السلوك و الأخلاق

برنامج المادة:

الدرس 1

لا تزال مقامات الإحسان حية محركة ومتحركة وفاعلة في واقع الأمة، باعتبارها رافعة أساسية لتحقبق الوعي بالذات للارتباط بالأصل والانفتاح على العصر، لم ينطفئ نورها، ولم تخب جذوتها، رغم ما أصابها من تشويش ذاتي وموضوعي، مما يستدعي العمل على إحياء معانيها وحقائقها في النفس والمجتمع. ومن كتب الله له أن يزور عالم الناس، في مجتمعات الناس في العالم كله، سيجد جنود الخفاء من العاملين من أجل نشر كلمة الخير، من مختلف المشارب والألوان، وسيجد بلا شك صدى المدرسة التربوية والسلوكية حاضرا بكل ألوانه ومدراسه، يفتح الله بها وعلى أيديها، وهو صدى تعرتيه، بلا شك ، وككل حركة إصلاحية، الكثير من النقص والمحاذير، لا يمكن في اعتقادنا التغلب عليها إلا على على أساس الحوار وطرق تدبير الاختلاف بعيدا عن الأحكام الجاهزة التي تهدم أكثر مما تبني، والحوار يخصب الفكر، ويصحح المسير. إننا أحوج ما نكون اليوم إلى إعادة ترتيب بيت الخطاب الديني على أسس الاحترام والموضوعية والقراءة المتأنية المنصفة لكل الفاعلين ومن بينهم القائمين على مدرسة السلوك والتصوف الذين كثيرا ما وقعوا ضحية الجناية والجفاء، مع ما قاموا به وما قدموه في سبيل المحافظة على بيضة الدين والدنيا، مشرقا ومغربا، حاضرا وماضيا، والكمال لله والعصمة لمن عصمه الكبير المتعالي.

إن التصوف أوالتربية السلوكية الذي نتغياه وندعو إليه هو التصوف السني المتوازن القائم على الشريعة الإسلامية في كل تجلياتها، فالحقائق بلا شريعة مكسوفة الأنوار، كما أن الشرائع بلا حقيقة جسد بلا روح، والأعمال مهما بلغت من التأنق تبقى لا قيمة لها، قال ابن عطاء الله: ( الأعمال صور قائمة وحقيقتها وجود الإخلاص فيها) إن ثمرة الشريعة ومقصدها بناء الإنسان المتصف بالأخلاق والقيم الإسلامية الهادية والبانية، وإننا نؤمن بأن للتصوف الحي النشط الفاعل القدرة على إعادة روح الإسلام وإشعاعه من جديد، وتجاوز كل صور القصورفي الخطاب الديني المعاصر. وإننا نعتقد بلا ريب أن التصوف والتربية السلوكية وقع فريسة اتجاهين كبيرين غلب أمرهما في الناس، وانتشر صيتهما في المجتمع، وأعني بذلك:

أولهما: اتجاه الغلو والدّجل: اتخذ أصحابه، بغير قصد، مواقف موغلة في الغلو بغيرعلم ولا هدى ولا كتاب منير، فحادوا بذلك عن جادة الشرع وطريقة الفهم الصحيح للنصوص الدينية وطريقة السلف الصالح من أئمة التصوف والسلوك، وانقسم هذا الاتجاه بقدر قربه أو بعده من النص الديني إلى فرق كثيرة، ومذاهب متعددة، يجمعها التنكر للدليل من القرآن والسنة، ومن طوائفهم طائفة يقولون بالاتصال والحلول وقدم العالم

ثانيهما: منهج أهل الجفاء: الذين لم ينصفوا الخصم، وحاكموا القلب والقالب معاً، وأجملوا في الأحكام الجاهزة، وحكموا الفروع في الأصول، وركزوا على بعض صور الانحراف واعتمدوها في الحكم على الكل، ولم يأخذوا بمنهج الحوار وأدب الاختلاف والبحث العلمي المنصف.

