الحديث

برنامج المادة:

أَهْدَافُ الدَّرْسِ:

  • أن أتعرف أعمالا ينبغي الإسراع إليها.
  • أن أدرك فضل هذه الأعمال وأهميتها وآثارها.
  • أن أحرص على التزام هذه الأعمال في حياتي.

تَمْهِيدٌ:

حث الإسلام على إتيان الطاعات، والإسراع إلى الأعمال التي تحصل بها تزكية النفس، وتعود على الفرد والمجتمع بالنفع الكثير والخير العميم، دفعا بالمسلم إلى ما يعتق به نفسه، ومنعا له من الوقوع فيما يوبقها ويهلكها.

فما الأعمال التي ينبغي الإسراع إليها؟ وما فضلها وأهميتها؟

الحَــدِيـثُ:

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ- ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.((رواه مسلم))

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي:

أبو مالك، هو كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه صحابي جليل قدم مع الأشعريين على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وشهد المشاهد، عرف بنصيحته لله ولرسوله حتى في آخر حياته، سكن مصر، وهو معبود في أهل الشام، توفي في خلافة عمر رضي الله عنه سنة 18 هـ.

شّرْحُ الْمُفْرَدَاتِ:

شطر: الشطر: النصف، الطهورُ: بضم الطاء: التطهر، وبفتحها: ما يتطهر به المسلم، تملأ: تضع فيه من الحسنات قدر ما تأخذه، موبقها: مهلكها.

التَّحْلِـيـلُ:

هذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقد اشتمل على مهمات من قواعد الدين، وهي:

أوَّلاً: الطُّهُورُ

المراد بالطهور: ما يشمل الطهارة من الحدث والخبث، والتنزه عن كل ما لا يليق، واجتناب كل قبيح قال الله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾((المدثر: 4)) وقوله صلى الله عليه وسلم: الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، معناه أن الأجر فيه ينتهي إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: المراد هنا: الصلاة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إِيمَانَكُمُ﴾((البقرة: 142)) أي صلاتكم، فالطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر.

ثَانِياَ: التَّحْمِيدُ والتَّسْبِيحُ

التحميد قول ’’ الحمد لله‘‘ والتسبيح قول ’’ سبحان الله‘‘ وهما من أفضل الذكر، وحقيقة الحمد: الثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، وإثبات جميع صفات الجلال والكمال للمولى سبحانه، وهذا غاية التوحيد. وحقيقة التسبيح: تنزيه الله تعالى عن جميع النقائص.

ولبيان فضل حمد الله قال صلى الله عليه وسلم: الْحَمْدُ لِلَّهِ تّمْلَأُ المِيزَانَ، أي لعظم أجرها تملأ ميزان الحامد لله تعالى. وقد دلت نصوص كثيرة من القرآن والسنة على وزن الأعمال، وثقل الموازين وخفتها، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾((البقرة: 142)).

وأما الجمع بين التسبيح والتحميد في قول العبد ’’سبحان الله والحمد لله‘‘ ففضله أعظم، لأنهما تملآن ما بين السماء والأرض، وذلك لما اشتملتا عليه من تنزيه الله تعالى والافتقار إليه.

ثَالِثاً: الصَّلاَةُ والصَّبْرُ والصَّدَقَةُ

  • الصَّلاَةُ نُورٌ: الصلاة نور، لأنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستنير به صاحبه فيهتدي به في الطريق. وقيل إنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة، وبهاء على وجهه في الدنيا.
  • الصدقة برهان: معناه أن الصدقة يفزع إليها كما يفزع للبراهين، فتكون برهانا للعبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله، فيقول: تصدقت به لوجهك يا رب، فالصدقة حجة على إيمان فاعلها، فمن تصدق كانت صدقته دليلا على قوة إيمانه.
  • الصبر ضياء: قوله صلى الله عليه وسلم: وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، معناه: الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا. والمراد أن الصبر لا يزال صاحبه مستضيئا به، ومهتديا مستمرا على الصواب.

رَابِعاً: الْقُرْآنُ حُجَّةٌ

قوله صلى الله عليه وسلم: وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، معناه: أنك تنتفع به إن تلوته وعملت به، وإلا فهو حجة عليك. فمن استمسك بالقرآن الكريم تعظيما لقدره، وتلاوة لآياته، وتخلقا بآدابه وأخلاقه، كان له نوراً وهدايةً ورحمةً في الدنيا، وشفيعا ونجاة يوم القيامة.

أستمسك بالقرآن الكريم لأنه كلام رب العالمين، وذكر، ونور، وشفاء، وهدى، وروح وشفيع.

خَامِسًا: فَضْلُ السَّعْيِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ

قوله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسُهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا، معناه: أن كل إنسان يسعى لنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته له فيعتقها من العذاب، كما قال الله تعالى: ﴿اِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُومِنِينَ أّنْفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾((التوبة: 112)). ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها.

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • شعب الإيمان وأعمال الخير تتكامل فيما بينها لبناء شخصية المؤمن.
  • أهمية الطهارة وأثرها في جمال الظاهر وصلاح الباطن.
  • التحميد والتسبيح من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى.
  • الترغيب في الاستمساك بالقران الكريم، إقامة الصلاة، وبذل الصدقة، والتحلي بالصبر.
  • السعي في الخيرات سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.

أَهْدَافُ الدَّرْسِ:

  • أن أتعرف عدل الله تعالى وتحريمه للظلم.
  • أن أدرك مظاهر افتقار الخلق إلى الله تعالى.
  • أن أطمئن إلى عدل الله تعالى وسعة ملكه وأتجنب الظلم في حياتي.

تَمْهِيدٌ:

من تمام عقيدة المسلم أن يعتقد: أن الله تعالى لا يحكم بين الناس إلا بالعدل والقسط، وأنه حرم الظلم على نفسه، فلا ينقص المحسن شيئا من جزاء حسناته، وأننا عاجزون عن جلب منافعنا ودفع مضارنا إلا بعونه وفضله سبحانه وتعالى، وأنه أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته.

فما معنى تحريم الله الظلم على نفسه؟ وما مظاهر افتقارنا لله عز وجل؟

الحَــدِيـثُ:

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُواْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسِكُمْ. يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغْوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أّتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أّوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُواْ عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُواْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأّلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ"((رواه مسلم)).

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي:

أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، هو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، الغفاري، من كبار الصحابة، يضرب به المثل في الصدق، وهو أول من حيّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، وكان كريما لا يخزن من المال كثيرا ولا قليلا، مات ولم يكن في داره ما يكفن به، توفي بالربذة: قرية من قرى المدينة عام 18 هـ.

شّرْحُ الْمُفْرَدَاتِ:

ضال: ماشل عن المستقيم. فاسْتَهْدُوني: اُطْلُبوا مني الهداية. فاسْتطْعِمُوني: اُطْلُبوا مني الطعام. فَاسْتكْسُوني: اُطْلُبوا مني الكِسْوة. المِخْيط: بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء: الإِبْرَةُ. أُحصيها: الإحصاء: العد المُنْضَبِطُ بلا زيادة ولا نقصان.

التَّحْلِـيـلُ:

يبين هذا الحديث القدسي عدل الله تعالى وسعة فضله ورحمته وعطفه بعباده، والكلام فيه كما يلي:

أوَّلاً: تَحْرِيمُ الظُّلْمِ

  • تَحْرِيمُ اللهِ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ: قوله تعالى: "إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي"، معناه: لا ينبغي لي ولا يجوز عليَّ، فالظلم مُحال في حق الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾((الكهف: 48)). وقال سبحانه: ﴿اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾((النساء: 40)).
  • تِحْرِيمُ التَّظَالُمِ بِيْنَ الْعِبَادِ: حرم الله سبحانه وتعالى الظلم بجميع أنواعه، وجعل التظالم بين الناس محرماً فقال: ’’فَلاَ تَظَالَمُوا‘‘ أي فلا يظلم بعضكم بعضا، لأن الظالم بعيد عن رحمة الله تعالى، ولأن للظلم آثاراً سيئة على الفرد والمجتمع، فحين ينتشر الظلم بين الناس يقل الأمن، وينعدم الاستقرار، وتكثر النزاعات والخصومات.

ثَانِياَ: مَظَاهِرُ افْتِقَارِ الْخَلْقِ إِلَى الله تَعَالَى

يدل قوله تعالى:"يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسِكُمْ. يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ" على افتقار العباد إلى الله تعالى، فلذلك أمروا بطلب الهداية والكسوة والمغفرة من الله عز وجل وحده، وعدم الاستغناء عنه.

وفي هذا كله تنبيه على فقرنا وعجزنا عن جلب منافعنا أو دفع المضارِّ عن أنفسنا إلا أن يعيننا الله سبحانه على ذلك، وهو يرجع إلى معنى ’’لاحول ولا قوة إلا بالله‘‘، وليعلم العبد أنه إذا رأى آثار هذه النعم عليه أن ذلك من عند الله، ويتعين عليه شكر الله تعالى، وكلما ازداد الإنعام يزيد في الحمد والشكر.

قوله: "إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغْوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي" بعد أن أمر الله تعالى العباد بالالتجاء إليه في الأمور كلها، بين لهم أن ذلك ليس لمصلحة تعود عليه، لأنه سبحانه عني عن الخلق، فلا يبلغ العبد نفع الله تعالى ولا ضره بطاعته أو معصيته، فعبادة الله إنما هي لمصلحة العباد، بها تتزكى نفوسهم، وتطمئن قلوبهم، وتسعد حياتهم.

وفي قوله: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أّتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا" تأكيد لما تقدم، وفيه أن تقوى المتقين مصلحة لهم، وأنها لا تزيد في ملكه تعالى شيئاً.

ثَالِثاً: سَعَةُ مُلْكِ اللَّهِ وَجَزِيلُ عَطَائِهِ

قوله تعالى:"يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُواْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأّلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ"، هذا تنبيه للخلائق على أن يعظموا المسألة، ويوسعوا الطلب، وأن لا يقتصر سائل، ولا يختصر طالب، فإن ما عند الله لا ينقص، وخزائنه لا تنفذ، فلا يظن ظان أن ما عند الله يغيضه الإنفاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارَ، وقال: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ"((صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: وكان عرشه على الماء)).

وقوله: "إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ"، مثل قصد به التقريب إلى الأفهام بما نشاهده. والمعنى: أن ذلك لا ينقص مما عنده شيئاً.

رَابِعاً: عَدْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقُهُ

قوله تعالى: "إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ"، فيه بيان لعدل الله تعالى، فلا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته، أو يهضم من حسناته، وقوله: "فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ"، إعلام للعبد أن لا يسند طاعته وعبادته لنفسه، بل يسندها إلى توفيق الله ويحمده على ذلك، وقوله: "وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ" يعني ومن وجد غير الأفضل "فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ"، وأكد الفعل بالنون تحذيراً من أن يخطر في قلب عامل أن يوجه اللوم إلى غيره.

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • الله عدل لا يظلم أحداً، فلا أخاف ظلماً ولا هضماً.
  • الظلم بين العباد حرام، فلا أظلم أحداً من خلق الله.
  • العباد فقراء إلى الله تعالى، فيلزمني الحرص على الالتجاء إلى الله في أموري كلها.
  • الله تعالى غني عزيز، فما أقدمه من عمل فلمصلحتي في الدنيا والآخرة.
  • خزائن الله ملأى لا تنفذ أبداً، فلأسأل الله ما أشاء من خير الدنيا والآخرة.

أَهْدَافُ الدَّرْسِ:

  • أن أتعرف فضل الذكر والأمر بالمعروف.
  • أن أدرك أن الصدقة لا تختص بالمال.
  • أن أقادي بالصحابة رضوان الله عليهم في التنافس في الخير.

تَمْهِيدٌ:

قد يظن المسلم أن الصدقة تتوقف على المال والغنى، فيهمل أعمالا أخرى ولا يحرص عليها، مع أنها من الصدقات التي يثاب عليها كما يثاب على التصدق بالمال، كما أن هناك أعمالا مباحة تتحول بالنية الحسنة إلى عبادة يؤجر فاعلها.

فما هذه الأعمال؟ وما فضلها؟ وما أثر النية في المباحات؟

الحَــدِيـثُ:

عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفصول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كلن له أجر. ((رواه مسلم))

شّرْحُ الْمُفْرَدَاتِ:

الدُّثور: بضم الدال جمع دَثر بفتحها، وهو المال الكثير. الأُجور: جمع أجر، وهو الثواب. فُضول: ما زاد من المال عن حاجة الإنسان. تسبيحة: قول سبحان الله. تحميدة: قول الحمد لله. تهليلة: قول لا إله إلا الله. وزر: إثم.

التَّحْلِـيـلُ:

يشتمل حديث الدرس على ما يأتي:

أوَّلاً: تَنَافُسُ الصَّحَابَةِ فِي الْخَيْرِ

التنافس في الخيرات من أخلاق الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن سبل الخير التي تبلغهم أعلى المقامات والدرجات في الجنة، فلما رأى الفقراء منهم أن الأغنياء حازوا الفضل العظيم بإنفاق الأموال سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، أي: ذهب أهل الأموال بالأجر كله، ذلك أنهم يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفصول أموالهم أي ولا نتصدق لأنه ليس عندنا ما نتصدق به، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمال أخرى للتصدق.

ثَانِياَ: الصدقة تشمل كل أنواع الخير والمعروف

بين صلى الله عليه وسلم في قوله: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، أن الصدقة تشمل كل أنواع الخير والمعروف، وليست قاصرة على الصدقة بالمال، فذكر الله بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وإرشاد الناس وتوجيههم إلى الخير وتجنب الشر، صدقة من الصدقات يثاب عليها الإنسان كما يثاب على الصدقة بالمال.

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة، بيان أن الأعمال المباحة تصير بالنية الحسنة طاعات يثاب عليها صاحبها، فالزوجان إذا قصدا بالزواج تجنب الوقوع في الحرام، أو طلب ولد صالح، أو غير ذلك من المقاصد الحسنة، حضل لهما الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • الصدقة تشمل كل أنواع الخير والمعروف.
  • فضيلة التسبيح وسائر الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • النيات الصادقة تجعل المباحات طاعات يثاب عليها صاحبها.
  • حرص الصحابة على السبق إلى الخيرات والتنافس في الأعمال الصالحة.

وللاقتداء بالصحابة:

  • ألتزم بأداء الفرائض، والإكثار من ذكر الله، والتنافس في الخير وتصحيح النية للتقرب إلى الله.
  • أجتنب: ترك الفرائض، والغفلة عن ذكر الله، والكسل والخمول والتمتع بالمباحات دون قصد التقرب إلى الله.
أَهْدَافُ الدَّرْسِ:
  • أن أتعرف عظم نعمة الجوارح، وكيف أشكر الله عليها.
  • أن أدرك أن استعمال جوارحي في الخير من الصدقات.
  • أن أحرص كل يوم على استعمال جوارحي في الخير.
تَمْهِيدٌ: كل يوم تطلع فيه الشمس أنظر إلى جسدي فأجد كل جارحة من جوارحي، أو عضو من أعضائي، أو مفصل من مفاصلي، أو حاسة من حواسي، نعما عظيمة وهبني الله إياها. فكيف أشكر الله تعالى على هذه النعم في كل يوم؟ الحَــدِيـثُ: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. [رواه البخاري ومسلم] تَرْجَمَةُ الرَّاوِي: أبو هريرة رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له. قدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة 7هـ، ولزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عنه 5374 حديثا، نقلها عنه أكثر من 800 من الصحابة والتابعين. توفي عام 59هـ. الفَهْـمُ:
  • شّرْحُ الْمُفْرَدَاتِ: السُّلامى: المفاصل والأعضاء، قال القاضي عياض: وأصله عظام الكف والأصابع والأرجل، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله. تعدل: تفصل بالحق.
  • اِسْتِخْلاَصُ مَضَامِينِ النَّظْمِ:
  • أذكر النعم الواردة في الحديث.
  • ما حق الله على العباد في هذه النعم؟
التَّحْلِـيـلُ: يشتمل حديث الدرس على ما يأتي: أوَّلاً: نِعْمَةُ الْجَوَارِحِ وَشُكْرُ اللَّهِ عَلَيْهَا خلق الله تعالى الإنسان في أحسن صورة، فسوى خلقته وجمل صورته، وأمده بالصحة والعافية، وأسبغ عليه نعما كثيرة ظاهرة وباطنة، في بدنه ويديه ورجليه وسمعه وبصره، إذ ما من عضو من أعضائه أو عظم من عظام جسمه إلا وفيه أثر نعمة الله عليه. وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن نعمة الجوارح نعمة عظيمة وجب تأدية شكر الله عليها، فقال صلى الله عليه وسلم:  كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، أي على كل إنسان أن يتصدق كل يوم صدقة شكر عن كل عضو من أعضاء جسمه.     ثَانِياَ: مِنْ وُجُوهِ شُكْرِ اللَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الجَوَارِحِ الشكر من حقوق الله على عباده، ويكون شكر الله تعالى على نعمة الجوارح بالصدقات، وذلك عن طريق استعمال هذه الجوارح في وجوه الخير من العبادات والمعاملات. ومن تلك الوجوه:
  • إصلاح ذات البين: قوله صلى الله عليه وسلم: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ أي تصلح بينهما بالعدل، فالإصلاح بين الناس من أعظم الصدقات التي يؤجر عليها الإنسان، لما له من أثر كبير في إشاعة الرحمة والمودة والإخاء بين الناس، ونبذ الشحناء والنزاع، والتقاطع والفرقة بينهم.
  • إعانة الناس ومساعدتهم: يبين الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ أن المبادرة بمساعدة الآخرين صدقة يثاب عليها العبد عند الله تعالى، كمن يساعد إنسانا في حمل يريد أن يضعه عن دابته، أو يحمل عليها، أو غير ذلك من أنواع الأعمال والمساعدات التي يقوم بها المسلم محبة للخير ونفعا للغير.
  • الكلمة الطيبة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، فيه بيان فضل الكلمة الطيبة وحظ على التزامها، لأنها من أخلاق الإسلام التي تدعو إلى حسن معاملة الناس وتأليف قلوبهم، بأطيب الكلام الدال على الاحترام والمودة والمحبة كإفشاء السلام، وذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء بالخير، وتجنب فاحش القول كالنميمة والغيبة والغلظة والفظاظة. والكلمة الطيبة هي من حسن الخلق الذي يسع به المرء كل الناس.
  • الخطى إلى الصلوات: قول الرسول صلى الله عليه وسلم:  وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ أي كل خطوة يخطوها المسلم إلى أداء الصلاة في الجماعة صدقة، وقد جاء في الحديث: إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ[صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة]. يعني: يعطى حسنة، وتكفر عنه سيئة.
  • إماطة الأذى عن الطريق: يرشد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ إلى العناية بالمحيط وجمال البيئة، والمبادرة إلى إزالة كل ما فيه أذى للإنسان أو غيره، فإماطة الأذى عن الطريق من فضائل الأعمال وشعب الإيمان التي حث عليها الإسلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ[صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب شعبة الإيمان]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ[صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق].
  • ركعتا الضحى: من عظم الصلاة ويسر الإسلام وترغيب المسلم على القيام بحقوق نعمة الجوارح ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكَلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى. [صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (باب استحباب صلاة الضحى والحث على المحافظة عليه)]، أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان، فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد، فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته.
مما يستفاد من هذا الحديث:
  • شكر الله على نعمة الجوارح من حقوق الله تعالى على عباده.
  • استعمال الجوارح في عبادة الله ونفع العباد والمحافظة على البيئة نوع من أنواع الصدقات.
  • الصلاة مظهر عظيم لعبادة الله وشكره، يؤدي فيه كل عضو من الأعضاء حقه من العبودية، طاعةً لله تعالى وتذللاً وتقرباً إليه سبحانه.

