي إِخْلَاصِ الْمُؤْمِنِ النِّيَّةَ لِلهِ تَعَالَى فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَاسْتِحْضَارِ أَنَّ اللهَ يَرَاهُ وَيُرَاقِبُهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَيَطَّلِعُ عَلَى كُلِّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ. قَالَ الْأُبِّيُّ: «إِنَّ لِلْعَبْدِ فِي عِبَادَتِهِ ثَلَاثَ مَقَامَاتٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْقُطُ مَعَهُ التَّكْلِيفُ، أَيْ: مُسْتَوْفَاةَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ. الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَهَا كَذَلِكَ وَقَدِ اسْتَغْرَقَ فِي بِحَارِ الْمُكَاشَفَةِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى الله تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَفْعَلَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُشَاهِدُهُ، وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْمُرَاقَبَةِ» [إكمال إكمال المعلم].

ثَانِياً: السَّاعَةُ وَأَمَارَاتُهَا

السَّاعَةُ

السَّاعَةُ هِيَ الْقِيَامَةُ، وَهِيَ نِهَايَةُ الدَّارِ الدُّنْيَا وَبِدَايَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَهَا إِلَّا الله عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هِيَ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ الْخَمْسَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا الله تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: image 32 01 .[لقمان: 33]

أَمَارَاتُهَا

لِلسَّاعَةِ عَلَامَاتٌ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِهَا، اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى عَلَامَتَيْنِ مِنْهَا: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ». وَتَعْنِي الْأُولَى فَسَادَ الْأَخْلَاقِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى أَحْوَالٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ، مِنْهَا كَثْرَةُ الْعُقُوقِ فِي الْأَوْلاَدِ. وَتَعْنِي الثَّانِيَةُ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْمَكَاسِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِلتَّبَاهِي وَالتَّفَاخُرِ بِهَا عَلَى النَّاسِ؛ وَهُوَ شَيْءٌ مَذْمُومٌ شَرْعاً. أَمَّا التَّوَسُّعُ فِي الْكَسْبِ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَلِقَصْدٍ نَبِيلٍ، فَهُوَ مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ.

:وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • التَّوْجِيهُ إِلَى إِتْقَانِ الْعِبَادَاتِ وَمُرَاعَاةِ حُقُوقِ الله وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ حَالَ الْعِبَادَاتِ، وَاسْتِحْضَارِ مُرَاقَبَتِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ.
  • أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ الله بِعِلْمِهَا وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنْ جَعَلَ عَلَيْهَا عَلاَمَاتٍ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِهَا.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أُعَرِّفُ الْإِحْسَانَ وَأُبَيِّنُ مَرَاتِبَهُ.
  • أُحَدِّدُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْوَارِدَةَ فِي الْحَدِيثِ.
  • أَسْتَخْلِصُ مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَ الْفَوَائِدِ وَالْمَقَاصِدِ

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ وَفَضْلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ فِي مَبَادِئِي وَعِبَادَتِي وَسُلُوكِي.
شَرَعَ الله عَزَّ وَجَلَّ الْإِسْلَامَ دِيناً لِلْعِبَادِ لَا يَرْضَى غَيْرَهُ دِينًا لَهُمْ، وَبَيَّنَ رَسُولُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلْإِسْلَامِ أَرْكَاناً يَنْبَنِي عَلَيْهَا صَرْحُهُ، هِيَ أَهَمُّ فَرَائِضِ الدِّينِ وَوَاجِبَاتِهِ الْعِظَامِ. فَمَا هِيَ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ؟ وَمَا أَهَمِّيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». [صحيحا الْبُخَارِي وَمُسْلِمٍ].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، الْعَدَوِيُّ، الْمَكِّيُّ، ثُمَّ الْمَدَنِيُّ، الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَرَوَى عِلْماً كَثِيراً نَافِعاً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِيهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَغَيْرِهِمْ. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ لِلْهِجْرَةِ.

الشَّرْحُ

مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ وَاضِحَةُ الْمَعْنَى.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

مَا هِيَ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ؟ يَتَضَمَّنُ الدَّرْسُ بَيَانَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَهَمِّيَّتَهَا.

أَوَّلاً: أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ

أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ دَعَائِمُهُ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا، وَهِيَ خَمْسَةٌ:

اَلشَّهَادَتَانِ

أَوَّلُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ: أَنْ يَشْهَدَ العَبْدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله؛ نَاطِقاً بِهَا بِلِسَانِهِ، مُعْتَقِداً بِقَلْبِهِ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا الله، مُصَدِّقاً بِنُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِسَالَتِهِ، مُتَّبِعاً مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ: أَنَّهُمَا مِفْتَاحُ الدُّخُولِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَسَاسُ مَا بَعْدَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، فَلَا يَكُونُ الدُّخُولُ لِلْإِسْلَامِ بِغَيْرِهِمَا، وَلَا يُقْبَلُ أَيُّ عَمَلٍ بِدُونِهِمَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «... ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ...» [صَحِيح البُخَاري].

إِقَامَةُ الصَّلَاةِ

وَتَعْنِي إِقَامَتُهَا الْإِتْيَانَ بِهَا تَامَّةً مُشْتَمِلَةً عَلَى جَمِيعِ أَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا الْحِسِّيَّةِ كَالْتَّحْرِيمِ وَالتَّسْلِيمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَأَدَائِهَا فِي وَقْتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِخْلَاصِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ فِيهَا وَالْخُشُوعِ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ:  أَنَّهَا أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ».[سنن الترمذي]  أَنَّهَا وَسِيلَةٌ تَرْبِطُ الْعَبْدَ بِرَبِّهِ، فَلَا يَنْسَى طَاعَتَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَكُلِّ أَحْوَالِهِ.

إِيتَاءُ الزَّكَاةِ

وَالزَّكَاةُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعاً؛ وَإِيتَاؤُهَا إِعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنَ الْأَصْنَافِ الذِينَ ذَكَرَهُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى رَأْسِهِمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ: أَنَّهَا تُحَقِّقُ الْكِفَايَةَ الْمَعِيشِيَّةَ لِلْفِئَاتِ الْمُعْوِزَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَتَزْرَعُ الْوُدَّ وَالتَّآلُفَ وَالتَّكَافُلَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ وَفِئَاتِهِ، وَتُطَهِّرُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالشَّحْنَاءِ.

صَوْمُ رَمَضَانَ

وَمَعْنَاهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَكُلِّ الْمُفَطِّرَاتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ. وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: iamge 012019 [البقرة: 381]. وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ الصَّوْمِ: اغْتِنَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْفَوَائِدِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَعَلَى رَأْسِهَا السُّمُوُّ بِالرُّوحِ إِلَى مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ التَّقْوَى وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ.

حَجُّ بَيْتِ الله الْحَرَامِ

حَجُّ بَيْتِ الله الْحَرَامِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً؛ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: [آل عمْرَان: 79]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الدَّرْسِ: «وَتَحُجَّ الْبيْتَ». وَمِنْ أَهَمِّيَّةِ الْحَجِّ: حُضُورُ ذَلِكَ الْاِجْتِمَاعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ لِلْمُسْلِمِ طُولَ عُمُرِهِ إِلَّا بِأَدَاءِ هَذَا الرُّكْنِ الْعَظِيمِ، وَنَيْلُ الْبَرَكَاتِ وَالتَّعَرُّضُ لِلنَّفَحَاتِ فِي مَهْبِطِ الْوَحْي وَمُنْطَلَقِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَتَكْفيرُ السَّيِّئَاتِ كُلِّهَا يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَعْظَمِ فِي مَوْقِفِ عَرَفَةَ، حَتَّى يَرْجِعَ الْحَاجُّ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا مَعْنَى بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؟
  • أَذْكُرُ مَعْنَى كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
  • أُبَيِّنُ أَهَمِّيَّةَ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  •  أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى جَمْعِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ مَرَاحِلَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي رَحِمِ أُمِّهِ.
  • .أَنْ أُرَسِّخَ الْإِيمَانَ بِعَظَمَةِ الله وَقُدْرَتِهِ بِالتَّأَمُّلِ فِي مَرَاحِلِ الْخَلْقِ.

تَمْهِيدٌ

مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّأَمُّلُ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، حَيْثُ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ حَتَّى يَخْرُجَ خَلْقاً سَوِيّاً. وَقَدْ نَبَّهَ تَعَالَى إِلَى التَّأَمُّلِ فِي ذَلِكَ فِي آيَاتٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:  image 0505 [نوح:31 - 41]. فَمَا الْمُرَادُ بِجَمْعِ الْخَلْقِ فِي الرَّحِمِ؟ وَمَتَى يَتِمُّ ذَلِكَ؟ وَمَا الْأَطْوَارُ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ فِي الرَّحِمِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ  الْمَلَكُ فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ،وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّاذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». [صحيحا البخاري ومسلم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَعَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْلَمَ قَدِيماً، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَشَهِدَ بَدْراً وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَلَازَمَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ صَاحِبَ نَعْلَيْهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَتِهِ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا نَزَلَ، فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». [مسند ابن أبي شيبة]؛ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَث وَثَلاَثِينَ لِلْهِجْرَةِ .

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  • الصَّادِقُ: الْمُخْبِرُ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ.
  • الْمَصْدُوقُ: الْمُصَدَّقُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ.
  • النُّطْفَةُ: الْمَنِيُّ، وَأَصْلُهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ الصَّافِي.
  • الْمُضْغَةُ: قِطْعَةُ لَحْمٍ بِقَدْرِ مَا يَمْضَغُهُ الْآكِلُ.
  • الْعَلَقَـةُ: مِنَ الْعُلُوقِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ يَعْلَقُ بِجِدَارِ الرَّحِمِ.
  • الرُّوحُ: مَا تَقُومُ بِهِ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مِنْ أَمْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِين

  • مَتَى يُجْمَعُ خَلْقُ الْإِنْسَانِ فِي الرَّحِمِ؟
  • أَذْكُرُ مَرَاحِلَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
  • يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي

أَوَّلاً: جَمْعُ الْخَلْقِ فِي الرَّحِمِ

قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ». وَالْجَمْعُ هُوَ تَوْحِيدُ الْمُتَفَرِّقِ، وَهُوَ ضَمُّ الْأَفْرَادِ وَالْأَجْزَاءِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْمَنِيَّ يَقَعُ فِي الرَّحِمِ مُتَفَرِّقاً فَيَجْمَعُهُ الله تَعَالَى فِي مَحَلِّ الْوِلَادَةِ مِنَ الرَّحِمِ فِي أَطْوَارِهِ: طَوْراً نُطْفَةً، وَطَوْراً عَلَقَةً، وَطَوْراً مُضْغَةً، ثُمَّ يَأْخُذُ طَرِيقَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَطْوَارِ حَتَّى الْوِلَادَةِ.

ثَانِياً: مَرَاحِلُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

  • خَلَقَ الله الْإِنْسَانَ الْأَوَّلَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ تَكَاثَرَتْ أَفْرَادُهُ بِالتَّوَالُدِ وَالْإِنْجَابِ عَنْ طَرِيقِ التَّزَاوُجِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
  • وَقَدْ صَرَّحَ حَدِيثُ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ بِثَلَاثٍ مِنَ الْمَرَاحِلِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ خِلاَلَ ثَلَاثَةِ أَرْبَعِينَاتٍ، يَكُونُ نُطْفَةً فِي الْأُولَى، وَعَلَقَةً فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ مُضْغَةً فِي الثَّالِثَةِ، وَبَعْدَهَا يَكُونُ قَدْ تَهَيَّأَ لِأَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَارٍ.
  • وَقَدْ ذَكَرَ الله هَذِهِ الْأَطْوَارَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ، وَذَكَرَ أَطْوَاراً زَائِدَةً عَلَيْهَا فِي سُورَةِ الْمُومِنُونَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
image 0506 [المؤمنون: 21/31/41] ؛ فَفِي الْآيَاتِ أَنَّ الْمُضْغَةَ تَصِيرُ عِظَاماً بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَصْلَ خِلْقَتِهِ وَأَطْوَارَ خَلْقِهِ أَدْرَكَ عَظَمَةَ الله وَقُدْرَتَهُ وَبَدِيعَ صُنْعِهِ، وَرَأَى فِي مُعْجِزَةِ الْخَلْقِ مَا يَبْهَرُ الْعُقُولَ وَيَشُدُّ النُّفُوسَ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

التَّوْجِيهُ إِلَى تَأَمُّلِ الْإِنْسَانِ فِي خَلْقِهِ، وَالْأَطْوَارِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا، لِيُدْرِكَ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ، وَيَقِفَ عَلَى عَظَمَةِ الله وَقُدْرَتِهُ فِي عَجِيبِ صُنْعِهِ. الاِسْتِدْلَالُ عَلَى صِدْقِ الْبَعْثِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِ الْإِنْسَانِ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ تُرَابًا، وَيَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ مَرَّةً ثَانِيَةً. فِي إِخْبَارِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِدْرَاكِهَا إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ دَليلٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا هِيَ الْأَطْوَارُ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟
  • أَسْتَنتِجُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَعْثِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الْقَضَاءِ، وَمَا يُكْتَبُ بِالْقَضَاءِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَعْمَالِ بِخَوَاتِيمِهَا.
  • أَنْ أَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى فَاعِلٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ العُظْمَى الْإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ؛ لَكِنْ مَاأَكْثَرَ مَا يُسَاءُ فَهْمُ مَعْنَاهُ، فَيُظَنُّ أَنَّ السَّعِيدَ سَعِيدٌ بِالْقَدَرِ، وَأَنَّ الشَّقِيَّ شَقِيٌّ بِالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ ولاَ لِعَمَلِهِ وَمَا يُخْتَمُ عَلَيْهِ بِهِ فِي ذَلِكَ.
  • فَمَا مَعْنَى القَضَاءِ؟ وَمَاذَا يُكْتَبُ بِالْقَضَاءِ؟ وَمَا عَلَاقَةُ الْقَضَاءِ بِخَوَاتِيمِ الْعَمَلِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّاذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا». [صحيحا البخاري ومسلم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  • حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ: حَتَّى يَقْرُبَ أَجَلُهُ.
  • يَسْبِـقُ عَلَيْـهِ الْكِتَـابُ : يُخْتَمُ لَهُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أُحَدِّدُ مِنَ الْحَدِيثِ ثُبُوتَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ.
  • أُبْرِزُ مَا الَّذِي يَكْتُبُ الله عَلَى الْإِنْسَانِ بَعْدَ خَلْقِهِ أَطْوَارًا؟
  • أُبَيِّنُ عَلَاقَةَ الْمَكْتُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ.
  • يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: الْقَضَاءُ وَالقَدَرُ

فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِه،ِ وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ»، دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْوَاقِعَاتِ بِقَضَاءِ الله تَعَالَى وَقَدَرِهِ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، نَفْعِهَا وَضَرِّهَا. قَالَ الله تَعَالَى: image 0707 [الأنبياء: 32] فَلَا اِعْتِرَاضَ عَلَيْهِ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ، يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يَشَاءُ. قَالَ الْإِمَامُ السِّمْعَانِيُّ رَحِمَهُ الله: سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ؛ فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ فِيهِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحَيْرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ الْعِيِّ وَلَا مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ، لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ الله تَعَالَى، اخْتَصَّ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ بِهِ، وَضَرَبَ دُونَهُ الْأَسْتَارَ، وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ، لِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَلَمْ يَعْلَمْهُ نَبِيُّ مُرْسَلٌ وَلاَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ.[فَتْحُ الْبَارِي] وَلِهَذَا الْخَفَاءِ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ اتِّكَالاً عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْقَدَرِ، مُوجِبَةً الْعَمَلَ بِالتَّكَالِيفِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْأَمْرُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، نَاهِيَةً عَنْ تَرْكِهَا اتِّكَالاً عَلَى سَابِقِ الْقَدَرِ، لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلََّا الله تَعَالَى.