معنى التصوف: لا شك أن أصل التصوف هو العمل على التأسي بالرسول ﷺ، وتوفية الأعمال وتصفية الأحوال من خلال المنهج الرباني، ولا شك أن التصوف بذلك بريء من كل ألوان الدجل والخرافة التي تنتشر هنا وهناك باسم التصوف وطرقه، يقول أبو الحسن الشاذلي: "من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله ﷺ فهو بدعي". كتاب (مبادئ التصوف وهوادي التعرف): نشأ علم التصوف، كتجربة تربوية وروحية، على أيدي علماءَ عاملين حفظَ الله بهم هذا الدين، ووضعوا له مبادئ وقواعد دقيقة، وضوابط وشروط صارمة، شأنه شأن بقية العلوم الشرعية سواء بسواء، والمراد «بمبادئ التصوف»: بيان أصوله وقواعده، وشروطه وأحكامه، أي أحكام تصفية الأعمال وتصحيح الأحوال، من واجب وسنة ومندوب، مع ما يترتّب عن ذلك من آداب ظاهرا وباطنا. فكما أنّ لعِلْمَيْ العقائد والفقه أصولا وقواعد وأحكاما، فكذلك ينضبط علم التصوف بمبادئ وقواعد علمية وسلوكية لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد ارتبط اسم التصوف اليوم، مع الأسف الشديد، عند الكثيرين، بجملة مِنَ الظواهر التي ليست من مبادئه ولا من قواعده، لا مِنْ قريب ولا مِنْ بعيد، تدفع أصحابها الغلو والادعاء فوقع التصوف تبعا لذلك ضحية للتعصب والجفاء، قال شيخ الأزهر عبد الحليم محمود: «في كل ميدان من الميادين نجد الأدعياء، نجدهم في الميدان الديني، وفي الميدان السياسي، وفي الميدان العلمي، ونجدهم كذلك في ميدان التصوف..، وكما لا يضر الدِّين، ولا يضر العلم أن ينتسب إليه الأدعياء المزيفون، فكذلك الأمر فيما يتعلق بالتصوف» قضية التصوف المنقذ من الضلال للشيخ عبد الحليم محمود: ص:127 فكلُّ فنٍّ أو عِلم إلاَّ وفيه الدخلاء والمدَّعون والمقصرون والمُغرضون، والعبرة بأُصول العلم ومبادئه لا بمُدَّعيه، ونحن نحكم على ماهية الشيء ولا نقف عند الظواهر الشاذة، وتحقيق المقامات السلوكية، والأذواق الإيمانية، والمعارف والعلوم الإلهامية، أمرٌ لا يتأتى إلا بأصولٍ صحيحة وقواعد سليمة هي عماد التجربة السلوكية والأخلاقية. وهذه المقامات والأذواق والمعارف هي التي أشار إليها الناظم ب: «التّعرف»؛ فقال: «وهوادي التعرف»: أي الأمور التي تهديه أو توصله إلى أنوار معرفة الله تعالى، والتي هي غاية رغبة الراغبين، ونهاية آمال الطالبين، فالتعرف في كلامه بمعنى الوصول إلى: «المعرفة» أو «العلم بالله» كما جاء في باب من أبواب العلم عند البخاري تحت عنوان: باب قول النبي ﷺ: «أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فِعلُ القلب» صحيح البخاري. فالمعرفة التي هي عَمَلُ القلب درجات ومراتب باطنية يتشوّف ويتطلع المُسلم الفطن إليها، والنبي ﷺ منها في أعلى الدرجات، فالتصوف إذاً، كما قال الناظم: تَعَرُّف، وليس دراسة أو بحث أو شرح، وليس جدال أو أخذ وَرَد؛ لذلك قال شيخ الأزهر عبد الحليم محمود: «القياس في التصوف، والمنطق، والاستدلال، والبحث، والدراسة، والأسلوب العلمي يُصيب ظاهرا منه وشكلا أو رسما، وربما كانت حجابا أو ظلمة: تُبعد الدارس عن النور بدل أن تغمره بلآلائه..، والتصوف: تجربة، والتجربة شعور، والشعور ليس منطقا ولا برهانا، إنما هو: تَعَرُّف»[3]؛ لذلك قالوا: «بالتعرف يُعرف التصوف». والتصوف في النهاية: تجربة روحية وتعرُّف قلبي، وليس دراسة أو جدل أو علم..، وإنما يُحتاج فيه إلى العلم بضوابطه ومبادئه وقواعده بجانب خوض التجربة التي تُثمر التعرُّف. وهذا التعرُّف القلبي -وليس العقلي أو الفكري- هو ثمرة العمل بضوابط سليمة وأصول صحيحة وقواعد علمية وسلوكية دقيقة تندرج تحت التقوى والمجاهدة، إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اُ۬للَّهُۖ﴾البقرة: 281، وقوله: ﴿إِن تَتَّقُواْ اُ۬للَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناٗ﴾الاَنفال: 29، وقوله: ﴿وَالذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۖ﴾ العنكبوت، 69، وقوله: ﴿وَالذِينَ اَ۪هْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدىٗ﴾محمد: 18؛ إذ بالتقوى والمجاهدة يدخل العلم النفيس الذي يتفجر من قلوب العارفين. كما تندرج كذلك هذه المبادئ والقواعد الكلية تحت «العبودية لله تعالى» التي هي عين الكمال الإنساني، والتي لأجلها كان الإيجاد لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ اُ۬لْجِنَّ وَالِانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِۖ﴾الذاريات: 56؛ والعبودية هي غاية الخضوع والتذلل لله تعالى، والعبد إنما ينظر في صفات نفسه التي تسقطه من عين سيده ومولاه حتى يتنزه عنها، أو التي تقربه منه وتحببه إليه حتى يتصف بها ليتأهل لقرب سيده ووصاله، فيتنعم بمشاهدة جماله وجلاله، إذ لا يتم له كمال القرب والمعرفة إلا بذلك؛ وعلى هذا بُني التصوف. التصوف مشرب روحي ومنهج إسلامي أصيل، فهو العِلم «التجريبي» الذي يهتم بالارتقاء بالسلوك الإنساني من مجرد الاكتفاء بالرسم والشكل في الدين إلى تنوير القلوب، أي إلى تحسين الأداء الديني للمسلم قلبا وقالبا؛ لذلك قال إمام دار الهجرة الإمام مالك: «من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق» ، في إشارة إلى ضرورة مرافقة المعاني القلبية، التي هي من المجالات التي يبحثها علم التصوف، لأعمال الجوارح التي هي من المجالات التي يبحثها علم الفقه، وقال الإمام الشافعي في ديوانه : فقيهاً وصوفيّاً فكُن ليسَ واحداً فإني وحقِّ الله إيّاك أنصَحُ فذاك قاسٍ لم يذق قلبُه تُقى وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلحُ فالتصوف إذاً هو «فقه القلوب» و«علم السلوك» إلى مراتب القرب والوصول، فهو إعادة بناء الإنسان وربطه بمولاه في كل فكر وقول وعمل ونية، إنه التقوى في الحس والمعنى، ومراقبة الله في السر والعلن؛ وهذا المعنى التكاملي قد مورس في العهد النبوي والصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مما جاء به الوحي ونزل به القرآن وحثت عليه