أَهْدَافُ الدَّرْسِ:

  • أن أتعرف معنى البر والإثم.
  • أن أميز بين علامة البر وبين علامة الإثم.
  • أن أتمثل أخلاق البر لأتصف بحسن الخلق.

تَمْهِيدٌ:

تنقسم الأعمال التي يأتيها الإنسان إلى ثلاثة أقسام: قسم اتضح كونه من البر، وقسم اتضح وجه الإثم، وقسم يتأرجح بين البر والإثم، إلا أن من فضل الله على الإنسان أن جعل له علامة، يفصل بها بين أعمال البر وأعمال الإثم.

فما هو البر؟ وما هو الإثم؟ وما هي علامتهما؟

الحَــدِيـثُ:

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اَلْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ"[رواه مسلم].

وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله عليه وسلم، فقال: "جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اِسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اَلْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلِيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ". [حديث حسن، روي في مسندي الإمامين: أحمد بن حنبل والدارمي، بإسناد حسن]

تَرْجَمَةُ الرَّاوِي:

النواس رضي الله عنه، هو: ابن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن ربيعة، معدود في الشاميين. توفي في حدود الخمسين للهجرة، وروى له مسلم والأربعة. وابصة رضي الله عنه، هو: ابن معبد بن مالك بن عبيد الأسدي من بني أسد بن خزيمة يكنى أبا شداد. أسلم سنة تسع عندما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أحاديث، وكان قارئاً لكتاب الله، بكاءً، لا يملك دموعه إذا قرأ القرآن، سكن الكوفة ثم تحول إلى الرقة، وتوفي بها في حدود الستين من الهجرة. شّرْحُ الْمُفْرَدَاتِ: حاك في نفسك: تخالج في باطنك ولم تطمئن إليه.

التَّحْلِـيـلُ:

يتناول هذا الدرس بيان البر والإثم والعلامة المميزة لكل منهما، وتفصيل ذلك كالآتي:

أوَّلاً: تَعْرِيفُ الْبِرِّ، وَبَيَانُ فَضْلِهِ

البر، هو: العمل الذي يبر به فاعله ويلحقه بالأبرار، وهم المطيعون لله عز وجل. وهو ”اسم جامع للخير، ولكل فعل مرضي. وهو في تزكية النفس كالبُرِّ بالضم في تغدية البدن“[الفتوحات الوهبية على الأربعين النووية، ص: 214] وقال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى الصدق، وبمعنى اللطف، والمبرة، وحسن العشيرة، والصحبة، ولين الجانب، واحتمال الأذى، وبمعنى الطاعة بسائر أنواعها، ومنه قوله تعالى: وَلَٰكِنِ اِ۬لْبِرُّ مَنَ اٰمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَالْمَلَٰٓئِكَةِ وَالْكِتَٰبِ وَالنَّبِيٓـِٕۧنَ وَءَاتَي اَ۬لْمَالَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ ذَوِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينَ وَابْنَ اَ۬لسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ وَأَقَامَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَي اَ۬لزَّكَوٰةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمُۥٓ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَالصَّٰبِرِينَ فِے اِ۬لْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ اَ۬لْبَأْسِۖ أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُتَّقُون (176) [البقرة: 176]. فمجامع حسن الخلق هي البر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ) يعني: أن حسن الخلق أعظم خصال البر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اَلْحَجُّ عَرَفَةُ) [سنن الترمذي في الحج، باب 57، حديث رقم 889].

والمراد بحسن الخلق الإنصاف في المعاملة، والرفق في المحاولة، والعدل في الأحكام، والبذل في الإحسان، إلى غير ذلك من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى، قال: إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ وَعَلَيٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَۖ (2) اَ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ (4) [الأنفال: 2- 4].

ثَانِياً: تَعْرِيفُ الْإِثْمِ

قوله صلى الله عليه وسلم: وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ، يعني أن الإثم هو الشيء الذي يورث نفرة في القلب، ويكره صاحبه أن يطلع عليه الناس، وهو بخلاف البر، فالبر: كلمة جامعة لجميع أفعال الخير وخصال المعروف، والإثم: كلمة جامعة لجميع أفعال الشر والقبائح كبيرها وصغيرها. ولهذا السبب قابل صلى الله عليه وسلم بينهما، وجعلهما ضدين.

ثَالِثًا: عَلاَمَةُ الْبِرِّ والْإِثْمِ

جعل الحديث للإثم علامتين: نفرة القلب وكراهة الاطلاع. وأما علامة البر، فهي الطمأنينة النفس، كما في الحديث:  اَلْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلِيْهِ النَّفْسُ.

وليس معنى الحديث أن يعتمد الإنسان في مسائل الحلال والحرام على فتوى النفوس، بل لابد من سؤال أهل العلم والأخذ بما يقولون. وأما استفتاء القلب فمعناه: أن الإنسان إذا عرضت له مسألة من المسائل المشتبهة فسأل عنها وأخبر بأنها حلال، فلم تطمئن نفسه وبقي مرددا فيها، فإن من السلامة أن يترك هذا الأمر الذي هو غير مطمئنين إليه استبراء لدينه. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَد اسْتِبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ[صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات] وكقوله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ"[رواه الترمذي والنسائي].

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • أهمية إصلاح القلب بأنواع البر لإصلاح حركات الجوارح، والترغيب في حسن الخلق.
  • المؤمن لا يقدم على شيء لا تطمئن نفسه إليه.
  • إخباره صلى الله عليه وسلم واصبة عما في نفسه معجزة من المعجزات.

أهداف الدرس :

  • أن أتعرف علىٰ حُكم اتّباع السُّنة والالتزام بها.
  • أن أدركَ فوائد التّمسك بالسُّنة، وطاعة وليّ الأمر.
  • أن أحرص علىٰ اتّباع السُّنة، وطاعة وليّ الأمر.

تمهيد:

مِن مظاهر رحمة النبي صلىٰ الله عليه وآله وسلم بأمته وحِرصه علىٰ إيصال الخير لجميعِ الناس وتوجيههم إلىٰ ما يقوي صلتهم بالله، ويضمنُ لهم صلاح أمور دينهم ودنياهم، فكان من وصاياه عليه الصلاة والسلام: التمسّك بتقوىٰ الله، واتّباع سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والسّمع والطاعة لوليّ الأمر.

فما حُكم التمسّك بتقوىٰ الله واتّباع سنة رسوله؟ وما فوائد السمع والطاعة لوليّ الأمر؟

الحديث:

«عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» . رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ترجمةُ الرواي:

العِرباض رضي الله عنه، هو: العِرباض بن ساريَةَ السُّلميّ أبو نجيح، أحد أصحاب الصُّفة، ومِمّن نزل فيهم قوله تعالىٰ: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفقون ﴾((التوبة:93))، توفيّ سنة 75 للهجرة.

شرح المفردات:

وَجلَت: خَافت، النواجِذ: مُؤخّر الأضراس.

التحليل:

يشتمل هذا الدّرس على ما يأتي:

أوّلا: أثرُ الموعظة علىٰ الصحابة رضوان الله عليهم

وَصَف العرباض رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الحديث بوَجَل القلوب عند ذِكر الله تعالىٰ، وذَرف الدّموع من مخافته، وذلك من صفات المؤمنين كما قال الله تعالىٰ في بيان صفتهم: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلوبهم﴾((الأنفال:2)).

وهكذا يكون حال المؤمن إذا ذُكِر الله عنده، وإذا ذَكر الله في نفسه، وإذا سَمِع القرآن الكريم، يصفو قلبه، ويقشعِّر جِلده، ويلينُ لذكر الله تعالىٰ.

وحين سمع الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم وقد ألقىٰ إليهم بموعظةٍ بليغة أدركوا مُغايرة حاله صلى الله عليه وسلّم لِما عُرف منه في مواعظ سابقة، فسألوه الوصيّة؛ حِرصاً منهم واغتناماً للمزيد، وإيقاناً بما للوصية من أثر في النّفوس، وقالوا: «كأنها موعظةُ مودِّعٍ يا رسول الله فأوصِنا»، فأوصاهم صلى الله عليه وسلم وصيةَ مُشفِق رؤوفٍ رحيم.

ثانيا: الأمرُ بتقوىٰ الله والسمع والطَّاعة

تضمّنت وصيته صلى الله عليه وسلم أمرين: التقوىٰ، والسمع والطاعة.

  1. تقوىٰ الله تعالىٰ، وهي أن يجعل الإنسانُ بينه وبين غضبِ الله وِقايةً تقيه منهُ، وذلك باتّباع الأوامر واجتناب النواهي؛ فتقوىٰ الله عز وجل هيَ سببُ كلّ خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالىٰ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾((الطلاق: 2-3))، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾((الطلاق: 4)).
  2. السمع والطاعة لوُلاة الأمور: السمع والطاعة لولي الأمر منهجُ الإسلام في حِفظ نظام الأمة، وحقنِ دمائها، وصيانةِ أموالها، والحِفاظ على أعراضها، وذلك سببٌ لصلاح الأحوال واستقامة أمور الدين والدّنيا، قال الله تعالىٰ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾((النساء: 58)).

ومِن مثل هذه النصوص عِلم أصحاب رسول الله وُجوب السمع والطاعة، وأن مِن شرط الإسلام والإيمان أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، حتى لو حكم رسول الله في ذوات أنفسهم، قال الله تعالىٰ: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾((النور: 49))، وقال الله تعالىٰ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾((النساء: 64)).

ثالثاً : التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخُلفائه

قد أوصىٰ صلى الله عليه وسلم الأمّة بما يقيها من الاختلاف والفُرقة، وأرشدها إلىٰ سُنّته وسنة الخلفاء الرّاشدين: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المَهديّين، عُضّوا عليها بالنواجذ»؛ فالتمسك بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخُلفاؤه الرّاشدون من الاعتقادات والأقوال والأعمال يعصم الناس من الافتراق والشقاق والتنازع، ويُساعد على غرس قِيَم الوحدة والتآلف والتآزر بين أفراد المجتمع تحقيقاً لقوله تعالىٰ:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾((آل عمران: 103)).

وفي قوله صلى الله عليه وسلّم: «وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة» نهيٌ عن ابتداع شيء يزاد على السنة، أو يُستبدل مكانها، والبدعة: إيجاد شيء ليس له أصل في الشرع، أمّا ما اقتضته المصالح، والمقاصد العامة للشّرع. فلا يدخل في البدعة.

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • أهمية الموعظة الصادقة في ترقيق القلوب، وقَبول الحقّ.
  • حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاستزادة من الخير.
  • وجوب التقوىٰ والسمع والطاعة لولاة الأمور.
  • التمسك بالسنة، والتحذير من ابتداع شيء ليس له أصل في الشّرع.
  • شرف الخلفاء الراشدين وفضلهم، والأمر باتّباع سنتهم.

أهداف الدَّرس:

  • أن أتعرّف الأعمال التي تكون سببا لدخول الجنة.
  • أن أدرك فضل الأعمال التي تعدّ من أبواب الخير.
  • أن أحرِص على الإكثار من نوافل الأعمال.

تمهيد:

أُمنِيَّة كلّ مسلم عابِدٍ نيلُ رضى الله تعالىٰ، ودخول الجنّة، والنجاة من النار، ولكلِّ ذلكَ أعمالٌ توصِلُ إليهِ بفضلِ الله ورحمتِه، وأبوابٌ من أعمَالِ الخير يُنفذُ مِنها إليه.

فما الأعمال التي تكون سببا لدخول الجنّة؟ وأيُّها الذي يُعدّ من أبواب الخير؟

الحديث:

«عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ : الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} {حتى إذا بلغ} {يعملون} ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال كف عليك هذا قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟»((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)).

ترجمة الرَّاوي:

مُعاذٌ رضي الله عنه، هو: معاذٌ بن جَبَل بنِ عمْرُو بنِ أَوْسٍ الأنصَاريُّ الخَزْرَحِيّ، كان أعلمَ الأمَّةِ بالحلال والحَرامِ، وهو أحدُ السِّتّة الذينَ جَمعوا القرآن علىٰ عهدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. توفيّ عام «18 هـــ».

شرح المفردات:

ألاَ أَدُلُّك: ألاَ أُرشدُك، ليسيرٌ: سهلٌ، جُنَّةٌ: وِقاية.

التحليل:

يشتمِلُ هذا الحدِيثُ علىٰ ما يأتي:

أولاً: ما يُدخِلُ الجنَّة من الأعمالِ

مِمَّا يدلُّ على علوِّ همَّة الصحابة سؤال معاذٍ الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلاً: «أَخْبِرني بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنّة ويُياعِدُني مِنَ النّار». وما كانَ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم إِلاَّ أَنْ نوّهَ بِهِ، وبيَّنَ لَهُ قَدْرَ هذا السُّؤال، وحثَّهُ علىٰ طَلَبِ العِلمِ، ثُمَّ بيَّنَ لَهُ ولكلِّ النَّاس يُسْرَ هذا الأمرِ العظِيمِ، بقولِهِ: «وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرهُ اللهُ تعالىٰ عَلَيْهِ»، يعني علىٰ من وفَّقه الله لهُ، وأَرْشَدهُ لِعِبادتِه، والإِخلاصِ لهُ فيها، وإقامَة الصلاةِ، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجِّ بيتِ الله الحَرام، وغير ذلكَ مِنَ العبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالىٰ لتُربِّيَ المُؤمِنَ علىٰ الطَّاعةِ والامتثالِ لأوامِر الله تعالىٰ، وتُساعدَهُ علىٰ تزكيةِ نفسِه وتهذيبها، كما تُربِّيه علىٰ حُبّ النَّاسِ والإحسانِ إليهم، وتُنمِّي في نفسِه روحَ التعاوُنِ والتّكافل.

فالصلاةُ الواجبة تربي الإنسانَ على اجتِنَاب الفَواحِش والمُنكَراتِ، وتحمِيه منَ الشُّرور والآثامِ؛ وأداءُ الزّكاة المفروضة شكرٌ لله تعالى على نعمةِ المال، وغرسٌ لمشاعرِ الحنانِ والرّأفة والأُلفة بين أفرادِ المُجتمعِ؛ والصَّومُ فرصةٌ لتنميةِ تقوىٰ الله وخَشيتِه، وتدريب النفسِ على الصبر والتَّحمُّل وقوَّةِ الإرادَة؛ والحجّ إقبالٌ على الله، ووسيلةٌ لتقويةِ روابطِ الأخوَّة والمحبّة والتعاونِ. ولهذا كانت هذه العباداتُ مِن أسبابِ دُخول الجنة.

