الفقـــــه

برنامج المادة:

معنى الصلاة: الصلاة في اللغة: الدعاء، شاهد ذلك في قوله تعالى: "وصلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لَّهم"، التوبة:103، أي دعواتك، وسُميت صلاة لما اشتملت عليه من الدعاء.

شرعا: قال ابن عرفة: "قُربةٌ فِعلية ذات إحرام وسلام، أو سجود فقط"، فيدخل فيها سجود التلاوة، وصلاة الجنازة، وقيل وهي مجموع أفعال مخصوصة تفتح بالتكبير وتختم بالتسليم، وسُميت صلاة لاشتمالها على الدعاء، ولكونه الجزء الغالب فيها، انظر: "شرح الخرشي"، "حاشية العدوى"، "شرح حدود ابن عرفة".

حكمها: الصلوات الخمس هي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي فرض عين على كل مكلف من ذَكر أو أُنثى بالكتاب والسُّنة والاجماع، فمن الكتاب: قوله تعالى: "إن الصَّلاَةَ كَانتْ عَلى المُؤْمنينَ كِتابًا مَوقوتًا"، النساء:103، وقوله تعالى: "حَافِظُوا على الصَّلواتِ والصَّلاَةِ الوُسْطَى وقُومُوا للهِ قَانِتِينَ"، البقرة:238، ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" رواه البخاري، ومسلم، وأما الاجماع: فقد اتفق المسلمون على وجوبها وكونها ركنًا من أركان الدين.

- مواقيت الصلاة:

الوقت: هو الزمن المقدر للعبادة شرعًا، ومعرفة الأوقات واجبة على كل مكلف متى أمكنه ذلك، بمعنى أنه لا يجوز للإنسان الدُّخول في الصلاة حتى يتحقَّق دخول وقتها.

أقسام الوقت: الوقت نوعان:

1- وقت اختيار (أداء): وهو الذي يكون فيه المكلف مُخيَّرًا في إيقاع الصلاة في أي جزء من أجزائه إن شاء في أوله أو في وسطه، أو في آخره. مع العلم بأن أوَّل الوقت الاختياري هو الأفضل بتفضيل سوف يأتي.

2- وقت الضرورة (الضروري): وهو الذي لا يجوز أن تُؤدى الصلاة فيه إلا لأصحاب الضرورة كالمريض، والمرأة التي لم تطْهُرْ إلا بعد الوقت الاختياري، ومن غلبة النوم أو النِّسيان.

- مواقيت الصلوات الخمس:

ويمكننا تلخيص الوقت الاختياري والضروري لكل صلاة كما يلي:

    • صلاة الظهر

الوقت الضروري: يبدأ من وقت العصر الاختياري حتى الاصفرار فبل مغيب الشمس ما يسع أربع ركعات.

الوقت الاختياري: يعرف من زوال (يُعرف الزوال: بأن ننصب عودًا مستقيمًا في أرض مستوية، فإذا تناهى الظل في النقصان أو ذهب جُملة، ثم شرع في الزيادة فهذا هو وقت الزوال. انظر: "كفاية الطالب") الشمس عن وسط السماء وميلها إلى جهة الغرب إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، إيضاح ذلك أنك إذا أقمت عمودًا وتأملت ظله وقت الزوال وجدته أقصر ما يمكن فإذا فرضنا أن طول العمود المذكور مترًا وكان طول ظله عشرة سنتيمترات، فوقت الظهر ممتد حتى يصير طول ظل ذلك العمود مترًا وعشرة سنتيمترات وهذا نهاية وقت الظهر وبداية وقت العصر الاختياري. ويجب أن نعلم أن الظهر يشترك مع العصر بمقدار ما يسع فعل أربع ركعات بمعنى أن المرء إذا صلى الظهر حين يكون ظل كل شيء مثله فقد أدى الظهر في آخر وقتها الاختياري.

    • صلاة العصر

الوقت الضروري: من اصفرار الشمس إلى الغروب.

الوقت الاختياري: يبدأ من آخر الوقت الاختياري للظهر (السابق شرحه) إلى اصفرار الشمس.

    • صلاة المغرب

الوقت الضروري: من بعد مضي الزمن الذي يسع لفعلها بشروطها إلى قبيل الفجر.

الوقت الاختياري: يبدأ بمغيب الشمس نهائيًّا وهو وقت ضيق يمتد بقدر ما يتطهر المرء لها ويؤديها.

    • صلاة العشاء

الوقت الضروري: من ثلث الليل الأول إلى طلوع الفجر.

الوقت الاختياري: من مغيب الشفق الأحمر (هو الحُمرة التي تُرى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبغيابه يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء. انظر: أنيس الفقهاء، التوقيف) الذي يظهر عند مغيب الشمس إلى الثلث الأول من الليل.

    • صلاة الصبح

الوقت الضروري: من الإسفار الأعلى إلى الجزء الأول من طلوع الشمس.

الوقت الاختياري: يبدأ من طلوع الفجر الصادق (بخلاف الفجر الكاذب الذي لا ينشر، بل يخرج مستطيلاً في وسط السماء تُحاذيه ظلمة من الجانبين) وهو بداية الوضوء المنتشر في أقصى المشرق إلى الإسفار الأعلى وهو الوقت من الصبح الذي يميز الرجل فيه جليسه.

 

 الوقت الاختياري:

ينقسم الوقت الاختياري إلى قسمين: وقت فضيلة: وهو أول الوقت، ووقت توسعة: وهو ما بعد وقت الفضيلة إلى آخر الوقت الاختياري، وأفضل الوقت هو أوله على الإطلاق لجماعة أو المصلي بمفرده لا يرجو جماعة إلا الظهر فيستحب أن يؤخر لربع القامة (الوقت)، ويزاد عند اشتداد الحر لنصف القامة (الوقت) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصلاة، فإن الشدَّة الحر من فيح جهنم"، رواه البخاري، ومسلم.

قال ابن حجر: "قوله فأبردوا: أي أَخروا إلى أن يبرد الوقت"، انظر: "فتح الباري"، "عمدة القاري".