السنة؛ فهو مقام الإحسان من الدين، ومقام التقوى في القرآن، ومقامُ الربانية في الإسلام. ومصطلح التصوف حادث ، أما مادته فقديمة قِدم الكتاب والسنة، شأن بقية علوم الدين سواء بسواء، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فمن المعلوم أنّ العلوم الإسلامية كلها لم تكن معلومةً بمُسمّياتِها وألفاظها وتفصيلاتها في زمنِ النبيِّ ﷺ وصحابتِه وإنما كانَ العلمُ إجمالاً، وما ماهيتُها ومضمونُها ومَدارُها إلاَّ الدينُ الكامل؛ ففي زمنِ الصحابةِ لمْ يعرفِ الناسُ علومَ النحوِ والبلاغةِ والبيان، ولا علومَ الفقهِ وأصولَه، ولا علوم القرآن وعلوم التوحيد والحديث وغيرها... وإنَّما دَعَتْ أحوالُ الناسِ إلى ظهورِ هذهِ العلوم على أيدي علماءَ عاملين حفظَ الله بهمْ هذا الدين، وما لفظُ التصوفِ إلاّ اسمٌ لِعِلمٍ نشأَ كذلك عندَما دعَتِ الحاجةُ إلى تخصيصِهِ باسمِهِ ورسمِهِ. ففي زمن النبوة، كان للممارسة الدينية حالُها القلبي والأخلاقي والسلوكي، كما دلّت على ذلك عدة نصوص، وضعُف على مرِّ الزمن هذا الحال الذي يُعتبر المظهر الأعظم لهدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومِن ثَمَّ وُجد هذا العلم (التصوف) لإرجاع الأمرِ إلى نِصابِهِ في قضيةِ العمل والحال القلبي للمسلم، سَمّهِ: تصوفا، أو تزكيةً، أو عِلمَ السلوك، أو عِلمَ التربية، أو ما شِئت..، هي قضية مصطلحات ولا مُشاحةَ فيها، فلا قيمة للعِلم، ولا خير في العمل إذا لم تُغرس التربية والتزكية والسلوك في القلوب والوجدان، والنبي ﷺ جاء للتزكية وللتعليم معاً. قال الشيخ زروق في قواعده: «التصوف عِلمٌ قُصِدَ لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه، والفقه لإصلاح العمل، وحفظ النظام، وظهور الحكمة بالأحكام، والأصول (علم التوحيد) لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك» . ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ اللبيب لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليكتشف الفرق بين التصوف السني الذي نتكلم عنه، والذي انتهجه وتبناه السلف الصالح، والذي لا يتحقق إلا بالأخذ عن العارفين بالله المتحققين، وبين «تصوف» المُدّعين والدخلاء المزيفين الذين أدخلوا فيه ما ليس منه، أو «التصوف» التقليدي المعروف الذي يغلب عليه طابع الشكل والرسم..، وإنما نعني طريق السالكين المتحققين ، كما حدده إمامهم أبو القاسم الجنيد بقوله: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله ﷺ، ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة» . ولـمّا كان الدين هو مجموع الإيمان والإسلام والإحسان، فقد قدّم المصنف في هذا النظم الكلام على عقائد الأشعري (الإيمان)، ثُمّ ثنّى بفقه مالك (الإسلام)، وختمه بطريقة الجنيد (الإحسان)، جاعلا جميع ما ذكره في هذه النظم من قبيل ما هو ضروري من علوم الدين. ختمه بطريقة الجنيد تفاؤلا أن يكون السعي في تصفية القلب وتطهيره خاتمة العمل، وأيضا في ذلك إشارة إلى أن تحصيل ما تقدم من الجزأين الأولين شرط في صحة التصوف؛ إذ لا تصوف إلا بفقه، كما لا فقه إلا باعتقاد وإيمان، لذلك قيل: «من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق» . وسأل رجل الإمام مالك عن شيء من علم الباطن فغضب، وقال: إن علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر؛ فإنه متى عرفه وعمل به فتح الله له علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح القلب وتنوره . فأشار إلى أن علم الباطن (التصوف) مواهب ربانية، لا تحصل إلا بمجاهدات ورياضات موافقة لعلم الشريعة، وإلا كانت عبثا وإتباع هوى، فصار تحصيل علم الشريعة مُقدَّما، وعلى هذا مضى السلف. ويؤخذ من قولهم: «من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق»، أن هذا العلم واجب وجوبا عينيا، وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: «من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر» ؛ أي أن نفس الإنسان مجبولة على الشر ولا تنفك عن دواعي الرياء والعجب والحسد والكبر وغيرها من الصغائر والكبائر، وهي أمراض باطنية مُهلكة، وعلاجها واجب وجوبا عينيا؛ لذلك قال حجة الإسلام في «الإحياء»: بأن «معرفة حدود أمراض القلوب وأسبابها وعلاجها فرض عين» ، والعلم الذي يختص بهذا الأمر هو التصوف. فإذا تطهر القلب من الأمراض والأغيار صار وعاءً للأسرار والأنوار؛ فمعلوم بأن التعبد لله تبارك وتعالى هو أول الأسس العمَلية في دين الله تعالى، ولكن ليس المقصود من العبادة أن تُؤديَ شكلها وتفقد روحها وأنوارها، فلابد من حضور روحي يُعلِّق القلب بالله، ويجعله موصولا به ومُتطلِّعا إلى لقائه؛ وهذه الحياة الروحية هي مصدر كل كمال؛ فهي قوة نورانية باطنية يشعر بها المرء في أعماقه، لأجل ذلك قام التصوف لتخلية الباطن من الآثام وتحليته بأنوار وتجليات سيد الأنام. وقد اختلف العلماء حول اشتقاق مصطلح التصوف إلى عدة أقوال، وأجمل الإمام القشيري الأمر في قوله: «وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب» . وفي الاصطلاح، قال الشيخ زروق في قواعده: «وقد حُدَّ التصوف ورُسم وفُسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجعها كله لصدق التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه» . وقال كذلك: «واعلم أنه اختلف في حقيقة التصوف على نحو ألفي قول، كلها راجعة لصدق التوجه إلى الله سبحانه بما يرضى من حيث يرضى، وإنما تنوعت الأقوال بحسب تنوع الأحوال فافهم، وفائدته إفراد القلب لله سبحانه، فكل علم حي تبع له، ونسبته من الدين، كنسبة الروح من الجسد؛ لأنه مقام الإحسان، إذ مداره على مراقبة بعد مشاهدة، أو مشاهدة بعد مراقبة، وعليه تدور مقاصد الصوفية، وهو المبدأ والمنتهى، وشرف كل علم بحسب متعلقه، وهو دال، فأوله على خشية الله تعالى، وبوسطه على معاملته، وبآخره على معرفته والانقطاع إليه، فهو أشرف العلوم، إذ كلها وسائل إليه» .