ثانيا: أبواب الخير

بعدَ أنْ بيَّنَ صلى الله عليه وسلم أركانَ الإسلامِ، بينَ النوافل التي هيَ من أبواب الخيرِ الواسعة ليرفعَ همَّة المُسلِم إلى طَلَبِ فضائِل الأعمالِ التي تُدخُل الجَنَّة، وتقرِّبُ العبدَ مِن ربه عزّ وجلّ، وتفصيلها في الآتي:

  1. «الصَّومُ جُنَّة» : المُراد بالصوم هنا صيامُ غيرِ رمضان لأنَّه قد تقدَّم، والمُرادُ الإكثَارُ مِن صومِ التَّطوّع، لأنَّ الصَّومَ وِقايةٌ مِن الشيطان وَمِن المَعاصي التّي تكونُ سبباً في دُخول النّار، كما في الحديث: «والصَّومُ جُنَّةٌ ما لَمْ يَخْرِقْها»[مُسنَد الإمام أحمد، مُسند أبي عُبَيْدَةَ]. وخَرقُها يكُونُ بالغيبةِ والكَذِبِ والنَّميمةِ وغيرِ ذلكَ مِنَ الأقوالِ والأفعالِ المُحرَّمة.
  2. »والصّدقَةُ تُطفِئُ الخَطِيئَةَ كما يُطفِئُ المَاءُ النَّارَ»: المُرادُ بالصَّدقة هنَا غيرُ الزّكاة. وإذا نظَرْنا إلى العلاقَةِ بينَ معنى الصَّدقة والصِّدْقِ نَجِدُ أنَّ بينهُما ارتباطاً ومُناسبةً، حيثُ تدلُّ صدقةُ المالِ علىٰ صِدقِ الإيمانِ، كما نجدُ أنَّ الصَّدَقة مِن أوسعِ الأبوابِ، لأنَّها لا تتوقَّفُ على المال والغِنىٰ، بل تكونُ بجميعِ أنواعِ الخير والمعروفِ ولو بكلمةٍ طيِّبة

ووصفُ الصَّدقة بالإطفاءِ في الحديثِ، مِمّا يُفهِمُ تشبيهَ الصَّدقة بالماءِ، والمعصيةِ بالنَّارِ،  والماءُ يُطْفِئُ النَّارَ.

وفي الحديثِ دليلٌ علىٰ أنَّ الأعمالَ سببٌ لدُخول الجَنّة، مع أنَّهُ لا يدخُلُ الجنَّة أحدٌ بعَمَلِهِ، وإنَّما برَحمةِ اللهِ. وذلكَ أنَّ العَمَلَ بِنَفْسِهِ مِنْ فضلِ الله ورحمتِهِ على عَبدِهِ، فالجنّة وأسبابُها كلٌّ مِن فضلِ الله ورحمتِهِ.

مِمَّا يُستفادُ من هذا الحديثِ:

  • التَّوفيقُ والهِدايةُ مِنَ الله تعالىٰ.
  • الأعمالُ الصَّالِحةُ سببٌ لِدُخولِ الجَنَّةِ.
  • دُخولُ الجَنّة مُتَيسِّرٌ لكلِّ مَنْ أرادَ مِن العِبادِ.
  • سَعَةُ أبوابِ الخيرِ والتَّقَرُّبِ إلىٰ الله تعالىٰ.

أهدافُ الدَّرس:

  • أن أتعَرَّف أهميّةَ قِيامِ الليلِ.
  • أن أُدرِكَ خُطورةَ اللَّسان.
  • أنْ أَحْرِصَ على ضبطِ اللِّسان.

تمهيد:

الأعمالُ التّي تكونُ سبَباً في دُخولِ الجنَّة نوعانِ: ما يُطلبُ فِعلهُ، وما يُطلَبُ اجْتِنابهُ. والحديثُ المُوالي مشتملٌ علىٰ بعضِ هذينِ النَّوعينِ.

فما الأعمالُ التّي يُطلبُ فِعْلُها؟ وما الأعمالُ التِّي يُطلبُ اجتنابُها؟

الحديث:

عَنْ مُعاذٍ بنِ جَبَلٍ رضيَ الله عنهُ قالَ: قُلتُ يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني بعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ ويُباعدُني مِنَ النَّار. قَال: «....وصلاةُ الرَّجلِ في جَوفِ الليلِ، ثمَّ تَلاَ: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حتىٰ بلغَ: ﴿يعملُونَ﴾((السجدة:16-17))، ثمَّ قالَ: ألاَ أُخبركَ برأْسِ الأمرِ، وعَمُودهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ»((رواهُ التِّرمِذيُّ وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)).

شَرحُ المُفْردات:

المَضَاجِعُ: جمعُ مضجعٍ، وهُوَ مكانُ الاضطِجَاعِ، ذِروَةُ سَنَامِهِ: ذِروةُ الشيءِ أعلاهُ، والسَّنامُ: ذِرْوَةُ البَعِير، كُفَّ: امْنَعْ واحْبِسْ.

التحليل:

يَشتَمِلُ هذا الدَّرسُ علىٰ طائِفةٍ أُخرىٰ مِنَ الأعمالِ التي تُدخِلُ الجنَّةَ وتُباعِدُ مِن النَّارِ، وهِيَ: صلاةُ الليلِ، والإسلامُ، والجِهادُ، وكفُّ اللِّسان. وبيانُ ذلكَ فيما يأتي:

أولاً: صلاةُ اللَّيلِ

صلاةُ الرَّجلِ في جوفِ الليلِ مِنْ أبوابِ الخيرِ التِّي بيَّنها صلى الله عليه وسلّم؛ فقولُهُ عليه السَّلام: «وصَلاَةُ الرَّجُلِ في جوفِ اللَّيلِ، ثُمَّ تَلاَ: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حتَّى بَلغَ: ﴿يَعْمَلونَ﴾((السجدة:16-17))، معناهُ: أنَّ مَنٔ قَامَ في جوْفِ اللَّيلِ وتَرًكَ نومَهُ ولذَّتَهُ وآثَرَ على ذلكَ ما يرجُوهُ مِنْ رَبِّهِ فجزاؤُهُ ما في الآيةِ مِنْ قوله تعالىٰ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾((السجدة: 17))». وفي ذلكَ ترغيبٌ وتحريكٌ للنُّفوسِ إلىٰ العمَلِ لِنَيْلِ المَوْعُودِ.

ثانياً: الإسلامُ

قولُهُ صلى الله عليه وسلَّم: «أَلاَ أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟» ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم الإسلامَ مِنْ أبوابِ الخَيرِ، وعَدَّهُ رأسَ الأَمْرِ وعَمودَهُ وَذِروةَ سَنامِهِ، فرأْسُ الأمرِ الإِسلامُ؛ لأنَّهُ هوَ المدخلُ والأسَاسُ، والأعمالُ بِدُونِهِ لا أجْرَ عليها في الآخِرةِ عندَ الله تعالى، فلنْ تكونَ سبباً لِدُخولِ الجَنَّةِ والنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، ولأنَّ معنىٰ الإسلام الانقِيادُ، فمَنْ انْقَادَ لأمْرِ الله ونَهْيِهِ اجتمَعَ لَهُ كلُّ خيرٍ. وليسَ المُرادُ أن يدخُلَ في الإسلامِ ويتركَ العَمَلَ؛ لأنَّ الإسلامَ إيمانٌ وقولٌ وعملٌ.

ثالثاً: الصَّلاةُ

قولُهُ صلى الله عليه وسلَّمَ: «وعَمُودُهُ الصَّلاَةُ»، عمودُ الشيءِ هو الذي يُقيمُ ما لاَ ثَباتَ لهُ في العَادَةِ بغيرِ عَمُودٍ. وقد شبَّهَ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ بالعَمودِ الذي يَقُومُ عليهِ البناءُ؛ لِيُصوِّرَ أنَّ الصلاةَ في الإسلامِ كَالعَمُودِ الذي لَنْ يَقومَ البيتُ بِدُونِهِ، ولذلكَ كانت أوَّلَ ما يُسأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يومَ القِيامةِ.

رابعاً: الجِهادُ

جَعَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذِروَةَ سَنَامِ الإسلامِ، وذروةُ كلُّ شيءٍ أعلاهُ، وَمِنَ الجهادِ ما هوَ دائمٌ، كطلبِ العِلْمِ، وجهادِ النَّفسِ، وجِهادِ الهوىٰ، وأما جِهادُ الأعداءِ فهوَ عارضٌ عندَ الحاجَةِ، ولا يُقامُ إلاَّ بإذنِ وليِّ الأمر.

خامساً: كفُّ اللِّسانِ

قوله صلى الله عليه وسلم: ألاَ أُخبِرُكَ بمَلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟»، مَلاكُ الأَمْرِ : هوَ جِمَاعُ الأمرِ، وَمَا يملكُ أطرَافَهُ. وهَوَ أسلوبُ استفْهَامٍ وتشويقٍ وتَنْبيهٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِمُعاذٍ؛ ليَسْتَوْعِبَ ما يُمْتَلًكُ بِهِ كُلُّ ما تقدَّمَ، فأخذَ صلى الله عليه وسلم بِلِسانِهِ، وقال لهُ: «كُفَّ عليكَ هذا»؛ وفيهِ حَضٌّ على اجتنابِ الكلامِ الفاحِش والأَلفاظِ الجَارحَةِ، وعباراتِ السُّخريَةِ والاستِهْزَاءِ، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾((البقرة-82))، فإنَّ الإِنسانَ مُؤاخذٌ بما يتكلَّمَ به أيْ بكُلِّ شيءٍ مِمَّا يَقُولُ، وإنَّ أكثَرَ دُخول الناسِ النَّارَ بسببِ أَلسِنَتِهِم.

مِمّا يُستفادُ مِن هذا الحديثِ:

  • الصلاةُ في جوفِ اللَّيلِ مِن أبواب الخيرِ العَظِيمة.
  • الصَّلاةُ مِنَ الإسلامِ بمنزِلةِ العَمُودِ الَّذي يُقامُ عليهِ البيتُ.
  • كَفُّ اللِّسانِ عن المَعاصي وشُغلُه بذِكرِ الله تعالىٰ والصلاةِ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَجَاةٌ للعبدِ ومِفتاحٌ لبلوغِ المَرتبةِ العُليا في الدِّينِ.

أهداف الدرس

  • أن أتعرف أنواع شرائع الله.
  • أن أدرك حقوق العباد.
  • أن ألتزم بأداء حق الله تعالى.

تمهيد

من تمام طاعة العبد لله عز وجل: الالتزام بالأدب الذي تقتضيه كل أنواع الأحكام الشرعية، والقيام بحق الله فيها، من الإمتثال والتسليم وعدم الاعتراض.

فما هي أقسام أحكام الشرع؟ وما هو الأدب اللازم اتجاه كل نوع منها؟

الحديث:

عن أبي ثعلبة الخشبي جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» . حديث حسن رواه الدارقطني وغيره.

ترجمة الراوي:

أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه، صحابي مشهور بكنيته، اسمه جرثوم أو جرهم، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا. وكان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وشهد غزوة حنين. توفي سنة: 75 هجرية.

شرح المفردات:

فرض فرائض: أوجب واجبات، فلا تضيعوها: لا تهملوها، حد حدودا: وضع موانع، فلا تنتهكوها: لا تقتحموها.

التحليل:

يعد العلماء هذا الحديث من أجمع الأحاديث لأحكام الشريعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم أحكام الشرائع إلى: فرائض، وحدود، ونواه، ومباحات، ولا يوجد حكم في الشرع إلا وهو داخل تحت قسم من هذه الأقسام.

أولا: الفرائض

قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، الفرائض جمع فريضة، و: الفرائض قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، الفرائض جمع فريضة، وفرض بمعنى أوجب وألزم. والفرض في اصطلاح الشرع: ما أوجبه الله على عباده من العبادات. وعند علماء الأصول: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.

ومن أمثلة الفرائض الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، إلى غير ذلك مما فرضه الله تعالى على عباده من أمهات العبادات وفضائل الطاعات.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تضيعوها نهي عن تضييع الفرائض، وحض على المحافظة عليها بالتزام أحكامها وأوقاتها وحدودها وشروطها وآدابها، وتمثل حكمها استجابة لله تعالى، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالمحافظة على الفرائض من حقوق الله تعالى على العباد، وأسباب السعادة في الدنيا والآخرة.

ثانيا: الحدود

قوله صلى الله عليه وسلم: وحد حدودا الحد لغة: الحاجز بين الشيئين، تقول: هذا حد البيت، أو حد الملك: أي الحد المانع لغير مالكه أن يدخله دون إذنه. وشرعا: المقدار الذي شرع الله تعالى عنده الأحكام.

وقوله صلى الله عليه وسلم: فلا تعتدوها، يحتمل أن يكون المراد بالحدود التي نهى الله عن اعتدائها ما يأتي:

  1. ما أذن في فعله، سواء أكان على طريق الوجوب، أو الندب، أو الإباحة. والأدب الواجب فيها عدم اعتدائها وتجاوزها إلى ارتكاب ما نهي عنه، كما قال الله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها.......فأولئك هم الظالمون
  2. المحارم التي حرمها الله عز وجل على العباد. واعتداؤها: ارتكابها، كما قال الله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها. البقرة. وهكذا يجب ألا نتجاوز حدود الواجبات، ولا نقرب حدود المحرمات.

ثالثا: المحارم

قوله صلى الله عليه وسلم: وحرم أشياء، المحارم هي: التي حماها الله تعالى ومنع من قربها وارتكابها وانتهاكها. فمنها ما هو مقطوع به كالإشراك والفواحش، وما هو مختص بنوع من الأنواع كبعض المطاعم والمكاسب، ومنها ما ورد التصريح بتحريمه، ومنها ما يستفاد تحريمه من النهي المقترن بالوعيد والتّشديد. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: فلا تنتهكوها، أي فلا تدخلوا فيها. والمراد النهي عن ارتكاب ما نهي عنه منها.

رابعا: المباحات

المباحات: هي من المأذون فيها نصا أو سكوتا؛ فما نص منها على إباحته فهو واضح، وما سكت عنه فلرحمة الله بالعباد.

وحق الله في المباح المسكوت عنه: تناوله دون بحث أو سؤال عنه على وجه التكلف والتعنت والفضول؛ لأن الله تعالى سكت عنه رحمة بالخلق ورفقا بهم، ونفيا للحرج عنهم في أمور التشريع والتكليف، ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن السؤال الذي يؤدي إلى الغلو والتشدد في الدين، والوقوع في الحرج والعنت.

مما يستفاد من الحديث:

  • أحكام الدين أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه.
  • وجوب المحافظة على حقوق الله تعالى من أداء الفرائض واجتناب المحرمات.
  • رحمة الله بعباده وتخفيفه عنهم في أمور التشريع.

أهداف الدرس:

  1. أن أتعرف حَقِيقة الزُّهد وثمراتِه.
  2. أنْ أُمَيِّزَ بين أنواعِ الزُّهد وبين ثمراتها.
  3. أَنْ أحْرِصَ علىٰ الزُّهدِ لنيل محبة الله ومحبةِ النَّاس.

تمهيد:

بعثَ الله محمَّداً صلى الله عليه وسلم لإِرشادِ الناس وتوجِيههم إلى مَا فِيه صَلاحُ آجِلهم وعاجلهم، فكان الصحابة رضي الله عنهم أشدّ الناسَ حِرصاً علىٰ مُلازَمتِهِ طلباً للخيرِ والنُّصح، والانتِفاعِ بهديِه، والتَّأسِّي به صلىٰ الله عليه وسلم.

فعلىٰ ماذا سأل الله الصحابيُّ الجليل رسول الله في حديث الدَّرس؟ وعلامَ دلَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما ثمراتُ ذلك؟

الحديث:

عن أَبِي العبَّاس سَهْلٍ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهُ قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، دُلَّني على عملٍ إذا عَمِلْتُهُ أحَبَّني الله، وأحبَّني النَّاسُ، فقال: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبُّك النَّاسُ». [حديث حسن، رواهُ ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة].

ترجمة الرَّاوي:

أبو العبَّاس رضي الله عنه، سهلُ بنُ سعدٍ الخزرجيّ الأنصاريُّ السَّاعديُّ رضي الله عنهُ، مِن بني سَاعِدة، مِن أهل المدينة، ومِن مشاهير الصَّحابة رضي الله عنهم. عاشَ نحو مائة سنة، لهُ في كُتُبِ الحديث 188 حديثاً، وتوفيَّ: «91هــ».

شّرح المفردات:

دُلَّني: أَرْشِدْني، ازْهَد: الزُّهدُ: انصِراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خيرٌ مِنه.

التحليل:

حَرصَ الصَّحابةُ رضوانُ الله عليهم على طلبِ ما يَنْفَعُهُم في الدنيا والآخرة، فهذا الرَّجل في الحديث سأل رسول الله عن عملٍ يوصِلُهُ لمحبَّةِ الله ولمحبَّةِ النَّاسِ فأَرْشَدَهُ عليهِ السَّلام إلى الزُّهدِ، وبيَّنَ لهُ فوائدَه وثَمراتِهِ.

أولاً: تعريفُ الزُّهد

الزُّهد، هو: القناعةُ بقَضَاءِ الله، والرِّضا بِعَطائِهِ، أو: انصِرافُ الرَّغبةِ عنِ الشيءِ إلى ما هُو خيرٌ مِنْهُ، أو: الرَّغبةُ عن الدُّنيا إلىٰ الآخرة، وعن غير الله إلى الله تعالىٰ.

وقَد كَشَفَ كتابُ الله حقيقَةَ الزُّهدِ، في قوله تعالىٰ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْـمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْـخَيْلِ الْـمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْـحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْـمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾. [آل عمران: 14-15]

فالزُّهدُ في الدنيا الرَّغبةُ عنها، وأنْ يتناول الإنسانُ منها ما يَنْفَعُهُ في الآخِرة.

وليسَ الزُّهدُ تركَ العملِ بالكُلِّية، والعُزوفَ عن الدنيا، بل الزُّهدُ التَّزَوُّدُ مَنَ الدنيا للآخرةِ، وعدمُ الانشغال بهِا ترفُّهاً وَتَلَذُّذاً عن دَارِ السَّعادة الحَقيقيَّة.