من خفي عليه الوقت:

من خفي عليه الوقت أو اشتبه لظلمة، أو لخفاء ضوء الشمس أو لسحاب فإنه يسلك الطرق التي توصله إلى معرفة دخول وقت الفريضة من ساعات أو أوراد ونحو ذلك، فإن لم يتوفر لديه شيء من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يغلب على ظنه أنه قد أصاب وقتها الشرعي، ويكفي في ذلك غلبة الظن ولا يُشتر عليه التيقن، وقد نص الإمام مالك أنه يؤخر الظهر في الغيم، ويعجل العصر، وتؤخر المغرب حتى لا يشك في دخول الليل، وتُعجَّلُ العشاء، إلا أنه يتحرى ذهاب الحُمرَة، وتؤخر الصبح حتى لا يشك في الفجر، ثم أن ظهر – بعد أخذه بالأسباب المتقدمة من التحري – أنه أوقع الصلاة في الوقت أو بعده، فلا قضاء عليه، وإن وقعت قبله أعادها وجوبًا.

وإن شكَّ في دخول الوقت فصلَّى وهو غير عالم بدخوله وجب أن لا تجزئه صلاته، إن اتضح له بعد ذلك أنه صلاَّها في وقتها، وسبب ذلك عندهم أنه صلاها وهو غير عالم بوجوبها عليه، قاله ابن رشد، انظر: "مواهب الجليل"، "التاج والإكليل".

إدراك الصلاة في الوقت الضروري:

يدرك المصلي الصلاة في وقتها الضروري وذلك بفعل ركعة بسجدتيها، وكذا يدركها في وقتها الاختياري بتمكنه من فعل ما سبق، وسواء أدى الصلاة في وقتها الاختياري أو الضروري فهو أداء، والفارق أن الضروري لا يجوز تأخير الصلاة إليه إلاَّ لِعُذْرٍ من أعذار عشرة وهي في المبحث الآتي:

- الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة لوقتها الضروري: عرف فيما سبق أنه لا يجوز تأخير الصلاة لوقتها الضروري إلا لعذر، وأصحاب الأعذار العشرة هم:

1- الكافر الأصلي: (الذي لم يسبق له الدخول في الإسلام)، وكذا المرتد إذا رجع إلى الإسلام فإن أسلم بعد العصر أدى الظهر والعصر؛ لأن وقتهما ما زال حاضرًا، ولا إثم عليه في تأخيره.

2- الصبي الذي لم يبلغ: فإن أتَّم بلوغه في الوقت الضروري أدى صلاته وليس عليه إثم؛ لأنه لم يكن مكلفًا في الوقت الاختياري.

3، 4- المجنون والمغمى عليه: إذا أفاق في الوقت الضروري.

5- النائم: إذا لم يستيقظ إلاَّ في الوقت الضروري، فإذا أداها فيه لم يأثم ولا يَحْرُمُ النَّومُ قبل الوقت ولو عَلِمَ استغراقه فيه، ويُحَرَّم عليه أن ينام بعد دخول الوقت إن ظنَّ أنه لا يستيقظ إلا بعد خروجه، ووجب على من عَلِمهُ نائمًا إيقاظه.

6- الناسي: إذا لم يتذكر أنه لم يُصلِّ إلا في الوقت الضروري وكذا الغافل.

7، 8- الحائض والنفساء: إذا زال عذرهما في الوقت المذكور.

9- فاقد الطَّهُورِيْن: من الماء والتراب، فإن وجد أحدهما في الضروري فأدى لم يأثم.

10- من تناول شيئًا حلالاً فغاب من وعيه أو سَكِرَ: فهو كالنائم، بخلاف من سَكِرَ بمحرم فهو آثم مرتين، إحداهما لسكره، والأخرى لتسبُّبه بفعله في إضاعة الصلاة.

القدر الذي تُدْركُ به الصلاة لأصحاب الأعذار:

بعد أن ذكرنا الأعذار التي تبيح تأخير الصلاة إلى الوقت الضروري بقي لنا أن نتكلم عن القدر الذي تُدركُ به الصلاة بالنسبة لهؤلاء، وفي ذلك نقول:

1- إذا زال العذر (الحيض والنفاس والجنون والإغماء)، وأدى صاحب العذر الطهارة المطلوبة للصلاة من غُسْل أو وُضُوء، وقد بقي من الوقت ما يَسَعُ ركعة، فقد وجبت عليه الصلاة الحاضرة في حقِّهِ، كمن بَلَغَ بعد الفجر ثم اغتسل وبقي على طلوع الشمس ما يَسَعُ ركعة، فقد وجبت في حقِّه صلاة الصبح، فإن كان غُسْلُهُ لا ينتهي إلا مع طلوع الشكس أو أن الوقت لا يتسع لإدراك ركعة كاملة بسجدتيها، فصلاة الصبح غير واجبة في حقِّهِ.

2- يجب أن نعلم أن النائم والغافل والناسي ولا يُسْقِطُ عُذْرُهُمْ وجوبَ قضاء الصلاة كغيرهم من أصحاب الأعذار المتقدمة، ولو زال عذرهم بعد خروج الوقت، وعلم كذلك أن أصحاب الأعذار السابقة غير الثلاثة التي تقدَّم ذكرها يُقدر لهم (أي يُحتسبُ) الزمن الذي يستغرقه الطُّهرُ بعد زوال العذر، ثم تجب عليهم من الصلاة بحسب ما يتسع الوقت لأدائها كما سبق بيانه في النقطة رقم (1)

أما (الكافر، والنائم، والغافل، والناسي) فلا يُقَدَّرُ لهم زمن الطهر، أما علة عدم التقدير بالنسبة للكافر فوجوب الوضوء عليه قبل إسلامه؛ لأن الراجح - عند المالكية – خطابهم بفروع الشريعة وإن توقفت صحة أدائها على إسلامهم، وأما النائم والغافل والناسي فلأن الوقت في حقهم هو قت تذكرها لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن نَسيَ صلاةً فَليُصَلَّهَا إذا ذَكرهَا، لا كَفَّارة له إلاَّ ذلِكَ"، رواه البخاري، ومسلم.