 موقف العلماء من التصوف:

أ - طائفة من الناس نظرت إلى مساوئ بعض مدارسهم وأغمضت العيون عن محاسن غيرها، فقالوا بضلال الصوفية، وردوا كلامهم سواءً ما وافق الكتاب والسنة أو خالفهما وهذه الطائفة حُجبت عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها غاية الإنكار وأساءوا الظن بهم

ب - وطائفة أخرى نظرت إلى محاسن القوم وصدق معاملتهم وشفافية نفوسهم وحسن عبادتهم فأقبلت على علوم الصوفية وكتبهم وقصائدهم وقصصهم دون تمحيص مغمضة العيون عن بعض عيوب القوم ومساوئهم، وهؤلاء حُجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم

ج - وطائفة ثالثة وهم في رأينا أهل العدل والإنصاف الذين يقبلون من القوم ما يجدونه حسناً موافقاً للكتاب والسنة، ويردون ما خالف الكتاب والسنة ويردون على شطحات القوم، وهذا الموقف هو الذي يجب أن يقفه كل مسلم فلا تحملنا حسنات القوم على قبول خطئهم وتحسينه، كما يجب أن لا تحملنا سيئات القوم على رد حق ذهبوا إليه أو قالوا به، بل الحكم العدل الذي بيننا هو الكتاب والسنة (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ، ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)

الدرس 2

اهتم علماء المسلمين قاطبة وبلاد الغرب الغسلامي على وجه الخصوص بعلم التربية والتصوف، باعتباره الجانب العملي للتجربة الدينية، واعتبرو هذا العلم ترجمة لمقام الإحسان في العبادة الوارد في حديث عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي بيَّن فيه النبي ﷺ حقيقة مقام الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

وقد اهتم المغاربة بالسلوك باعتباره طريقة في عبادة قلبية  ومماسة روحية للدين مبنية على الإخلاص لله والتسليم القلبي لدينه، وصدق التوجه إلى الله تعالى، وألفوا في ذلك المؤلفات والمصنفات، وأسسوا المراكز والزوايا التي تبني الفكر والعقل معا، وتقيم وزنا للقلب والقالب في آن واحد، ومن الإنصاف أن نذكر هنا أن المغرب عرف اتجاهات صوفية فيها نوع من الغلو والمبالغة في الممارسة الروحية الشيء الذي دفع ببعض العلماء العمل على محاولة إبطاله والرد على محاذيره، وذلك كما فعل:

  1. العلامة الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في كتابه "معضلات العصر"
  2. العلامة محمد بن العربي العلوي المتوفى سنة 1384ه في كتابه "فتوى لعلماء القرويين بإدانة صلاة الفاتح لمحمد الفاطمي التيجاني"
  3. العلامة السلطان العلوي المولى عبد الحفيظ في كتابه "كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع"
  4. الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن المدني كنون المتوفى سنة 1302ه في كتابه "الزجر و الاقماع بزواجر الشرع المطاع "
  5. العلامة المورخ احمد بن خالد الناصري المتوفى سنة 1315هـ في كتابه "تعظيم المنة في نصرة السنة"
  6. الشيخ محمد المكي الناصري  في كتابه "إظهار الحقيقة و علاج الخليقة"
غير أن كل تلك الانتقادات والتبديعات لا يمكنها في رأينا أن تحجب حقيقة التصوف الناصعة، وأهميته في بناء الإنسان المؤمن بقلبه وقالبه، المعتدل في حسه ومعناه، وإننا بالتالي لنؤكد على أن التصوف أصابه مثل ما أصاب كل التجارب الدينية والتطبيقات الروحية من خلل وغلو، الأمر الذي يستدعي ترشيد مساره، والوقوف على الإيجابي فيه والسلبي، ينشر الحسنة ويصلح الزلة، ويساهم في تشيد حركة التدين على أسس الإخلاص التام المعتد على الصدق، واتباع روح الشريعة ومقاصدها الحسية والمعنوية.