ثَانِياً: مَا الَّذِي يُكْتَبُ بِالْقَضَاءِ والقَدَرِ؟

يُكْتَبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِقَضَاءِ الله: ذَلِكَ الْقَدَرُ الَّذِي قَدَّرَهُ الله قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ الْعَالَمُ، وَأَظْهَرَهُ لِلْمَلَكِ وَأَمَرَهُ بِكِتَابَتِهِ وَإِنْفَاذِهِ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ؛ وَهُوَ ذَلِكَ الْقَدَرُ الْخَاصُّ بِكُلِّ فَرْدٍ، وَخُلاَصَتُهُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْأَرْبَعُ:
  • الرِّزْقُ؛ وَهُوَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ. وَكِتَابَتُهُ: تَقْدِيرُهُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً، وَيُسَمَّى رِزْقاً وَإِنِ اكْتَسَبَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَرَامِ، لَكِنَّهُ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ.
  • الْأَجَلُ؛ وَهُوَ مُدَّةُ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا، وَطُولُهُ أَوْ قِصَرُهُ بِتَقْدِيرِ الله تَعَالَى وَلَيْسَ لِصِحَّةِ الْبَدَنِ أَوْ عِلَّتِهِ.
  • الْعَمَلُ؛ وَهُوَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ وَالتَّصَوُّرَاتُ الْمُكْتَسَبَةُ لِلْإِنْسَانِ. وَكِتَابَتُهُ: وَصْفُهُ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ فَاسِدٌ.
  • الشَّقَاوَةُ أَوِ السَّعَادَةُ؛ وَالْمُرَادُ بِهِمَا: الْإِسْلَامُ وَالْكُفْر. وَهُمَا الطَّرِيقَانِ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.[جامع العلوم والحكم بتصرف]

ثَالِثاً: الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَأْمَنَ سُوءَ الْخَاتِمَةِ مَهْمَا عَمِلَ، وَلَوِ اِتَّفَقَتْ أَلْسِنَةُ النَّاسِ عَلَى مَدْحِهِ طُولَ عُمُرِهِ، فَهُوَ مَعَ الْإِحْسَانِ خَائِفٌ وَجِلٌ؛ فَالسَّعِيدُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُسْنِ الْعَمَلِ وَإِسَاءَةِ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ خَوْفاً، وَإِحْسَانِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ رَجَاءً. قَالَ تَعَالَى: image 0708 [المؤمنون: 61] وَمِنْ لُطْفِ الله سُبْحَانَهُ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ: أَنَّ تَبَدُّلَ الْحَالِ مِنْ صَلَاحٍ إِلَى فَسَادٍ قَدْ يَقَعُ لِقِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، لَا أَنَّهُ غَالِبٌ عَلَيْهِمْ؛ فَانْقِلَابُ النَّاسِ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ كَثِيرٌ، وَانْقِلَابُهُمْ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ نَادِرٌ قَلِيلٌ. وَأَنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَحْصُلُ لِمَنِ اسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ لِمَنْ فِي نَفْسِهِ فَسَادٌ أَوِ ارْتِيَابٌ أَوْ رِئَاءٌ، أَوْ أَصَرَّ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَاجْتَرَأَ عَلَى الْمَحَارِمِ، كَمَا تُبَيِّنُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِلْحَدِيثِ:»إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ».[الْبُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

عَدَمُ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ مَعَ وُجُوبِ الْأَخْذِ بِهَا، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى كَرَمِ الله تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ. الْحَثُّ عَلَى الْقَنَاعَةِ، فَالرِّزْقُ قَدْ سَبَقَ تَقْدِيرُهُ وَشُرِعَ اكْتِسَابُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي أُمِرْنَا بِالْأَخْذِ بِهَا. لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَالِ؛ لِجَهَاَلِة الْعَاقِبَةِ. وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا الْمُرَادُ بِكِتَابَةِ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ؟
  • هَلْ لِلْعَقْلِ مَدْخَلٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ؟
  • هَلْ يَجُوزُ تَرْكُ الْعَمَلِ اتِّكَالاً علَى سَابِقِ الْقَدَرِ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ الْبِدْعَةَ فِي الشَّرْعِ وَحُكْمَ إِحْدَاثِهَا.
  • أَنْ أُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبِدْعَةِ.
  • أَنْ أَلْتَزِمَ السُّنَّةَ فِي عِبَادَتِي وَمُعَامَلَاتِي.

تَمْهِيدٌ

مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ بِالله وَرَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَتُهُمَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ أَحْكَامٍ، سَواءٌ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ الْمُعَامَلَاتِ أَوِ السُّلُوكِ، وَعَدَمُ ابْتِدَاعِ شَيْءٍ فِي أَمْرِ هَذَا الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ أَوْ يَشْهَدْ بِاعْتِبَارِهِ. فَمَا حُكْمُ الْاِبْتِدَاعِ فِي الدِّينِ؟ وَمَا شُرُوطُ قَبُولِ الْعَمَلِ وَاعْتِدادِ الشَّرْعِ بِهِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ الله عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» [صحيحا الْبُخَارِي وَمُسْلِم]، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا: هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، رَوَتْ لِلْأُمَّةِ عِلْماً كَثِيراً وَفِقْهاً غَزِيراً، وَهِيَ أَفْقَهُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمُهُنَّ بِالدِّينِ وَالْأَدَبِ. وَكَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ فَتُجِيبُهُمْ. وَمَنَاقِبُهَا رَضِيَ الله عَنْهَا لَا تُحْصَى، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ أو ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ لِلْهِجْرَةِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ:

  • أَحْدَثَ: أَنْشَأَ وَاخْتَرَعَ.
  • أَمْرِنَا: شَرْعِنَا وَدِينِنَا.
  • رَدٌّ: مَرْدُودٌ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

  • مَا الْحُكْمُ الْوَارِدُ فِي النَّصِّ فِي الْعَمَلِ الْمُخَالِفِ لِلسُّنَّةِ؟
  • أُبَيِّنُ أَحَدَ شُرُوطِ قَبُولِ الْعَمَلِ وَالِاعْتِدَادِ بِهِ.
  • يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: الْبِدْعَةُ وَحُكْمُهَا

الْاِبْتِداعُ لُغَةً: إِحْدَاثُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ. أَمَّا الْبِدْعَةُ شَرْعاً، فَهِيَ طَرِيقَةٌ فِي الّدِينِ مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ، يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى الله. [الاعتصام] وَحُكْمُهَا أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا، لَا يُعْتَدُّ بِهَا شَرْعاً، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهَا ثَوابٌ. وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» صَرِيحَةٌ فِي رَدِّ كُلِّ مَا لَا يَتَوَافَقُ مَعَ الشَّرْعِ، سَوَاءٌ ابْتَدَعَهُ فَاعِلُهُ، أَوْ سُبِقَ إِلَيْهِ. فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَمْ يَشْرَعْهُ الله وَرَسُولُهُ، أَوِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، أَوْ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ آثِمٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي إِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُقُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَتِهَا الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا.

ثَانِياً: مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبِدْعَةِ

لَا يَدْخُلُ فِي الْبِدْعَةِ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنِ السُّنَّةِ وَالْمَقَاصِدِ الْعَامَّةِ لِلشَّرْعِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا هَذَا الرَّدُّ: كَكِتَابَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَكَالِاجْتِهَادِ بِرَدِّ فُرُوعِ الْفِقْهِ إِلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ قَوْلِ الله وَرَسُولِهِ، وَكَالْكُتُبِ الْمَوْضُوعَةِ فِي النَّحْوِ وَالْحِسَابِ وَالْفَرَائِضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ، مِمَّا مَرْجِعُهُ وَمَبْنَاهُ عَلَى كِتَابِ الله تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. ثَالِثاً:شُرُوطُ الْعَمَلِ الْمَقْبُولِ كُلُّ عَمَلٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الله تَعَالَى لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطَانِِ: الْإِخْلَاصُ، وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا. فَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ خَالِصاً لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَحْدَثٍ فِي الدِّينِ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ. [جامع العلوم والحكم بتصرف]. وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:

image18 [الأنعام: 451]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

  • الْحَثُّ عَلَى الِاتِّبَاعِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الِابْتِدَاعِ.
  • الْعِبْرَةُ فِي الْأَعْمَالِ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ، فَكُلُّ عَمَلٍ يُخَالِفُهُ فَهِوَ مَرْدُودٌ.
  • الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ تَعَالِيمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفْقَ الْفَهْمِ السَّلِيمِ لَهُمَا.
  • الْحَاجَةُ إِلَى الِاْسِتْرَشاِد بِبَيَانِ الْعُلَمَاءِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِفَهْمِ الْبِدْعَةِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا الْمُرَادُ بِكَلِمَةِ: (أَمْرِنَا) فِي الْحَدِيثِ؟
  • أُبَيِّنُ شُرُوطَ الْعَمَلِ الْمَقْبُولِ عِنْدَ الله تَعَالَى.
  • مَا الْفَائِدَةُ الَّتِي أَفَادَتْهَا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْحَدِيثِ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  •  أَنْ أَتَعَرَّفَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَالْمُشْتَبِهَاتِ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ أَقْسَامَ الْمُشْتَبِهَاتِ وَأَحْكَامَهَا.
  • أَنْ أَتَوَرَّعَ عَنِ الْمُشْتَبِهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.

تَمْهِيدٌ

يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ الله فِيهِ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَعَلَهُ، وَإِنْ نُهِيَ عَنْهُ تَرَكَهُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالنَّهْيِ وَاشْتَبَهَ حُكْمُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَالْأَحْسَنُ التَّوَرُّعُ عَنْهُ.

فَمَا هُوَ الْحَلَالُ؟ وَمَا هُوَ الْحَرَامُ؟ وَمَا هِيَ الْمُشْتَبِهَاتُ؟ وَمَا تَوْجِيهُ الشَّرْعِ فِي التَّعَامُلِ مَعَهَا؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، أَلَا، وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلَا، وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا، وَهِيَ الْقَلْبُ» [صحيحا البخاري ومسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الله، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ الله عَنْهُ عَلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ عَلَى حِمْصَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ، وَكَانَ خَطِيباً مُفَوَّهاً، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِينَ لِلْهِجْرَةِ.

الشَّرْحُ

  • الْحَـلَالُ: مَا أَذِنَ الشَّرْعُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ مَنْعٌ.
  • الْحَرَامُ: مَا جَاءَ الشَّرْعُ بالْمَنْعِ مِنْهِ.
  • الْمُشْتَبِهَاتُ: مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
  • اتَّقَــى: حَذِرَ، وَتَرَكَ.
  • اسْتَبْـرَأَ : طَلَبَ الْبَرَاءَةَ وَالسَّلَامَةَ مِنَ الْإِثْمِ.
  • الْعـِرْضُ: مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الْإِنْسَانِ.
  • الْحِمَـى: الْمَحْظُورُ عَنْ غَيْرِ مَالِكِهِ.
  • يَرْتَعُ فِيهِ: تَأْكُلُ مِنْهُ مَاشِيَتُهُ وَتَرْعَى فِيهِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أُبَيِّنُ مَعْنَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؟
  • مَا حُكْمُ الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَاتِ؟

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: أَقْسَامُ الْأَشْيَاءِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ

الْأَشْيَاءُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَعَلَى ضَوْءِ هَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

فَمَا نَصَّ الله عَلَى تَحْلِيلِهِ فَهُوَ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

 image hadith 1402

[المائدة:6]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

image 1403

[النساء: 42]، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَا نَصَّ الله عَلَى تَحْرِيمِهِ فَهُوَ الْحَرَامُ الْبَيِّنُ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:

image 1405

[النساء: 32] وَقَوْلِهِ:

وَكَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَكُلِّ مَا جَعَلَ الله فِيهِ حَدّاً أَوْ عُقُوبَةً أَوْ وَعِيدًا. وَمَا لَمْ يَنُصَّ الشَّرْعُ فِيهِ عَلَى تَحْرِيمٍ أَوْ تَحْلِيلٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ إِلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا، وَتَنَازَعَتْهُ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَجَاذَبَتْهُ الْمَعَانِي، فَهُوَ مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَالْإِمْساكُ عَنْهُ وَرَعٌ؛ كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ التَّمْرَةِ السَّاقِطَةِ حِينَ وَجَدَهَا فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا». [سنن البيهقي الكبرى]. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ». [سنن النسائي].

ثَانِياً:حُكْمُ الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَاتِ

  • اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْمُشْتَبِهَاتِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْوَالٍ:
  • قِيلَ: هِيَ حَرَامٌ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ»، وَمَنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.
  • وَقِيلَ: هِيَ حَلَالٌ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى»، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَلَالٌ، وَأَنَّ تَرْكَهَا مِنَ الْوَرَعِ.
  • وَقِيلَ: لَيْسَتْ حَرَاماً وَلَا حَلَالاً؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَتَوَقَّفَ عَنْهَا، وَهَذَا مِنَ الْوَرَعِ.

ثَالثاً: أَنْوَاعُ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمُشْتَبِهَاتِ

النَّاسُ فِي الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ نَوْعَانِ

نَوْعٌ يَتَوَرَّعُ عَنْهَا فَلَا يَقَعُ فِيهَا، فَيَسْلَمُ لَهُ دِينُهُ وَعِرْضُهُ. نَوْعٌ يَتَجَرَّأُ عَلَيْهَا مَعَ اشْتِبَاهِهَا، وَقَدْ تُفْضِي بِهِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ؛ إِذْ يَحْمِلُهُ التَّسَاهُلُ فِي أَمْرِهَا عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى الْحَرَامِ. وَقَدْ ضَرَبَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ لِذَلِكَ بِالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، وَهُـوَ الْمَرْعَى الْمَمْنُوعُ  مِنـْهُ، فَيُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيـهِ؛ لِأَنَّ مَـنْ قَـارَبَ الشَّيْءَ خَـالَطَـهُ غَالِباً. قَـالَ تَعـَالَى: 

image 1407

[البقرة: 681]

فَنَهَى عَنِ الِاقْتِرَابِ حَذَراً مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • التَّنْبِيهُ إِلَى تَرْكِ كُلِّ مَا يُوصِلُ إِلَى الْحَرَامِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِيهِ.
  • الدَّعْوَةُ إلَى التَّرْبِيَةِ عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّعَفُّفِ وَالْقَنَاعَةِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أَذْكُرُ مِثَالاً لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمِثَالَيْنِ لِلْمُشْتَبِهَاتِ.
  • أُبَيِّنُ تَوْجِيهَ الشَّرْعِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمُشْتَبِهَاتِ مِنَ الْأُمُورِ.
  • أَشْرَحُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ».

أَهْدَافُ الدَّرسِ

أَنْ أَتَعَرَّفَ مَنْزِلَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَوَارِحِ.

  • أَنْ أُدْرِكَ أَثَرَ الْقَلْبِ فِي صَلَاحِ الْعَمَلِ وَفَسَادِهِ.
  • أَنْ أَسْعَى إِلَى إِصْلَاحِ قَلْبِي وَفْقَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

تَمْهِيدٌ

لِلْقَلْبِ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ لاَ تَبْلُغُهَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ، فَهُوَ مَكْمَنُ الْإِيمَانِ، وَمَحَلُّ نَظَرِ الرَّحْمَنِ، وَمَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَمَوْضِعُ التَّشْرِيفِ، وَالْمُسْتَفْتَى فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الله تَعَالَى فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، لِمَا لَهُ مِنْ أَثَرٍفِي الْعَمَلِ. فَمَا مَنْزِلَةُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ؟ وَمَا تَأْثِيرُهُ فِي صَلَاحِ الْعَمَلِ أَوْ فَسَادِهِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، أَلَا، وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلَا، وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا، وَهِيَ الْقَلْبُ» [صَحِيحَا البخاري ومسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

  • النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

الشَّرْحُ

الْقَلْبُ: مَصْدَرُ«قَلَبَ» فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ اسْمٌ لِعُضْوٍ بَاطِنٍ فِي الْجَسَدِ عَلَيْهِ مَدَارُ حَالِ الْإِنْسَانِ. وَسُمِّيَ قَلْباً لِسُرْعَةِ الْخَوَاطِرِ فِيهِ وَتَرَدُّدِهَا عَلَيْهِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أَسْتَخْرِجُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْقَلْبِ وَأَثَرِهِ فِي صَلَاحِ الْعَمَلِ وَفَسَادِهِ.

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي

أَوَّلاً: أَهَمِّيَّةُ الْقَلْبِ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ

الْقَلْبُ هُوَ أَمِيرُ الْأَعْضَاءِ المُوَجِّهُ لَهَا، تَصْلُحُ بِصَلَاحِهِ، وَتَفْسُدُ بِفَسَادِهِ؛ فَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَالْحَرَكَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، فَإِنْ صَدَرَتْ عَنْهُ إِرَادَةٌ صَالِحَةٌ تَحَرَّكَ الْجَسَدُ حَرَكَةً صَالِحَةً، وَإِنْ صَدَرَتْ عَنْهُ إِرَادَةٌ فَاسِدَةٌ تَحَرَّكَ الْجَسَدُ حَرَكَةً فَاسِدَةً؛ فَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ إِذَا صَلَحَ، وَخُطُورَتُهُ شَدِيدَةٌ إِذَا فَسَدَ. [جامع العلوم والحكم بتصرف]. وَقَدِ اخْتَصَّ الله بِهِ جِنْسَ الْحَيَوَانِ، وَمَكَّنَهُ بِهِ مِنْ تَنْظِيمِ مَصَالِحِهِ الْمَقْصُودَةِ؛ فَتَجِدُ الِبَهَائِمَ تُدْرِكُ بِهِ مَصَالِحَهَا، وَتُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ مَضَارِّهَا وَمَنَافِعِهَا؛ ثُمَّ خَصَّ الله نَوْعَ الْإِنْسَانِ بِالْعَقْلِ إِضَافَةً إِلَى الْقَلْبِ، قَالَ تَعَالَى:

image 1409

[الحج: 44]

وَسَخَّرَ الْجَوَارِحَ مُطِيعَةً لَهُ، فَمَا اسْتَقَرَّ فِيهِ ظَهَرَ عَلَيْهَا وَعَمِلَتْ بِمُقْتَضَاهُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا، وَهِيَ الْقَلْبُ»؛ فَصَلَاحُ الْقَلْبِ أَعْظَمُ الْمَصَالِحِ، وَفَسَادُهُ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ.