ثانياً : ثمراتُ الزُّهدِ

للزُّهدِ ثمراتٌ متعدِّدَةٌ منها:

  1. منها محبَّةُ الله؛ فقد أرشَدَ صلى الله عليه وسلم السائلَ إلىٰ الزُّهدِ في الدنيا، وجعَلَ حُبَّ الله تعالىٰ، وحُبُّهُ تعالىٰ لعبادِهِ رضاهُ عنهم.
  2. نيلُ محبَّةِ النَّاس؛ فقد أرشدَ صلى الله عليه وسلم السائلَ إلى الزُّهدِ فيما في أيدي الناس لينال محبة الناس.
  3. غِنى النفس، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كانت الآخِرةُ همَّهُ جمعَ الله شملهُ، وجعلَ غِناهُ في قلبِهِ، وأتَتْهُ الدُّنيا وهي راغمةٌ. ومن كانت الدُّنيا همَّه شتَّت الله شملَهُ، وجعلَ فقرَهُ بينَ عينيهِ، ولم يأتِه من الدُّنيا إلاَّ ما قُدِّر له. والسَّعيدُ مَن اختار باقيةً يدومُ نعيمُها على باليةٍ لا ينفدُ عذابها».[سنن التَّرمذيّ، صِفةُ القيامة].
  4. ولهذا ينبغي للمسلم: أن تكونَ محبَّةُ الله سبحانه منتهىٰ غايته، وأن يسعىٰ بكلِّ أعمالهِ أن يدخُل في عِداد مَن يُحبُّهم الله وَيُحِبُّونه، وأن لا يجعلَ الدنيا أكبرَ همِّه؛ لأنها دون الآخرة في المرتبة، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُم في الجنَّةِ خيرٌ مِن الدنيا وما عليها»[صحيح البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل رباط اليوم في سبيل الله]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ركعتا الفجر خيرٌ مِن الدنيا وما فيها». [صحيح مسلم، كتاب: صلاةُ المُسافرين وقصرها، بابُ: استحباب ركعتي سنة الفجر].

مما يُستفاد من الحديث:

  • الزُّهد في الدنيا لا يتعارضُ مع العَمَلِ  واتِّخاذِ الأسبابِ.
  • الزُّهد سببٌ لمحبَّة الله ومحبَّةِ الناس.
  •  الزهد سببٌ لغِنى النَّفس وراحة القلب.
  • التوجيهُ إلىٰ إيثارِ الآخِرة ومطالبها على الدُّنيا وملذَّاتها.
أهداف الدَّرس :
  • أن أتعَرَّف معنى الضرَّر والضِّرار.
  • أن أمَيِّزَ بين أنواع الضرر.
  • أن أستشعِرَ خُطورةَ الضَّررِ والإضرارِ، وأتجنَّبَ أسبابَهُما.
تمهيد: جاءَ الإسلامُ ليرفعَ الضَّرر والحَرجَ عن النَّاس؛ لذا كانَ مِن مبادئِه التَّيسير وؤفعُ الحَرجِ عن الناس؛ لذا كانَ مِن مبادئه التَّيسيرُ ورفعُ الحرجِ، ومِنْ قواعِدهِ رفعُ الضَّرر والضِّرار.

فما حُكم أيقاعِ الضَّرر والضِّرار؟ وما معنىٰ رفعِهما؟ وما مظاهرُهما في التَّشريع؟

الحديث: عن أبي سعيدٍ سَعٍدٍ بن مالكِ بنِ سِنان الخُدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضَرَرَ ولا ضِرار». حديثٌ حسن رواهُ ابنُ ماجَة والدَّارَقطنيُّ وغيرهُما مُسنَداً، ورواهُ مالكٌ في الموطَّأ مُرسَلاً عم عمرو بنِ يحيىٰ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلّم؛ فأسقطَ أبا سعيدٍ؛ وله طُرقٌ يقوِّي بعضُها بعضاً. ترجمةُ الرَّاوي: أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي الله عنهُ، هوَ: سعدُ بن مالكٍ بنُ سِنان الأَنصاريُّ الخَزْرًجِيُّ رضي الله عنه، صحابيٌّ ، كان مِن مُلازمي النبي صلى الله عليه وسلَّم، ورَوىٰ عنهُ أحاديثَ كثيرة بلغت: 1170 حديثاً، توفيَّ بالمدينة سنة: «74ه‍ــ». شرح المفردات: ضَرَرٌ: الضَّرر الإساءة الموجَّهةُ إلى الغيرِ ابتداءً، ضرارَ: الضِّرار إيقاعُ الضرر بالغير مجازاةً. التحليل: يشتمل هذا الدَّرس على ما يأتي:

أولاً: تعريف الضرر والضِّرار

الضَّرر: أن تضرّ من لاَ يَضُرُّك. والضِّرار: أنْ تضُرَّ من أضرَّ بكَ من غير جهة الاعتِداء بالمِثل والانتصار بالحقِّ، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلّم: أدِّ الأمانة إلَى مَن ائْتَمَنكَ ولا تخُن مَن خانَكَ».[سُنن الترمذي في اابُيوع باب 38] وهذا معناهُ عند بعض العلماء: لا تَخُن مَن خانكَ بعدَ أنْ انتصرتَ مِنهُ في خيانتِه لكَ. وقيل: الضَّررُ والضِّرارُ لفظانِ بمعنىً واحد، جاءا معاً علىٰ وجهِ التأكيدِ، فمعنى «لا ضَرَر ولا ضِرار» لا يُدْخِلُ أحدٌ على أحدٍ ضرراً؛ أيْ لا يُنزِل بهِ ضرراً. ومَنْ أضَرَّ بأخيه فقد ظَلمَهُ، والظُّلمُ حرامٌ، كما تقدَّمَ في حديث أبي ذرٍّ: » يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا...»،وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ دماءكم وأمْوَالكـم وأعراضكُم عليكم حرَامٌ». [صحسح البخاري، كتاب العلم، باب: ليبلغ الشاهد الغائب].

ثانيا: الأمرُ برفْعِ الضَّرر والضِّرار

الحديثُ خبرٌ، معناهُ: النهي عن الضرر والضِّرار، والأمرُ برفعهما بعْدَ وُقوعهما، أي لا يحصُل مِن المرءِ ضَرَرٌ، ولا إضِرارٌ، ولا إبقاءٌ لهُما. والحديث يدلُّ على وُجوبِ حِرص المُسلمِ على ألاَّ يحصل منهُ ضَرَرٌ ولاَ ضِرارٌ لغيرهِ، وعلىٰ رفعِ الضَّرَرِ عند العلم به، والضِّرارُ بالوقوف عندَ الحقِّ فيه. وظاهِرُهُ تحريمُ جميعِ أنواعِ الضَّرر ما قلَّ منه أو كَثُر، وقد بُنيَ على هذا الحديث قاعدةٌ مِنَ القواعد الشَّرعيَة الكُبرىٰ، وهيَ: «الضَّررُ يُزال»، والضَّرر لفظٌ عام يشمل كُلَّ ما فيهِ ضرَرٌ على الإنسانِ في نفسِه أو بَدَنِه أوْ مالهِ أو عِرْضِه أو بيئتِهِ أو علاقتِهِ بِغيرهِ.

مِمَّا يستفاد مِنَ الحديث:

  • تحريمُ جميع أنواعِ الإضرارِ إلاَّ بالحقِّ، ووُجوبُ رفعِ الضَّرر والضِّرار.
  • رفعُ الضَّرَرِ ومنعُ الإضرارِ مَبدَأٌ شرعيٌّ أصيلٌ في الإسلام ليحيىٰ النّاس حياةً إنسانيَّةً تسُودُها المحبَّة والإخاء والتَّعاون ونفعُ الغير.
أهداف الدَّرس :
  • أن أتعَرَّف معنى الضرَّر والضِّرار.
  • أن أمَيِّزَ بين أنواع الضرر.
  • أن أستشعِرَ خُطورةَ الضَّررِ والإضرارِ، وأتجنَّبَ أسبابَهُما.
تمهيد: جاءَ الإسلامُ ليرفعَ الضَّرر والحَرجَ عن النَّاس؛ لذا كانَ مِن مبادئِه التَّيسير وؤفعُ الحَرجِ عن الناس؛ لذا كانَ مِن مبادئه التَّيسيرُ ورفعُ الحرجِ، ومِنْ قواعِدهِ رفعُ الضَّرر والضِّرار.

فما حُكم أيقاعِ الضَّرر والضِّرار؟ وما معنىٰ رفعِهما؟ وما مظاهرُهما في التَّشريع؟

الحديث: عن أبي سعيدٍ سَعٍدٍ بن مالكِ بنِ سِنان الخُدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضَرَرَ ولا ضِرار». حديثٌ حسن رواهُ ابنُ ماجَة والدَّارَقطنيُّ وغيرهُما مُسنَداً، ورواهُ مالكٌ في الموطَّأ مُرسَلاً عم عمرو بنِ يحيىٰ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلّم؛ فأسقطَ أبا سعيدٍ؛ وله طُرقٌ يقوِّي بعضُها بعضاً. ترجمةُ الرَّاوي: أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي الله عنهُ، هوَ: سعدُ بن مالكٍ بنُ سِنان الأَنصاريُّ الخَزْرًجِيُّ رضي الله عنه، صحابيٌّ ، كان مِن مُلازمي النبي صلى الله عليه وسلَّم، ورَوىٰ عنهُ أحاديثَ كثيرة بلغت: 1170 حديثاً، توفيَّ بالمدينة سنة: «74ه‍ــ». شرح المفردات: ضَرَرٌ: الضَّرر الإساءة الموجَّهةُ إلى الغيرِ ابتداءً، ضرارَ: الضِّرار إيقاعُ الضرر بالغير مجازاةً. التحليل: يشتمل هذا الدَّرس على ما يأتي:

أولاً: تعريف الضرر والضِّرار

الضَّرر: أن تضرّ من لاَ يَضُرُّك. والضِّرار: أنْ تضُرَّ من أضرَّ بكَ من غير جهة الاعتِداء بالمِثل والانتصار بالحقِّ، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلّم: أدِّ الأمانة إلَى مَن ائْتَمَنكَ ولا تخُن مَن خانَكَ».[سُنن الترمذي في اابُيوع باب 38] وهذا معناهُ عند بعض العلماء: لا تَخُن مَن خانكَ بعدَ أنْ انتصرتَ مِنهُ في خيانتِه لكَ. وقيل: الضَّررُ والضِّرارُ لفظانِ بمعنىً واحد، جاءا معاً علىٰ وجهِ التأكيدِ، فمعنى «لا ضَرَر ولا ضِرار» لا يُدْخِلُ أحدٌ على أحدٍ ضرراً؛ أيْ لا يُنزِل بهِ ضرراً. ومَنْ أضَرَّ بأخيه فقد ظَلمَهُ، والظُّلمُ حرامٌ، كما تقدَّمَ في حديث أبي ذرٍّ: » يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا...»،وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ دماءكم وأمْوَالكـم وأعراضكُم عليكم حرَامٌ». [صحسح البخاري، كتاب العلم، باب: ليبلغ الشاهد الغائب].

ثانيا: الأمرُ برفْعِ الضَّرر والضِّرار

الحديثُ خبرٌ، معناهُ: النهي عن الضرر والضِّرار، والأمرُ برفعهما بعْدَ وُقوعهما، أي لا يحصُل مِن المرءِ ضَرَرٌ، ولا إضِرارٌ، ولا إبقاءٌ لهُما. والحديث يدلُّ على وُجوبِ حِرص المُسلمِ على ألاَّ يحصل منهُ ضَرَرٌ ولاَ ضِرارٌ لغيرهِ، وعلىٰ رفعِ الضَّرَرِ عند العلم به، والضِّرارُ بالوقوف عندَ الحقِّ فيه. وظاهِرُهُ تحريمُ جميعِ أنواعِ الضَّرر ما قلَّ منه أو كَثُر، وقد بُنيَ على هذا الحديث قاعدةٌ مِنَ القواعد الشَّرعيَة الكُبرىٰ، وهيَ: «الضَّررُ يُزال»، والضَّرر لفظٌ عام يشمل كُلَّ ما فيهِ ضرَرٌ على الإنسانِ في نفسِه أو بَدَنِه أوْ مالهِ أو عِرْضِه أو بيئتِهِ أو علاقتِهِ بِغيرهِ.

مِمَّا يستفاد مِنَ الحديث:

  • تحريمُ جميع أنواعِ الإضرارِ إلاَّ بالحقِّ، ووُجوبُ رفعِ الضَّرر والضِّرار.
  • رفعُ الضَّرَرِ ومنعُ الإضرارِ مَبدَأٌ شرعيٌّ أصيلٌ في الإسلام ليحيىٰ النّاس حياةً إنسانيَّةً تسُودُها المحبَّة والإخاء والتَّعاون ونفعُ الغير.

أهداف الدّرس:

  • أن أتعرّفَ مفهومَ المُنكر وشروطَ تغييرِه.
  • أنْ أُمَيِّز بين مراتب تغييرِ المُنكر.
  • أن أتمثَّل آدابَ تغييرِ المُنكر.

تمهيد:

تصدُر مِن بعض أفراد المُجتمع أفعالٌ لا تتوافقُ مع أحكام الإِسلام وقِيَمِه النَّبيلة، فيتساءلُ المُسلم: هل هذا من المُنكر الذي يجبُ تغييرُه؟ وهل يجبُ عليَّ تغييرُه؟ وهل يَحِقُّ لي ذلك؟ وهل لذلكَ شروطٌ وآدابٌ؟

فما معنىٰ المُنكر؟ ومَا المقصودُ بتَغْييره؟ وما حُكمُه وشروطُه؟ وما مراتِب ذلك؟

الحديث

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

ترجمةُ الرَّاوي:

تَقدَّمت ترجمةُ الرَّاوي في الدّرس الحادي عَشر.

الشّرح:

مُنكَراً: شيئاً قبَّحه الشَّرعُ فِعلاً أو قولاً، فَلْيُغَيِّرهُ بيده: فليزِله بيدهِ إنْ كانَ مِمّا يُزالُ بها، فبِلِسانِه: أيْ بالقول، كالتَّذكير، أو النُّصح، أو التوبيخ، فبِقلبهِ: أي يُنكِره ويكرهُهُ بقلبه، أضعَف الإيمَان: أقَلُّهُ مَرتبةً وثمَرةً.

التحليل:

يشتملُ هذا الدَّرس على ما يأتي:

أولاً: تعريف المنكرِ وحُكمُ تغييره

      1. تعرِيفه

المُنكر: ضدُّ المعروف، وهو كلُّ ما قبّحه الشرعُ وحرَّمه. وتغييرهُ هو النَّهي عنهُ، والإرشادُ إلى وجهِ الشَّرع والصواب فيه، والعملُ على إزالتِه بالحِكمة والموعظةِ الحَسنة والوسيلة المناسبة لنوع المُنكرِ المراد تغييرُه.

      1. حكْمُ تغييرِ المُنكَر

النهي عن المنكر مِمّا تطابق الكتابُ والسنة على وجوبه، فيدلُّ له في الكتاب قوله تعالىٰ: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير.....وينهون عن المنكر﴾[آل عمران: 104]، وفي السُّنة قوله صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث: «فليُغَيِّرهُ»، فهو أمرٌ يدُلُّ على الإيجاب.

وهو فرضُ كفايةٍ إذا قام به مَن يكفي سَقطَ عن الباقين، وإذا تركَهُ الجميع أثِم كُلُّ مَن تمكَّن منه وتَركَه بلا عُذرٍ، وقد يكونُ فرضَ عينٍ على شخص إذا كان هو المسؤول عنهُ، أو لا يعلمُ به إلاّ هو، أو لا يتمكّن من إزالته إلاّ هو.

ولا يسقُطُ وُجوبه لظنِّه أنَّه لا يُقبَلُ منهُ؛ لقول الله تعالىٰ:﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين﴾ [الذاريات:55].

ثانياً: شروطُ وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد صحة نية الإصلاح شرُوط وآدابٌ منها:

الأهليّة العِلميّة، وذلك بأن يكونَ الشخصُ عالماً بما يأمُر وينهى عنهُ.

التحلي بالرفق والحِكمة واللُّطف واستعمالِ الكلمة الطّيبة ليكونَ أقربَ إلى تحصيل المَقصُود، قال الله تعالىٰ: ﴿ادعُ إلى سبيل ريك بالحكمة والموعظة.....بالتي هي أحسن﴾[النحل 125]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العُنف، وما لا يُعطي على ما سواه».[صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب فضل الرزق.]

أن يكونَ المنكرُ مُجمَعاً عليه، أمّا المُختلف فيه فلا إنكَار فيه.

أن لا يؤَدي النهيُ عن المُنكر إلى مفسَدة المنكر الواقع.

حفظُ العورات وعدمُ التَّشهير بالنّاس؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب النُّصح، والأصل في النصح أن يكون سرا، فقد قال الشّافعيّ رحمه الله تعالىٰ: من وعظَ أخاهُ سِرّا فقد نصحه وزانَه، ومَنْ وعَظه علانية فقد فضحه وعابه.