ومن بين من ألّف في علم التصوف ومبادئه من علماء المغرب: العلامة الفقيه عبد الواحد بن عاشر الأندلسي الفاسي، وهو من علماء وفقهاء القرويين، ويُعدُّ نظمه (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين) مرجعا مُهِمّاً عند أهل السلوك، حيث تناول في الفصل الأخير من فصوله علم التصوف والسلوك وسماه: (مبادئ التصّوف وهوادي التعرّف)، وقد كتب الله لهذا الكتابالذيوع والانتشار، واشتهر داخل المغرب وخارجه، واعتمده العلماء المربون، وتلقته الأمة بالقبول، واعتنى به الناس حفظا وشرحا وتعليقا وختما، ولعل السبب في ذلك اعتماد على طرح سني معتدل ومحتكم للشريعة وطريقة السلف الصالح في العقيدة والفقه والتربية، قال رحمه الله:

وَبَعْدُ فالعَوْنُ مِنَ اللهِ المَجيد -- في نَظْمِ أَبْياتٍ لِلأُمّيِّ تُفيد

في عَقْدِ الأَشْعريّ وَفِقْهِ مالِك -- وفي طريقة الجنيد السالك

أولا: الإمام ابن عاشر:

  1. اسمه: هو عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفاسي منشأً ودارا، عرف بابن عاشر الفاسي.
  1. مولده: ولد بفاس سنة (990ه/1582م)، شيخ الجماعة بفاس و نواحيها، و قد ذكر الفضيلي أنه من حفدة الشيخ الشهير أبي العباس سيدي أحمد بن محمد بن عمر بن عاشر السلاوي، المتوفى سنة (765هـ).
  1. نشأته: نشأ بفاس منصرفا إلى العلم و لقاء أهله، و برع في علوم شتى، وتبحر في منقولها ومعقولها، وكان دؤوبا على تعليم الناس، حريصا عليهم وعلى إحياء السنن والدين، وإخماد البدع، وكان يسكن بدار أسلافه الكبرى، بحومة درب الطويل، من فاس القرويين، ثم رحل إلى الحج سنة(1008ه)، ليأخذ العلم عن المشارقة، وقد تصدر للتدريس والمشيخة والخطابة، وشارك في جل العلوم، خصوصا علم القراءات، والرسم، والضبط، والنحو، والإعراب، وعلم الكلام، والأصول، والفقه، والتوقيت، والتعديل، والحساب، والفرائض، والمنطق، والبيان والعروض، والطب.
  1. شيوخه:  تلقى العلم على يد ثلة من علماء عصره، منهم: أحمد ابن القاضى المكناسي: عاش ما بين: (960ه و1025ه)، وأبو القاسم بن محمد بن القاضي المكناسي: (تـ: 1022ه).

وعبد الله الدَّنوشري: (ت1025ه)، وأبو عبد الله القصّار: (ت1012ه)، ومحمد بن أحمد التجيبي: (ت1022ه)، ومحمد بن أحمد المريي: (ت1018ه)، وسالم السَّنهوري: (ت1010ه)، وأحمد بن عثمان اللَّمطي، ومحمد بن محمد الهوّاري: (ت1022ه)، وابن أبي النَّعيم الغسّاني: (ت1032ه)، وأبو الحسن البطّوئي: (ت1039ه)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الجنان الفاسي: (ت1050ه)، وبركات بن محمد الحطّاب: (ت953ه)، ومحمد بن أحمد بن مرزوق السبط: (ت842ه)، وأبو العباس أحمد بن محمد بن مرزوق الكفيف.

  1. تلاميذه:  أخذ عن الفقيه عبد الواحد بن عاشر مجموعة من التلاميذ المشايخ نذكر منهم:
  • أحمد بن محمد الزموري الفاسي (ت1057هـ). محمد الزوين (ت1040هـ). الشيخ عبد القادر الفاسي: (ت1091ه). الإمام محمد بن سعيد المرغيثي: (ت1089ه). القاضي محمد بن سودة: (ت1076هـ). أبو عبد الله ميارة: (ت1072ه).
  1. تآليفه:  للإمام ابن عاشر تآليف عدة وهي:
  • نظم المرشد المعين على الضروري من علوم الدين وهو مطبوع متداول، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن في كيفية رسم القرآن لغير نافع من بقية السبعة، ويوجد شرح له بذيل دليل الحيران على مورد الظمآن لمحمد الشريشي الشهير بالخراز- الناشر مكتبة النجاح بليبيا، ومورد الظمآن في علم رسم القرآن، و«تنبيه الخلان» في علم رسم القرآن، و«فتح المنان» في شرح مورد الظمآن، وشرحٌ على مختصر الشيخ خليل، ورسالة عجيبة في عمل الربع المجيب، وتقاييد على العقيدة الكبرى للإمام السنوسي، وطرر عجيبة على شرح الإمام أبي عبد الله محمد التنسي لذيل مورد الظمآن في الضبط، وطرر على الشرح الصغير للتتائي على مختصر الشيخ خليل المسمى بجواهر الدرر، وحاشية على الجعبري، ونظم في النكاح وتوابعه من طلاق وغيره، والمقطعات في جمع نظائر رسالة مهمة من الفقه والنحو وغيرهما، وشفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح.
  1. آراؤه العقدية: بدراسة الجانب الفكري خلال القرن العاشر والحادي عشر -تاريخ عصر الإمام ابن عاشر- نجد أن علم الكلام قد قامت له دولة، حيث وضعت رسائل ومنظومات عديدة، وقد ظل علماء المغرب في العصر السعدي معجبين إلى حد كبير بعقائد السنوسي، متشبثين بتوجهه، رغم عدم تقيد بعض العلماء بهذا المذهب. وهكذا عرف القرن العاشر والحادي عشر نشاطا تأليفيا واسعا في مجال علم العقيدة، كما كان اعتماد المدرسين للتوحيد في ذلك العصر على عقائد السنوسي، فكتبوا عليها شروحا وحواشي كثيرة، كما شرحوا كذلك عقائد المهدي بن تومرت، وأحمد بن عبد الله الزواوي، وابن زكري، وغيرها.