ثانِياً: أَثَرُ الْقَلْبِ فِي صَلَاحِ الْعَمَلِ وَفَسَادِهِ

لِلْقَلْبِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي صَلَاحِ الْعَمَلِ أَوْ فَسَادِهِ؛ فَإِذَا فَعَلَ الْإِنْسَانُ بِجَوَارِحِهِ الطَّاعَاتِ وَعَمِلَ الْخَيْرَاتِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صَلَاحِ قَلْبِهِ، وَإِذَا فَعَلَ الْمَعَاصِيَ وَارْتَكَبَ الْمُنْكَرَاتِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ قَلْبِهِ؛ وَقَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ مُصْلِحَاتِ الْقَلْبِ وَمُفْسِدَاتِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ: فَمِمَّا يُصْلِحُهُ: تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِتَدَبُّرٍ، وَالصَّلَاةُ، وَذِكْرُ الله تَعَالَى، والصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدُّعَاءُ، والصَّدَقَةُ، وَالتَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَخَشْيَةُ الله وَحُسْنُ مُرَاقَبَتِهِ، وَقِيَامُ الَّليْلِ، وَالتَّضَرُّعُ فِي الْأَسْحَارِ، وَالتَّنَفُّلُ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَالتَّوَاضُعُ، وَحُضُورُ الْجَنَائِزِ، وَزِيَارَةُ الْمَقَابِرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ. وَأَعْظَمُ ذَلِكَ كُلِّهِ تَحَرِّي أَكْلِ الْحَلَالِ، وَاجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِوَمِمَّا يُفْسِدُهُ: هَجْرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَالغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِ الله تَعَالَى، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ، وَالْجَهْلُ بِالدِّينِ، وَفُضُولُ الْكَلاَمِ والنَّظرِ، وكَثْرَةُ النَّوْمِ والْأَكْلِ وَالضَّحِكِ، وَنِسْيَانُ ذِكْرِ الْآخِرَةِ، وَإِتْيَانُ الْمَعَاصِي؛ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ (لُغَـةٌ فِي صُقِلَ) قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ؛ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ الله:

image 1501

[المطففين:41]».[سنن الترمذي]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • عِظَمُ أَثَرِ الْقَلْبِ عَلَى الْجَوَارِحِ وَالْحَثُّ عَلَى إِصْلَاحِهِ.
  • طَلَبُ الْكَسْبِ الْحَلَالِ سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْقَلْبِ وَتَنَوُّرِهِ.
  • صَلَاحُ الْقَلْبِ أَعْظَمُ الصَّلَاحِ، وَفَسَادُهُ أَعْظَمُ الْفَسَادِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • لِمَاذَا كَانَ الْقَلْبُ هُوَ الْمُتَحَكِّمَ فِي الْجَوَارِحِ؟
  • أُبَيِّنُ أَثَرَ الْقَلْبِ فِي صَلَاحِ السُّلُوكِ وَفَسَادِهِ.
  • لِمَاذَا ذَكَرَ الْحَدِيثُ الْقَلْبَ عَقِبَ ذِكْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ النَّصِيحَةَ وَحُكْمَهَا وَمَنْزِلَتَهَا.
  • أَنْ أَتَبَيَّنَ لِمَنْ تَكُونُ النَّصِيحَةُ؟ وَبِمَ تَكُونُ؟
  • أَنْ أَمْتَثِلَ السُّنَّةَ فِي النُّصْحِ وَالِاسْتِنْصَاحِ.

تَمْهِيدٌ

قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّصِيحَةَ تَنْحَصِرُ فِيمَا يَنْصَحُ بِهِ الْمُسْتَشَارُ مَنِ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، مَعَ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذْ تَتَّسِعُ حَتَّى تَنْتَظِمَ الدِّينَ كُلَّهُ، فَتَشْمَلُ الدَّلاَلَةَ عَلَى الخَيْرِ فِي كُلِّ مَجَالاَتِ الْحَيَاةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَسِيرَ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَفْقَ شَرْعِ الله تَعَالَى، فَيَنْصَحُ فِي مُعَامَلَاتِهِ بِالْوَفَاءِ بِالْوُعُودِ وَالاِلْتِزَامِ بِالْعُقُودِ وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ يَقْتَضِي التَّنَاصُحَ وَقَبُولَ النَّصِيحَةِ. فَمَا النَّصِيحَةُ؟ وَمَا حُكْمُهَا؟ وَمَا أَهَمِّيَّتُهَا؟ وَلِمَنْ تَكُونُ؟ وَبِمَاذَا تَكُونُ؟ قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّصِيحَةَ تَنْحَصِرُ فِيمَا يَنْصَحُ بِهِ الْمُسْتَشَارُ مَنِ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، مَعَ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذْ تَتَّسِعُ حَتَّى تَنْتَظِمَ الدِّينَ كُلَّهُ، فَتَشْمَلُ الدَّلاَلَةَ عَلَى الخَيْرِ فِي كُلِّ مَجَالاَتِ الْحَيَاةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَسِيرَ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَفْقَ شَرْعِ الله تَعَالَى، فَيَنْصَحُ فِي مُعَامَلَاتِهِ بِالْوَفَاءِ بِالْوُعُودِ وَالاِلْتِزَامِ بِالْعُقُودِ وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ يَقْتَضِي التَّنَاصُحَ وَقَبُولَ النَّصِيحَةِ. فَمَا النَّصِيحَةُ؟ وَمَا حُكْمُهَا؟ وَمَا أَهَمِّيَّتُهَا؟ وَلِمَنْ تَكُونُ؟ وَبِمَاذَا تَكُونُ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ يَارَسُولَ الله؟ قَالَ: «للهِ، وَلِكِتَابِهِ، ولِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» [صحيح مسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَارِجَةَ الدَّارِيُّ اللَّخْمِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَبَنُو الدَّارِ بَطْنٌ مِنْ لَخْمٍ. قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَ أَخِيهِ نُعَيْمٍ، فَأَسْلَمَا سَنَةَ تِسْعٍ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ السُّرُجَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَصَّ (وَعَظَ بِقِصَصَ السَّابِقِينَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ بِإِذْنِهِ، وَصَنَعَ مِنْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاشْتَهَرَ بِعِبَادَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ حَتَّى سُمِّيَ رَاهِبَ أَهْلِ فِلِسْطِينَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ لِلْهِجْرَةِ ، وَدُفِنَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْخَلِيلِ بِفِلِسْطِينَ. وَلَيْسَ لَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِلاَّ هَذَا الْحَدِيثُ.

الشَّرْحُ

  • أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ: الْأَئِمَّةُ جَمْعُ إِمَامٍ، وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أُحَدِّدُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْنَى الْعَامَّ لِلنَّصِيحَةِ.
  • أُبَيِّنُ لِمَنْ تَكُونُ النَّصِيحَةُ؟ وَبِمَاذَا تَكُونُ؟
يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي

أَوَّلاً: مَعْنَى النَّصِيحَةِ

النَّصِيحَةُ لُغَةً: الْإِخْلَاصُ، يُقَالُ: نَصَحْتُ الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْتَهُ، فَهِيَ تَصْفِيَةٌ وَإِخْلَاصٌ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، فَكَأَنَّ النَّاصِحَ يُخَلِّصُ قَوْلَهُ مِنَ الْغِشِّ كَمَا يُخَلَّصُ الْعَسَلُ مِنْ شَمْعِهِ. وَنَصَحْتُ لَهُ: أَخْلَصْتُ لَهُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْعُرْفِيِّ: إِخْلَاصُ الرَّأْيِ وَتَصْفِيَتُهُ مِنَ الْغِشِّ لِلْمُسْتَشِيرِ، وَإِيثَارُ مَصْلَحَتِهِ. فَالنَّاصِحُ يُرِيدُ أَنْ يَحُوزَ الْمَنْصُوحُ كُلَّ الْخَيْرِ، وَيَجْتَنِبَ كُلَّ الشَّرِّ.

ثَانِياً: أَهَمِّيَّةُ النَّصِيحَةِ

تَتَجَلَّى أَهَمِّيَّتُهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؛ فَكَلِمَةُ «النَّصِيحَةِ» كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، مَعْنَاهَا: حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ، وَإِرَادَةُ جُمْلَةِ الْخَيْرِ لَهُ. وَهِيَ مِنْ وَجِيزِ الْأَسْمَاءِ وَمُخْتَصَرِ الْكَلَامِ. وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ مُفْرَدَةٌ يُسْتَوْفَى بِهَا التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَجُمْلَةُ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» مِنَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ تَدُلُّ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ النَّصِيحَةِ وَأَهَمِّيَّتِهَا، وَكَأَنَّهَا الدِّينُ كُلُّهُ، وَالدِّينُ مَحْصُورٌ فِيهَا، لِعُمُومِهَا وَشُمُولِهَا. فَالدِّينُ نُصْحٌ كُلُّهُ، وَهِيَ كَلِمَةٌ عَامَّةٌ وَجَامِعَةٌ لَهُ، بَلْ هِيَ مِنْ أَجْمَعِ الْكَلَامِ، لِشُمُولِهَا مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

ثَالِثاً: لِـمَنِ النَّصِيحَةُ؟ وَبِمَ تَكُونُ؟

النَّصِيحَةُ لِلهِ تَعَالَى

تَكُونُ النَّصِيحَةُ لِلهِ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ بِهِ وَعَدَمِ الشِّرْكِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِيهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِنِعْمَتِهِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَبِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَالنَّصِيحَةُ للهِ رَاجِعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى نَصِيحَةِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ النَّاصِحِينَ.

النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ الله تَعَالَى

تَكُونُ النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ الله تَعَالَى بِالْإِيمَانِ بِأَنَّهُ كَلَامُ الله، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، وَبِتَعْظِيمِهِ، وَتِلَاوَتِهِ، وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَحِفْظِهِ وَتَعْليمِهِ، وَحُبِّ حَمَلَتِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِمَا فِيهِ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَتَفَهُّمِ عُلُومِهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي عَجَائِبِهِ، وَالْعَمَلِ بِمُحْكَمِهِ، وَالْإِيمَانِ بِمُتَشَابِهِهِ، وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَتَحْبِيبِهِمْ فِيهِ.

النَّصِيحَةُ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

تَكُونُ النَّصِيحَةُ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْدِيقِهِ، وَالْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَنُصْرَتِهِ حَيّاً وَمَيِّتاً، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، وَمُوَالَاةِ مَنْ وَالَاهُ، وَتَعْظِيمِ حَقِّهِ، وَتَوْقِيرِهِ، وَإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا، وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا، وَالتَّأَدُّبِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا، والذَّبِّ عَنْهَا، وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّأَسِّي بِسِيرَتِهِ، وَمَحَبَّةِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَصَحَابَتِهِ.

النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ

تَعْنِي النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ طَاعَتَهُمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله تَعَالَى، وَمُعَاوَنَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَتَنْبِيهَهُمْ وَتَذْكِيرَهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَإِعْلَامَهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ، وَتَبْلِيغَهُمْ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، وَالدُّعَاءَ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ.

النَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ

عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ مَنْ عَدَا وُلَاةَ الْأُمُورِ، وَتَكُونُ نَصِيحَتُهُمْ بِخَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمْ، وَإِرْشَادِهِمْ لِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهَا، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ، وَتَحَرِّي النَّصِيحَةِ لَهُمْ فِي الخَلْوةِ مِنْ غَيْرِ تَشْهِيرٍ أَوْ فَضِيحَةٍ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ لَهُمْ، وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ وَإٍخْلَاصٍ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَتَوْقِيرِ كَبِيرِهِمْ وَرَحْمَةِ صَغِيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَتَرْكِ غِشِّهِمْ وَحَسَدِهِمْ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءُ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَحُثَّهُمْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِكُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّصِيحَةِ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • أَنَّ النَّصِيحَةَ تُسَمَّى دِيناً وَإِسْلَاماً.
  • النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ.
  • تَقْتَضِي مَحَبَّةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ النَّصِيحَةَ لَهُ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ وَحِكْمَةٍ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • رِّفُ النَّصِيحَةَ وَأُبَيِّنُ حُكْمَهَا.
  • بِمَاذَا تَكُونُ النَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ يُسْرَ الْإِسْلَامِ وَبَعْضَ مَظَاهِرِهِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ آثَارَ الْيُسْرِ فِي الْإِسْلَامِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ مَبْدَأَ الْيُسْرِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ فِي عِبَادَتِي وَمُعَامَلَتِي.

تَمْهِيدٌ

الْيُسْرُ وَرَفْعُ الْحَرَجِ مِنَ الْمَبَادِئِ الْعُظْمَى الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ بِمَظَاهِرِهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، ويَتَمَيَّزُ - بِسَبَبِهِ - بِآثَارٍ بَارِزَةٍ، سَواءٌ فِي عَلاَقَةِ الْإِنْسَانِ بِرَبِّهِ، أَوْ فِي عَلاَقَتِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ فِي عَلاَقَتِهِ بِأَخِيهِ الْإِنْسَانِ.

  • فَمَا مَظَاهِرُ يُسْرِ الإِسْلَامِ؟ وَمَا آثَارُهُ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» [صحيحا البخاري ومسلم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الدَّوْسِيُّ، اشْتَهَرَ بِكُنْيَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي كَنَّاهُ بِهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ لاَزَمَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُلاَزَمَةً تَامَّةً رَغْبَةً فِي الْعِلْمِ والاِقْتِدَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمْ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ؛ وَقَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحِرْصِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ. وَلاَّهُ عُمَرُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، ثُمَّ وَلِيَ إِمَارَةَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ. وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ، أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ لِلْهِجْرَةِ، عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  • فَاجْتَنِبُوهُ: ابْتَعِدُوا عَنْهُ وَلَا تَقْرَبُوا شَيْئاً مِنْهُ .
  • اِسْتَطَعْتُمْ: أَطَقْتُمْ وَقَدَرْتُمْ.
  • وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ: مُخَالَفَتُهُمْ وَعِصْيَانُهُمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أَذْكُرُمَا يَدُلُّ عَلَى يُسْرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْحَدِيثِ.
  • أَسْتَخْرِجُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَّرَّ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ؟

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: مَظَاهِرُ الْيُسْرِ فِي الْإِسْلَامِ

جَاءَ الْإِسْلَامُ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ يَجِبُ امْتِثَالُهَا؛ إِلَََّا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَقَيَّدَ الْمَأْمُورَاتِ بِالاِسْتِطَاعَةِ. فَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّرْعُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَجَبَ تَرْكُهُ وَالْكَفُّ عَنْهُ فَوْراً امْتِثَالًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ مَعْنَى وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ». وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَمَشْرُوطٌ فِي فِعْلِهِ وَامْتِثَالِهِ الِاسْتِطَاعَةُ؛ إِذْ قَدْ يَحُولُ عَدَمُ الِاسْتِطَاعَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ الاِمْتِثَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ التَّرْكِ، وَهُوَ مَقْدُورٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالِاسْتِطَاعَةِ؛ أَمَّا الْأَمْرُ فَقَدْ يُسْتَطَاعُ وَقَدْ لَا يُسْتَطَاعُ، وَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِالِاسْتِطَاعَةِ.وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَعْنَى الْحَدِيثِ: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ عَجْزُ الْمُكَلَّفِ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا فَيَأْتِي بِمَا يَسْتَطِيعُ مِنْهَا؛ أَوْعَجْزُهُ عَنْ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَغْسِلُ الْمُمْكِنَ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَيْضاً فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرَاتِ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إِزَالَةُ جَمِيعِهَا أَزَالَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْهَا.

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي

ثَانِياً: آثَارُ الْيُسْرِ فِي الْإِسْلَامِ

مِنْ آثَارِ يُسْرِ الْإِسْلَامِ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنِ الْمُكَلَّفِ، وَدَفْعُهُ إِلَى الْاِسْتِجَابَةِ، وَتَمْكِينُهُ مِنَ الْاِمْتِثَالِ فِي كُلِّ حَالٍ. فَإِذَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِشَيْءٍ فَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَا نُطِيقُهُ وَنَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: 

image 1921 [البقرة: 582]  وَقَوْلِهِ تَعَالَى: image hadith 1901 [الحج: 67] بَلْ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ يُسْرِ الْإِسْلَامِ إِبَاحَتَهُ الْمُحَرَّمَ لِلضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ اسْتِبْقَاءً لِلْحَيَاةِ؛ وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ: (الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ). وَمِنَ الْوَاجِبِ الْتِزَامُ مَبَادِئِ الْيُسْرِ، وَتَطْبِيقُهَا فِي أَدَاءِ التَّكَالِيفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، رِفْقاً بِالنَّفْسِ، وَتَيْسِيراً لِلاِمْتِثَالِ، وَتَحْبِيباً فِي التَّدَيُّنِ، واجْتِنَاباً لِلتَّعْسِيرِ وَالْاِخْتِلَافِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلى الْحَرَجِ والْعَنَتِ والْفُرْقَةِ؛ وَلِذَلِكَ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ.

النَّهْيُ عَنِ الاِخْتِلَافِ

نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاِخْتِلاَفِ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»؛ لِأَنَّ الاِخْتِلاَفَ سَبَبُ التَّفَرُّقِ وَالضَّعْفِ، وَقَدْ أَمَرَ الله تَعَالَى بِالْوَحْدَةِ وَنَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ وَالاِخْتِلاَفِ، فَقَالَ تَعَالَى:  image hadith 1904 [آل عمران: 301] وَقَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاخْتِلاَفُهُمْ» هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ لَا بِكَسْرِهَا، مَعْطُوفٌ عَلَى «كَثْرَةُ» لَا عَلَى «مَسَائِلِهِمْ» أَيْ: أَهْلَكَهُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَأَهْلَكَهُمْ اخْتِلاَفُهُمْ؛ وَهُوَ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ نَشَأَ عَنِ الاِخْتِلاَفِ، لَا عَنْ كَثْرَتِهِ.

النَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ

قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ السُّؤَالَ إِلَى قِسْمَيْنِ

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعَلُّمِ لِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ؛ فَهَذَا مَطْلُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: image hadith 1414 [الأنبياء: 7]

وَعَلَى هَذَا النَّوْعِ تَتَنَزَّلُ أَسْئِلَةُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْأَنْفالِ وَالْكَلَالَةِ وَالْأَهِلَّةِ وَغَيْرِهَا .[فتح الباري لابن حجر] ثَانِيهِمَا: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالتَّكَلُّفِ وَالْفُضُولِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْه، وَقَدْ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَلَاكِ فِي قَوْلِهِ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ»؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّؤَالِ رُبَّمَا نَشَأَ عَنْهَا كَثْرَةُ الْجَوَابِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ. وَقَدْ جَاءَ فِي سَبَبِ وُرُودِ الْحَديثِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَاأَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يارَسُولَ الله؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُم؛ ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ؛ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ».[صحيح مسلم] وَالسَّائِلُ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كَمَا جَاءَ فِي رِوايَةٍ أُخْرَى.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ يُسْرٍ وَوَحْدَةٍ، لَا دِينُ عُسْرٍ وَفُرْقَةٍ.
  • أَنَّ مِنْ هَدْيِ الْإِسْلَامِ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي، وَالاِشْتِغَالَ بِمَا يُفِيدُ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أَذْكُرُ بَعْضَ مَظَاهِرِ الْيُسْرِ فِي الْإِسْلَامِ.
  • لِمَاذَا قُيِّدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِهَا النَّهْيُ؟
  • لِمَاذَاحَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ:

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ أَسْبَابَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
  • أَنْ أَتَبَيَّنَ عَلَاقَةَ الكَسْبِ الحَلَالِ بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
  • أَنْ أَجْتَنِبَ مَوَانِعَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَأَتَمَثَّلَ آدَابَهُ حَتَّى أَكُونَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ.

تَمْهِيدٌ:

أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَهُمْ بِالِاسْتِجَابَةِ فِي قَوْلِهِ:  image 1803 [غافر: 06] إِلََّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَرَى أَثَرَ الِاسْتِجَابَةِ بِسَبَبِ غَفْلَتِهِ عَنْ َمَوَانِعِ إِجابَةِ الدُّعَاءِ وَأَسْبَابِهِ. فَمَا أَسْبَابُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ؟ وَمَا مَوَانِعُهُ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الله تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ الله أَمَرَ الْمُؤْمنِينَ بمَا أَمَرَ بهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: image 1804 [المؤمنون:25] وَقَالَ تَعَالَى: image 1805 [البقرة:171] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ». [صَحِيح مُسْلِم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

  • أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

شرْحُ المفردات:

 إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ: الطَّيِّبُ: ضِدُّ الْخَبِيثِ، فَإِذَا وُصِفَ بِهِ الله تَعَالَى أُرِيدَ بِهِ أَنَّه مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ. طَيِّباً: الطَّيِّبُ مِنَ الْأَمْوَالِ: الْخَالِصُ مِنَ الْحَرَامِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ: الْخَالِي مِنَ الْمُفْسِدَاتِ. أَغْبَرَ: مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ مِنْ أَثَرِ الغُبَارِ عَلَى جَسَدِهِ وَثَوْبِهِ لِطُولِ سَفَرِهِ. يَمُدُّ يَدَيْهِ: يَرْفَعُهُمَا بِالدُّعَاءِ إِلَى الله. غُذِيَ: تَغَذَّى جِسْمُهُ مِنَ الْحَرَامِ. فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ: أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ وَالْمُرَادُ: لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِجَابَةِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أَسْتَخْرِجُ مِنَ الْحَدِيثِ أَسْبَابَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
  • أُبَيِّنُ مِنَ الْحَدِيثِ مَوَانِعَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ.

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: أَسْبَابُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ

لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ أَسْبَابٌ، مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى. فَمِنَ الْأَسْبَابِ الْوَاجِبَةِ مَا حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ الله تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا»؛ فَفِيهِ: الْحَثُّ عَلَى الْكَسْبِ مِنَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْكَسْبِ مِنَ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَأَنَّ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّهَا حَلَالًا خَالِصاً لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَقَدْ أَمَرَ الله تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ، فَقَال تَعَالَى:  1807 [البقرة: 662] وَنَهَى عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ، فَقَالَ:  [البقرة: 662]. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِنَّ الله أَمَرَ الْمُؤْمنِينَ بمَا أَمَرَ بهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى:  image 1804 [المؤمنون:25] »؛ فَبَيَّنَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الله أَمَرَ الْمُؤْمنِينَ بِأَكْلِ الْحَلَالِ كَمَا أَمَرَ بهِ الْمُرْسَلِينَ. وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُسْتَحَبَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ حَديثُ الدَّرْسِ مِنَ الْآدَابِ، وَهِي: رَفْعُ الْيَدَيْنِ إِلَى السَّمَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ»، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. الْإِلْحَاحُ عَلَى الله تَعَالَى بِالثََّنَاءِ عَلَيْهِ، وَذِكْرُ فَضْلِ كَرَمِهِ وَإِنْعَامِهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يَا رَبُّ، يَا رَبُّ».

ثَانِياً: مَوَانِعُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ

مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي تَمْنَعُ اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْآدَابُ السَّابِقَةُ، مَا يَأْتِي: تَنَاوُلُ الْحَرَامِ بِالْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ أَوِ اللُّبْسِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟"، فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ، وَلَيْسَ إِحَالَةً لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الله تَعَالَى لَهُ تَفَضُّلًا وَلُطْفًا وَكَرَمًا، أَوْ ابْتِلَاءً وَاسْتِدْرَاجاً. الْغَفْلَةُ عَنِ الله تَعَالَى، كَمَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُدْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ".[سنن الترمذي]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

التَّنْبِيهُ إِلَى اسْتِجْمَاعِ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ، وَأَهَمُّهَا أَكْلُ الْحَلَالِ.  الِالْتِجَاءُ إِلَى الله وَالتَّضَرُّعُ وَالْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِجَابَةِ. الْكَسْبُ الْحَلَالُ مِنْ هَدْيِ الْمُرْسَلِينَ وَعِبَادِ الله الصَّالِحِينَ.

التَّقْوِيـمُ

  • ما عَلَاقَةُ الكَسْبِ الْحَلَالِ بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ؟
  •  أَذْكُرُ بَعْضَ آدَابِ الدُّعَاءِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الشُّبُهَاتِ.
  •  أَنْ أُمَيِّزَ مَوْقِفَ الشَّرْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الشُّبُهَاتِ.
  •  أَنْ أَبْتَعِدَ عَنِ الشُّبُهَاتِ فِي عِبَادَتِي وَمُعَامَلَتِي.

تَمْهِيدٌ

طَرِيقُ الْإِسْلاَمِ مَحَجَّةٌ بَيْضَاءُ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ» [سُنَنُ ابن ماجة]؛ لَكِنَّهُ قَدْ تَعْرِضُ أُمُورٌ مُلْتَبِسَةٌ يَخْتَلِطُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَلَا يُمَيِّزُ حَقَّهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ، وَلَا أَنَّ الشَّيْءَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ أَمْ لَا؟ وَلَا أَنَّهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَوْ مِنَ الْمُنْكَرِ؟ وَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالشُّبُهَاتِ . فَمَا الْمُرَادُ بِالشُّبُهَاتِ؟ وَمَا مَوْقِفُ الشَّرْعِ مِنْهَا؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سِبْطِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَيْحَانَتِهِ رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ، ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهَا وَسِبْطُهُ وَرَيْحانَتُهُ وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وُلِدَ مُنْتَصَفَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ .

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ:

سِبْطِ: قِيلَ:السِّبْطُ ابْنُ الْبِنْتِ، وَالْحَفِيدُ ابْنُ الِابْنِ؛ وَقِيلَ: مُتَرَادِفَانِ.  دَعْ: اُتْرُكْ.  يَرِيبُكَ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، مِنْ رَابَ وَأَرَابَ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّيْبِ وَهُوَ الشَّكُّ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

أُحَدِّدُ مَا يَدُلُّ مِنَ الْحَدِيثِ عَلَى مَوْقِفِ الشَّرْعِ مِنَ الشُّبُهَاتِ.

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الشُّبُهَاتِ وَمَوْقِفِ الشَّرْعِ مِنْ أَنْوَاعِهَا؛

أَوَّلاً: مَعْنَى الشُّبُهَاتِ

 الشُّبُهَاتُ جَمْعُ شُبْهَةٍ، وَهِيَ: كُلُّ شَيْءٍ يُشْبِهُ الْحَلَالَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْحرَامَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. فَفِي الْمُمْتَلَكَاتِ مَثَلاً: الْحَلَالُ الْيَقِينُ: مَا عَلِمَ مِلْكَهُ يَقِيناً لِنَفْسِهِ؛ وَالْحرَامُ الْبَيِّنُ: مَا عَلِمَ مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ يَقِيناً؛ وَالشُّبْهَةُ: مَا لَا يَدْرِي أَهُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ،

فَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ. [عمدة القاري للعيني بِتَصَرُّفٍ].

ثَانِياً: مَوْقِفُ الشَّرْعِ مِنَ الشُّبُهَاتِ

حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الشُّبُهَاتِ لِالْتِبَاسِهَا وَخَفَائِهَا، ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى عُمُومِ الْأُمَّةِ لِوُضُوحِه وَانْتِشارِهِ، فَلَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُهُ، وَهَذَا هُوَ الْحَلَالُ الْبَيِّنُ أَوِ الْحَرَامُ الْبَيِّنُ، الَّلذَانِ وَرَدَا فِي حَديثِ الْمُشْتَبِهَاتِ السَّابِقِ. ثَانِيهِمَا: مَا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ لِعَدَمِ وُضُوحِ دَلِيلِهِ وَاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ. فَمَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا اشْتَبَهَ اتِّقَاءً لِلشُّبْهَةِ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، أَيْ: اُتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِي حِرْمَتِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَاتَّجِهْ إِلَى مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ مِنْهَا. [فتح الباري لابن رجب بِتَصَرُّفٍ]. وَقَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَتْرُكَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ مَخَافَةَ مَا بِهِ بَأْسٌ» [سنن التِّرْمِذِيّ]. وَهَذِهِ دَرَجَةٌ مِنَ الْوَرَعِ أَعْلَى مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا.

ثَالثاً: أَنْوَاعُ الشُّبُهَاتِ

 مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ

مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ أَنْوَاعٌ، وَهِي دَرَجَاتٌ مُتَفاوِتَةٌ بِحَسَبِ قُرْبِهَا وَبُعْدِهَا مِنَ الْحَرَامِ، وَمِنْ أَنْوَاعِ الاِشْتِبَاهِ مَا يَأْتِي:  الِاشْتِبَاهُ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ أَسْبَابِ الْحِلِّ وَالْحِرْمَةِ، كَأَنْ يَشُكَّ الْإِنْسانُ فِي الْمَالِ أَهُوَ مِلْكُهُ أَوْ لَا؟ أَوْ يَشُكَّ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. الِاشْتِباهُ بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِهَا. أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَرَامًا؛ فَيَشُكُّ الْمَرْءُ فِيهِ هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُحِلُّهُ، مِثْلَ الصَّيْدِ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَكَاتِهِ، فَإِذَا شَكَّ فِي ذَكَاتِهِ لَمْ يَزُلْ عَنِ التَّحْرِيمِ إلَّا بِيَقِينِ الذَّكَاةِ. [شرح صحيح البخارى لابن بطّال بِتَصَرُّفٍ].

مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ

هُنَاكَ أُمُورٌ فِيهَا مَعْنَى الشُّبْهَةِ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهَا؛ لِذَلِكَ لَمْ تُعْطَ حُكْمَهَا، وَصَارَتْ مِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا. مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَلَالًا؛ فَيُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ؛ فَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يُعْلَمَ تَحْرِيمُهُ بِيَقِينٍ؛ لِقَاعِدَةِ: الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. مَنْ كَثُرَ شَكُّهُ وَأُصِيبَ بِالْوَسْوَاسِ؛ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلشَّكِّ، كَمَنْ غَلَبَ عَلَيهِ الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ؛ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: «لَا، حَتَّى يَجِدَ رِيحًا، أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا». وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الَّذِي يَعْتَرِيهِ الشَّكُّ كَثِيرًا. [شرح صحيح البخارى لابن بطال بِتَصَرُّفٍ].

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

أَنَّ الْحَلالَ الْمَحْضَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ رَيْبٌ أَوْ حَرَجٌ، بَلْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ، أَمَّا الشُّبُهَاتُ فَيَحْصُلُ بِهَا الرَّيْبُ وَالْحَرَجُ.

  •  أَنَّ التَّوَرُّعَ عَنِ الشُّبُهَاتِ يَقْتَضِي التَّوَرُّعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْأَوْلَى.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أُعَرِّفُ الشُّبُهُاتِ، وَأُمَثِّلُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِمِثَالٍ.
  •  أَذْكُرُ حُكْمَ تَرْكِ الشُّبُهَاتِ مَعَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ.

اَلتَّقْوِيمُ:

اَلْاِسْتِثْمَارُ:

 

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الْاِشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي، وَمَوْقِفَ الشَّرْعِ مِنْهُ.
  • أَنْ أُدْرِكَ سَلْبِيَّاتِ الْاِشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي، وَالْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَعْنِي.
  • أَنْ أَشْتَغِلَ بِمَا يَعْنِينِي، وَأَتْرُكَ مَا لَايَعْنِينِي فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.

تَمْهِيدٌ

يَتَجَاوَزُ بَعْضُ النَّاسِ الْأَدَبَ فِي حَدِيثِهِمْ أَوْ سُلُوكِهِمْ مَعَ الْآخَرِينَ، فَلَا يُرَاعُونَ فِي ذَلِكَ حَقاًّ وَلَا خُلُقًا. وَسَبَبُ ذَلِكَ الْجَهْلُ وَعَدَمُ التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ؛ فَتَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَّدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ بقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، فَيَقَعُ أَوْ يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ. فَمَا حَقِيقَةُ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي؟ وَمَا مَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنْهُ؟ وَمَا آثَارُهُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». [سُنَنُ التِّرْمِذِيُّ]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

شرْحُ المفردات:

حُسْن : الْحُسْنُ ضِدُّ الْقُبْحِ. الْمَرْءُ: الشَّخْصُ، مَا لَا يَعْنِيهِ : مَالَا يُهِمُّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، الْعِنَايَةُ: شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: عَنَاهُ يَعْنِيهِ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

  • أُبَيِّنُ مِنَ الْحَدِيثِ مَوْقِفَ الْإِسْلَامِ مِمَّا لَا يَعْنِي.

اَلتَّحْلِيلُ

يُرْشِدُ الْحَدِيثُ إِلَى تَرْكِ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي مِنَ الْأُمُورِ، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَاجُهُ الْإِنْسَانُ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إِلَيْهِ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا مَصْلَحَةَ تَقْتَضِيهِ، لاَ فِي دِينٍ ولاَ دُنْيَا. وَبَيانُ ذَلِكَ فِي الْمَحَاوِرِ الْآتِيَةِ:

أَوَّلاً : الْحَثُّ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَعْنِي

حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَديثِ عَلَى تَرْكِ الْمَرْءِ مَا لَا يَعْنِيهِ مِمَّا لَا يُهِمُّهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْمُسْلِمِ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنَ الْإحْسَانِ الَّذِي يُعْتَبَرُ مَرْتَبَةً عَالِيَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». فَمَنِ اشْتَغَلَ بِمَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ، فَهُوَ الْمُحْسِنُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْإِسْلامِ ظَاهِرًا وَباطِنًا.

ثانيا : آثَارُ الاِشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي

حَثَّ الْإِسْلامُ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَعْنِي لِمَا لَهُ مِنْ أَضْرَارٍ جَسِيمَةٍ وَعَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنْهَا: ضَيَاعُ الْوَقْتِ النَّفِيسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُهُ، وَالَّذِي يُعْتَبَرُ نِعْمَةً كُبْرَى وَمِنَّةً عُظْمَى. قَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ: «وَفِي إِفْهَامِهِ أَنَّ مِنْ قُبْحِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ أَخْذَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَاعٌ لِلْوَقْتِ النَّفِيسِ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ فَائِتِهِ فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِهِ»[شَرْح الزُّرْقَانِي على الموطإ].  التَّفْرِيطُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي تَعْنِي الْإِنْسَانَ وَتُهِمُّهُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا لَا يَعْنِي وَسِيلَةٌ لِتَرْكِ مَا يَعْنِي. أَنَّ الِاشْتِغالَ بِمَا لَا يَعْنِي غَالِبًا مَا تَكُونُ عَاقِبَتُهُ النَّدَمَ، كَأَنْ يَسْمَعَ الْإِنْسانُ مَا لَا يُرْضِيهِ، أَوْ يُوقِعَ نَفْسَهُ فِيمَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ. أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَوَهْنِ الْبَدَنِ وَتَعْسِيرِ الرِّزْقِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكُ ابْنُ دِينَارٍ: «إذَا رَأَيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ، وَوَهْنًا فِي بَدَنِكَ، وَحِرْمَانًا فِي رِزْقِكَ، فَاعْلَمْ بِأَنَّك تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَعْنِيكَ». [فيض القدير للمناوي]

وَقَدْ فَهِمَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مَعْنَى تَرْكِ الْإِنْسَانِ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَأَدْرَكُوا الْحِكْمَةَ مِنْهُ، فَكَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِمَا يَعْنِيهِمْ وَيَتْرُكُونَ مَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَنُقِلَتْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ: «وَمَنْ حَسَبَ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلاَمُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ». [صَحِيح ابْن حِبَّان] ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ: «مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى؟ يُرِيدُونَ الْفَضْلَ؛ فَقَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي». [المُوَطَّأ] رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ الله تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ».