3- الصلاتان المشتركتان في الوقت كالظهرين (الظهر والعصر)، أو العِشائين (المغرب والعشاء) تجِبان معًا إذا اتسع الوقت بعد الطهارة المطلوبة لأداء الصلاة الأولى وركعة واحدة من الصلاة الثانية، فإذا َهُرت الحائض مثلاً قبل صلاة الصبح بما يتع لأربع ركعات وجب علها صلاة المغرب والعشاء، وكذا يُقال إذا طَهُرت واغتسلت وبقي ما يتسع لأداء جمس ركعات قبل غروب الشمس فيجب علها الظهر والعصر، أما إذا ضاق الوقت بحيث لا يتسع إلا لصلاة واحدة فقط فتجب الصلاة الثانية وتسقط الأولى، وذلك للقاعدة المقررة أن وقت الصلاتين المشتركتين إذا ضاق اختُصَّ بالأخيرة منهما.

4- إذا حاضت المرأة أو ولدت، أو طرأ على المكلف جُنُونٌ أو إِغماءٌ وقد بقي من الوقت ما يَسَغُ خمس ركعات فأكثر قبل غروب الشمس فقد سقط عن الجميع الظهر والعصر لحصول العذر في وقتيهما الضروري، وإن بقي ما يسع أربع ركعات فأقل سقط أن العذر قد حصل في وقت العصر الضروري، وكذا يُقال في الأعذار المتقدمة إذا حدثت في آخر الليل وقد بقي من طلوع الفجر ما يسع أربع ركعات (علَّة تحديد الأربع ركعات ثلاثٌ لأداء المغرب، وواحدة يُدركُ بها العشاء في وقتها الضروري) فأكثر، قفد سقط عن المعذور المغرب والعشاء ولو أخَّر الصلاة عامدًا لحصول العذر في وقتيهما الضروري، وإن بقي ما يسع ثلاث ركعات فأقل إلى ركعة سقطت العشاء فقد وطُولب بقاء المغرب بعد زوال عذره لذهاب وقتها عليه وهو غير معذور.

حكم تارك الصلاة:

من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، أو مُنكِرًا لفرضها فقد اتفق العلماء من جميع المذاهب على كُفره وخروجه عن الملة، ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قُتِلَ كفرًا، وكذا يُقال في كُلّ من أنكر حكمًا معلومًا من الدين بالضرورة، وأمّا من تركها كسلاً وتهاونًا، فيرفع أمره إلى الحاكم حيث يطالبه بأدائها، ويؤخر لنهاية الوقت الضروري لقدر ما يسع ركعة بسجدتيها من آخر وقتها الضروري إ كان عليه فرض واحد أو لقدر خمس ركعات في الظهرين حضرًا، وثلاث سفرًا، والأربع في العشاءين حضرًا وسفرًا، وقَدْر طُهر خفيف، فإن صلى وإلا حُكِمَ بقتله حدًّا، ولا يعتبر كافرًا، فيُغْسَّلُ ويصلي عليه ويُدْفَنُ في مقابر المسلمين.

أوقات يُحَرَّمُ فيها النفلُ

وتحرم السُّنن والنوافل في عدة أوقات:

1- حال طلوع الشمس وحال غروبها، بأن يكون جزء منها في ظاهر الأفق والآخر تحته، ويدخل تحت هذا التحريم صلاة الجنازة وسجود السهو البعدي والنفل المنذور، وعلة التحريم التشبه بالكفَّار العابدين للشمس كما جاء في الأحاديث.

2- حال خطبة الجمعة (عند المالكية)؛ لأن سماعها واجب، بخلاف خطبة العيد؛ لأن سماعها سُنة، وصلاة العيد سُنة مؤكدة.

3- حال ضيق الوقت الاختياري أو الضروري عند أداء الفريضة، وكذا تحرم عند تَذَكُّر صلاة فائتة لم تؤد، والفائتة يجب تأديتها على الفور.

4- حال إقامة الصلاة الحاضرة، وكذا حال الشروع في أدائها.

فائدة مهمة:

إذا شرعت في صلاة العصر عند الغروب، أو في صلاة الصبح حال الخطبة (وكلاهما جائز) ثم بعد أن أتم ركعة منها تذكَّر أنه قد أدى هذه الصلاة التي قد شَرَع فيها، فإنه يشفعها – أي يضيف إليها ركعة أخرى – ولا حُرمة في ذلك؛ لأن النفل غير مَدْخُول عليه – أي على الوقت – بخلاف النفل المدْخول عليه فإنه يحرَّمُ قاله الدسوقي والخرشي، انظر: "حاشية الدسوقي"، "شرح الخرشي".

- أوقات يُكْرهُ فيها النفل:

أ- يُكره النفل بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

ب- وبعد طلوع الفجر الصادق (الذي يدخُلُ به وقت الصبح) حتى ترتفع الشمس قيد رمح، ويُستثنى من بعد طلوع الفجر:

1- ركعتا الفجر: (سنَّة صلاة الصبح) فإنهما يصليان بعد طلوعه، وهو وقتهما.

2- الورْدُ: وهو ما يرتبه المرء لنفسه من صلاة وتهجد كل ليلة، فإن غلبه النوم فلم يستيقظ إلاَّ بعد أذان الصبح صلَّى وِرْدَهُ، ولا كراهة في ذلك، ويصلي قبل الفجر والصبح، فإن صلى سُنة الصبح، ثم تذكر في أثناء ذلك ورده، فإنه يجوز له قطع سُنَّة الصبح ليصلي ورده، ويُشترط في الورْد أن يكون معتادا له، وكونه قبل الإسفار وألا تفوت بأدائه صلاة جماعة، فإن تذكَّره بعد أداء سُنة الصبح صلاَّه – أي الورد – ويُعيد الفجر وقت حلِّ النافلة – وهو ارتفاع الشمس - ، فإن تذكره بعد أدائه لصلاة الصبح المفروضة فقد فاته ورْده، ويجوز له قضاء ورْده بعد ارتفاع الشمس، وكذا ركعتي الفجر لمن صلى الصبح ولم يؤدهما.

3- صلاة الجنازة وسجود التلاوة: قبل الإسفار في الصبح، وقبل الاصفرار في العصر ولو بعد صلاتهما فلا يكرهان، وأما بعد الإسفار أو الاصفرار فيكره فعلهما.