ثالثاً: مراتب تغييرِ المُنكر

يُؤخذُ مِن قوله صلى الله عليه وسلم: «فليغيِّره بيدِه، فإنْ لم يستطع فبلسانِه، فإنْ لم يستَطِع فَبِقلبِه» أنَّ التغييرَ يكون باليد وباللّسان وبالقلبِ، ويدلُّ أيضاً على أن تغيير المُنكر على مراتبَ بعضُها أسبَقُ وأولىٰ مِن بعضٍ؛ فالتغييرُ باليدِ أوّلا، وهو من اختصاص مَن لَهُ سلطة ومسؤوليّة، كالسُّلطان ونائبِه، والتغييرُ باللِّسان ثانياً عن طريق الإرشاد والتوجيه والنُّصح، وأولىٰ الناس بالقيام بهذا الأمر العُلَماء الرَّبانيون الحُكماء الذين يُربُّون الناس بصغار العِلم قبل كِباره، والتَّغييرُ بالقلبِ ثالثاً عن طريق إنكارِ المُنكرِ بالقلبِ وتمنِّي زواله، وهذا يسْتَطيعخ كُلُّ مسلم.

ومعنىٰ قوله صلى الله عليه وسلم: «وذلكَ أَضْعَفُ الإِيمَان» أقَلُّهُ ثًمرةً. وجاءَ في روايةٍ أُخرىٰ: « وليس وراءَ ذلكَ مِن الإِيمَانِ حبَّةُ خَردلٍ». أيْ لم يبقَ وَراءَ ذلكَ مَرتبةٌ أخرى مِن مراتِبِ الإيمَان.

مِمّا يستفاد من هذا الحديث:

  • تغييرُ المُنكرِ باليد مِن اختصاص السُّلطان الذي وًكَل الله إليهِ رعاية المجتمع.
  • تغييرُ المُنكر باللِّسان من مسؤوليَّة العُلماء، وتغييرُه بالقَلبِ واجبٌ على كُلِّ مُسلم.
  • الرِّفق والحِكمة والموعظةُ الحَسنةُ مِن أهمِّ الآداب التي ينبغي التَّحلِّي بها عند الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
  • الأمرُ بالمعروف والنّهي عن المُنكَر مِن خِصال الإيمان.

أهداف الدرس:

  • أنْ أتعرّف معنى الأخوّة الإسلامية.
  • أٌنْ أُدركَ طائفةً من حقوق الأخوة الإسلاميّة.
  • أن أحرِصَ على التزام قيم الأخوّة الإسلامية في سلوكي.

تمهيد:

الإسلام دين يجمع ولا يفرِّق، ولذلكَ شَرعَ كثيراً مِن الروابط التي تجمَعُ بين أفرادِ المجتمع المُسلم، والتي تدخل ضِمْنَ معاني الأُخوّة الإسلاميّة.

فما الأخوة الإسلاميّة؟ وما الذي يُعَدُّ من حقوقها ومُقتضياتها؟

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.

شرح المفردات:

لا تَحَسادوا: أي لا يحسُد بعضُكُم بعضاً، ولا تنجاشوا: أيْ لا يَنْجُش بعضُكم على بعض، والنَّجْشُ: الخَتْلُ والخِداع، ولا تَدابَروا: التّدابُر: المُعاداة، وقيل المُقاطعة.

التحليل:

يشتملُ هذا الدرس على ما يأتي:

أولاً: الأخوّة الإسلامية

الأخوَّة الإسلامية مِن أقوىٰ الأواصِر التي توثِّق الصِّلة بين أفراد المجتمع، وتُنمِّي روحَ المحبّة والإخاء والتّعاون بينَ أعضائه، قال الله تعالىٰ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الحجرات: 10] فالإيمان هو الحافز على الأخلاق الحميدة، والحافظُ للآدابِ العامَّة، والدَّافع إلى تمتين العلاقات الاجتماعية، ورعايةِ حُقوق الأخُوّة والمحافظة عليها.

ومعنىٰ قوله صلى الله عليه وسلم: وكونوا عباد الله إخوانا» تعاملوا معاملة الإخوة في المودَّة والرِّفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير، مع صفاءِ القلوبِ والنصيحة بكلِّ حال، وتركِ ما يُسبّب النفور والتفرقة، فبذلكَ تكونونَ إخواناً.

وفي التعبير إشارةٌ بعباد الله إشارةٌ إلى أنّ العباد عبيد لله تعالىٰ، فحقُّه عليهم أنْ يُطيعوهُ بالأُخوَّةِ فيما بينهم، فتعيشُ المُجتمعات في ظل الإسلام حياةَ أمنٍ وعدلٍ واطمئنانٍ، ومَودّة.

ثانياً: مِنْ حُقوق الأُخُوَّة الإسلامية

ممّا يقتضيه الأمرُ بالأخوَّةِ:

  1. التزامُ كلِّ ما تتحقَّقُ به الأخوّة بين المُسلمين مِن أداءِ حقوقِ المسلم، كردِّ السلام وابتدائِه، وتشميتِ العاطِس، وعيادةِ المريض، وتشييعِ الجنائز، وأجابة الدّعوة، والنُّصح، وغير ذلك ممّا هو واجبٌ أو مندوبٌ إليه.
  2. اجتناب كلِّ ما يُؤَدِّي إلى الفُرقةِ والتَّنازعِ، ويُذهِب الأخوَّة والتآلف؛ ولذلكَ جاءَ النهيُ في الحديث عن أمورٍ تتنافىٰ مع ما تقتضيهِ الأخوَّة الإسلامية، منها:

الحسد؛ وهو تمَنِّي الشخص زوالَ النِّعمة عن الآخرين، وهو حرامٌ، كما في حديث: «إيّاكم والحَسَد، فإنَّ الحسد يأكلُ الحسنات كما تأكلُ النّار الحَطَبَ» [سُنن أبي داود، كتاب الأدب،باب: الحسد].

وأمّا الحسدُ بمعنىٰ الغِبطة التي هيَ تمنِّي حالِ المُغبوطِ مِن غير أَنْ يُريدَ زوال النعمة عنه، فهو أمرٌ محمود شرعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا حسَدَ إلاّ في اثْنَتينِ: رجلٌ آتاهُ الله مالاً فسُلِّطَ على هَلًكَتِه في الحقّ، ورجلٌ آتاهُ الله الحِكْمَة فهوَ يقضي بها ويُعلِّمها».[صحيح البخاري، باب الاغتباط في العلم].

النَّجْشُ؛ وهو الخَتْلُ والخِداع، والمراد به: الزِّيادة في المَبيعِ لا لِرغبةٍ في شرائه. وهو حرامٌ بالإجماعِ، فلا يجوزُ التَّعامل بالمَكْرِ والاحتيالِ وأيضاً الأذىٰ؛ ففي الحديث:«مَن غشّنا فليْسَ مِنّا، والمَكْرُ والخِداعُ في النَّار».[صحيح ابن حِبّان، باب الصُّحبة والمجالسة].

التَّباغُض؛ والمرادُ تعاطي أسبابِ التَّباغض التي تؤَدّي إلى بُغضِ الناس بعضهم بعضاً، فهو أيضاً حرامٌ؛ لِما فيه مِن التّباعد وذهابِ الوحدة والأُلفة.

التّدابر؛ وهو المُعاداة، لأنَّ كُلَّ واحدٍ يُولِّي صاحبه دُبُرَهُ مِن المُقاطعة.

وفي الحديث: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثة أيامٍ، يَلْتَقِيَانِ, فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»[سنن أبي داود باب فيمن يهجُر أخاهُ المسلم].

البيع على بيع بعضٍ; وهو الزيادةُ في الثمنِ حالَ تساومِ المتبايعينِ. وهوَ حرامٌ بعدَ تراضيهما أو تقارُبِهما، أمَّا قبلَ ذلكَ فليسَ بِحرامٍ. وفي الحديث: «ولاَ يَبِعْ أحَدُكم على بَيْعِ أخيهِ». [المُعجم الأوسط للطّبراني، 315\1]

ممّا يستفاد من هذا الحديث:

  • ضرورة المُحافظةِ على الأُخوّة بين أفرادِ المُتجمعِ لتحقيقِ وَحْدَتهم وتماسُكهم
  • حِرمةُ تعاطي كُلّ ما يُضرّ بوحدة الأمّة، ووجوبُ الأخذِ بكلِّ أسبابِ تحقيقِها.
  • العبوديّة لله تقتضي رِعايةَ الأخوّة الإسلاميّة والقيامَ بحقوقِها.

أهداف الدرس:

  1. أَنْ أَتعرَّف أنواعاً أُخرىٰ مِن حُقوقِ الأخوّة الإسلاميَّة.
  2. أَن أُمَيِّز مَعاني هذهِ الحُقوق، وأُدرِكَ أهميَّتَها.
  3. أَنْ أحرِصَ على التزامِ قِيَم الأُخوّة في سُلوكي.

تمهيد:

تقتضي أواصِرُ الأُخُوّة التي تربطُ بيْنَ المُسلمِ وأخيهِ حقوقاً متنوعةً لأحدهمَا على الآخر، يجبُ القيامُ بها، خصوصاً الحقوقَ الأساسِيّة منها كالكَفِّ عن ظُلمِه وخِذلانِه وتحقيره والكذب عليه، والتَّعَرُّضِ لإذايَتِه في دَمِه أو مالِه أو عِرضِه.

فما المُراد بظلمِه وخِذلانِه وتحقيرِهِ والكذب عليهِ؟ وما حُكْمُ التَّعرض لإذايتِه؟

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.

شرح المفردات:

ولاَ يَخْذُلُهُ: أيْ لا يتْرُكُ إعانتَهُ ونُصْرَتَهُ، وَعِرْضَهُ: العِرْضُ: مَحَلُّ المَدْحِ والذَّمِّ مِنُ الإنْسَان.

التحليل:

يشتمل هذا الدّرس على طائفةٍ أخرى مِنَ الحقوقِ التي تَقْتَضيها الأُخُوَّةُ الإسلاميّة، وبيانِ ما يُعينُ على تحقيقِها:

أوَّلا: مِنْ حُقوق الأُخوّة الإسلاميَّة

إنَّ من مُستلزماتِ الأمْرِ بالمُحافظةِ على هذهِ الأُخُوّة اجتنابَ كُلِّ ما يَؤدِّي إلى الفُرقَة والتَّنازع، ويُذْهِبُ الأُخُوَّة والتآلفَ والمَودَّة بينَ المُسلمينَ، مثل:

  1. الظّلم؛ والمراد به أنْ لا يُدخل المسلم على المسلم ضرراً في نفسه، أو دينِه، أو عِرضه، أو ماله، لأن ذلك ينافي أُخوّة الإسلام، ويُؤدي إلى القَطيعة المُحرّمة. وقد تقدَّم قولُ الله عزّ وجل في الحديث القُدسيِّ: «فلاَ تَظَالَموا»، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «لاَ ضَرَرَ ولا ضِرار».
  2. الخِذلان؛ وهو تركُ إعانة من استعانَ لدفعِ ظُلمٍ ونحوِهِ. فمَنْ دعاهُ مَظلومٌ ليشهدَ لَهُ على حقٍّ لهُ عند ظالمٍ، وَجَبت عليه الشّهادة لهُ لتخليصِ حَقِّه مِنَ الظَّالم.
  3. الكذب، والمرادُ به إخبارُ المُسلم بأمرٍ على خِلاف الواقع؛ لأنَّهُ غِشٌّ وخيانةٌ، وهو أشدُّ الأشياء ضَرَراً، والصِّدقُ أشَدُّها نَفعاً، وقد جاءَ أمرُ الله تعالى بالصِّدق في قوله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:120].
  4. التَّحقير؛ وهو التكبر على النَّاس، والنظر إليهِم بعين الاستِصغار والتَّنقيص.وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «بحسبِ امرئٍ مِن الشَّرِّ إَنْ يَحْقِر أخاهُ المُسلم» تحذيرٌ عظيمٌ مِن ذَلك؛ لأنَّ الله تعالىٰ لَمْ يُحقره إذْ خَلقه ورزقَه ثمَّ أحسنَ تقويمَ خَلْقِه، وسَخَّرَ لهُ ما في السّماوات وما في الأرضِ جميعاً، وسمَّاهُ مُسلماً ومُؤمناً وَعبداً، وأرسَلَ إليه محمّدا صلى الله عليه وسلّم. فَمَن حَقَّرَ مُسلماً مِن المسلمين، فقَد حَقَّر ما عظّم الله عزّ وجلّ، وكافيهِ ذلكَ شرّا. ومِنِ احتقارِ المُسلم للمُسلم أن لا يسلِّم عليه إذا لَقِيه، ولا يَرُدَّ عليه عليه السلامَ إذا بَدَأ.
  5. التَّعرض أو التَّسبّب لِدَمِ المُسلم أو مالِه بالإتْلافِ أَو الإيذاءِ، أَو لِعِرضِهِ بالطَّعن أو التَّنقيص؛ فكلُّ ذلكَ مُحرَّم لِما يترتّب عليه مِن العُدوان والمُعاداة والفُرقة. وقد اقتَصر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث على الدَّم والمال والعِرْض؛ لأَنَّ ما سِواها مُتفرِّعٌ عنها وراجغٌ إليها.

ثانيا: التَّقوى سبيلُ الأُخوّة

إنَّ مِمّا يُعينُ على الالتزامِ بهذهِ الحقوق والآداب رُسوخُ التَّقوى في النَّفس، كما قال صلى الله عليه وسلّم: «التَّقْوى هَا هُنا»، ويشيرُ إلى صدرهِ ثلاثَ مَرّاتٍ. ومعناهُ أنَّ الأعمالَ الظاهرةَ وَحْدَها لا تُحصِّل التقوىٰ، وإنما يُحَصِّلها رُسوخُ عَظمةِ الله تعالىٰ وخَشْيَتِهِ ومُراقَبَتِهِ في القَلْب، ورسوخُ الاعتِقاد بأَنَّ رُؤيةَ الله تعالىٰ مُحيطةٌ بكلِّ شيءٍ.

مِمّا يُستفاد مِن هذا الحديث:

  1. حرمة تحقيرِ النّاس، وجعْلُ ذلكَ مِنَ الشَّر الكافي لهلاكِ صاحبِه.
  2. حرمة التَّعرُّض لدماء المُسلمين وأموالهِم وأعراضهِم بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الإيذاء.
  3. اعتبارُ التقوىٰ بِما في القُلوبِ، ولَيْسَ بالأعمَال الظاهرةِ وَحْدَها.
  4. رقابةُ الله وشهُودُهُ وإِحاطَتُهُ بِما عليهِ العِبادُ مِن الأعمالِ والنِّيات والمَقاصِد.

أهداف الدرس:

  • أن أتعَرّف طائفةً مِن الأعمال الفاضلة.
  • أنْ أُمَيِّزَ أصنافَ هذه الأعمال.
  • أَنْ أَلْتَزِمَ الأعْمَال الفاضِلَة في حياتي.

تمهيد:

يُحاول المُسلم الإِكثارَ مِن الأعمال الصالحة لاستكثارِ الثَّواب الذي يَنَالُه، وهِيَ كثيرةٌ ومتنوِّعة، فَيَنْبَغي أَنْ لا يُغْفِلَ المُسلمُ ما استَطَاع مِن الأَعمال الفاضِلة عسى أَنْ يَنالَ بها بُغْيَتَه.

فما هَذِه الأعمالُ الفاضِلةُ؟ وما هُو الثَّواب المُتَرتِّب عليها؟

الحديث:

عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَريقًا يلْتَمسُ فيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّه لهُ به طَريقًا إِلَى الجنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لَمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ» [رواهُ مسلم بهذا اللَّفظ].

شرح المفردات:

نَفَّسَ: أَزالَ، كُربَةً: شِدَّةً، السَّكينَةُ: الطُّمَأنينةُ، وغَشِيَتْهُم: نَزَلَتْ عليهِم وأظَلَّتهُم.

التّحليل:

يتضمَّنُ هذا الحديثُ مجموعةً مِن الأعمال الفاضلة، يَنْبَغي لِلْمُسلِم إدراكُ فضلِها والقيام بها؛ لِمَا فيها مِنْ فَضْلٍ وثوابٍ عَظيمَيْنِ، وهِيَ كالآتي:

أوَّلاً: السَّعيُ في مصالِحِ النّاس وقضاءِ حوائِجِهِم

رغَبَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم في الاقترابِ مِنَ النّاس وبَذْلِ النَّفْعِ إليهِم والإحسانِ إليْهِم، ومِنْ مَظاهِر ذلكَ:

    1. تنْفِيسُ الكُرُبات؛ وذلكَ بقضاءِ حوائجِ المُسلمينَ، وَدَفْعِ ما نزل بِهم مِنْ ضُرٍّ، ونَفعهم بما يتيسَّرُ مِنْ عِلمٍ أوْ مَالٍ أوْ نصيحةٍ أَوْ إِعانةٍ أَوْ إِشارةٍ بمَصلحةٍ أَوْ غيرِ ذلك مِمَّا يَجلُبُ لَهُم المصلحة ويدفعُ عنهم المَفسَدة.
    2. التَّيسِيرُ على المُعْسِر؛ وذلكَ عندما تضيقُ المَسالكُ بالمَدينِ، فلاَ يستطيعُ الوَفاءَ بما عليهِ مِنْ حَقٍّ أو دَيْنٍ، فيَحُطُّ عنه مِن مِقدارِ الدَّين، أَو يُنْظَرُ إلى ساعةِ اليُسرِ بتمديدِ الأَجَلِ لهُ ونحو ذلكَ، قال الله تعالى:﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:279]. فمن يسَّر في مُعاملاته مع النَّاس يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة، وحَصَلت له بركةُ دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم؛ فقد دعا عليه السَّلام بالرّحمة لمن يُعاملُ النّاسَ باليُسرِ والسُّهولة والتَّسامح؛ فعن جابرٍ رضي الله عنهُ عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إذا بَاعَ، وإذَا اشْتَرى، وإذا اقْتَضى». [صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب السهولة والسَّماحة في الشِّراء والبيوع]/
    3. سَتْرُ المُسلم؛ وذلك بأن يستُرَ زَلاَّته وأخطاءَهُ وعُيوبَهُ، ولا يُشهِرُها في النَّاس. وقدْ جَعَل النبي صلى الله عليه وسلّم جزَاءَ سَتْرِ المُسلم في الدُّنيا سترَ الله في الدنيا والآخرة.
    4. عَوْنُ المُسلم لأَخيه؛ وذلكَ بِأَنْ لا يتأخّر عنهُ بما يُمكِن مِن المساعدة إذا احتاجَ إليه، إيماناً بأنَّ الله تعالى في عَونِهِ، ما دامَ هو في عونِ أخيه.