 وقد ذكر تلميذُ عبدِ الواحد بن عاشر -الشيخُ ميارة- أن شيخه -ابنَ عاشر- كان يحفظ نظم ابن زكري عن ظهر قلب، ولما نظم «المرشد المعين» اتخذه من بعده مرجعا مختصرا لعلم العقائد والعبادات والتصوف.

فالذي يقرأ «مقدمة كتاب الاعتقاد» من منظومة ابن عاشر -رحمه الله- المشهورة (المرشد المعين في الضروري من علوم الدين) يجدها خلاصة لما أثاره علم الكلام الأشعري، فهو -وكباقي علماء الأشاعرة- يعتبر النظر العقليَ أولَ واجب عيني على كل مكلف، فيقول:

أول واجـب على من كلفـا -- ممكنا من نظر أن يعرفا

الله والرسل بالصفات -- مما عليه نصب الآيات

فوجوب المعرفة في الإيمان، وتحريم الاكتفاء فيه بمجرد التقليد، هو الراجح عند أكثر أئمة الأشاعرة، كإمام الحرمين، والشيخ الأشعري وغيرهما، ثم عدد صفات الله تعالى الواجبة والمستحيلة والجائزة وذكر براهينها ودلائلها ليخرج المكلف بمعرفتها عن ربقة التقليد. وتحدث عن قضية حدوث العالم مستدلا على ذلك بملازمته للأعراض الحادثة، ثم بعد ذلك انتقل للحديث عن الجزء الثاني من جزأي الإيمان، لأن الإيمان مركب من جزأين:

أحدهما: الإيمان بالله تعالى، وهو حديث النفس التابع للمعرفة بما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز.

وثانيهما: الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو أيضا حديث النفس التابع للمعرفة بما يجب لهم، وما يستحيل، وما يجوز.

ولما كان الجزء الثاني موقوفا على الجزء الأول، إنما يعرف ويحصل بعد معرفته، قدم الكلام على الجزء الأول، ثم أخذ في الكلام عن الجزء الثاني، وهو الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يجوز في حقهم، وما يستحيل، وما يجوز.

  1. مناقبه: كان رحمه الله ممن له التبحر في العلوم، والمشاركة في الفنون، عالما عاملا، عابدا ورعا، زاهدا، يأكل من كدّ يمينه، يضرب في الأرض على طلب الحلال، متواضعا حسن الأخلاق، نزيه النفس، ينزل إلى مَن دونه ليأخذ عنه، ويتولى في الأسواق مأربه بيده، ويباشر أسبابه بنفسه.
  1. وفاته: توفّي r بعد مرضٍ مفاجئ عند اصفرار يوم الخميس ثالث ذي الحجة عام أربعين وألف للهجرة النبوية (1040ه)، وهو في الخمسين من عمره، ودفن قرب مصلى باب الفتوح بفاس، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

ثانيا: نظم المرشد المعين على الضروري من الدين:

وهو عبارة عن منظومة في أصول الدين على مذهب الإمام مالك ضمّت 317 بيتاً من بحر الرجز في العقيدة والفقه والسلوك (التصوف)، وهي منظومة ذاع صيتها وتلقتها الأمة الإسلامية بالقبول حتى اعتبرت درَّة من دُرر الفقه المالكي. والمنظومة وإن كانت صغيرة الحجم، فقد جمعت أصول الدين وفروعه، مما لا يسع المسلم جهله، في أوجز لفظ، وأوضح عبارة، تقيد فيها ابن عاشر بالمذهب المالكي، ولم يخرج عن المشهور، والراجح، والمعمول به، والمنظومة كذلك لا تخلو من دليل يرتكز على الكتاب والسنة والأصول التي اعتمدها المالكية في مذهبهم، لذلك ظلت المنظومة ولا تزال المنطلق الأول لمن أراد دراسة الفقه المالكي. كما اتسمت العناية بالنظم من لدن العلماء بالوفرة والتنوع، إذ منهم من خصه بالشرح المطول لسائر أبواب النظم، ومنهم من أفرد أحد الأبواب الثلاثة بالشرح المستفيض أي العقيدة أو الفقه أو التصوف، ومنهم من اكتفى بالشرح المختصر، ومنهم من اتجهت عنايته إلى شرحه شرحاً إشارياً على اصطلاح أهل التصوف. ولقد خص العلامة ابن عاشر علم الاعتقاد بكتاب مستقل من منظومته المذكورة، قصد فيه إلى بيان أمهات العقائد على مذهب الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ)، حيث جاءت مقاصده معربة عن التوجهات الأصلية الكبرى للمذهب الأشعري، والتي ينتظمها أصل التنزيه والتعظيم مقصداً، وأصل الوسطية والاعتدال منهجاً.