4- الشفع والوتر: فإنهما يصليان بعد طلوع الفجر بلا كراهة، وكذا بعد الإسفار، ويقدمان على صلاة الصبح متى بقي على طلوع الشمس ما يسع صلاة ركعتين، وكذا يُقال في ركعتي الفجر.

مسائل تتعلق بالقضاء:

1- من صلى ركعتي الفجر في بيته ثم أتى المسجد لا يعيدهما، ولا يصلي تحية المسجد بعد الفجر.

2- إذا أقيمت عليه صلاة الصبح وهو في المسجد يجب عليه الدخول مع الإمام ولا يصلي ركعتي الفجر، وإن علم الإمام يطيل في القراءة بحيث يدرك معه الركعة الأولى ثم يقضيهما بعد ارتفاع الشمس، وإذا أقيمت الصلاة وهو يصلي ركعتي الفجر فإنه يقطعهما ويدخل مع الإمام، ثم يقضيهما بعد ارتفاع الشمس.

3- إذا أقيمت صلاة الصبح وهو في المسجد، ولم يكن أوتر، فإنه يقضي الوتر ما لم يخف فوات ركعة مع الإمام.

4- يُستحبُّ لمن يصلي الصبح منفردا إذا تذكَّر أنه يقطع صلاته، ويوتر ثم يعيد ركعتي الفجر، ويصلي الصبح، أمَّا إن كان مأموما فلا يفعل ذلك.

5- إذا نام عن الصبح حتى طلعت الشمس فإنه يصلي ركعتي الصبح ثم ركعتي الفجر على المشهور من المذهب، انظر: تفصيل هذه المسائل في "الفواكه الدواني"، "جواهر الإكليل".

6- الوتر لا يقضي بعد صلاة الصبح، وكعتا الفجر يقضيان بالتفصيل السابق.

الأذان

الأذان: لغة: الإعلام بأي شيء لقوله تعالى: "وأذانٌ مِّن اللهِ ورسوله إلى النَّاسِ"، التوبة:3، أي الإعلام، وشرعا: الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. قال القرافي: "وقد دلَّ على مشروعيته الكتاب والسُّنة"، وأجمعت الأمة على مشروعية الأذان. وقد شُرع في السنة الأولى من الهجرة.

حُكمه: الأذان واجب في كل مصرٍ على سبيل الكفاية؛ لأنه شِعار الإسلام، كما جزم بذلك ابن عبد البر والباجي، انظر "مواهب الجليل"، "الذخيرة"، "المنتقي" للباجي، وهو سنَّة مؤكدة في مساجد الجماعات ولو تلاصقت المساجد، وكذا لكل جماعة تطلب غيرها لصلاة فرض.

- شروط صحته:

1- الإسلام: فلا يصح من كافر، وإن كان يحصلُ به إسلامه، وذلك عند قوله: "أشهد أن محمدا رسول الله، وذلك لوقوع بعضه قبل إسلامه".

2- العقل: فلا يصح من مجنون.

3- البلوغ: فلا يصح من صبي إلاَّ إذا اعتمد في أذانه على عدل عارف بالأوقات.

4- المذكورة: فلا يصح من امرأة؛ لأن صوتها عورة.

5- دخول الوقت: حيث يشترط في المؤذن أن يكون عالما بأوقات الصلاة، فالجاهل بها لا يصح أذانه.

- صفات كماله:

1- أن يكون طاهرًا من الحدثين الأصغر والأكبر، فلو أذَّن وهو غير طاهر كُرِه وصحَّ أذانه.

2- أن يكون قائما حال الأذان لا جالسا.

3- أن يكون على مكان مرتفع من منارة أو حائط ونحوهما.

4- أن يكون مستقبلاً للقبلة إلا لإسماع الناس فيجوز الاستدبار.

5- أن يكون صيِّتًا: أي حَسَن الصوت.

- الأذان بين الندب والكراهة والتحريم: يندب الأذان لمُنفَرِدٍ في السَّفَرِ، والجماعة في السفر لا تَطلُبُ غيرها، ويكره لمُفَرد في الحضر، وكذا الجماعة لا تطلب غيرها في الحضر أيضا، ولصلاة فائتة؛ لأن وقتها هو وقت تذكرها، وللجنازة لأنها ليس لها وقت معين، ولنافلة كصلاة عيد أو كسوف.

ويُحرم الأذان قبل دخول الوقت لما فيه التلبيس والكذب على الناس إلا في صلاة الصبح فيندب أن يؤذن لها قبل الفجر في السُّدس الأخير من الليل، ثم يؤذن لها بع طلوع الفجر، والأذان الأول والثاني سُنة على المشهور.

- كيفية الأذان:  صفة الأذان أن يقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ (مرتين بأعلى صوت)، ثم يقول بصوت منخفض مسمعًا للحاضرين (وهو ما يُسمى بالترجيع): أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله بإدغام التنوين في الراء، وضمِّ اللام (وذلك مرتين)، ثم يرفع صوته بالشهادتين بأعلى صوته مساويا بهما التكبير في رفع الصوت قائلا: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله". ثم يقول: "حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله".

وإن كان في أذان الصبح زاد بعد قوله (حي على الفلاح) الصلاة خير من النوم مرتين:

- تنبيه:

أ- جملُ الأذان يُستحبُّ أن تكون ساكنة لا معربة أواخر الجُمل، وسبب ذلك أن الإعراب يمنع من امتداد الصوت.

ب- لو ذكر جُمل الأذان مفردة أو كرر التكبير أربعًا بطل الأذان على المشهور المذهب.

ج- الأذان على الموالاة؛ لذا يجب أن لا يتخلله سكوت طويل أو كلام، فإن فَصَلَ في الأذان بنى ما لم يطل وإلا ابتدأ الأذان.

د- يُندب لسامع الأذان ترديده لمنتهى الشهادتين ولو كان السامع في صلاة نفل، وقيل: يرددهُ كله؛ لأنه ذكر، ولا يحكى: "الصلاة خيرٌ من النوم" قطعًا ولا يبدلها بقوله: "صدقت وبررت".