ثانياً: فَضْلُ طَلَبِ العِلمِ والاشْتِغال بِه

رَفَعَ الإسلامُ مكانةَ العُلَماءِ وأَعْلى مَرْتَبَتَهُم، قال تعالى:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المُجادلة:11]، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزُّمر:10] ، وجَعَل النبي صلى الله عليه وسلّم طَلَبَ العِلم والاشتِغالَ بتعْليمِه وَتَعَلُّمِهِ وسيلةً للفوزِ بالجَنَّة ونَيْلِ مرضاةٍ الله.

والسَّعيُ في طلبِ العِلم ينبغي أَنْ يكونَ المَقصودُ بهِ امتثالَ أمرِ الله تعالى، وفتحَ أبواب الخيرِ، والسَّدادَ في الأعمالِ والأحوالِ، والتَّمكُّنَ مِنْ تَقديمِ النَّفعِ ونشرِ الخَيْرِ والصَّلاحِ وتقليلِ الشَّرِّ والفسادِ؛ فالخيرُ كُلُّهُ مَعَ العِلمِ، والشَّر كُلُّهُ مع الجهلِ، فلا صلاحَ ولا إصلاحَ بدونَ عِلْمٍ.

والعِلمُ الواردُ في حديثِ الدَّرس وفي الآياتِ القرآنية يَشمَلُ عُلومَ الدِّينِ المَحْضَةَ، كما يَشْمَلُ عُلومَ الكونِ والحياة.

ثالثاً: فَضْلُ الاجتِماعِ على تِلاوة القرآنِ وتَدَارُسِه

المُرادُ بالاجتماعِ على تلاوةِ القرآنِ ومُدارستِه، هُو: حِلَقُ العِلم والتَّعلُّم سواء تعلَّق الأمرُ بِطَلبةِ العلم أو بِعَامَّة الناس مَعَ العُلماء، وكُلُّ اجتماعٍ مِن أجْلِ التِّلاوةِ والتَّدَبُّر والمُدارسَة يَدْخُلُ في هذا الحديث.

وقد أَجْمَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم فضل الاجتمَاعِ على تلاوة القرآن ومُدارستِه في أربعةِ أشياءَ:

    1. نُزولُ السَّكينة؛ وهيَ ما يَقْذِفِه الله سبحانه وتعالىٰ في القلوبِ فتطمَئِنُّ وتَسْكُنُ فلا تَشْعُرُ بضَيْقٍ أو غَيْرِه.
    2. غَشَيانُ الرَّحمة؛ ومعنَى ذلكَ أنَّ الرحمةَ تَشمَلُ كُلَّ المُجتمعينَ على تلاوةِ القرآنِ ومُدارستِه.
    3. حَفُّ الملائكَةِ للمُجْتَمِعينَ؛ وذلكَ دليلٌ على أفضليَّةِ وخَيْرِيَّةِ هذا المَجْلِسِ.
    4. ذِكْرُ الله لَهُم في الملإِ الأعْلى؛ تكريماً لمِثْلِ هذه المجالِس وتشريفاً لها.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلَّم: «ومَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ» أنَّ مَنْ أخَّرَهُ عَمَلُهُ السَّيِّءُ أَوْ تَفْريطُهُ وتقصِيرُهُ لا يَتَقَدَّمُ بِهِ نَسَبُهُ ، وأنَّ المَسارعَةَ إنَّما هِيَ بالأعمالِ لا بالأنْسَابِ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحُجُرات:13].

مِمّا يُستفادُ مِن الحديث:

  1. فضلُ قَضَاءِ حوائجِ النَّاسِ ونَفْعِهِمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ عِلْمٍ أوْ مالٍ أو غَيْرِهِما.
  2. الحَثُّ على الأعمالِ الفاضِلةِ التي يتعَدَّى نفْعُها إلى العِباد.
  3. فَضْلُ السَّعيِ في طَلَبِ العِلمِ الخالِص لوجهِ الله لِمَا لهُ مِنْ نَفْعٍ عَمِيمٍ.
  4. فضيلةُ الاجْتِماعِ على تِلاوةِ القرآنِ وتَعْليمِه وتَعَلُّمِهِ وتَدَارُسِهِ.

أهداف الدرس:

  1. أنْ أَتَعَرَّف مظاهر فضل الله في الجزاءِ عَن الأعمال.
  2. أَنْ أُدركَ سِرَّ مُضاعفة الله ثوابَ الأعمال.
  3. أَن أتمثَّلَ فضل الله في الجزاء على الأعمال لأستَكْثِر منها.

تمهيد:

الإنسان.ُ عاملٌ لا محالة، له وعليهِ ما عَمِلَهُ مِن حسناتٍ أو سيِّئاتٍ، ويُكتبُ لهُ وعليهِ ما يستحِقُّهُ مِن ثوابٍ أو عِقابٍ إلاَّ أنَّ فضْلَ الله تعالى عظيمٌ في الجزاءِ، يُضاعفُ لنا الحَسنات، ولا يُضاعفُ علينا السيئات.

ما مظاهر فضل الله في الجزاءِ عن الحسنات والسَّيئات؟ وما سِرُّ مُضاعفة الله عزَّ وجلَّ ثوابَ الأعمالِ عن الحسناتِ دونَ السَّيئات؟

الحديث:

عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»[رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ].

شرح المفردات:

كَتَبَ: الكِتابةُ: النَّقشُ بالخَطِّ، والمُراد به: أمرُ الحَفَظَةِ بالكِتابة، حسنةٍ: خيرٍ، سيئةٍ: شرٍّ، هَمَّ: الهمُّ: القَصْدُ إلى الفِعل، ضِعفٍ: ضعفُ الشَّيءِ: مِثلُه أو مِثْلاهُ.

التحليل:

يشتمِلُ هذا الدَّرسُ على ما يأتي:

أولاً: مظاهِرُ فضل الله في الجزاء على الأعمالِ

هذا حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلَّم مِقدار تفَضُّلِ الله عز وجلّ على خلقِه في الجزاء على الأعمال، ومِن مظاهر ذلكَ أن جعَل همَّ العَبدِ بالحَسنة، وإن لم يَعْملها حَسنةً، وإنْ عَمِلها سيئةً واحدةً، فإنْ عَمِلَ الحَسنةَ كتبها اللهُ عشراً، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعاف كثيرة، وذلكَ بقدر درجةِ الإخلاص والنِّيّة فيها ووقوعها الموقعَ الأفضلَ؛ فضاعف لهُم سبحانه الحسنات ولم يُضاعف عليهم السيئات، وذلك منه سبحانه مجرّد فَضْلٍ.

وإذا تأمَّلنا ألفاظَ الحديثِ أدْرَكنا عظيمَ لُطف الله تعالى في لفظ: «عِنْدَهُ» الذي يحمل إشارةً إلى الاعتناء بالحسنةِ المَكتوبة، وفي لفظ: «كاملةً» التي تدُلُّ على التأكيد وشدة الاعتناءِ وسَعَةِ الفَضلِؤ وفي جُملةِ: «كتبها الله عنهُ حسنةً كاملةً»، فجعلَها «كاملةً»، مع أنَّهُ لم يَعْمَل، وفي جُملةِ: «كتَبَها سَيِّئةً واحدةً»، فقلَّلَها ولم يَجْعَلها كاملةً، مع أنَّهُ عَمِلَها.

ثانياً: سِرُّ المُضاعفة في ثوابِ الأعمال

للسّر في مضاعفة ثواب الأعمال والتفضُّل فيه وُجوهٌ، منها:

  1. أن الله تعالىٰ جعل الهمّ بالحسنة حسنةً، لعقدِ القلب على ذلكَ؛ لأنّ إرادةَ الخير فعلُ القلب. ولا يَلْزَمُ في المُقابل أن يكتبَ لمن همَّ بالسَّيئة ولم يعْمَلها سيِّئةً؛ لأنَّ الكفّ عن الشَّر بعد الهمِّ به فسخٌ لعقد القلب على السيئة باعتقادٍ آخر ينوي به الخير، ويعصي به هوى الشَّر، فجوزيَ على ذلك بحسنةٍ. ويدُلُّ له حديث: «فإِنْ تَرَكَها مِنْ أَجْلي فاكْتُبوهَا حَسَنَةً».[صحيح ابن حِبّان، ذكر البيان بأن تارك السيئة إنما يُكتب له بها حسنة إذا تركها لله]. ولا يَدْخُل في الحديث مَن ترك السَّيئة مُكرها على تركِها، أو عاجزاً عنها، فلا تُكتبُ له حسنةً.
  2. أَنّ الله تعالى لما قصّر من أعمار هذه الأُمّة أخلفَها ذلك بِتَضعيفِ أعمالها، فمَن همّ بحَسنة احْتَسَب له بتلك الهِمّة حسنة كاملة، فإن همّ بها وعملها فقد أخرجَها من الهِمَّة إلى ديوانِ العمل، فيكتُبُ له بالهِمَّة حسنةً، وبالعملِ حسنةً مضاعفةً بِمِقدارِ إخلاص النية وإيقاعها في مواضعها.
  3. ما يَظهَرُ في الواقعِ مِن التضاعف إذا تصدَّق الشَّخصُ بحبَّة بُرّ فَبُذِرت في أزكى أرضٍ، ثمّ استُحْصِدَت ودُرِست وبُذِرَتْ في أرضٍ أخرى أزكى، وهكذا إلى يوم القيامة، حتى تأتيَ الحبَّة من البُرِّ والخَرْدَل والخشخاشِ أمثال الجبال الرَّواسي، أو على قَدْرِ عِظَمِ الدنيا كلِّها.
  4. ما يتفضل به الله سبحانه وتعالى إذا حاسبَ عبدَهُ المسلم يوم القيامة، وكانت حسناتُه متفاوتةً، فيهنَّ الرَّفيعة المقدار، وفيهنّ دون ذلكَ، فَيُحسُبُ له سائرَ الحسنات بجزاء تلكَ الحسنة العُليا، وقد قال جل جلاله:﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]. وكُل هذه المضاعفة على حسبِ معرفة العباد، لا على مِقدار فضل الله سبحانه وتعالىٰ، فإنَّه أعظمُ مِن أَنْ يَحصُرَهُ خَلْقٌ.
  5. ما يتضاعفُ به العمل من التَّحويل في مثل: أَنْ يتصدَّق الرَّجُل على فقيرٍ بِدِرهمٍ، فَيُؤثِر الفقير بذلكَ الدرهم فقيراً آخر أشَدُّ منه فقراً، فيُؤْثِرُ به الثّالث رابعاً، والرابعُ خامساً، وهكذا؛ فإن الله تعالىٰ يحسُبُ للمتصدِّق الأول بالدرهم عشرةً؛ فإذا تصدَّق بها الثاني صارت له عشرةً، وللأوَّل مائةً؛ فإذا تصدَّق بها الثالثُ صارت لهُ عشراً، وللثاني مائَةً، وللثالثِ ألفاً، وتُضاعَفُ هكذا إلى ما لا يَعرِفُه إلا الله تعالى.

ممّا يُستفاد مِن الحديث:

  • عِظَمُ فضل الله تعالى على عِباده المؤمنينَ في الجزاء والعطاء.
  • سَعَةُ رحمة الله تعالى بالعبادِ في مُضاعفة الحسنات دون السَّيئات.
  • تَيَسُّر الفوزِ برضى الله في الدّار الآخرة على كل الناس إلاَّ مَن أبى.
  • أهمِّية إخلاصِ العملِ وقوَّةِ الإيمانِ في مُضاعفةِ الثَّواب.

أهداف الدرس:

  • أَنْ أتعرَّفَ العبادة الموصلةَ لمحبة الله وولايتِه.
  • أن أُدْرِكَ جزاءَ معاداةِ أولياء الله تعالى.
  • أَنْ أَحْرِصَ على الأعمالِ المُوصلة لمحبَّة الله.

تمهيد:

أهمّ غاية يرجو العبدُ الوصول إليها هيَ القُرب من الله تعالىٰ، والتَّنعُّمُ في مقامِ وِلايتِهِ ومحبَّتِهِ، ولَنْ يَجِدَ وسيلةً إلى ذلك إلاّ بالتقرب إلى الله بالعبادة.

  • فما هي العبادة التي تُنيلُهُ القُرب من الله وولايَتَهُ؟
  • ومَنْ هُم أولياء الله؟ وما جزاءُ مَنْ عاداهُم؟

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري.

شرح المفردات:

عَادَى: مِن المُعادَاةِ، وهيَ ضِدُّ المُوالاَةِ، وَلِيّاً: هُوَ مَنْ تولَّى أُمْرَ الله بالطاعةِ، وتوَلَّى الله أَمْرَهُ بالحِفْظِ والتَّوْفيق، آذَنْتُهُ: أَعْلَمْتُهُ.

التحليل:

قال العُلماء: إنَّ هذا الحديث أشرفُ حديثٍ في ذِكْرِ الأَولياء، وهوَ أصلٌ في السُّلوك إلى الله تعالىٰ، والوصول إلى معرفتِه ومحبَّته، ويشْتَمِلُ الكلام فيهِ على ما يأتي:

أولاً: مَقَامُ الأولِيَاء عِنْدَ الله تعالىٰ

أولياءُ الله تعالى هُم الذين يتَّبِعونَ ما شَرَعَهُ اللن تعالى، فال سبحانه: ﴿ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ [يونُس 62-63-64]. وفي هذا الحديث مِن الفقه أنَّ الله عز وجلّ قَدَّم الإِعذارَ إلى كُلِّ من عادىٰ ولِيّا مِن أولياء الله تعالى بأنَّه مُحاربُهُ بنفسِ المُعاداةِ، فليَحْذَر الإنسانُ مِن مُعاداةِ وإيذاء أولياءِ الله عز وجلّ.

وعن عُمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «إنَّ مِنْ عِبادِ الله عِباداً ما هُمْ بأَنْبِياءَ ولاَ شُهَدَاءَ. قيل: مَنْ هُم يا رسولَ الله ومَا أَعْمَالُهُم؟ قال: هُمْ قومٌ تحابُّوا بِروحِ الله على غَيْرِ أَرْحامٍ مِنْهُم ولا أَمْوالٍ يَتَعاطَوْنَها بَيْنَهُم، فواللهِ، إنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وإنَّهُمْ لعلى نُورٍ، لا يَخَافونَ إذا خَافَ النَّاسُ ولا يَحْزَنُونَ إذا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ تلاَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس:63]». [سُنَن أبي داوُد باب في الرّهن].

ثانياً: العِبادَةُ المُوصِلَةُ لِمَحَبَّةِ الله ووِلايتِهِ

دلَّ قوله عزَّ وجلَّ: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه» على: أنَّ أفْضَلَ ما يَتَقرَّبُ بهِ العبدُ إلى الله تعالى أداءُ الفرائِضِ التي فرضَها عليهِ، عَيْناً كانت أو كِفايةً، كالصلاةِ، والصَّوم، وأداءِ الحُقوق إلى أربابِها، وبِرِّ الوالدين، وإقامةِ الحِرَفِ والصَّنائِع، وغيرِ ذلكَ مِنْ سائِر المَفروضاتِ، وأنَّهُ لا تستوي النَّافلةُ والفَريضَةُ في الدَّرجة، وأنَّهُ لا تُقُدَّمُ النَّافلةُ على الفريضَةُ في الدَّرجَة، وأنَّهُ لا تُقَدَّمُ النّافلة على الفَريضةِ، وإنَّما تُسَمّى النافلةُ نافلةً إذا أُدِّيَتْ بعدَ الفَريضَة، وإلاَّ فلا يَتَناوَلُها اسمُ النافِلة؛ لأَنَّ التَّقَرُّبَ بالنَّوافِل يكونُ بعدَ أداءِ الفَرائِض.

ووسائلُ التَّقَرُّب إلى الله تعالى منها ما هو فَرْضٌ، ومِنْهَا ما هو نَفْلٌ؛ فالفرائِضُ لتحقيقِ القَدْرِ الواجبِ مِنَ التَّزكيَةِ والاستِقامَة، والنَّوافِلُ لتحصيلِ الكمَالاتِ النَّفسية والرُّوحية. ومتى أدَامَ العَبْدُ التَّقرّب إلى الله بالفرائِضِ والنَّوافِل أفضىٰ ذلكَ إلى أَنْ يُحِبَّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، وأَنْ يَصيرَ عبداً ربَّانياً مِنْ أهْلِ الله وخاصَّتِه.

ثالثاً: محبَّةُ الله تعالىٰ لأَوْلِيائِه

يدُلُّ قوله: «حتَّى أُحِبَّهُ» على أنَّ لأولياءِ الله الأبرارِ الأَتْقِياءِ مَقاماً عند الله، هو مقامُ المُحَبَّة، ومحبَّةُ الله لأوليائِهِ: كِنايةٌ عن قُرْبِهِ مِنهِم ونُصْرَتِهِ وتأييدِهِ ومَعِيَّتِهِ لهم بالحِفْظِ والنَّصْرِ واللُّطفِ والتَّمكينِ.