محتوى الكتاب: يمهد في فاتحتها بخمسة أبيات يذكر فيها مقصوده من نظمها، وأنه شرع فيها حين أحرامه بالحج، ثم لما انفصل عن حجه كمَّل ما يتعلق بقواعد الإسلام الخمس، ولخص هدفه منها بقوله: وَبَعْدُ فالعَوْنُ مِنَ اللهِ المَجيد في نَظْمِ أَبْياتٍ لِلأُمّيِّ تُفيد في عَقْدِ الأَشْعريّ وَفِقْهِ مالِك وفي طَريقةِ الجُنَيدِ السّالِك

وأتبع هذا التمهيد، مقدمة عقدية بين فيها العقيدة الأشعرية، وقواعد الإسلام الخمس في حدود 42 بيتاً، ثم أعقبها بمقدمة أخرى في علم أصول الفقه في 6 أبيات بيَّن فيها الحكم الشرعي وأقسامه وشروطه، ثم أحكام الطهارة بما يشمله من وضوء، وغسل، وتيمم في 45 بيتاً بيَّن فيها فرائض الوضوء وسننه ونواقضه، وفرائض الغسل ومندوباته وموجباته، والتيمم وأحكامه، ثم نظم أحكام الصلاة وما يتعلق بها في حدود 85 بيتاً ذكر فيها فرائضها وشروطها وسننها ومندوباتها ومكروهاتها، وأحكام الأذان والقصر في السفر، ثم ذكر الصلوات الخمس المفروضة والصلوات المسنونة والمستحبة، وأحكام سجود السهو وصلاة الجمعة وشروط الإمام، ثم أحكام الزكاة وأنواعها ومصارفها في 29 بيتاً، ثم أحكام الصيام الفرض منه والمستحب في 18 بيتاً، ثم أحكام الحج والعمرة في 62 بيتاً، ثم ختم نظمه بالتصوف ومبادئه في 27 بيتاً على طريقة الإمام الجنيد البغدادي فيما يخص التوبة والاستغفار والكف عن المحارم وتطهير القلب من الأدران ومحاسبة النفس.

شروحه ومختصراته: تلقت الأمة هذه المنظومة بالقبول والاستحسان، حيث أفردها علماء الغرب الإسلامي على الخصوص بالشروح حتى أصبحت مستنداً لكل طالب علم، وتصدَّر تدريسها الحلقات العلمية بالمساجد والمعاهد، ووجَّه العلماء طلبتهم لحفظها ومدارستها، فكثرت شروحها ومختصراتها، والتي منها: • الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين لتلميذه الأبر الشيخ محمد ميارة الفاسي. • مورد الشارعين في قراءة المرشد المعين للأستاذ عبد الصمد التهامي كنون. • النور المبين على المرشد المعين للعلامة المحقق الشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافي. • الحبل المتين على نظم المرشد المعين للفقيه محمد بن محمد بن عبد الله بن المبارك الفتحي المعروف بابن المؤقت المراكشي. • العرف الناشر في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر للمختار بن العربي الجزائري الشنقيطي. • شرح منظومة ابن عاشر في الفقه المالكي لأحمد مصطفى قاسم الطهطاوي. • التمكين لأدلة المرشد المعين لأحمد الورايني. • الكلام المفهوم على متن ابن عاشر المنظوم لعلال نوريم.

بالإضافة إلى بعض الحواشي والمختصرات، كمختصر الدر الثمين للشيخ محمد ميارة، وشرح الشيخ الطيب بن كيران، وحاشية الفقيه الطالب بن الحاج على شرح ميارة، وشرح الشيخ علي بن عبد الصادق العبادي، وسمى شرحه: (إرشاد المريدين لفهم معاني المرشد المعين).

ثناء العلماء عليها: قد عرف العلماء لهذه المنظومة قدرها، فأقبلوا على تدريسها في حلقاتهم العلمية، ووجهوا طلبتهم إلى حفظها، ووضعوا عليها التقاييد والشروح والختمات التي لا تحصى كثرة، ومن ثنائهم عليها وامتداحهم لها، ما أنشده العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد العياشي؛ إذ قال: عليك إذا رمت الهدى وطريقه وبالدين للمولى الكريم تدين بحفظ لنظم كالجمان فصوله وما هو إلا مرشد ومعين كأن المعاني تحت ألفاظه وقد بدت سلسبيلا بالرياض معين

وعنها يقول تلميذه العلامة محمد ميارة (ت 1072هـ)، وهو يعدد تآليف الإمام ابن عاشر: «ألف تآليف عديدة، منها هذه المنظومة العديمة المثال في الاختصار، وكثرة الفوائد والتحقيق، ومحاذاة مختصر الشيخ خليل، والجمع بين أصول الدين وفروعه، بحيث إن من قرأها وفهم مسائلها، خرج قطعاً من ربقة التقليد والمختلف في صحة إيمان صاحبه، وأدى ما أوجب الله عليه تعلمه من العلم الواجب على الأعيان». واعتباراً لقيمة هذه المنظومة، نجدها معتمدة من كبار الفقهاء المالكية؛ فالإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت 1203هـ) ينقل عنها في أكثر من 83 موضعاً من حاشيته على أحمد الدردير في شرح مختصر خليل، وبلغت النقول عنها عند العلامة محمد عليش (ت 1299هـ) إلى مائة نقل في منح الجليل شرح مختصر خليل، وحوالي ثلاثة عشر نقلاً عند الإمام أحمد الصاوي (ت 1241هـ) في كتابه بلغة السالك لأقرب المسالك. طبعاته: طبع هذا الكتاب عدة طبعات من مختلف دور النشر العربية، سواء بمفرده أو مع شروحه وخاصة شرح الإمام محمد ميارة الفاسي، وطبع متنه مستقلاً عام 1262هـ بفاس، ثم بمصر عام 1300هـ، وتوالت طبعاته منها: طبعة مكتبة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، ثم طبعة دار الفكر، ومنها طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجري -مطبعة فضالة- المغرب.