الإقامة

والإقامة تكون بلفظ الأذان، ويُثنى التكبير فيها فقط، وبقية ألفاظها مفردة، وبعد جُملة حيّ على الفلاح يقول المقيم: "قد قامت الصلاة"، مرة واحدة، ثم يكبر مرتين، ثم يقول: "لا إله إلا الله" مرة واحدة.

- حكم الإقامة: والإقامة سُنة عين لكل ذكر بالغ يصلي منفردًا، أو مع نساء، أو صبيان، وسُنة كفاية لجماعة الذكور البالغين، إذا أقامها واحدٌ منهم كفى عن الجميع.

- مندوبات الإقامة: يُندب للمقيم أن يكون قائما، على طهارة، مستقبلاً للقبلة، ويُندب للمؤذن أن يكون هو المقيم، فإن أقام غيره جاز، وتُندب الإقامة سرًّا للمرأة أو الصبي.

- تنبيه: الإقامة مفردة كما سبق إلا التكبير، فإن شَفَعَها المقيمُ غَلَطًا فلا تجزئه على المشهور.

وهي أربعة عشرة سُنة وبيانها كما يلي:

1- السورة بعد الفاتحة: وذلك في الركعة الأولى والثانية للإمام والمنفرد، وإتمام السورة مندوب، ويقوم مقام الآية بعضُ آية طويلة، ويُكره قراءة سورتين أو سورة وبعض أخرى، ولتعلم أخي المصلي أن قراءة ما زاد على الفاتحة إنما يُسَنُّ إذا اتسع الوقت، فإن كان الوقت ضيقًا بحيث يُخْشَى خروجه بقراءة ما زاد على الفاتحة لم تُسَنَّ، بل يجب تركها لإدراكه.

2- القيام لها: فلو استند أثناء قراءة السورة لشيء فاتته تلك السُّنة، ولكن صلاته لا تبطلُ.

3- الجهر بقراءة في مواطن الجهر: وذلك في المغرب والعشاء والصبح، والجمعة.

4- السر فيما يُسَرُّ فيه: وهما الصلاتان النهاريتان: الظهر والعصر، ومن الصلاتين الليليتين: الركعة الأخيرة في المغرب، والأخيرتان في العشاء.

5- التكبيرات غير تكبيرة الإحرام: فهو فرض كما سبق، والمعتمد أن كل تكبيرة سُنة مستقلة.

6- قول: (سمع الله لمن حمده): للإمام والمنفرد عند الرفع من الركوع، ويكره للمأموم قول ذلك، بل يُندب في حقه أن يقول: "ربنا ولك الحمد".

7- التشهد: سواء أكان واحدًا في الصلاة الثنائية، أم اثنين كما في الصلاة الثلاثية والرُّباعية، أم أكثر من ذلك كما في سجود السهو.

8- الجلوس للتشهُّد: أي كل جلوس للتشهُّد غير الجلوس بقدر السلام فإنه فرض، وأمَّا الجلوس للدعاء بعد التشهد فهو مندوب إلاَّ إذا سلَّم الإمام فهو مكروه.

9- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهُّد الأخير: "اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

10- الجلوس على صدْر القدمَيْن، وعلى الركبَتَيْن والكفَّين.

11- رد المقتدي السلام على إمامه: وكذا لمن على يساره إن شاركه في ركعة فأكثر لا أقلَّ من ذلك.

12- الزائد على قدر الطمأنينة: الواجبة بقدر ما يجب وذلك في حق المنفرد والمأموم والإمام بقدر لا يتفاحش.

13- الجهر بتسليمة التَّحليل (أي الخروج من الصلاة): فقط دون تسليمة الرد، وأمَّا غير ذلك من التكبيرات فيندب الجهر بتكبيرة الإحرام فمندوب، وأما غير ذلك من التكبيرات فيندب الجهر للإمام دون غيره حيث الأفضل في حقه الأسرار.

14- الإنصات للإمام فيما يجهر به: وإن لم يسمعه، وقبل: بوجوبه.

فضائل الصلاة

فضائل الصلاة أو الأفعال التي يُستحبُّ فعلها كثيرة منها:

1- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام: ويرفعهما إلى المنكبَيْن، وقيل: إلى الصدر ويرفعهما قائمتين، وقيل: بطونهما إلى الأرض.

2- تطويل القراءة في الصبح والظهر، وتقصيرها في العصر والمغرب، وتوسطها في العشاء.

3- تقصير قراءة الركعة الثانية عن الأولى.

4- قراءة المأموم مع الإمام في السِّرِّية.

5- التأمين: إثر قراءة الفاتحة، وذلك في حق المنفرد في السر والجهر، وللمأموم على قراءة نفسه في السِّرِّ، وعلى قراءة إمامه في الجهر، وللإمام على قراءة نفسه في السِّرِّ دون الجهر على المشهور.

6- التسبيح: في الركوع والسجود.

7- قول: ربنا ولك الحمد للمقتدى والفذِّ حال القيام.

8- القنوت بأي لفظ في صلاة الصبح فقط كان يقول: اللهم اغفر لنا وارحمنا، ويجوز بعد الرفع من الركوع، وقبل الركوع بعد تمام القراءة أفضل، ويُستحبُّ أن يكون سرَّا، ومن تركه عمدًا أو سهوًا فلا شيء عليه، ومن أدرك الركعة الثانية من الصبح لم يقنت عند قضائه الركعة الأولى على المشهور.

- فائدة:

صفة القنوت الواردة في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع ونترك من يَكْفُرك، اللهم إياك نعبدُ، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق"، هذا لفظ "المدونة"، وهو مروي من طرق عند عبد الرزاق، وابن أبيب شيبة.

9- الدعاء قبل السلام بما أحبَّ.

10- السترة للإمام والمنفرد.

11- تحريك السبَّابة في التشَّهد يمينًا وشمالاً.

12- قراءة المأموم في الصلاة السِّريِّة: ويقرأ مع الإمام فيما يُسِرُّ فيه، ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه.

13- تقديم اليدين: قبل الرُّكبتَين عند النزول إلى السجود وتأخيرهما عن ركبتَيْهِ في قيامه هذا.