ثَالِثاً : الْحَثُّ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِمَا يَعْنِي

دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ اشْتِغَالَهُ بِمَا يَعْنِيهِ مِنَ الْأُمُورِ، كَمَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الزُّرْقَانِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي يَعْنِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَمَا تَعَلَّقَ بِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي مَعَاشِهِ مِنْ شِبَعٍ وَرِيٍّ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَعِفَّةِ فَرْجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْفَعُ الضَّرُورَةَ دُونَ مَزِيدِ النِّعَمِ. وَبِهَذَا يَسْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ دُنْيَا وَأُخْرَى. فَمَنْ عَبَدَ اللهَ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِنْ رَبِّه،ِ أَوْ قُرْبِ رَبِّهِ مِنْهُ، فَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ.[شَرْح الزُّرْقَانِي على الموطإ]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

حَثُّ الْإِسْلَامِ عَلَى فِعْلِ مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ وَالنَّفْعُ لِلْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَرْكُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عُمُرُهُ فِي سَفَاسِفِ الْأُمُورِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أَذْكُرُ بَعْضَ الْآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي.
  • مَاذَا يُسْتَفَادُ مِنْ حَثِّ الْإِسْلَامِ عَلَى الاِشْتِغَالِ بِمَا يَعْنِي؟
  • أَذْكُرُ نَمَاذِجَ مِمََّا يَعْنِي الْإِنْسَانَ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ مَظَاهِرَ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ.
  • أَنْ أُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي.

تَمْهِيدٌ

شَاءَتْ حِكْمَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَاللُّغَةُ وَالْعِرْقُ، وَذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الله الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَجِيبِ صُنْعِهِ. وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَكُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، تَجْمَعُهُمْ بِهَذَا رَوَابِطُ مَتِينَةٌ حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى بِنَائِهَا عَلَى أَسَاسِ أُخُوَّةٍ وَمَحَبَّةٍ شِعَارُهَا: أَنْ تُحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ.

فَمَا مَعْنَى مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ؟ وَمَا مَظَاهِرُهَا الَّتِي تُجَسِّدُهَا؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ خَادِمِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». [صَحيحَا الْبُخَارِي وَمُسْلِم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَأَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ الْأنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، يُكْنَى أَبَا حَمْزَةَ، خَادِمُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ. كَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَلَداً. دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:«اللهمَّ بَارِكْ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ». [مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى] وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي سَنَةٍ مرَّتَيْنٍ. وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ تِسْعِينَ، أَوْ إحْدَى، أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ لِلْهِجْرَةِ، عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الرُّوَاةِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ:

  • لاَ يُؤْمِنُ: لَا يَكْمُلُ إِيمَانُهُ.
  • يُحِبَّ  : الْمَحَبَّةُ: الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ، وَالْمُرَادُ: رَجَاءُ الْخَيْرِ لَهُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

  •  أُحَدِّدُ مَعْنَى «يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
  •  أُبَيِّنُ مِنَ اَلْحَدِيثِ وَجْهَ اَلْحَثِّ عَلَى إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ.

اَلتَّحْلِيلُ

يَدْعُو الْحَدِيثُ إِلَى مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَحَاوِرِ الثََّلَاثَةِ الْآتِيَةِ:

أَوَّلاً: مَعْنَى مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ

مَحَبَّةُ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ كَرَمٌ فِي النَّفْسِ يَدْفَعُ عَنْهَا كَثِيراً مِنَ الرُّعُونَاتِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ إِلَى أَخْلَاقٍ ذَمِيمَةٍ مِثْلِ الْحَسَدِ وَالْأَنَانِيَّةِ وَالِاسْتِئْثَارِ وَنَحْوِهَا، وَيَجْعَلُ صَاحِبَهَا يُحِبُّ الْخَيْرَ لِنَفْسِهِ وَلِكُلِّ النَّاسِ. وَقَدْ عَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ أَعْمَقَ وَأَبْلَغَ فِي قَوْلِهِ: «حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ إِذْ بَلَغَ بِكَرَمِ هَذِهِ النَّفْسِ إِلَى أَنْ تُحِبَّ لِغَيْرِهَا كُلَّ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِهَا مِنَ الْخَيْرِ، وَلَيْسَ مُطْلَقَ الْخَيْرِ فَحَسْبُ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ». وَمَعْنَاهُ: لَا يَكْمُلُ إيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ. وَيَحْصُلُ ذَلِكَ فِي أَدْنَى مَرَاتِبِهِ بِأَنْ يُحِبَّ لَهُ حُصُولَ مِثْلِ مَا حَصَلَ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ أَكْمَلِهَا أَنْ يُحِبَّ لِلنَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ. يُحْكَى أَنَّ الْفُضَيْلَ ابْنَ عِيَاضٍ قَالَ لِسُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مِثْلَكَ، فَمَا أَدَّيْتَ النَّصِيحَةَ لِرَبِّكَ، كَيْفَ وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا دُونَكَ؟». وَمِنْ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يَنْتَصِفَ مِنْ حَقِّهِ وَمَظْلَمَتِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِنْصَافِ أَخِيهِ مِنْ نَفْسِهِ إِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ أَوْ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ.

ثَانِياً: فَضْلُ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ

لِمَحَبَّةِ الْغَيْرِ وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ لَهُ مَكَانَةٌ كَبِيرَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، تَتَجَلَّى فِي: الْإِيمَانِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: «لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ». [صحيح ابن حبان]، أَمَّا أَصْلُهُ فَحَاصِلٌ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ.  أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ إِذَا سَلِمَ مِنَ الْحَسَدِ وَالْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْحِقْدِ وَالْأَنَانِيَّةِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا..». [السُّنَن الكُبْرَى للْبَيْهَقِيّ] فَمَحَبَّةُ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الْقَلْبِ مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلاَمَةٌ عَلَى صَلَاحِ الْقَلْبِ وَكَمَالِ الْإِيمَانِ.

ثَالِثاً: مَظَاهِرُ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ

لِمَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ مَظَاهِرُ وَعَلاَمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِعْلًا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، مِنْ ذَلِكَ:  أَنَّهُ يَفْرَحُ لِفَرَحِهِ، فَيَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ أَخَاهُ؛ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ.  أَنُّهُ يَحْزَنُ لِحُزْنِهِ، فَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُ أَخَاهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ». [البخاري ومسلم] أَنْ يُعامِلَهُ بِمِثْلِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «... فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ...».[صحيح مسلم] أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ، بَلْ مِنْ وَاجِبَاتِهِ الَّتِي لَا يَتِمُّ إِلََّا بِهَا. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ..». وَالْمُرَادُ نَفْيُ كَمَالِ

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَعَ الْمُؤْمِنِ كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ.
  • أَنَّ أَوَاصِرَ الْمَحَبَّةِ وَالْإِخَاءِ، تَبْنِي مُجْتَمَعاً مُتَمَاسِكاً يَسُودُ فِيهِ الْأَمْنُ وَالسَّلَامُ، وَتَنْتَشِرُ فِيهِ السَّكِينَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ.
  • أَنَّ ائْتِلَافَ قُلُوبِ النَّاسِ وَانْتِظَامَ أَحْوَالِهِمْ وَتَحْقِيقَ مَبْدَإِ التَّعَايُشِ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَكُونُ بِالْمَحَبَّةِ، وَيَزْدَادُ ذَلِكَ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِهِمُ الْخَيْرَ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • هَلْ حُبُّ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ يَتَعَارَضُ مَعَ مَا يُحِبُّهُ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ؟
  • مَا أَثَرُ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ:

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ بَعْضَ خِصَالِ الْإِيمَانِ.
  • أَنْ أُدْرِكَ بَعْضَ آثَارِ خِصَالِ الْإِيمَانِ.
  • أَنْ أَحْرِصَ عَلَى التَّخَلُّقِ بِخِصَالِ الْإِيمَانِ.

تَمْهِيدٌ:

لِلْإيمَانِ بِالله ارْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بِسُلُوكِ الْمُسْلِمِ؛ فَالْإِيمَانُ الصَّادِقُ هُوَ الَّذِي يُجَسِّدُهُ صَاحِبُهُ فِي خِصَالٍ كَرِيمَةٍ، كَحِفْظِ اللِّسَانِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ وَإكْرَامِ الضَّيْفِ؛ خِصَالٌ يَتَحَلَّى بِهَا وَيُتَرْجِمُ بِهَا إِيمَانَهُ إِلَى سُلُوكٍ عَمَلِيٍّ وَاقِعِيٍّ. فَمَا مَنْزِلَةُ حِفْظِ اللِّسَانِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ وَإكْرَامِ الضَّيْفِ مِنَ الْإِيمَانِ؟ وَمَا عَلاَقَةُ هَذِهِ الْخِصَالِ بِالْإِيمَانِ؟

الْحَدِيثُ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَليُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». [صَحِيحَا الْبُخَارِي وَمُسْلِم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

  • أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

الْيَوْمُ الْآخِرُ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ، وَلَا يُسَمَّى يَوْمًا إلَّا مَا أَعْقَبَهُ لَيْلٌ. يَصْمُتُ: بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُمِعَ كَسْرُهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، كَضَرَبَ يَضْرِبُ، وَالصَّمْتُ: السُّكُوتُ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • بِمَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟

اَلتَّحْلِيلُ:

يَتَنَاوَلُ هَذَا الدَّرْسُ: الْكَلاَمَ عَلَى بَعْضِ خِصَالِ الْإِيمَانِ الْمُتَمَثِّلَةِ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ، وَالْإحْسَانِ إِلَى الْجَارِ، وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَبَيَانَ مَظَاهِرِ عَلَاقَتِهَا بِالْإِيمَانِ؛ وَذَلِكَ فِي الْمَحَاوِرِ الْآتِيَةِ:

أَوَّلًا: حِفْظُ اللِّسَانِ

فَضْلُ حِفْظِ اللِّسَانِ

قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»، يَعْنِي مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ الْمُنْجِيَ مِنْ عَذَابِ الله، الْمُوصِلَ إِلَى رِضْوَانِ الله، «فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ»؛ لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِالله حَقَّ إِيمَانِهِ خَافَ وَعِيدَهُ، وَرَجَا ثَوَابَهُ، وَاجْتَهَدَ فَي فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَتَرْكِ مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَأَهَمُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ضَبْطُ جَوَارِحِهِ الَّتِي هِيَ رَعَايَاهُ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

image 0405 وَمِنْ أَسْبَابِ الْحَثِّ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ مَا يَأْتِي:

أأَنَّ اسْتِقَامَةَ اللِّسَانِ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ». أَنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ وَضَبْطَهُ سَبِيلُ النَّجَاةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذِ ابْنِ جَبَلٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِماً مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ».[فتح الباري، ونسبه للطبراني] وَمِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ: إِفْشَاءُ السَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، والْبَلاَغُ عَنِ الله تَعَالَى وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ عَنْ عِلْمٍ وَبِحِكْمَةٍ وَلُطْفٍ وَلِينٍ وَقَوْلٍ حَسَنٍ.

مَخَاطِرُ اللِّسَانِ

خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ اللِّسَانَ دُونَ غَيْرَهِ مِنَ الْجَوَارِحِ لِخُطُورَتِهِ الْمُتَمَثِّلَةِ فِيمَا يَأْتِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ يُسَجَّلُ عَلَيْهِ

أَنَّهُ أَكْثَرُ الْجَوَارِحِ ارْتِكَاباً لِلزَّلَّاتِ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ الْإِنْسَانَ إِلَى النَّارِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». [سنن الترمذي]. أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى قَسَاوَةِ الْقَلْبِ، كَمَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَرَضِيَ الله عَنْهُمَا مَرْفُوعاً: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الله الْقَلْبُ الْقَاسِي».[سنن الترمذي]

ثَانِياً: إِكْرَامُ الْجَارِ وَالضَّيْفِ

قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فَليُكْرِمْ جَارَهُ... فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»، فِيهِ تَعْرِيفٌ لِحَقِّ الْجَارِ وَالضَّيْفِ وَبِرِّهِمَا.

إِكْرَامُ الْجَارِ

أَوْصَى الله عَزَّ وَجَلَّ بِالْإحْسَانِ إِلَى الْجَارِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّرْغِيبِ فِي إكْرَامِ الْجَارِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ إِيذَائِهِ وَإلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِالْجَارِ عِنَايَةً خَاصَّةً تُثْمِرُ تَمَاسُكَ الْمُجْتَمَعِ، وَتُرَسِّخُ مَبْدَأَ التَّعَاوُنِ وَالتَّكَافُلِ وَالتَّعَايُشِ. وَمِنْ مَظَاهِرِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِالْجَارِ وَارْتِبَاطِ إكْرَامِهِ بِالْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْجَارِ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ الَّتِي لَا يَكْمُلُ إِلَّا بِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ الدَّرْسِ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ».

أَنَّ الْإحْسَانَ إِلَى الْجَارِ وَصِيَّةُ الله لِنَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا:«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». [صحيح الْبُخَارِيّ] أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ حَقِّهِ الْمُتَمَثِّلِ فِي عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَعَدَمِ الشِّرْكِ بِهِ، وَبَيْنَ حَقِّ الْجَارِ الْمُتَمَثِّلِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ: وَمِنْ إكْرَامِ الْجَارِ: إِسْدَاءُ ضُرُوبِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ، وَمُوَاسَاتُهُ بِمَا عِنْدَهُ، وَإِعَانَتُهُ إِذَا اسْتَعَانَ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ». [الجامع الصغير للسيوطي]

إِكْرَامُ الضَّيْفِ

إِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَآدابِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ. وَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكْرَامَ الضَّيْفِ مِنْ عَلاَمَاتِ الْإِيمَانِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الدَّرْسِ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله والْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». وَمِنْ إكْرَامِ الضَّيْفِ: حُسْنُ اسْتِقْبَالِهِ، وَتَلَقِّيهِ بِالْبَشَاشَةِ، وَإِظْهَارُ التَّرْحَابِ بِهِ، وَتَنْزِيلُهُ الْمَنْزِلَةَ اللَّائِقَةَ بِهِ، وَتَأْنِيسُهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَبِكَرِيمِ الْمُحَادَثَةِ وَحُسْنِ الْاِسْتِمَاعِ، وَمَدُّ يَدِ الْعَوْنِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مُحْتَاجاً، وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِ الْإفْصَاحِ عَنْ مَعَانِي الصِّحَاحِ: «فِي هَذَا الْحَديثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ أَنَّ إِكْرَامَ الضَّيْفِ عِبَادَةٌ لَا يَنْقُصُهَا أَنْ يُضِيفَ غَنِيّاً، وَلَا يُغَيِّرُهَا أَنْ يُقَدِّمَ إِلَى ضَيْفِهِ الْيَسِيرَ مِمَّا عِنْدَهُ؛ فَإكْرَامُهُ أَنْ يُسَارِعَ إِلَى الْبَشَاشَةِ فِي وَجْهِهِ، وَيُطَيِّبَ الْحَدِيثَ لَهُ. وَعِمَادُ أَمْرِ الضِّيَافَةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ بِمَا فَتَحَ الله مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ». وَمِنْ مَظَاهِرِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَارْتِبَاطِهِ بِالْإِيمَانِ: أَنَّ الضِّيَافَةَ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَدْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  •  أَنَّ قَوْلَ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ الصَّمْتِ، وَأَنَّ الصَّمْتَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّرِّ.
  •  تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَتَهْذِيبُهَا بِضَبْطِ اللِّسَانِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَالاِبْتِعَادِ بِهِ عَنْ كُلِّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَعَمَّا لَا نَفْعَ فِيهِ.
  •  حَثُّ الْإِسْلَامِ عَلَى الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْإحْسَانِ إِلَى الْجَارِ وَالضَََّيْفِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَمْتِينِ الرَّوَابِطِ وَتَقْوِيَةِ الْعَلَاقَاتِ وَإِشَاعَةِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ النَّاسِ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • لِمَاذَا خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّسَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَمَرَ بِحِفْظِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَوَارِحِ؟
  • أَذْكُرُ نَوْعَيْنِ أَسَاسَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ.
  • أُبَيِّنُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِكْرَامِ لِكُلٍّ مِنَ الْجَارِ وَالضَّيْفِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ الْغَضَبَ وَمَوْقِفَ الشَّرْعِ مِنْهُ.
  • أَنْ أُدْرِكَ ثَمَرَاتِ ضَبْطِ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ الْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لِلنَّهْيِ عَنِ الْغَضَبِ.