الدرس 3

الدرس 3 الدرس 3 الدرس 3 الدرس 3 الدرس 3 الدرس 3 الدرس 3

توصيف المادة:

لا تزال مقامات الإحسان ومنازل تزكية النفس وتربيتها على الأخلاق حية محركة ومتحركة وفاعلة في واقع الأمة، باعتبارها مكونا من أعظم المكونات في سبيل تحقبق الوعي بالذات والارتباط بالخير، لم ينطفئ نورها، ولم تخب جذوتها، رغم ما أصابها من تشويش ذاتي وموضوعي، مما يستدعي العمل على إحياء معاني علوم الأخلاق والإحسان ونشر حقائقهما. التصوف الذي نتغياه وندعو إليه هو التصوف الحقيقي القائم على الشريعة، فحقيقة بلا شريعة باطلة وشريعة بلا حقيقة عاطلة، لأن ثمرة الشريعة أن تنتج الإنسان المتصف بالأخلاق والقيم الإسلامية الفاضلة والبانية، والتصوف الإسلامي اليوم مدعو في هذه المرحلة التي غلب على الأمة الاحتقان وبعض مظاهر التدين السلبي جفاء وادعاء... إننا نؤمن بأن التصوف الحي النشط الفاعل قوة روحية عظيمة وطاقة معنوية فخيمة، يمكن أن تساهم اليوم كما ساهمت بالأمس في خدمة المجتمعات الإسلامية، لما لها من مقومات حية كبيرة، ولا تعارض هذا الفهم بين سلفية وصوفية، فكل منهما يروم بناء الإنسان وإنشاء العمران من خلا باب من أبواب الإصلاح ومدخل من مداخل التغيير، فالسلفية تبني الفكر والمنهج، والصوفية تبني الروح والوجدان، وكلل واحد من المدرستين لها حسناتها وجهودها: وكلهم من رسول الله ملتمس -- غرفا من البحر أو رشفا من الديم والمطلوب اليوم أن يعمل ل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية بل وفي كل ميادين الإصلاح والبناء من أجل نشر مبادئ الحوار والتعاون والابتعاد عن الأحكام الجاهزة التي تهدم ولا تبني وتعسر ولا تيسر، والخير مجود في كل جانب، والتقصير مركود في كل أحد، والعاقل ينظر إلى الحسنات وينشرها، ويغض الطرف عن السيئات ويسترها. إننا نؤمن أن التصوف وقع ضحية لتحريف خطير على مدى تاريخه الطويل، كما وقع فريسة لاتجاهين اثنين: أولهما اجه الغلاة والمنحرفين عن جادة الصواب وطريقة السلف الصالح من أئمة التصوف كالجنيد، وثانيهما منهج الجفاة المتنطعين الذين نسبوا إليه ما ليس منه، وحاكموه من خلال صور مغلوطة ودعاوى موروثة، وحاكموا القلب والقالب، ولم يميزوا بين الغث والسمين، ولم يأخذو بمنهج القرآن (ليسوا سواء) إن الأخـلاق أهمية الإسـلامية تكمـن في كونها الـركن المعنـوي الـذي يحـدد سـلوك الفـرد، ويعـد بمثابـة الـروح لكـل بنـاء إنسـاني سـواء في مجـال الأســرة أو المجتمع، وبـذلك يكـون تأثيرهـا علـى السـلوك الفـردي علـى اعتبـار أن التصـرفات تابعـة للمعـاني والصـفات المسـتقرة في الـنفس، وتتجلــى أهميتهــا مــن خــلال أمــرين: الأمــر الأول:كثــرة النصــوص القرآنيــة، والأمــر الثــاني: الأحاديث النبوية التي تحث على مكارم الأخلاق، مع تنوع مواضيعها، وتعدد معالجاتها لكثير من تلك المشكلات الاجتماعية على مستوى الفرد والأسرة والجماعة. وقـد شمل الدين الإسلامي كافة الأخلاق والمكـارم والخصال الحميـدة والخصــال وحــث عليها وحبب المؤمنين فيها، ّوجعلها متميزة بأوصاف لا توجد أثبت من غيرها في الديانات والمناهج التربوية الأخرى،نلخصها في ما يأتي: 1. الخلود والاستمرارية. 2. الصدق والدقة. 3. الشمول والتكامل. 4. التوفيق بين العقل والفطرة. 5. التوفيق بين العلم والعمل.

أهداف المادة :

- الاقتداء بشخص النبي ﷺ على اعتبار أنه الأسوة الحسنة. - تبصير المتعلم بالأخلاق والعادات الحميدة التي حث عليها الإسلام. - تعزيز حب الآخرين ونبذ العنف والبغض والكراهية. - إعداد الفرد الصالح لشخصه وللمجتمع.

المراجع المعتمدة:

1. كتاب مبادئ التصوف وهوادي التعرف من المرشد المعيد على الضروري من الدين للإمام عبد الحميد بن عاشر المتوفى عام 1040 هـ 2. شرح مبادئ التصوف وهوادي التعرف للدكتور عبد الفتاح الفريسي


الأستاذ
عبد الفتاح الفريسي