14- السَّدْل: وهو إرسال اليدَيْن لِجَنبَيْه في الفرض.

15- أن يُبَاعِدَ الزجل في سجوده: بطنه عن فَخِذيْه، ومِرْفَقَيه عن رُكبتَيْه.

16- السُّترة للإمام والمنفرد: وذلك إن خشيا مرورًا بمحل سجودهما، وتكون السُّترة بطاهر ثابت غير مُشْغِل، وأقلها أن تكون في غِلظ رمح.

17- عقْدُ ما عدا السَّبابة والإبهام: وهو الخنصر والبنصر والوسطى يجعل رءوس الثلاثة الأخيرة بلُحْمة الإبهام.

من الأفعال التي يُكْرَهُ للمصلي فعلها أثناء صلاته:1- الجهر بالبسملة والتعوُّذ: وذلك في الفريضة، وأمَّا في النافلة فلا كراهة. 2- السجود على الثوب: ملبوس بما يَحُولُ عن وضع الوجه والكفَّين على الأرض أو على شيء غير ملبوس له كبساط أو منديل ناعم، وسبب الكراهة منافاته للخشوع، أمَّا فرش المسجد فلا كراهة في السجود عليها، وتُقيَّدُ الكراهة المذكورة أولاً بما إذا لم تدع ضرورة إلى السجود على ما ذُكِرَ من حرٍّ أو بَرْدٍ وإلاَّ فلا كراهة. 3- السُّجُود على كَوْر العمامة: قال الدسوقي: "أي مُجْتمع طاقاتها (أي طبقاتها) المشدودة على الجبهة، والكَوْر: هو مجموع اللَّفات، ومحل الكراهة إذا كان خفيفًا كالطبقَتَيْن، فإن كان كثيرًا وشُدَّ على غير الجبهة بحيث منع الجبهة من وضعها على الأرض ولم يكن ساجدًا، ويعيد الصلاة كما قال ابن حبيب. 4- الدعاء: وذلك بعد تكبيرة الإحرام، وقبل الفاتحة والسورة، وفي أثناء القراءة. 5- الانشغال بأمور الدنيا: في الصلاة وذلك لمنافاته للخشوع المطلوب فيها، أمَّا الانشغال بأمور الآخرة فلا يُكْرَه. 6- الالتفاف: وهو مكروه إلا أن يلتفت بجميع جسده بحيث يستدبر القبلة فصلاته باطلة. 7- الإقْعَاءُ: وهو أن يرجع في جُلُوسه على صُدُور قَدَمَيْه، وتكون الأَلْيَتَانِ على عَقِبَيْ قدميْهِ. 8- التَّخَصُّرُ: وهو وضع اليد على الخاصرة، والخاصرة من الإنسان: ما بين رأس الورك وأسفل الأضلاع وهما خاصرتان. 9- تشبيك الأصابع وفرْقعتها، والتغميض: إلا إذا كان بَصَر المصلي يتشوَّش بفتح عينَيْه، فالتغميض حسن غير مَكْروه. 10- العبث والحَكُّ: كأن يعبث بلحيته أو ساعته ونحو ذلك، والحكُّ من غير ضرورة، فإن كان لرغبة شديدة جاز حتى لا يُشْغَل المصلي عن صلاته. 11- الإشارة بالرأس أو اليد، والتبسم: بشرط أن يكون تبسمه قليلاً فإن كثر بَطُلتِ الصلاة. 12- التَّصْفيق: ولو لحاجة تتعلَّق بالصلاة ولو كان من امرأة (تأوَّل المالكية حديث: "إنما التصفيق للنساء.." الذي يدل على إباحة التصفيق لهن في الصلاة على معنى أن التصفيق من شأنهن على سبيل الذم، وقد عارضهم ابن عبد البر فقال: قد صحَّ قول صلَّى الله عليه وسلم: "إذا نابكم في الصلاة شيء فليُسبِّح الرجال وليصفق النساء"، رواه البخاري وأبو داود والنسائي في "الكبرى"، قال ابن عبد البر: "وهذا نص على محلِّ النزاع، وإليه ذهب القرطبي من كبار الأئمة المالكية، وقال: والقول به هو الصحيح خبرًا، ونظرًا لأن المرأة لا يجب إظهار صوتها"، انظر: "التمهيد"، "شرح الزرقاني"، "المدونة"، "حاشية الصاوي")، والمشروع هو قول: "سبحان الله" التنبيه على شيء يتعلق بالصلاة عند المالكية. 13- القراءة في الرُّكوع أو السجود: بشيء من القرآن إلا ما جاء بصيغة الدعاء إن قَصَدَ به ذلك فلا كراهة. 14- حمل شيء في فمه أو كمه: وذلك لأنه يُشْغِلُ المصلي عن الحضور في صلاته. 15- ترك سنَّة خفيفة: عمدًا من سُنن الصلاة كتكبيرة أو تسميعة.

مبطلات الصلاة

ومن الأمور التي تفسد الصلاة وتوجب على المصلي إعادتها:

1- رفض النية: بمعنى إبطالها وإلغاء ما فعله منها. 2- ترك ركن من أركانها سواء أكان الترك عمدًا أم سهوًا وطال، وكذا تعمد زيادة ركن فِعْلِي كركوع أو سجود، بخلاف إذا زاد ركنًا قوليًّا فلا تبطل، وأركان الصلاة القولية ثلاثية: تكبيرة الإحرام، والفاتحة، والسلام، وبقية الأركان فِعْلِيَّة. 3- تعمُّد الجلوس للتشهد في غير محله: ولو لم يتشهَّد. 4- تعمُّد الأكل والشرب: ول قلاَّ كلُقْمة أو جُرَعَة. 5- تعمُّد الكلام: وهو مفسد للصلاة ولو قلَّ إلاَّ أن يكون لإصلاح الصلاة فلا تفسد بقليله كأن يسلم الإمام من اثنتين ولا يفهم بالتسبيح فيقول له بعض من خلفه: "لقد سَلَّمت من اثنتين، فلا تبطل صلاته بذلك، فإن كَثُر الكلام بما يزيد عن الحاجة بَطُلَت. 6- طروء ناقض: للوضوء من حدث أو سبب أو شك إلا أنه في طروء الشك يستمر، فإن بان الطهر لم يعد في التفصيل المتقدَّم، وكذا إن تعلقت به نجاسة أو سقطت عليه على تفصيل تقدَّم ذِكْرُهُ. 7- الفتح على غير الإمام: كأن يسمع وهو في صلاته من توقف في قراءة فيرشده للصواب، وهو مبطلٌ بخلاف من فتح على إمامه فهو جائز. 8- النفخ: إذا كان بالفم عمدًا أو جهلاً حيث يبطل الصلاة، أمَّا إن كان عن سهو فلا تبطل باليسير منه دون كثيره فتبطل به. 9- التنحنح: إذا كان لحاجة لتهيئة الصوت للقراءة ونحو ذلك فلا شيء عليه، وإن تنحنح لغير حاجة ففيه خلاف، والمعتمد أن صلاته لا تبطل به ولا سجود فيه قاله اللَّخّمي والحطَّاب، انظر: "مواهب الجليل"، "شرح الخرشي"، "منح الجليل". 10- القهقهة: وهي الضحك بصوت، فإن كان المصلي منفردًا أو إمامًا قطع صلاته وابتدأها مطلقًا سواء أكان الضَّحك عمدًا أو سهوًا أو جهلاً، وأمَّا الإمام فتبطل عليه وعلى من خلفه في العمد، وأمَّا إن كان ضحكه عن غلبة أو نسيان فإنه يستخلف ممن خلفه أحدًا يكمل الصلاة، وأمَّا المأموم فإنه يتمادى مع إمامه وإن كانت صلاته باطلة مراعاة للقول بعدم بطلانها في حالي الغلبة والنسيان بشروط خمسة:  - ألا يكون ضحكه عن عمد ابتداءً.  - ألا يضيق الوقت.  - ألا تكون الصلاة صلاة الجمعة.  - ألا يقدر على ترك الضحك.  - ألا يلزم من استمراره في الصلاة ضحك المأمومين، وعليه أن يعيد ما صلاَّه وجوبًا مراعاة لما اعْتُمِدَ في المذهب من بطلان الصلاة بالضحك ولو عن غلبة أو نسيان، فإذا فقد المأموم الضَّاحك شرطًا من الشروط السالفة قطع صلاته ثم يدخل مع الإمام. 11- ما يَشْغَلُ عن الفرض: أي من فروض الصلاة كالركوع والسجود أو القراءة بسبب كونه قد دخل الصلاة وهو حاقِنٌ (محتبس البول والغائط)، أو يضع في فمه شيئًا يشغله عن القراءة، وهذا إذا كان لا يستطيع الإتيان بالفرض أو يأتي به مع مشقة ودام ذلك الشاغل، وأمَّا إذا حصل أولاً ثم زال فلا تبطل الصلاة ولا تجبُ إعادتها، وأمَّا إن شُغِل عن سُنة مؤكدة فيعيد في الوقت. 12- تذكَّر أولى الحاضرتين في الثانية: كمن تذكر وهو في أثناء صلاته للعشاء أنه لم يصلِّ المغرب فتبطل الثانية وهي العشاء وذلك لوجوب ترتيب الحاضرتين المشتركتين في الوقت، ومثله يقال في مَنْ صلَّى العصر ثم تذكر أن عليه الظهر. 13- الأفعال الكثيرة: من عبث بلحية أو ثوب أو شعر ونحو ذلك. 14- الزيادة المماثلة في عدد الركعات: كأربع في صلاة رباعية أو ثلاثية، وركعتين في الثنائية (كالصبح)، والنفل المحدود كصلاة العيدين والفجر والاستسقاء يبطل بزيادة مثله سهوًا، والوتر يبطل بزيادة ركعتين، ولا بزيادة مثله، وأما النفل غير المحدود فلا يبطل. 15- سجود المسبوق للسجود البعدي: المُترتِّبِ على إمامه وذلك لزيادة زادها الإمام عن السهو، وهو مبطل لصلاة المسبوق إذا سَجَدَهَ، سواء أدرك مع الإمام نسيانًا فلا تبطل صلاته. 16- سجود المسبوق للسجود الأصلي: المترتب على إمامه إذا لم يدرك معه ركعة بسجدتيها، حد إدراك الركعة مع الإمام يكون بوضع المصلي يديه على ركبتيه مطمئنًا موقنًا أن الإمام لم يرفع رأسه من الركوع، فلو شكَّ المصلي وراء الإمام هل رفع رأسه قبل أن يضع يديه على ركبتيه أو بعد لم يعتبر بهذه الركعة، والمسبوق إن أدرك مع الإمام أقل من ركعة فلا يسجد معه لا قَبْليًّا ولا بعديًّا، فإن سجد معه بطلت صلاتُهُ؛ لأنه لم يدرك ما يوجبهما، وفي المذهب قولٌ بصحة الصلاة لمن دخل مع الإمام في سجود السهو ولم يُدرك ركعة لظنه أن هذا السجود الذي دخل معه فيه هو السجود الأصلي. انظر: "كفاية الطلب"، "حاشية الدسوقي"، "التاج والإكليل"، "مواهب الجليل". 17- السجود لترك سُنَّة خفيفة: إذا فعل ذلك قبل السلام كتكبيرة أو تسميعة، وأولى لترك فضيلة كالقنوت فإن سجد لتركه بطلت صلاته.  

الأعمال التي لا تبطل الصلاة

ومن الأعمال التي تجوز في الصلاة ولا تبطل بها وإن كانت خلاف الأولى بشرط ألاَّ تكثر، فإن كَثُرت أفسدت الصلاة ومن هذه الأفعال:

1- إنصات لمُخْبرً بخبر أو نحو ذلك بشرط ألا يكثر.

2- قتل عقرب: اتجهت نحوه أو قصدته وما يلزم لذلك من انحطاطه لأخذ حجر ليضربها به، فإن لم تتجه نحوه كُرِهَ له قتلها، ولا تبطل صلاته بذلك.

3- الإشارة بعضو: كيد أو رأس لحاجة طرأت عليه وهو في صلاته، وكذا إن أشار لرد سلام من سلَّم عليه وهو يصلي، والمعتمدُ أن الإشارة لرد السلام واجبة، وتبطل أن ردَّهُ بالقول.