تَمْهِيدٌ

اَلْإِنْسَانُ اجْتِمَاعِيٌّ بِطَبْعِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يُخَالِطَ الْآخَرِينَ فَيُصِيبَهُ مِنْهُمْ أَذىً مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ فَيَغْضَبُ وَيَتَحَرَّكُ لِيُقَابِلَ الْأَذَى بِالْأَذَى وَالشَّرَّ بِمِثْلِهِ. وَدَفْعاً لِذَلِكَ فَلِلشَّرْعِ مَوْقِفٌ مِنَ الْغَضَبِ يَدْفَعُ بِهِ آثَارَهُ الْوَخِيمَةَ فِي نَفْسِيَّةِ الْفَرْدِ وَسُلُوكِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ. فَمَا مَوْقِفُ الشَّرْعِ مِنَ الْغَضَبِ؟ وَمَا أَثَرُ تَمَالُكِ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي. فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ». [صَحِيحُ البخاري]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

  • أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ:

  • أَوْصِنِي : اعْهَدْ إِلَيَّ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ يَنْفَعُنِي.
  • فَرَدَّدَ مِرَارًا: كَرَّرَ النَّهْيَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ.
  • لاَ تَغْضَبْ : لَا تُنَفِّذْ غَضَبَكَ ضِدَّ مَنْ أَغْضَبَكَ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

  • أُحَدِّدُ سَبَبَ قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَغْضَبْ".
  • أَسْتَوْحِي مِنَ الْحَدِيثِ سَبَبَ حَصْرِ الْجَوَابِ فِي كَلِمَةِ: "لاَ تَغْضَبْ".

اَلتَّحْلِيلُ

حَدِيثُ الدَّرْسِ مِنْ جَوَامعِ كَلِمِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ لَخَّصَ عِدَّةَ مَضَامِينَ أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: النَّهْيُ عَنِ الْغَضَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ

النَّهْيُ عَنِ الْغَضَبِ

لَمَّا طَلَبَ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَصِيَّةَ بِمَا يَنْفَعُهُ، قَالَ لَهُ: «لاَ تَغْضَبْ». وَتُعَدُّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمُخْتَصَرَةُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُظْهِرَةِ لِسُمُوِّ بَلَاغَتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ جَامِعَةٌ شَامِلَةٌ. فَفِيهَا النَّهْيُ عَنْ تَنْفِيذِ الْغَضَبِ، وَتَدْرِيبُ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَمْرُ بِضَبْطِ النَّفْسِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ الله تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

2. الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَغْضَبْ»

مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَغْضَبْ» : لَا تَسْتَجِبْ لِدَاعِي الْغَضَبِ فِي نَفْسِكَ، وَلَا تَنْجَرَّ إِلَى إِمْلَاءَاتِ النَّفْسِ الْغَضْبَى. فَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْغَضَبُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْأَذَى بِالْأَذَى، وَالشَّرِّ بِالشَّرِّ، وَالسَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا؛ أَمَّا الْغَضَبُ نَفْسُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شُعُورٌ، فَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لِأَنَّهُ مِنْ طَبَائِعِهِ؛ لَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُهَذِّبَ هَذِهِ الْغَرِيزَةَ بِأَنْ يَتَمَالَكَ نَفْسَهُ وَلَا يَنْقَادَ لَهَا؛ فَيُطْفِئُ جَمْرَةَ غَضَبِهِ، وَيَكْظِمُ غَيْظَهُ، وَلَا يُنَفِّذُ إِمْلَاءَاتِ النَّفْسِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَيُقَاوِمُ نَفْسَهُ الَّتِي قَدْ تَفْقِدُ اتِّزَانَهَا بِسَبَبِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَانْفِعَالَاتِ الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ». [مسند الإمام أحمد]. وَلِهَذَا يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ بِالْغَضَبِ مِنْ اعْتِدَالِ حَالِهِ، فَيَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ، وَيَرْتَكِبُ الْمَذْمُومَ، وَيَنْوِي الْحِقْدَ وَالْبَغْضَاءَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَالشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي يُزَيِّنُ التَّفَاعُلَ مَعَ الْغَضَبِ وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَجَابَ لِلْغَضَبِ فَقَدْ اسْتَجَابَ لِلشَّيْطَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ؛ وَالْوُضُوءُ وَالْاِسْتِعَاذَةُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ أَقْوَى السِّلَاحِ لِدَفْعِ كَيْدِهِ.

ثَانِياً: فَضْلُ مِلْكِ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ

لَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ النَّاتِجِ عَنِ الْغَضَبِ جِمَاعَ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَزَكِيَّ الثَّمَرَاتِ، مِنْ ذَلِكَ: نَيْلُ فَضْلِ مَدْحِ الله تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ لِمَنْ يَكْظِمُ غَضَبَهُ وَغَيْظَهُ؛ قَالَ تَعَالَى:

image 19011 [آل عمران:431]

وَفَضْلِ مَدْحِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».[صحيح البخاري] الْفَوْزُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ، دَعَاهُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ».[سنن الترمذي] أَنَّهُ أَحَدُ أَبْوَابِ الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: image 18022 [آل عمران:331 - 431]

مَلْءُ الْقَلْبِ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:»وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ الله قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .[المعجم الصغير للطبراني] إِرَاحَةُ الْقَلْبِ وَالْحِفَاظُ عَلَى الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ وَالْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِجَابَةَ لِلْغَضَبِ تُعَرِّضُ الصِّحَّةَ النَّفْسِيَّةَ وَالْجَسَدِيَّةَ لِلْمَخَاطِرِ وَالْأَعْرَاضِ السَّلْبِيَّةِ، كَمَا أَنَّ فِي دَفْعِ الْغَضَبِ عَنِ النَّفْسِ حِفَاظاً عَلَى الْعَلَاقَاتِ الْأُسْرِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

  • اللُّجُوءُ إِلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ لِطَلَبِ النُّصْحِ وَالْوَصِيَّةِ؛ حَيْثُ لَجَأَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  • نُصْحُ الْإِنْسَانِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ، كَمَا فَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذَا الصَّحَابِيِّ؛ حَيْثُ نَصَحَهُ بِدَفْعِ الْغَضَبِ عَنْ نَفْسِهِ.
  • الِاخْتِصَارُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالْحِرْصُ عَلَى أَنْ تَكُونَ جَامِعَةً؛ فَالرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ وَصِيَّتَهُ لِهَذَا الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ فِي كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ.

اَلتَّقْوِيمُ

  •  أُلَخِّصُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَغْضَبْ».
  • أَتَانِي أَحَدُ صَدِيقَيْنِ غَاضِباً مِنْ صَدِيقِهِ، وَهُوَ يُهَدِّدُ بِتَنْفِيذِ غَضَبِهِ، فَكَيْفَ أُقْنِعُهُ بِكَظْمِ غَيْظِهِ وَعَدَمِ الِانْسِيَاقِ وَرَاءَ غَضَبِهِ؟
  • أَذْكُرُ آثَارَ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
  • أَنْ أُدْرِكَ فَضْلَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ مَقَاصِدَ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

تَمْهِيدٌ

جَاءَ الْإِسْلَامُ رَحْمَةً لِكُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا، فَشَرَعَ الْإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَمَرَ بِهِ مَعَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَمَعَ الْحَيَوَانِ، وَفِي الْعِبَادَةِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ فِي الْإِتْقَانِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَظِيمَ الْأَجْر فِي الْجِنَانِ.

فَمَا الْمُرَادُ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ وَكَيْفَ نُحْسِنُ إِلَى الْحَيَوَانِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» [صَحِيح مسلم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو يَعْلَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ: أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ. مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ، رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ خَمْسِينَ حَدِيثاً، عُرِفَ بِالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْخَوْفِ مِنَ الله وَالْحِكْمَةِ. نَزَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَتُوُفِّيَ عَامَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ لِلْهِجْرَةِ.

شرْحُ المفردات: 

 كَتَبَ الْإِحْسَانَ: فَرَضَ الْإِتْقَانَ وَشَرَعَهُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِين:

مَا الْمَقْصُودُ بِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»؟

أَسْتَخْلِصُ مِنْ الْحَدِيثِ كَيْفَ يَكُونُ الْإِحْسَانُ؟

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ الْحَدِيثُ عَلَى فِقْهٍ عَظِيمٍ يَعُمُّ كُلَّ الْأَبْوَابِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ فِقْهُ الْإِحْسَانِ، وَبَيَانُهُ فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: مَعْنَى الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ

قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:»إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الْإِحْسَانَ وَالْإِتْقَانَ وَتَحْقِيقَ الْجَوْدَةِ وَاجِبٌ وَمَطْلُوبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ وَكَلِمَةُ شَيْءٍ مِنْ أَنْكَرِ النَّكِرَاتِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا أَيُّ عَمَلٍ.

فَفِي الْعِبَادَاتِ يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».[صحيحَا البخاري ومسلم] وَفِي الْمُعَامَلَاتِ أَمَرَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْسَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».[صحيح الْبُخَاريّ] وَفِي الْحِوَارِ وَالْجِدَالِ يَقُولُ الله عَزَّوَجَلَّ: 

image19 0602

[العنكبوت: 64]. وَفِي الْأَعْمَالِ كُلِّهَا يَقُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ». [الأوسط للطبراني،وشعب الإيمان للبيهقي]

ثَانِياً: الْإِحْسَانُ إِلَى الْحَيَوَانِ

حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانَاتِ والرِّفْقِ بِهَا وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ وَالثَّوَابَ الجَزِيلَ، كَمَا فِي إِرْشَادِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ لَمَّا سَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْراً؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». [الموطأ]، وَفي نَهْيِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن تَعْذِيبِهَا أَوْ ضَرْبِهَا أَوْ حَبْسِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» [صحيح مسلم] . وَمَعْنَى أَنْ تُصْبَرَ: أَنْ تُحْبَسَ بِلَا طَعَامٍ وَ لَا شَرَابٍ، وَكَمَا فِي حَديثِ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ» [سنن ابن ماجة].

وَمِنْ مَظَاهِرِ هَذَا الإِحْسَانِ مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ»: مِنْ الْإِحْسَانِ فِي ذَبْحِ الْبَهَائِمِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُتْقِنَ الذَّابِحُ ذَلِكَ وَيَتَجَنَّبَ التَّعْذِيبَ؛ وَأَنْ يَرْفُقَ بِالْبَهِيمَةِ فَلَا يَصْرَعْهَا بَغْتَةً، وَلَا يَجُرَّهَا مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَأَنْ يُحِدَّ السِّكِّينَ، وَأَنْ يُوَجِّهَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيُسَمِّيَ وَيَحْمَدَ اللهَ تَعَالَى، وَيَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ، وَيَتْرُكَهَا إِلَى أَنْ تَبْرُدَ، وَأَنْ لَا يَشْحَذَ السِّكِّينَ أَمَامَهَا، وَأَنْ لَا يَذْبَحَ ذَبِيحَةً أُخْرَى أَمَامَهَا، وَأَنْ لَا يَقْطَعَ شَيْئاً مِنْهَا حَتَّى تَمُوتَ.

وَكَمَا يُطْلَبُ الْإِحْسَانُ فِي ذَبْحِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي أَحَلَّ الله أَكْلَهَا، يُطْلَبُ أَيْضاً فِي قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي أَبَاحَ الشَّرْعُ قَتْلَهَا لِضَرَرِهَا بِالْإِنْسَانِ، كَالْأَفَاعِي وَالْعَقَارِبِ وَالْفِئْرَانِ، أَوِالَّتِي نَزَلَ بِهَا بَعْضُ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ بُرْؤُهَا.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

  • إِحْسَانُ الْمُسْلِمِ فِي عَقِيدَتِهِ وَسُلُوكِهِ بِمُرَاقَبَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي عِبَادَتِهِ بِالطَّاعَةِ الْخَالِصَةِ لَهُ دُونَ رِيَاءٍ.
  • اَلْإِحْسَانُ فِي مُعَامَلَةِ الْجَارِ وَالتَّحَبُّبُ إِلَيْهِ كَمَا يُتَحَبَّبُ إِلَى الْأَقَارِبِ، وَرِعايَةُ حَقِّهِ فِي مَشْهَدِهِ وَمَغِيبِهِ، وَحِفْظُ سِرِّهِ، وَمُوَاسَاتُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ أَوْ فَقْرِهِ.
  • الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِإِدَامَةِ مَحَبَّتِهِمْ وَبِرِّهِمْ وَصِلَتِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالصَّدَقَةِ عَنْهُمْ، وَصِلَةِ أَهْلِ وُدِّهِمْ.
  • أَنَّ الْمُحْسِنَ يَسْتَحِقُّ مَحَبَّةَ الله تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ جَزَاءً وِفَاقاً، وَيَسْتَوْجِبُ مَحَبَّةَ النَّاسِ جَزَاءَ إِحْسَانِهِ فِي أَخْلَاقِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ
  • أَنَّ الْإِحْسَانَ مَبْدَأٌ إِسْلَامِيٌّ عَامٌّ يَشْمُلُ جَمِيعَ شُؤُونِ الْحَيَاةِ وَجَمِيعَ عَلَاَقاتِ الْإِنْسَانِ بِالْإِنْسَانِ وَبِالْأَكْوَانِ.

اَلتَّقْوِيمُ:

  • أَذْكُرُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
  • أَذْكُرُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ تُعْتَبَرُ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ.
  • أُبَيِّنُ بَعْضَ فَوَائِدِ الْإِحْسَانِ وَأَسْتَدِلُّ عَلَيْهَا بنُصُوصٍ شَرْعِيَّةِ.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ التَّقْوَى وَوَسِيلَةَ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا.
  • أَنْ أُدْرِكَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ التَّقْوَى وَالْخُلُقِ الْحَسَنِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ تَقْوَى الله وَالْمُخَالَقَةَ الْحَسَنَةَ.

تَمْهِيدٌ

بَعَثَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرُّسُلَ دُعَاةً إِلَى تَوْحِيدِ الله وَتَقْوَاهُ حَقَّ التَّقْوَى وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ». [الموطأ]

فَمَا التَّقْوَى؟ وَكَيْفَ نُحَافِظُ عَلَيْهَا؟ وَمَا الْخُلُقُ الْحَسَنُ الَّذِي نُخَالِقُ بِهِ النَّاسَ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». [سُنَنُ الترمذي]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لِلْإِسْلَامِ، وَصَفَهُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَاأَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ». [سنن الترمذي] نَزَلَ الرَّبَذَةَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا عَامَ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ. مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَزْرَجِيُّ الْمَدَنِيُّ الْبَدْرِيُّ، أَسْلَمَ وَسِنُّهُ لَاتَتَجَاوَزُ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ كَامِلاً فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. عُرِفَ بِالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالتَّصَدُّقِ، وَتُوُفِّيَ بِالشَّامِ عَامَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ:

اتَّقِ اللهَ : أَمْرٌمِنَ التَّقْوَى، وَهِيَ: جَعْلُ الْعَبْدِ وِقَايَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَذَابِ الله، تَمْحُهَا : تُزِلْ آثَارَهَا وَإِثْمَهَا، خَالِقِ النَّاسَ: عَامِلِ النَّاسَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

  • مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ»؟
  • مَا فَضْلُ إِتْبَاعِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ وَمُخَالَقَةِ النَّاسِ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ؟

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ حَدِيثُ الدَّرْسِ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: أَمْرُ الله عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّقْوَى فِي كُلِّ مَكَانٍ

يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ» أَيْ: فِي أَيِّ مَكَانٍ كُنْتَ. وَسَبَبُ وُرُودِ هَذَاالْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ الله عَنْهُ أَسْلَمَ وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِقَوْمِهِ، فَلَمَّا رَأَى حِرْصَهُ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهُ بِمَكَّةَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ لَهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا...». فَالْأَمْرُ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَالتَّقْوَى مَأْمُورٌ بِهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ زَمَانٍ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ، وَفِي أَيِّ مَجَالٍ، وَلَيْسَ فِي مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ دُونَ آخَرَ؛ فَالْمُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِالتَّقْوَى فِي أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ، وَفِي الْمَنْزِلِ، وَالسُّوقِ وَالتِّجَارَةِ، وَالْعَمَلِ، وَفِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَفِي حَالِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ.

ثَانِياً: الْأَمْرُ بِإِتْبَاعِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ

بَعْدَ أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّقْوَى أَمَرَ بِإِتْبَاعِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ فَقَالَ: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»، حِفَاظاً عَلَى مُدَاوَمَةِ الْتِزَامِ التَّقْوَى، وَعَدَمِ إِهْمَالِهَا فِي أَيِّ لَحْظَةٍ أَوْ فِي أَيِّ حَالٍ.

وَعَلَاقَتُهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى: أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، فَإِنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ مِنْهُ غَفْلَةٌ، فَيَقَعُ فِي صِغَارِ الْمَعَاصِي، أَوْ يُقَصِّرُ فِيمَا تُوجِبُهُ التَّقْوَى، فَطُلِبَ مِنْهُ إِتْبَاعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ؛ لِتَمْحُوَهَا وَتُزِيلَ آثَارَهَا، وَيُحَافِظَ الْإِنْسَانُ بِذَلِكَ

عَلَى تَقْوَاهُ، يَقُولُ الله عَزَّ وَجَل:

image 2105 [هود: 411].

وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنَةِ مَا يَشْمَلُ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَكُلَّ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ، كَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالتَّعَاوُنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». [صحيح مسلم]

ثَالِثاً: الْأَمْرُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَفَضْلُهُ

الْأَمْرُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ

أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَالَقَةِ النَّاسِ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ، فَقَالَ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، أَيْ: عَامِلِ النَّاسَ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ أَيْضاً بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ. وَمِنَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مُعَامَلَةُ النَّاسِ بِالصِّدْقِ وَالإِحْسَانِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ، وَمُسَاعَدَةُ الْمُحْتَاجِ وَالضَّعِيفِ مِنْهُمْ، وَتَوْقِيرُ كَبِيرِهِمْ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْهُمْ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ بِعَدَمِ الْكَذِبِ وَالْغِشِّ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَعَدَمِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ وَالِاحْتِقَارِ لَهُمْ، وَعَدَمِ إِذَايَةِ الْجِيرَانِ...؛ فَالْأَمْرُ بِالْمُخَالَقَةِ الْحَسَنَةِ يَعْنِي التَّحَلِّيَ بِحُسْنِ الخُلُقِ فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ جَمِيعاً، وَتَرْكَ كُلِّ مَا فِيهِ أَذىً لَهُمْ.

فَضْلُ حُسْنِ الْخُلُقِ

لِلْخُلُقِ الْحَسَنِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَأَجْرٌ عَمِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهُوَفِي الدُّنْيَا مَحْمَدَةٌ وَعِبَادَةٌ وَنَيْلٌ لِمَحَبَّةِ النَّاسِ، وَفِي الْآخِرَةِ رِفْعَةٌ لِلْعَبْدِ وَثِقَلٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ».[سنن الترمذي] وَصَاحِبُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبِهِمْ مَجْلِساً مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:»إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا».[سنن الترمذي] وَحُسْنُ الْخُلُقِ مِنْ صِفَاتِ النَّبِيئِينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَخِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَايَجْزُونَ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، بَلْ يَعْفُونَ وَيَصْفَحُونَ، وَيُحْسِنُونَ مَعَ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمْ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • أَنَّ التَّقْوَى وَحُسْنَ الْخُلُقِ قَرِينَانِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَّقِياً وَسَيِّئَ الْخُلُقِ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
  • أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ نَفْعُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالتَّحَلِّي بِحُسْنِ الْخُلُقِ فِي الْمُعَامَلَةِ.
  • أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جَعَلَ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ؛ فَيَتُوبُ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَسْتَبِدُّ بِهِ القُنُوطُ وَالْحَسْرَةُ.
  • أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ مَطْلُوبٌ مَعَ كُلِّ النَّاسِ، دُونَ تَفْرِيقٍ بِالنَّسـَبِ أَوِ الدِّيـنِ أَوِ الَّلوْنِ أَوْ غَيْرِهَا.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»؟
  •  أُبَيِّنُ فَضْلَ حُسْنِ الْخُلُقِ فِي الْآخِرَةِ، مُسْتَشْهِداً بِبَعْضِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ.
  • بِمَ أَنْصَحُ شَخْصاً نَدِمَ عَلَى مَا اقْتَرَفَ مِنَ الْمَعَاصِي؟

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى حِفْظِ الله.
  • أَنْ أُدْرِكَ ثَمَرَةَ حِفْظِ الله، وَالْعَلَاقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِقَدَرِهِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ الْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ مِنَ الْأَمْرِ بِحِفْظِ الله وَالتَّعَلُّقِ بِهِ.

تَمْهِيدٌ

مِنْ ثَمَرَةِ حِفْظِ الله تَعَالَى، وَالتَّعَلُّقِ بِهِ سُؤَالاً وَطَلَباً، سِرّاً وَعَلَناً، فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، أَنْ يُشْمَلَ الْعَبْدُ بِحِفْظٍ إِلَهِيٍّ شَامِلٍ، يَجْعَلُهُ مُخْلِصاً فِي إِيمَانِهِ، مُطْمَئِنّاً فِي نَفْسِهِ، صَالِحاً فِي حَالِهِ، مُوَفَّقاً فِي عَمَلِهِ. فَمَا مَعْنَى حِفْظِ الله؟ وَمَا ثَمَرَتُهُ وَعَلَاقَتُهُ بِالْإِيمَانِ بِقَدَرِ الله؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومَاً، فَقَالَ: «يَاغُلاَمُ؛ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإِنْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». [سُنَنُ الترمذي]

وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ: «اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى الله فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ. وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً». [المستدرك للحاكم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: هُوَ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، مَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، حَنَّكَهُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِيقِهِ، وَدَعَا لَهُ فَقَالَ: «الَّلهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ». [المعجم الصغير للطبراني]، وَدَعَا لَهُ بِأَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَكَانَ بَحْرَ الْأُمَّةِ، وَحَبْرَهَا، وَتُرْجُمَانَ الْقُرْءَانِ. عُرِفَ بِرَجَاحَةِ عَقْلِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَفِقْهِهِ وَعِلْمِهِ. تُوُفِّيَ رَضِيَ الله عَنْهُ عَامَ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

اِحْفَظِ اللهَ : احْفَظْ أَوَامِرَ الله وَنَوَاهِيَهُ بِالِامْتِثَالِ. تَجِدْهُ تُجَاهَكَ: تَلْقَهُ أَمَامَكَ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُ مِنْ جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ مَكْرُوهٍ. كَتَبَهُ الله لَك : قَدَّرَهُ لَكَ.  جَفَّتِ الصُّحُفُ: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ مَا قَدَّرَهُ الله لَا تَبْدِيلَ لَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. تَعَرَّفْ إِلَى الله: قُمْ بِحُقُوقِهِ وَوَاجِبَاتِهِ. فِي الرَّخَاءِ: فِي الصِّحَّةِ وَالْغِنَى. مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ: مَا قَدَّرَ الله أَنْ يُخْطِئَكَ لَنْ يُصِيبَكَ أَبَداً. وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَـرْبِ: أَنَّ ذَهَابَ الشِّدَّةِ وَزَوَالَهَا يَكُونُ بَعْدَ الْعُسْرِ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • أَسْتَخْرِجُ مِنَ الحَدِيثِ وَصَايَا رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا.
  • مَا فَضْلُ حِفْظِ الله تَعَالَى وَالتَّعَلُّقِ بِهِ؟
  • أَسْتَخْرِجُ مِنَ الْمَتْنِ عَجْزَ النَّاسِ كُلِّهِمْ عَنْ نَفْعِ أَحَدٍ أَوْ ضَرِّهِ بِشَيْءٍ دُونَ إِذْنٍ مِنَ الله تَعَالَى.

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ حَدِيثُ الدَّرْسِ عَلَى وَصَايَا عَظِيمَةٍ جَامِعَةٍ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، نُجْمِلُهَا فِي الْآتِي:

أَوَّلاً: مَعْنَى حِفْظِ الله تَعَالَى وَثَمَرَاتُهُ

قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»، مَعْنَاهُ: اِعْمَلْ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَلَا يَرَكَ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ مَعَكَ فِي الشَّدَائِدِ، يَحْفَظُكَ بِحِفْظِهِ وَيَرْعَاكَ بِعِنَايَتِهِ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ ذَلِكَ: أَنَّك إِذَا حَفِظْتَ اللهَ حَقَّ الْحِفْظِ حَفِظَكَ بِكَمَالِ الرِّعَايَةِ وَالْحِفْظِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، خُصُوصاً حَالَ الشِّدَّةِ؛ كَمَا وَقَعَ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ الْمَطَرُ فَآوَوْا إِلَى غَارٍ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا: انْظُرُوا مَا عَمِلْتُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى بِهَا، فَإِنَّهُ يُنْجِيكُمْ. فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَابِقَةً سَبَقَتْ لَهُ مَعَ رَبِّهِ، فَانْحَدَرَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ. وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَمَنْ كَانَ مُطِيعاً لِرَبِّهِ، مُؤْتَمِراً بِأَوَامِرِهِ، مُنْتَهِياً عَنْ نَوَاهِيهِ، كَانَ الله لَهُ فِي دُنْيَاهُ بِإِصْلَاحِ الْحَالِ، وَفِي أُخْرَاهُ بِالْإِثَابَةِ وَالرِّضْوَانِ.

ثَانِياً: التَّوَكُّلُ عَلَى الله تَعَالَى وَالتَّعَلُّقُ بِهِ عَزَّوَجَلَّ:

قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله»، فِيهِ إِرْشَادٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا إِلَى التَّوَكُّلِ عَلَى الله تَعَالَى، وَأَنْ لَا يُعَوِّلَ عَلَى سِوَاهُ، وَلَا يَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ مَا قَلَّ مِنْهَا أَوْ كَثُرَ.:

فَبِقَدْرِ مَا يَرْكَنُ الشَّخْصُ إِلَى غَيْرِ الله تَعَالَى بِطَلَبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ أَوْ بِأَمَلِهِ، يَكُونُ قَدْ أَعْرَضَ عَنْ رَبِّهِ وَالْتَجَأَ إِلَى مَنْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ.

فلَا تَتَوَجَّهْ إِلَى غَيْرِ الله رَجَاءً وَرَغْبَةً، أَوْ خَوْفًا وَرَهْبَةً؛ فَإِذَا سَأَلْتَ أَوِ اسْتَعَنْتَ فِي خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، فَاسْأَلِ اللهَ وَحْدَهُ وَاسْتَعِنْ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ، أَوْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِتَحْفَظَ لَهُ حَقَّ الْعِبَادَةِ الْخَالِصَةِ، كَمَا يَسْتَوْجِبُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: image 2107 [غافر: 31]

ثَالِثاً: الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ الله وَقَدَرِهِ

قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ. رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» فِيهِ تَأْكِيدُ: أَنَّ الْإِيمَانَ بِقَضَاءِ الله وَقَدَرِهِ رُكْنٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، الَّتِي تُثْمِرُ أَنْ لَا يَخَافَ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَسْأَلَ غَيْرَ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا يَنَالُهُ نَفْعٌ أَوْ ضُرٌّ إِلَّا بِقَضَاءِ الله، الَّذِي لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إِنْزَالَهُ أَوْ دَفْعَهُ؛ فَلَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى نَفْعِكَ أَوْ ضَرِّكَ مَا قَدَرَتْ إِلَّا بِإِذْنِ الله.   فَالْإِيمَانُ بِقَضَاءِ الله وَقَدَرِهِ يُثْمِرُ عَدَمَ تَعَلُّقِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَالْكُلُّ بِقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ الَّذِي يَجِبُ الرِّضَا بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ. وَهَذَا مَا يُؤَكِّدُهُ أَيْضاً قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ». وَقَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» تَأْكِيدٌ أَيْضاً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خِلَافُ مَا كَتَبَهُ الله لَكَ أَوْ عَلَيْكَ بِنَسْخٍ أَوْ تَبْدِيلٍ.

رَابِعاً: الْفَرَجُ مَعَ الصَّبْرِ

وَقَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:»وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا سِيَّمَا الصَّالِحُونَ مِنْهُمْ، مُعَرَّضُونَ لِلْمَصَائِبِ وَالِابْتِلَاءَاتِ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:

image 210801 [البقرة: 451- 651]

.وَقَوْلِهِ تَعَالَى: image 21009 . [الزمر: 11]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • الْيَقِينُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَنْ يَفُوتَهُ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يُدْرِكَ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ، فَلْيُجْمِلْ فِي الطَّلَبِ
  • تَوْطِينُ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتُهَا عَلَى الثِّقَةِ بالله تَعَالَى وَدَفْعِ الْيَأْسِ وَالصَّبْرِ عَلَى الِابْتِلَاءِ.
  • الْأَخْذُ بِالُّلطْفِ وَالِّلينِ فِي تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ وَتعْلِيمِهِ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: «يَاغُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ».

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ»؟
  • أُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ التَّعَلُّقِ بِالله.
  • أُوَفِّقُ: بَيْنَ مَعْنَى: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ»، وَبَيْنَ نَفْعِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً.

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  •  أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الْحَيَاءِ وثَمَرَتَهُ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ مَظَاهِرَ الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ مِنَ الْحَيَاءِ.
  • أَنْ أَتَمَثَّلَ الْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ تَشْرِيعِ الْحَيَاءِ.

تَمْهِيدٌ

مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَامِعَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ فِي شَرَائِعِهِمْ، وَعُرِفَتْ مِنْ ضِمْنِ الْمَحَامِدِ فِي مَأْثُورِ كُلِّ الْأُمَمِ، وَأَكَّدَتْهَا الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، وَعَدَّتْهَا مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا الْفَضْلَ الْكَثِيرَ، خُلُقُ الْحَيَاءِ.

فَمَا الْمُرَادُ بِالْحَيَاءِ؟ وَمَا ثَمَرَتُهُ؟ وَمَا مَظَاهِرُهُ وَأَنْوَاعُهُ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».[صَحِيح البخاري]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْبَدْرِيُّ، سُمِّيَ بَدْرِيّاً لِأَنَّهُ سَكَنَ بَدْراً وَاشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَشْهَدْ غَزْوَةَ بَدْرٍ، وَشَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةَ وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِ الْقَوْمِ سِنّاً، وَشَهِدَ أُحُداً وَمَا بَعْدَهَا؛ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ. اسْتَخْلَفَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْكُوفَةِ يَوْمَ صِفِّينَ، وَتُوُفِّيَ عَامَ وَاحِدٍ وَ أَربَعِينَ لِلْهِجْرَةِ.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ: مِمَّا عَرَفُوهُ مَأْثُوراً عِنْدَهُمْ. مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: شَرِائِعِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ. لَمْ تَستَحْيِ: مُضَارِعُ اسْتَحْيَى، وَفِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِ بِدُونِ يَاءٍ، مِنْ اسْتَحَى، بِمَعْنَى خَجِلَ وَاحْتَشَمَ. فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ: هُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِمَعْنَى: افْعَلْ مَا شِئْتَ وَالله مُجَازِيكَ، أَوْ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَيَاءٌ فَعَلَ كُلَّ مَا يُسْتَنْكَرُ.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ:

أُبَيِّنُ الْمَضْمُونَ العَامَّ لِلْحَدِيثِ.

اَلتَّحْلِيلُ

يَشْتَمِلُ هَذَا الدَّرْسُ عَلَى الْكَلَامِ عَنْ خُلُقِ الْحَيَاءِ؛ وَبَيَانُهُ فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: مَعْنَى الْحَيَاءِ

الْحَيَاءُ لُغَةً: بِالْمَدِّ الْحِشْمَةُ وَالِانْقِبَاضُ، وَالِامْتِنَاعُ وَالتَّرْكُ، وَالِاسْتِبْقَاءُ. وَالِاسْتِحْيَاءُ: اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَيَاءِ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، مِثْلُ: اسْتَجَابَ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عُرِّفَ الْحَيَاءُ بِتَعْرِيفَاتٍ عِدَّةٍ مِنْهَا: خُلُقٌ يَحْمِلُ عَلَى إِتْيَانِ الْحَمِيدِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ. وَالْحَيَاءُ نَوْعَانِ: نَفْسَانِيٌّ، وَإِيمَانِيٌّ. فَالنَّفْسَانِيُّ: الْجِبِلِّيُّ الَّذِي خَلَقَهُ الله فِي النُّفُوسِ، كَالْحَيَاءِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِهِ؛ وَالْإِيمَانِيُّ: مَا يَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ.

ثَانِياً: ثَمَرَةُ الْحَيَاءِ

قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»، فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ خَرَجَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الْأَمْرُ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَأْتُونَ وَمَا يَتْرُكُونَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَمْتَثِلُوا.  ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَيَاءٌ فَعَلَ كُلَّ مَا يُسْتَنْكَرُ. فَيُفْهِمُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَحْمِلُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّ عَدَمَهُ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعَاصِي؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ». [المستدرك للحاكم]؛ فَلَمَّا كَانَ الْحَيَاءُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَيَحْمِلُ عَلَى الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ صَاحِبَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ، صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيمَانِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ. وَمِنْ ثَمَرَتِهِ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ؛ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ». [سنن الترمذي] وَالْبَذَاءُ: الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ.

ثَالِثاً: مَظَاهِرُ الْحَيَاءِ

مِنْ مَظَاهِرِ الَحَيَاءِ الْمَمْدُوحِ وَالْمَشْرُوعِ: فِعْلُ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمُرَاعَاةُ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ وَالْبُرُورُ بِهِمَا، وَعَدَمُ إِذَايَةِ الْجِيرَانِ، وَتَجَنُّبُ فُحْشِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، وَتَوْقِيرُ الْكَبِيرِ وَالُّلطْفُ بِالصَّغِيرِ، وَاحْتِرَامُ الطُّرُقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَشْرُوعَةِ وَالْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا. وَلَيْسَ مِنَ الْحَيَاءِ فِعْلُ الْمَعَاصِي، وَتَحْلِيلُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَعَدَمُ سُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا يَنْفَعُ، وَعَدَمُ طَلَبِ الْعِلْمِ بِدَعْوَى الْحَيَاءِ، وَتَرْكُ الْمَبَادِئِ وَالْأَخْلَاقِ، وَعَدَمُ الْكَلَامِ فِيمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُسَمَّى حَيَاءً شَرْعاً، أَوْ هُوَ حَيَاءٌ مَذْمُومٌ، بَلْ هُوَ خَجَلٌ مَنْبُوذٌ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ

  • اَلْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَخُلُقٌ جَامِعٌ لِكُلِّ الْفَضَائِلِ وَالْمَكَارِمِ.
  • اَلْحَيَاءُ سُلْطَةٌ ذَاتِيَّةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُصْلِحَ الْمُجْتَمَعَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا لَمْ تَستَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».
  • اَلْحَيَاءُ تَرْبِيَةٌ وَسُلُوكٌ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ.