وبِمُقتضى محبَّةِ الله لأولِيائِهِ، فإنَّهُ تَجِبُ مُوالاتُهُم وتحْرُمُ مُعاداتُهُم، كما قال تعالىٰ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[المائدة:57-58]؛ فَمَنْ أحبَّهُم فقد أحبَّ الله، ومَنْ أحبَّ الله أحبَّهُ الله.

رابعاً: جَزاءُ مَنْ عَادىٰ أوْلِياءَ الله

كما يُحِبّ الله تعالى مَنْ أَحَبَّ أولياءَهُ، فإنَّهُ يُبغِضُ مَنْ أَبْغَضَهُم؛ بل مَنْ عاداهُم فقدْ عادىٰ الله، ومَنْ عادىٰ الله فَقَدْ تعرَّضَ لِمُحاربَةِ الله، ومَنٔ حَارَبَهُ الله هلَكَ لا مَحالة. والمُرادُ بالمُعاداةِ: مُعاداةُ أولياءِ الله لأجْلِ ولايَةَ الله.

مِمّا يُستَفادُ مِنَ الحديث:

  • التَّقرب إلى الله بأدَاءِ الفرائِضِ والإكثارِ مِنَ النَّوافِل سبَبٌ لِمَحَبَّةِ الله ووِلايَتِه.
  • ولايةُ الله للعَبْدِ تحصُلُ بامتثالِهِ للطَّاعات واجتنابِه للمُحَرَّماتِ.
  • محَبَّةُ الله لأوليائِهِ توجِبُ محبَّتَهُم وتوقيرَهُم وعدمَ مُعاداتِهِم.
  • دعوةُ الله تعالى عِبادَهُ إلى السَّعيِ لِنَيْلِ وِلايَتِهِ والارتِقاءِ في دَرَجَاتِها.

أهداف الدّرس:

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ ثمراتِ محبّة الله تعالى لِلعبدِ.
  • أَنْ أُمَيِّزَ بين معاني هذهِ الثَّمرات.
  • أَنْ أَحْرِصَ على الأعمالِ المُوصلة لمحبَّةِ الله تعالى.

تمهيد:

يرجو العبدُ مِن ولايةِ الله تعالى الوُصولَ إلى غاياتٍ كثيرةٍ وثمراتٍ عظيمةٍ، وأَجْمَعُها محبَّةُ الله تعالى.

فما هيَ الثَّمراتُ المَرجُوَّة مِن ولاية الله تعالى؟

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ((رواه البخاري)).

شرح المفردات:

يَبْطِشُ: البَطْشُ: الأَخْذُ بِشِدَّة، استَعَاذني: طَلَبَ مِنِّي أَنْ أُعِيذَهُ، لَأُعيذَنَّهُ: لَأَحْفَظَنَّهُ.

التَّحليل:

يشتملُ هذا الدَّرسُ على ثمرانٍ تَتَرتَّبُ عَن وِلايةِ الله لِعَبْدِهِ ومحبَّتِه لهُ، منها:

أوَّلاً: تَوَلِّي اللهِ عَزَّ وجَلَّ أُمُورَ أوليائِهِ

يدُلُّ قوله عزَّ وجلّ: «فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا» على أن الله تعالى يَتَوَلَّى أَمْرَ مَنْ أَحَبَّهُ وتولاَّهُ، فيكونُ سَمْعَهُ الذي يسمعُ بهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبصِرُ بهِ، ويدَهُ التّي يبطشُ بها، ورِجْلَهُ التي يمشي بِها، وفُؤادَهُ الذي يَعْقِلُ به، ولِسانَهُ الذي يتكلَّمُ به، والمُرادُ بذلكَ: نُصرةُ الله تعالى لِعَبْدِهِ المُتَقَرِّب إليه بما ذُكِرَ، وتأييدُه وإعانتُهُ وتولِّيه في جميعِ أُمُورِهِ؛ فبِهِ يُدرِكُ ويَسْتَعينُ. ومِنْ هذا المعنىٰ قولُه تعالىٰ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾((الأنفال:17))، ((الفتح المبين بشرح الأربعين للهيتمي، بتصرّف))، وقيلَ: هذا كنايةٌ عَنْ حِفْظِ جوارِحِهِ مِنَ الوُقوعِ في المعاصي((الفتوحات الوهبية على الأربعين النووية للشبرخيتي، بتصرُّف)).

وذلكَ لأنّ العبد إذا اجتهدَ في التّقرب إلى الله وتزكِيَة نفْسِهِ بالفرائِض والإكثارِ مِنَ النَّوافل أحبَّهُ الله تعالى، وجَعَلَهُ مِنْ أَوليائِه، فتشتركُ كُلُّ جَوارِحِه كُلُّ جوارحِه في الخَيْرِ، ويُصبحُ الخيرُ هُوَ المُوَجِّه لتصرفاتِهِ وسلوكاتِهِ في علاقتِهِ مع ربِّهِ ومعَ نَفْسِهِ ومَعَ غَيْرِهِ.

ثانياً: إِجَابَةُ الله تعَالَى سُؤَالَ أولِيائِه

يَدُلُّ قولُه: «لَئِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنْ اسْتَعاذَني لَأُعِيذَنَّهُ» على أنّ الله تعالى يجيبُ دعوةَ أحِبَّائِه وأولِيائِه، فَيُعْطِيهم ما سأَلُوهُ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنيا والآخِرة، ويُعيذُهُم إذا اسْتَعاذوا بِهِ، فلا يُصيبُهُم خوفٌ ولا حُزْنٌ، بَل حياتُهم كُلّها انشِراحٌ واطمِئْنانٌ جزاءَ استِجابتِهِم لله ولِرَسولِهِ.

وإِنَّ مِن أشَدِّ ما يستعيذُ مِنْهُ المُؤمِن الشيطانَ؛ فهوَ الذي يُرسِلُ أعوانَهُ، وهوَ الذي يُوسوِسُ للنَّفسِ، ويُزيِّنُ لها اتِّباعَ الهوى، ولذلكَ وردَ الأمرُ بالاستعاذَةِ مِنَ الشَّيطانِ؛ قالَ القُرطبيُّ رحمهُ الله عندَ تفسيرِ قول الله تعالىٰ: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾((الأعراف:200))، قال: فَأَمَرَ الله تعالى أن يَدْفَعَ الوسوسَةَ بالالتِجاءِ إليهِ والاستِعاذةِ به؛ قال: وقد حُكِيَ عن بعضِ السَّلف أنَّهُ قال لتلميذِه: ما تَصْنَعُ بالشَّيْطَانِ إذا سَوَّلَ لكَ الخَطَايَا؟ قال: هذا يَطُولُ، أَرَأَيْتَ لو مَرَرْتَ بِغَنَمٍ فَنَبَحَكَ كَلبُها ومنعَكَ مِنَ العُبور، ما تَصْنَع؟ قال: أُكَابِدُهُ وأَرُدُّهُ جُهدي. قال: هذا يَطُولُ عَلَيْكَ، ولَكِنِ اسْتَغِثْ بِصَاحِبِ الغَنَمِ يَكُفُّهُ عَنْكَ.((تفسير القُرطبيّ 348\7))

ومِن المعلومِ أنَّهُ تعالى قادِرٌ على أَنْ يُعْطِيَ أولياءَهُ قَبلَ أَنْ يَسْأَلوهُ، وأَنْ يُعيذَهُم قبلَ أَنْ يسْتَعيذُوهُ، ولكنَّه سبحانهُ متحَبِّبٌ إلى عِبادِه بِإِعطاءِ السَّائلينَ وإعاذَةِ المُستَعيذينُ، لِيُدْرِكوا لذَّةَ الإجابَةِ عنْدَ الحاجة، فيَكُونُ أدْعَى إلى الشُّكْرِ أكْثَرَ.

مِمّا يُستفادُ مِن هذا الحديث:

  • الله تعالى يُدافعُ عن أوليائِه ويتولَّى كلَّ أُمورِهم.
  • الله تعالى يعيذُ أولياءَهُ مِن كُلِّ مَكْروهٍ.
  • مَنْ تَقَرَّبَ إلى الله بالسُّؤالِ لا يُرَدُّ دُعاؤُهُ.
  • الحِرصُ على الإكثارِ مِنَ الدُّعاء تَذَلُّلاً وافتقاراً إلى الله تعالى.
  • الحِرصُ على تزكيةِ النَّفسِ وتقويَةِ الصِّلَةِ بالله تعالى لنَيْلِ مَحَبَّتِهِ ووِلايَتِه.

أهداف الدرس:

  • أَنْ أَتَعَرَّفَ معنى الخَطَإِ والنِّسيان والإِكْراهِ.
  • أنْ أَسْتَنْتِجَ أَنَّ الإسلامَ مُلائِمٌ للفِطْرَةِ البَشَريَّة.
  • أَنْ أَعْتَزَّ بِسَماحَةِ الإسلامِ ويُسْرِهِ.

تمهيدٌ:

لا ينحصِر فضلُ الله عزّ وجلّ على العباد عندَ مُضاعَفَةِ الحسنات دونَ السَّيئات، والعَفوَ عَنِ الهمّ إذا لم يَصِلْ إلى حَدِّ العزم، بل يتجلَّى فَضْلُ الله أكثَر في تَفُضِّلِه على العِباد برفعِ الحرجِ عنهم في الخطإِ والنسيان والإِكْراه.

فما هوَ الخطأُ والنِّسيانُ والإِكراهُ؟ وما الَّذي يُرفع عَنِ المخطِئِ والنَّاسي والمُكرَه؟

الحديث:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»((حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا)).

شرح المفردات:

النِّسيانُ: ضدُّ الذِّكْرِ والحِفظِ، اسْتُكْرِهوا عَلَيْهِ: مِنْ أَكْرَهْتُهُ على كَذا، إذا حَمَلتُهُ عليهِ قَهْراً.

التَّحليل:

أفعالُ الإنسانِ وأقوالُهُ إمَّا أَنْ تصدُرَ عَنْ ذِكرٍ وَقصْدٍ واختِيارٍ، وهُوَ العَمْدُ، أو تَصْدُرَ بِدونِ قَصْدٍ واختيارٍ، وهُوَ الخطأُ، أو النِّسيانُ، أَو الإِكْراهُ. والكلامُ في هذا الحديثِ على ما يأتي:

أوَّلاً: الخطأُ والنِّسيانُ والإِكراهُ

الخَطَأُ: أَنْ يَقصِد الإنسانُ بِفِعلهِ شيئاً فيَأْتِيَ غَيْرُهُ دونَ قَصْدٍ، كما تقَدَّمَ. وقَدْ يُطلقُ على الذَّنب أيضاً على ما قالَهُ أبو عُبيدٍ. وقالَ غيرُهُ: المُخطِئُ: مَنْ أرادَ الصَّواب فصارَ إلى غَيْرِهِ، والخاطِئُ: مَنْ تَعَمَّدَ ما لا يَنْبغي.

النِّسيانُ: ضِدُّ الذِّكر والحِفظِ كما تَقَدَّم. وَقَدْ يُطلقُ على التَّركِ، ومِنْهُ قولُه تعالى:﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم﴾((التَّوبة:67))، وقولُه تعالىٰ: ﴿ولَا تنْسَوا الفَضْلَ بَيْنَكُم﴾((البقرة:235))، أيْ لا تتعمَّدوا التَّركَ والإهمالَ((الفتوحات الوهبيّة للشبرخيتي، بتصرف)).

والنِّسيانُ والخطأُ على قِسْمَيْنِ:

  • قِسْمٌ لا يُمكنُ التَّحَرُّز عنهُ، وهُو مَرفوعٌ ومعفُوٌّ عنهُ. وهُوَ ما لَمْ يَسْتَنِدْ إلى تقصيرٍ مِنَ المُكَلَّفِ، كما إذا لم يَرَ على ثَوبِهِ نجاسَةً فصلَّى به.
  • قِسْمٌ يَسْتَنِدُ إلى تقصيرِ المُكَلَّف ومُباشَرَتِه الأسبابَ المُؤدِّيةَ إليهِ. كَمَنْ تَرَكَ تعاهُدَ القرآن حتَّى نَسِيَه، فإنَّهُ يكونُ مُقَصِّرا ومَلُوماً.

والاسْتِكرَاهُ: حَمْلُ الشَّخْصِ على ما يكْرَهُ قَهْراً.

ثانياً: ما الَّذي يُرفَعُ عنِ المُخطِئِ والنَّاسي والمُكْرَه؟

يَدُلُّ الحديثُ على رفعِ الخَطَإِ والنِّسيانِ والإكراهِ عنِ الأُمَّة، وهُوَ ما صَرَّحَ بهِ القرآنُ الكريمُ في قولِهِ تعالى:﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ﴾((الأحزاب:5))، وقوله تعالى:﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾((النحل: 106)).

والمُرادُ برفعِ الخَطَإِ والنِّسيان: عدمُ الإثْمِ فيهِما؛ فالَّذي يُرفعُ هُوَ الإثمُ، لاَ الخطأ ذَاتُه، أَوِ النِّسيان نفسُه؛ لأنَّ كُلاَّ مِنهُما واقِعٌ، وما وَقَعَ لا يرتفِعُ.

وقد بيَّنَ العُلَماءُ أنَّهُ لا يتنافى رَفْعُ الإثمِ مع ترتُّبِ الإعادةِ أوِ الغُرْمِ على الخطإ والنِّسيان، فمَنْ نَسِيَ الوُضوءَ وصلَّى فلا إثْمَ عليه بذلك، ولَكِن عليه الإعادَةُ لأنَّهُ صلَّى بغيرِ طهارةٍ، ومَنْ أَخْطَأَ فأَفْسَدَ متاعَ غيرِهِ لا يأْثَمُ، ولكِن عليهِ غُرْمُهُ؛ لِتَعَلُّقِ حقِّ الغير بهِ، ولا يَنبغي أَنْ تَضيعَ حقوق النّاس.

مِمّا يُستفادُ مِنْ هذا الحديث:

  • كَرَمُ الله سُبحانه وتعالى وعظيمُ عَفْوِه؛ حيثُ تَجاوزَ عمَّا كانَ مِنْ العِبادِ مِن خَطَإٍ أَوْ نِسيانٍ أو نَحوهما.
  • يُسْرُ الإسلامِ وسماحتُهُ مِنْ رَحْمَةِ الله تعالىٰ بِعبادِه.

أهدَافُ الدّرس:

  1. أَنْ أتعرَّف أنَّ الدنيا مَزرعةٌ للآخِرة.
  2. أنْ أُدركَ قِيمَةَ الوقْتِ في حياتي.
  3. أَنْ أَحْرِصَ على استغلالِ أَوقاتي فيمَا يُفيدُني.

تَمهيدٌ:

اقتَضَت حِكْمَةُ الله عزّ وجلَّ أَنْ يَجْعَلَ للإِنسان حياةً أولى في هذه الدُّنيا، وحياةً ثانيةً في الآخِرة، ولِكُلِّ مِنهُما مُهِمَّةٌ تختصُّ بها عن الأُخرى، فَجَعَلَ الأولى مَرْحَلَةَ عُبورٍ وزَرْعٍ واغتِنامٍ وتزَوُّدٍ، وَجَعَل الثَّانيةَ محطَّة استقرارٍ وجَزاءٍ.

فكيفَ أَعْبُرُ مَراحِلَ الحياة الدُّنيا؟ وكَيفَ أَغنمُها وأَجْعَلُها مَزْرَعةً للآخِرةِ؟

الحديثُ:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمنْكبيَّ فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ للمَوْتِك»((رواه البخاري)).

ترجَمَةُ الرَّاوي:

عبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب العَدَوِيُّ رَضيَ الله عنهُ؛ صحابيٌّ جَليلٌ، كانَ جِرِّيئاً جَهِيراً بالحَقِّ، أَفْتَى النَّاسَ ستِّين سنةً. قيلَ فيهِ بعْدَ مَوْتِهِ: ماتَ ابْنُ عُمَر، وهُوَ مِثلُ عُمَرَ في الفَضْلِ، وكانَ عُمَرُ في زمانٍ لهُ فيهِ نُظَراءُ، وعَاشَ ابْنُ عُمَر في زمانٍ لَيْسَ لهُ فيهِ نَظيرٌ. توفيّ سنةَ: «73هــ».

شرح المفردات:

بِمَنْكِبي: المَنْكِبُ: مُجْتَمَعُ رَأْسِ الكَتِفِ والعَضُدِ، غَريبٌ: بعيدٌ عَنْ وَطَنِهِ، عَابرُ سبيلٍ: هُوَ المَارُّ بالطَّريقِ والمُسافِر.

التَّحليل:

يرشدُ الحديث إلى الزُّهد في الدُّنيا، وتركِ الانْشِغال بها عنِ الآخِرة، وطلبِ الأَعمالِ الصَّالحة فيها للتَّزوُّدِ للآخِرة، والحِرصِ على اغتنَامِ الأَوقاتِ قبلَ فواتِها، والكلامُ في ذلكَ على ما يأتي:

أوَّلاً: الدُّنيا وسيلةٌ للآخِرَةِ

يُرشدُ قولهُ صلى الله عليه وسلَّم: «كُنْ في الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ» إلى أنَّ الإنسان ينبغي أَنْ يَجْعَلَ نفسَهُ بمَنْزِلةِ الغريب الذي حلَّ بدارٍ غُربةٍ، فلا يَرْكَنُ إلى الدُّنيا كما لا يَرْكَنُ إلى الدنيا كمَا لا يَرْكَنُ الغريبُ إلى أَحَدٍ، ولا يَتَّخِذُ الدُّنيا وَطَناً كما لا يتَّخِذُ الغريبُ دارَ الغُربةِ وَطَناً، ولْيَكْتَفِ مِنْ حاجَتِهِ في الدُّنيا بقَدْرِ ما يكْتَفي بهِ الغريبُ في دارِ الغُربَة. وهذا يَدُلُّ على الزُّهدِ في الدُّنيا ليأخذَ البُلْغَةَ مِنها والكَفَافَ؛ فكَمَا لا يحتَاجُ عابرُ السَّبيلِ إلى أَكْثَرَ مِمَّا يُبلِّغُهُ إلى غايةِ سَفَرِهِ، كذلكَ لا يحتاجُ المُؤمِنُ في الدُّنيا إلى أكثرَ مِمَّا يُبَلِّغُهُ.

ثانياً: كَيفِيَّةُ اغتنامِ الأَوقاتِ

يتضمَّنُ قولُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهُما: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِك لِمَوتِكَ» أربَعَ وصايا تتمثَّلُ في أنَّ المؤمنَ:

  • يَسْتَعِدُّ أبداً للموتِ بالعملِ الصَّالح، فَيُبادرُ بالعَمَلِ قبلَ الفوات.
  • يُقَصِّرُ الأمَلَ، فلا يُؤَخِّرُ العَمَل للصّباح إذا أَمْسى، ولا للَّيْلِ إذا أَصْبَحَ.
  • يَغْنَمُ وَقْتَ صِحَّتِه خوفاً مِنْ حُلول مَرضٍ يمنَعُهُ مِنَ العَمَل.
  • يَغْنَمُ أيَّامَ حياتِه خوفاً مِن حُلولِ المَوتِ فيَنْقَطِعَ عَمَلُهُ، وتَعْظُمُ حَسْرَتُهُ.

وقالَ عليٌّ رضيَ الله عنهُ: «ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ»((صحيح البخاري، كتاب الرقائق، باب في الأمل وطُوله)).

وقالَ أَنَسٌ رضي الله عنهُ: خطَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم خُطوطاً فقال: «هذا الإنسانُ، وهَذَا الأَمَلُ، وهذَا الأَجَلُ، فَبَيْنَما هُوَ كذلكَ إذْ جَاءَهُ الخَطُّ الأَقْرَبُ»((صحيح البخاري، كتاب الرقائق، باب في الأمل وطُوله))، وهُوَ أجلُهُ المحيط بهِ. فلْيُرَوِّض المُؤمنُ نَفْسَهُ على العَمَلِ، وليُجاهِد نَفْسَهُ، فإنَّها مجبولةٌ على الأَمَلِ.

ممَّا يُستفادُ مِن الحديث:

  • اعتِبارُ الدُّنيا دارَعمَلٍ وانتِقالٍ، والآخِرَةَ دارَ جزاءٍ واستِقرارٍ.
  • تَقْصيرُ الأَمَل، والمُسارعَةُ إلى التَّوبَةِ والعَمَلِ، والتَّزوّد للدَّار الآخرةِ.
  • الحِرْصُ على اغتنامِ الأوقاتِ، والحَذَرُ مِنَ التَّفريطِ فيها بِتضييعِها.
  • مُجاهَدَةُ النَّفسِ حتَّى لا تَرْكَنَ إلى الدُّنيا، فيضيعَ العَمَلُ بِسَرابِ الأَمَلِ.

أهداف الدّرس:

  1. أن أتعرف علامة كمال الإيمان.
  2. أن أميز بين علامات كمال الإيمان ومحبته.
  3. أن أحرص على اتباع ما جاء به الشرع.

تمهيد:

قد يقطعُ المؤمن مراحل من حياته مؤمناً، ولا يدري ما درجة إيمانه، في حين أن هناك علامات تحدد درجة إيمان المؤمن، وعلامات تدل على كمال الإيمان.

فما علامة كمال الإيمان؟ وما علامة نقصانه أو عدمه؟

الحديث:

عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»((حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ)).

ترجمة الراوي:

أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي رضي الله عنه، صحابي جليل، أسلم قبل أبيه، كان غزير العلم. وهو أجلُّ العبادلة الأربعة، من عباد الصحابة وزهَّادهم وفضلائهم وعلمائهم، ومن أكثرهم روايةً.قال أبو هريرة: ما أحدٌ أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مني إلاَّ عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. اختلفت الروايات في تاريخ وفاته.

شرح المفردات:

هواه: الهوى: ما تحبه النفس وتميل إليه.

التحليل:

يجمع هذا الحديث على وجازته واختصاره ما في الأربعين وغيرها من دواوين السُّنة، ويشتمل الكلام فيه على الآتي:

أولاً: معنى الهَوى

المُرادُ بالهوى في الحديث: هوى الخير لا هوى الشّر الذي ينصرف إليه الذهن عند سماع هذه الكلمة لكثرة استعمالها فيه، فقد عُرِف في استعمال الهوىٰ عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق، كما في قوله تعالى:﴿ولا تتبع الهوىٰ فيضلك عن سبيل الله﴾((ص:25))، وقوله تعالى: ﴿وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى﴾((النازعات:40-39)).

وقد يُطلق بمعنى المحبة والميل مطلقاً، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره.

وربما استُعمل بمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه، فقد قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلَّم لمَّا نزل قوله تعالى: ﴿تُرجي من تشاء منهنَّ وتؤوي إليك من تشاء﴾((الأحزاب:51)).

ويستعمل كثيراً في الميل إلى الشَّر، وهو من هويَ يهوى بمعنى أحبَّ، أما هوى يهوي فبمعنى سقط، كما في حديث الكلمة لا يلقي لها صاحبها بالا «يهوي فبمعنى سقط، كما في حديث الكلمة لا يلقي لها صاحبها بالاً «يهوي بها سبعين خريفاً في النار»((سنن الترمذي، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس)).

ثانياً: علامة كمال الإيمان

كلُّ ما جاء به صلى الله عليه وسلَّم فهو حقٌّ، فمن اتَّبع هذا الحق فقد اتّبع الدِّين بمعناهُ الشامل للإيمان، والإسلام، والإحسان، والاستقامة، والنصح لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامّتهم. فعلى قدر اتباع النبي صلى الله عليه وسلَّم يكونُ قدر الإيمان؛ فالاتِّباع دليل على الإيمان أو كماله، والامتناع دليلٌ على نقصان الإيمان أو ذهابه.

وعلى هذا، فالمؤمن ينبغي له أن يحرص على اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلَّم، ومحبَّته والتأسي به ونصرته وتوقيره، وتقديم ما جاء به على هوى النّفس؛ ليكتمل إيمانه ويرتقي من درجة الإسلام والإيمان إلى درجة الإحسان.

ثالثاً: علامة نقصان الإيمان أو عدمه

كما يُفهم الحديث: أن كمال الاتباع علامةٌ على كمال الإيمان، فإنه يفهم أن كمال الامتناع علامة على عدم الإيمان، وأن نقصان الاتباع علامة على نقصان الإيمان، فإن قوله: «لا يؤمن أحدكم» يحتمل المعنيين معاً: عدم الإيمان ونقصان الإيمان.

وقد صحَّ في تقديم طاعة الله على الهوى قوله صلى الله عليه وسلَّم: «والذي نفسي بيدهِ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولدهِ والناسِ أجمعينَ»((صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان...)).

وأفاد أبو الزِّناد: أن هذا الحديث من جوامع الكلم؛ لأنها جمعت معاني كثيرة؛ لأن أقسام المحبة ثلاثةٌ: محبَّة إجلالٍ وعظمةٍ، كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمةٍ، كمحبة الولد، ومحبة استحسان ومشاكلة، كمحبة سائر الناس، فحصر أصناف المحبة. وقال ابن بطّال: ومعنى الحديث، والله أعلم: أن من استكمل الإيمان علم أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين؛ لأن بالرسول صلى الله عليه وسلَّم استنقذَ الله أمته من النار، وهداهم من الضلال. فالمراد بهذا الحديث بذلُ النَّفس دونه صلى الله عليه وسلّم((شرح البخاري لابن بطَّال، باب حي الرسول من الإيمان)).

مما يستفاد من هذا الحديث:

  • مَن جعل هواهُ موافقاً لدين الله وشرعه فقد استكمل الإيمان.
  • محبة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به وتعظيمه وتوقيره من كمال الإيمان.

أهداف الدرس

  • أن أتعرف سعة مغفرة الله تعالى.
  • أن أستنتجَ وسائل نيل مغفرة الله وأميز بينها.
  • ان ألتزم قيمة التوحيد في حياتي للفوز بمغفرة الله.

تمهيد

كل ابن آدم خطَّاء؛ فهو بحاجة دائمة إلى مغفرة الله تعالى وعفوه، ومما ييسر نيلها وتفضل الله تعالى بها على العبد إدراكُ مدىٰ سعة مغفرة الله والأخذ بأسبابها.

فما مدى سعة مغفرة الله تعالى؟ وما أسباب نيلها والوصول إليها؟

الحديث

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: قال الله تعالىٰ: «يا ابنَ آدمَ ! إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ ! لوْ أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشركْ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً».]رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

ترجمة الراوي

أنس بن مالك رضي الله عنه، هو: أبو ثمامة أو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النّجاري الخزرجيُّ الأنصاريُّ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولد بالمدينة سنة: «10 ق هـ»، وأسلم صغيراً، وخدم النبي صلى الله عليه وسلّم إلى أنْ قُبض، وروى عنه 2286 حديثاً. مات سنة: «93 هـ».

شرح المفردات

عَنان السَّماء: بالفتح، ما بدا لكَ منها إذا نظرت إليها، قُرابُ الأرض: ما قارب قدْرَها، خطايا: جمعُ خطيئةٍ، وهيَ الذَّنب.

التحليل

يتضمَّن هذا الحديث بشارةً عظيمةً، وما لا يحصى من أنواع الكرم والفضل والإحسانِ والرأفة والرحمة والامتنان، والكلام فيه على محورين:

أولاً: سعَةُ مغفرة الله تعالى

يدُلُّ قوله: «غفرتُ لك على ما كانَ منكَ ولا أبالي»، وقوله: «لَو بلغتْ ذنوبُكَ عَنان السَّماء ثمّ استغفرتني غفرتُ لكَ»، وقوله: «لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تُشرك بي شيئا لأتيتُك بقرابها مغفرة»، على سعة رحمة الله تعالى ومغفرته، وعظم فضله وإحسانه على العباد، إذ يمنحهم المغفرة على ما كانَ منهم مِن ذنوب قد تملأُ الأرضَ وتصل إلى عنان السماء، دون مبالاة بكثرتها أو عظمها أو تكرارها.

ويدلُّ لذلك أيضاً ما جاءَ عن أبي أيوب رضي الله عنه لمَّا حضَرتهُ الوفاة قال: كنتُ قد كتمتُ عنكم شيئاً سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، سمعته يقول: «لَولاَ أنَّكُم تُذنبونَ لخَلقَ الله خَلقاً يُذنبونَ فيغفرُ لهم» [صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار].

ثانياً: أسباب نيل مغفرة الله تعالى

وردت في هذا الحديث وسائلُ وأسبابٌ إذا أخذ بها المؤمنُ كان مِمَّن ينالُه عفو الكريم المنان، ومغفرتُه الواسعة بمقتضىٰ الفضل والامتنان، لا بموجِبِ المقابل والاستحقاق، وهي: الدعاء، والرجاء، والاستغفار، وإخلاصُ العبادة لله.

      1. الدّعاء والرجاء

دلَّ قوله تعالى في الحديث: «يا ابنَ آدمَ إنكَ ما دعوتني ورجوْتَني» على أن الدّعاء الخالِصَ، والرجاء الصادقَ، مِن أسباب المغفرة، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلَّم: «إن عبداً أصابَ ذنباً فقال: يا ربِّ أذنبتُ ذنباً فاغفر لي، فقال لهُ ربُّه: عَلِمَ عبدي أنَّ لهُ ربَّا يغفر الذَّنب ويأخُذُ به، فغفرَ له، ثمّ مكثَ ما شاء الله، ثمّ أذنبَ ذنباً آخر فقال: يا ربِّ أذنبتُ ذنباً فاغفِره لي، فقال ربُّه عزّ وجلّ: عَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر الذنب ويأخذُ به، غفرتُ لعبدي، فليعمَل ما شاء، ثمّ عاد فأذنبَ ذنباً فقال: ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنبَ عبدي ذنباً فعلم أنَّ له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لكَ». [مستدرك الحاكم، 355\7] أيْ: اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لكَ لمَّا أذنبتَ واستغفرت.

كما دلَّ قوله تعالى في الحديث «على ما كانَ منكَ ولا أبالي» على أنَّ تكرارَ المعصية من المُذنبين لا يمنع المغفرة إذا تابوا واستغفروا، وأنَّ الله تعالى لا يبالي بقدر الذنوب أو نوعها، مهما عظُمت وكَثُرت، فعِظَمُ الذُّنوب أو كثرتها لا يغلبُ سعةَ المغفرة مع الاستغفار، ما لم تَكُن كُفراً أو شِركاً مَختوماً به على مُرتكِبها.

      1. الاستغفار

دلَّ قوله تعالى في الحديث: «يا ابنَ آدمَ لو بلَغت ذنوبُكَ عَنان السّماء ثمَّ استغفرتني غفرتُ لكَ» على أنّ الاستغفار الصادق من أسبابِ المغفرة. والمعنىٰ: أنَّه لو كانت الذنوبُ أحجاماً تملأُ ما بين السماء والأرض، فإنَّ لزوم الاستغفار مِمّا يستنزلُ به كرم الله تعالى وحلمُه وعفوه، الذي ليسَ بينه وبينَ الذنوب مهما كَثُرت مناسبةً أو مُقايسة، فلا مدخَل للتفضيلِ ولا للمكاثرة هنا، إذْ تُمحى كلُّ الذنوب مع الاستغفار بفضل الله وحلمه.

  1. الإخلاص وسعة رحمة الله بعباده.
  2. دلَّ قوله تعالى في الحديث: «يا ابنَ آدم، إنَّك لو أتيتني بِقُراب الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتني لا تُشركُ بي شيئاً لأتيتُكَ بِقُرابها مغفرةً» على فضل إخلاص العبادة لله، وسَعة حِلمه الذي يسعُ ذنوبَ العباد مغفرةً وعفواً، ولو كانت بما يقاربُ الأرضَ مثلا وحجماً، إذا اتَّقوا أعظَمها، وهو الشِّرك الذي يقولُ فيه تعالى: ﴿إنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به، ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء﴾ [النساء: 47]. والمراد: الشرك المختومُ به على صاحبه، أمَّا ما تيبَ منهُ، وكلّ ذنوب العالم، فإنها تتلاشى عند حِلم الله وعفوه وعدم الإِصرار على الذنب.

مِمّا يستفاد مِن هذا الحديث:

  • أهمية الإخلاص، والدعاء، والرجاء، والاستغفار للفوز بمغفرة الله تعالى.
  • ضَعف الإنسان وكثرةُ ذنوبِه، وعِظَمُ كرم الله وسَعة رحمته ومغفرته.
  • فتحُ باب الأمل للمسرف على نفسه بالمعاصي، فذلكَ أدعى للتوبة.

توصيف المادة:

إن الله بعث محمداً صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأنزل عليه الكتاب والحكمة - فالكتاب هو: القرآن، والحكمة هي: السنة -؛ ليبيِّن للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون فيهتدون ويفلحون. فالكتاب والسنة هما الأصلان اللذان قامت بهما حجة الله على عباده، واللذان تنبني عليهما الأحكام الاعتقادية والعملية إيجاباً ونفياً. والمستدل بالقرآن يحتاج إلى نظر واحد وهو النظر في دلالة النص على الحكم، ولا يحتاج إلى النظر في مسنده؛ لأنه ثابت ثبوتاً قطعياً بالنقل المتواتر لفظاً ومعنى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) والمستدل بالسنة يحتاج إلى نظرين: أولها: النظر في ثبوتها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ ليس كل ما نسب إليه صحيحاً. ثانيهما: النظر في دلالة النص على الحكم. ومن أجل النظر الأول احتيج إلى وضع قواعد؛ يميّز بها المقبول من المردود فيما ينسب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد قام العلماء - رحمهم الله - بذلك وسمّوه: (مصطلح الحديث) وقد وضعنا فيه مقررا وسطاً، يشتمل على المهم من هذا الفن، - حسب المنهج المقرر للسنتين الأولى والثانية في برنامج أكاديمية البشير الدراسات الإسلامية: (مصطلح الحديث). وقد جعلناه قسمين: القسم الأول يتضمن مقرر السنة الأولى، والقسم الثاني يتضمن مقرر السنة الثانية.

أهداف المادة :

إعطاء الطالب فكرة عن علم التوحيد انطلاقا من قول أبي العباس المقري رحمه الله التي ذكرها في منظومته "إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة". القدرة على تطبيق المكتسبات في مختلف الأنشطة. التمرس بالمنهج الأمثل الذي رسمه علماء الحديث في نقل العلم وأدائه. امكتلاك رصيد هام من الأحاديث النبوية الشريفة في مجال القيم والأخلاق الإسلامية. التعرف على الفضائل والآداب والتشبت بروح القيم والأخلاق. التعود على التمسك بالسنة النبوية في الحياة اليومية الفردية والجماعية.

المراجع المعتمدة:

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد.

التلخيص المعين في شرح الأربعين لابن عثيمين.


الأستاذة
أمينة بنحمو