اَلتَّقْوِيمُ

  • مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»؟
  • أَذْكُرُ ثَلَاثَةَ مَظَاهِرَ لِكُلٍّ مِنَ الْحَيَاءِ الْمَمْدُوحِ وَالْحَيَاءِ الْمَذْمُومِ.
  • أُعِدُّ نَصِيحَةً لِطَالِبِ الْعِلْمِ الَّذِي يَتْرُكُ اسْتِفْسَارَ الْأُسْتَاذِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ.
1. أَنْ أَتَعَرَّفَ مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ وَفَضْلَهَا. 2. أَنْ أُدْرِكَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ. 3. أَنْ أَحْرِصَ عَلَى أَنْ أَتَمَثَّلَ الِاسْتِقَامَةَ فِي سُلُوكِي.

تَمْهِيدٌ

كُلَّمَا سُئِلَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ جَامِعٍ فِي الدِّينِ مُلَخِّصٍ لِمَقَاصِدِهِ وَتَشْرِيعَاتِهِ، أَوْ طُلِبَتْ مِنْهُ وَصِيَّةٌ نَافِعَةٌ، أَجَابَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ بِمَا يُصْلِحُ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِقَامَةِ. فَمَا الْمُرَادُ بِالِاسْتِقَامَةِ؟ وَمَا عَلَاقَتُهَا بِالْإِيمَانِ؟ وَمَا فَضْلُهَا وَثَمَرَتُهُا؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَبِي عَمْرَةَ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَارَسُولَ الله قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ. قَالَ: «قُلْ: آمَنْتُ بالله ثُمَّ اسْتَقِمْ». [صَحِيح مسلم]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَبُو عَمْرَةَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الله الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ، أَسْلَمَ مَعَ الْوَفْدِ الَّذِي قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ صُحْبَةٌ وَسَمَاعٌ وَرِوَايَةٌ، اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُرَضِيَ الله عَنْهُ عَلَى صَدَقَاتِ الطَّائِفِ

اَلْفَهْمُ

شرْحُ المفردات

  • قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ : فِي دِينِ الله، فَيَشْمَلُ الْعَقِيدَةَ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.
  • .قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ: أَيْ جَامِعاً يُغْنِينِي عَنْ سُؤَالِ غَيْرِكَ
  •  ثُـمَّ اسْـتَـقِـمْ : مِنَ الِاسْتِقَامَةِ وَهِيَ ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ، أَيْ: اثْبُتْ عَلَى دِينِ الله فِي اعْتِقَادِكَ وَأَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ.

اسْتِخْلَاص الْمَضَامِينِ:

1. مَا الْمُرَادُ بِالِاسْتِقَامَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ؟ 2. أَسْتَخْرِجُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَلَاقَةِ الِاسْتِقَامَةِ بِالْإِيمَانِ.

اَلتَّحْلِيلُ:

اشْتَمَلَ حَدِيثُ الدَّرْسِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ وَبِالِاسْتِقَامَةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ وَعَلَاقَتُهَا بِالْإِيمَانِ

مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ

الِاسْتِقَامَةُ لُغَةً: ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ وَالِانْحِرَافِ. وَشَرْعاً: الِاعْتِدَالُ عَلَى طَاعَةِ الله عَقِيدَةً وَقَوْلاً وَفِعْلاً. فَالِاسْتِقَامَةُ هِيَ لُزُومُ الطَّاعَةِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالنِّيَّاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. وَمَعْنَى قَوْلِ السَّائِلِ: «قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلاً لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ»: عَلِّمْنِي قَوْلاً جَامِعاً لِمَعَانِي الْإِسْلَامِ وَاضِحاً فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرِ غَيْرِكَ، أَعْمَلُ عَلَيْهِ وَأَتَّقِي بِهِ. فَأَجَابَهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «قُلْ: آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ». وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ جَمَعَ لِهَذَا السَّائِلِ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مَعَانِيَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ كُلَّهَا، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إِيمَانَهُ بِلِسَانِهِ، مُتَذَكِّراً بِقَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَقِيمَ عَلَى أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ مُنْتَهِياً عَنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ؛ إِذْ لَا تَتَأَتَّى الِاسْتِقَامَةُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الِاعْوِجَاجِ، فَإِنَّهَا ضِدُّهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: image220202 [فصلت: 92] . أَيْ: آمَنُوا بِالله وَحْدَهُ، ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الطَّاعَةِ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُمُ الله عَلَيْهَا. قَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ: «اسْتَقَامُوا وَالله عَلَى طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ». وَمَعْنَاهُ: اعْتَدَلُوا عَلَى طَاعَةِ الله عَقْداً وَقَوْلاً وَفِعْلاً. وَدَامُوا عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: IMAGE 2203 [ هود: 211] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ آيَةٌ كَانَتْ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا». [سنن الترمذي]

عَلَاقَةُ الِاسْتِقَامَةِ بالْإِيمَانِ

الِاسْتِقَامَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِهِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْعَطْفُ فِي الْحَدِيثِ بِ  «ثُمَّ» الَّتِي تُفِيدُ التَّرْتِيبَ؛ فَالِاسْتِقَامَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ، فَإِذَا حَصَلَتِ الِاسْتِقَامَةُ فَالْإِيمَانُ حَاصِلٌ لِأَنَّهَا نَتِيجَتُهُ، كَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ وَحْدَهُ بِدُونِ اسْتِقَامَةٍ لَا يَكْفِي؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ»، وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: image220202 [فصلت: 92] لِأَنَّ الْإِيمَانَ جَاءَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْتَقِيمَ الْإِنْسَانُ

ثَانِياً: فَضْلُ الِاسْتِقَامَةِ وَثَمَرَاتُهَا

قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِىُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: «الِاسْتِقَامَةُ دَرَجَةٌ بِهَا كَمَالُ الْأُمُورِ وَتَمَامُهَا، وَبِوُجُودِهَا حُصُولُ الْخَيْرَاتِ وَنِظَامُهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِيماً فِي حَالِ سَعْيِهِ ضَاعَ سَعْيُهُ وَخَابَ جِدُّهُ». قَالَ: وَقِيلَ: الِاسْتِقَامَةُ لَا يُطِيقُهَا إِلَّا الْأَكَابِرُ؛ لِأَنَّهَا الْخُرُوجُ عَنِ الْمَعْهُودَاتِ، وَمُفَارَقَةُ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ، وَالْقِيَامُ بَيْنَ يَدَيِ الله تَعَالَى عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا».[الموطأ] أَيْ لَنْ تُحْصُوا فَضْلَهَا وَثَمَرَاتِهَا. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: الِاسْتِقَامَةُ هِيَ: الخَصْلَةُ الَّتِي بِهَا كَمُلَتِ الْمَحَاسِنُ، وَبِفَقْدِهَا قَبُحَتِ الْمَحَاسِنُ. وَالله أَعْلَمُ».

وَمِنْ فَضَائِلِ الِاسْتِقَامَةِ وَثَمَرَاتِها

كَثْرَةُ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالْمَوْتِ، تُبَشِّرُ الْمُسْتَقِيمِينَ أَنْ لَايَخَافُوا مِمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنْ لَا يَحْزَنُوا عَلَى مَا تَرَكُوهُ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ. اَلْبِشَارَةُ بِالْجَنَّةِ وَتَحْقِيقُ كُلِّ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُ الْمُسْتَقِيمِ. وِلَايَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. يَقُولُ الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَضْلِ وَهَذِهِ الثَّمَرَاتِ: IMAGE 2401 IMAGE 02501 [فصلت: 92 - 13]

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

  • الْحِرْصُ عَلَى مَعْرِفَةِ الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ؛ كَمَا سَأَلَ هَذَا الصَّحَابِيُّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامٍ جَامِعٍ فِي الدِّينِ.
  • تَوْقِيرُ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِدَاؤُهُ بِكُنْيَتِهِ؛ وَهَذَا يُرْشِدُنَا إِلَى احْتِرَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَاسْتِحْضَارِ مَقَامِ الْمُخَاطَبِ
  • الِاسْتِقَامَةُ تَكُونُ كَمَا أَمَرَنَا الله تَعَالَى، لَا كَمَا نُرِيدُ حَسَبَ أَهْوَائِنَا وَشَهَوَاتِنَا

اَلتَّقْوِيمُ:

  • أُعَرِّفُ الِاسْتِقَامَةَ تَعْرِيفاً مُخْتَصَراً.
  • لِمَاذَا عَطَفَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى الْإِيمَانِ بِ «ثُمَّ»؟
  • أَذْكُرُ أَرْبَعاً مِنْ ثَمَرَاتِ الِاسْتِقَامَةِ

أَهْدَافُ الدَّرسِ

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ حُكْمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْفَرَائِضِ وَفَضْلَ التَّطَوُّعَاتِ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ مَرْتَبَتَيِ الِاكْتِفَاءِ بِالْفَرَائِضِ وَالِاسْتِزَادَةِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ
  • .أَنْ أَحْرِصَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالِاسْتِزَادَةِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ.

تَمْهِيدٌ

مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِتْيَانَ كُلِّ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابَ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاجِبٌ أَسَاسٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ إِتْيَانَ أَنْوَاعِ التَّطَوُّعَاتِ اسْتِزادَةٌ وَكَمَالٌ نَدَبَ إِلَيْهِمَا الشَّرْعُ. فَمَا حُكْمُ مَنْ اكْتَفَى بِإِتْيَانِ الْفَرَائِضِ؟ وَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِ دُخُولِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا مَرْتَبَةُ كُلٍّ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْفَرَائِضِ وَالِاسْتِزَادَةِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ؟

الْحَدِيثُ

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئاً، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» [صَحِيح مُسْلِم].

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي

أَبُو عَبْدِ الله؛ هُوَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ السَّلَمِيُّ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ أَبِيهِ صَغِيراً. وَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ فِي الرِّوَايَةِ، رُوِيَ لَهُ ألْفٌ وَخَمْسُ مِئَةِ حَدِيثٍ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثاً. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ لِلْهِجْرَةِ عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً.

اَلْفَهْمُ

الشَّرْحُ

  • أَرَأَيْتَ: مَعْنَاهُ: أَخْبِرْنِي؛ أَوْ: مِنَ الرَّأْيِ، بِمَعْنَى: أَتَرَى وَتُفْتِي.

اسْتِخْلَاصُ الْمَضَامِينِ

  • عَنْ أَيِّ شَيْءٍ سَأَلَ الصَّحَابِيُّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
  • مَاذَا كَانَ جَوَابُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

اَلتَّحْلِيلُ

الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ الْمُبَيِّنَةِ لِلتَّكَالِيفِ الْوَاجِبَةِ؛ وَالرَّجُلُ السَّائِلُ فِيهِ هُوَ: النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ؛ وَذُكِرَ فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ أَدَاءُ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَإِحْلاَلُ الْحَلَالِ، وَتَحْرِيمُ الْحَرَامِ، وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ؛ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الزَّكاةُ وَالْحَجُّ لِعَدَمِ فَرْضِهِمَا بَعْدُ، أَوْ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِمَا. وَلِبَيَانِ مَوْضُوعِ الدَّرْسِ نَتَنَاوَلُ مَحَاوِرَهُ عَلَى مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: مَعْنَى «أَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ

وَقَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ رَحِمَهُ الله: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ» أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ حَرَاماً. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَفْعَلَهُ؛ بِخِلَافِ تَحْلِيلِ الْحَلَالِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ اعْتِقَادِهِ حَلَالاً.

ثَانِياً:حُكْمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْفَرَائِضِ

الِاكْتِفَاءُ بِالْفَرَائِضِ كَافٍ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ الله تَعَالَى وَفَضْلِهِ، وَذَلِك وَاضِحٌ فِي إِجَابَتِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «نَعَمْ»، لِلسَّائِلِ: أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضاً مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَالَّليْلَةِ؛ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا َأَنْ تَطَّوَّعَ؛ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ؛ قَالَ: وَذَكَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ؛ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ؛ قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَالله لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ.[الموطأ]؛ بَلْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ» عَلَى فَلاَحِ مَنِ اِكْتَفَى بِالْفَرَائِضِ. وَأَفَادَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئاً مِنَ التَّطَوُّعَاتِ، وَأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ التَّطَوُّعَاتِ.

ثَالِثاً: فَضْلُ الِاسْتِزَادَةِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ

يَدُلُّ قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، وَقَوْلُهُ: «لَا إِلَّا أَنَّ تَطَّوَّعَ»، وَقَوْلُهُ: «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ»، عَلَى: أَنَّ مَنْ أَتَى بِالْفَرَائِضِ وَحْدَهَا كَانَ نَاجِياً مُفْلِحاً، كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ أَتَى بِالْفَرَائِضِ وَأَتْبَعَهَا النَّوَافِلَ كَانَ أفْضَلَ مَرْتَبَةً وَفَلاَحاً. وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُثَابِرُونَ عَلَى فِعْلِ السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ مُثَابَرَتَهُمْ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يَكُونُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فِي اغْتِنَامِ ثَوابِهَا، وَتَتْمِيمِ الْفَرَائِضِ بِهَا، تَحْقِيقاً لِمَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ. وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهَ السَّائِلِ عَلَى السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ تَيْسِيراً وَحَذَراً مِنَ التَّنْفِيرِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، لِئَلَّا يَكُونَ الإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ تَنْفِيراً لَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ وَشَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ رَغِبَ فِيمَا رَغِبَ فِيهِ غَيْرُهُ، أَوْ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ وُجُوبَ السُّنَنِ وَالتَّطَوُّعَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَحْدَهَا بِإِقَامَتِهَا وَالإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ فَلاَحٌ أَيُّ فَلاَحٍ، وَضَمُّ التَّطَوُّعِاتِ إِلَيْهَا زِيادَةٌ فِي الْفَلاَحِ يُتَقَرَّبُ بِهَا لِنَيْلِ مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَبْرٌ لِمَا يَقَعُ مِنْ نَقْصٍ فِي الْفَرَائِضِ؛ كَمَا أَنَّ ِاتِّصَافَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخُلُقِ اليُسْرِ وَالرِّفْقِ وَالْحِكْمَةِ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ أَحْكَامَ الدِّينِ بَيَانٌ لِعِظَمِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَرَحْمَتِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَنَامِ.

وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ:

  •  إقَامَةُ الْفَرَائِضِ والمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ طَرِيقُ الفَلَاحِ وَالدُّخُولِ إِلَى الجَنَّةِ.
  •  الْاِسْتِزَادَةُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ تَتْمِيمٌ لِلْفَرَائِضِ وَزِيَادَةٌ فِي الدَّرَجَاتِ وَالمَثُوبَاتِ.
  •  التَّيْسِيرُ وَالرِّفْقُ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالدَّعْوَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ وَهَدْيِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

اَلتَّقْوِيمُ

  • أَذْكُرُحُكْمَ الْاِقْتِصَارِ عَلَى الْفَرَائِضِ.
  • أُوَضِّحُ مَا يَتَرَتَّبُ مِنَ الْفَوَائِدِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالتَّطَوُّعَاتِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ مِنَ النَّقْصِ وَالِاخْتِلَالِ عَلَى تَرْكِ التَّطَوُّعَاتِ.
  • لِمَاذَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ السَّائِلِ عَلَى السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ؟
  • مَاذَا أَسْتَخْلِصُ مِنْ سُؤَالِ الصَّحَابِيِّ وَجَوَابِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

توصيف المادة:

يسعدنا أن نقدم لطلبتنا في المستوى الأكاديمي الأول من برنامج الدراسات الإسلامية مقرر مادة الحديث من خلال النصف الأول من كتاب: «الأربعين النووية للإمام النووي بشرح ابن دقيق العيد» الذي جاء بتوفيق من الله تعالى مواكبا للبرامج والمناهج التي تسعى إلى تجويد العملية التعليمية التعلمية وإعداد الطلبة المتشبعين بالقيم الإسلامية السمحة، وبهوية الأمة المغربية وثوابتها. ولتحقيق المقاصد والأهداف المرجوة من وراء هذا العمل، تم اعتماد منهجية علمية واضحة تستهدف تقديم المفاهيم العلمية من خلال خطوات منهجية تقرب المضامين المقررة، وتعطي الفرصة لبناء التعلمات، واكتساب القيم والمهارات. وأملنا في الله كبير أن يكون هذا المقرر مفتاحا أساسا لتحصيل العلم والمعرفة، وترسيخ القيم والأخلاق، والتشبع بالثوابت لدى الجيل الناشئ من أبناء أمتنا.

أهداف المادة :

1. امتلاك رصيد هام من الأحاديث النبوية الشريفة في مجال القيم والأخلاق الإسلامية. 2. التعرف على الفضائل والآداب النبوية، والتشبت بروح القيم والأخلاق. 3. التعود على التمسك بالسنة النبوية في حياة الفرد والجماعة

المراجع المعتمدة:

كتاب الأربعين النووية للإمام النووي.

المراجع المعتمدة:

1. كتاب الأربعين النووية بشرح ابن دقيق العيد.

2. مقرر مادة الحديث للسنة الخامسة من التعليم الإبتدائي العتيق، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.


الأستاذة
أمينة بنحمو