4- الأنين والبكاء: فلا تبطل بأنين لوجَع إن قلَّ وإلاَّ بطلت، وكذا البكاء من خشية الله وخوفه، فإن لم يكن الأنين لوجع أو البكاء بسبب خشوعٍ فهما كالكلام يُبْطِلُ الصلاة عمدهُ ولو قلَّ، وسهوه بشرط أن يكثر.

5- المشي لمصلِّ: لسترة ليقرُبَ منها خوفًا من المرور بين يديه كنحو صفين أو لسد فرجة في صفٍّ أمامه، ويجوز له أن يمشي مثل هذه المسافة لردِّ دابة أو الإمساك بلجامها، فإن بعدت مسافة أكثر مما ذكرناه قطع صلاته وطلبها إن كان الوقت مُتسعًا، فإن ضاق الوقت فلا يقطعها إلا أن يخاف ضررًا على نفسه لكونه بصحراء أو كون ثمنها مما يُشق على مثله وغير الدَّابة من المال يجري على هذا التفصيل، ويشترط في المشي المذكور ألا يستدبر القبلة، وإن كان المشي بجنب أو إلى الأمام أو الخلف فإن استدبر القبلة فهو مبطل.

6- إصلاح رداء: سقط على الأرض وإن طأطأ وأخذه من عليها.

7- تفهيم غيره أنه في صلاة: كتسبيح أومن سُئل عن شيء استُأذنَ عليه في الدخول وهو في صلاته فقرأ بعد الفاتحة من القرآن ما يُفْهَمُ منه الإذن بالدخول كقوله تعالى: "آدخلوهَا بسلامٍ آمنينَ"، الحجر: 46، أما إذا لم يكن التفهم بمحله كأن يكون في أثناء الفاتحة أو سورة الأعلى مثلاً فاستُأذنَ عليه فقرأ هذه الآية، فتبطل الصلاة بذلك، والفرق بين هذه السورة وما تقدَّم ذكره أن انتقاله من المقروء إلى غيره صار في معنى المكالمة.

8- سدُّ فم لتثاؤبٍ، أو بصاق: بثوب أو غيره لحاجة كامتلاء فمه، فإن كان بصوت بُطلَت الصلاة.

9- بلع اليسير من الطعام بين الأسنان: فإذا ابتلعه في صلاته لم تبطل بذلك؛ لأنه ليس بأكل بشرط أن يكون شيئًا يسيرًا كنحو زبيبة بلا مضغ، انظر: "المدونة"، "مواهب الجليل"، "حاشية الدسوقي".

صلاة المريض والعاجز عن القيام

الأصل في ذلك ما ثبت عنه صلَّى الله غليه وسلم أنه قال لعمران بن حصين رضي الله عنه لما سأله عن صلاته وهو مريض فقال صلَّى الله عليه وسلم: "صلِّ قائماً، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب" رواه البخاري، وفي رواية "فإن لم تستطع فمستلقيًا لا يُكَلِّفُ الله نفسًا إلا وسعها"، ويمكن تلخيص أحوال المريض في صلاته فيما يأتي:

1- إذا لم يقدر المصلي على الوقوف في صلاة الفرض لمرض أو عجز، أو استطاعة ولكن بمشقة شديدة، أو خشي من جراء تحامله على نفسهِ حدوث مرض أو زيادته ونحو ذلك، فإنه يصلي مستندًا لشيء غير نجس، أو الإنسان غير جنب ولا حائض، فإذا استند لأحدهما كُرِه له ذلك، ويعيد الصلاة في الوقت.

2- وإن عجز عن القيام جلس مستقلاً (أي غير مستند في أثناء جلوس على شيء إذا قدر) وجوبًا، وإلاَّ فيجلس مستندًا.

3- يُندب له التربع في محل القيام وهي الحال التي يجب فيها القيام للقادر، وذلك في حالة التكبير للإحرام، والقراءة والركوع، ويجلس بين السجدتين، وللتشهد على أطراف قدميه كما سبق، ثم يرجع متربعًا عند حال القراءة وهكذا.

4- إن لم يقدر على الجلوس بالصفة المتقدمة اضطجع على جنبه الأيمن ندبًا مصليًّا بالإيماء ووجه إلى القبلة، فإن لم يستطع فعل ما تقدَّم وصفه على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع فعلى ظهره على سبيل الندب ورجلاه للقبلة وجوبًا، والترتيب بين هذه الثلاثة مندوب، فإن لم يستطع استلقى على بطنه ورأسه للقبلة وجوبًا مصلًّا بالإيماء، فإن استلقى على بطنه مع القدرة على ما وصفاه من الوضع قبله لم تصح صلاته لوجوب الترتيب.

5- ومن كان قادرًا على القيام، وعاجزًا عن الانحناء للركوع والسجود لعلَّةٍ أو مرضٍ صلى واقفا وأمأ للكوع والسجود، ويُلاحظ إيماء سجوده عن ركوعه على جهة الوجوب.

6- فإن قدر المريض على القيام والجلوس ولم يقدر على الانحناء لركوع وسجود فإنه يومئ للركوع من وضع القيام، وللسجود من وضع الجلوس، ويحسر عمامته عن جبهته وجوبًا.

7- وإن قدر المريض على جميع أركان الصلاة إلا أنه إن سجد لا يقدر على معاودة القيام مرة أخرى صلى ركعة من قيام وأتم بقية صلاته من الجلوس، ومن عجز عن جميع أركان الصلاة أتى بالنية بأن ينوى دخوله في الصلاة، ويستحضرها بقلبه، فإن قدر على التسليم سلَّم، فإن لم يستطع ذلك أومأ بطرفه مع النية، والقدر الواجب من الصلاة هو ما قدر عليه دون ما عجز عنه.

 

قضاء الصلاة الفائتة

- وجوب قضاء الصلاة:

يجب على كلِّ مُكلَّف قضاء ما في الذِّمَّة من الصلوات، ولا يحلُّ له التَّفريطُ فيها سواء أكانت هذه الصلاة قد فاته بعذر كالنوم والغفلة والنسيان، أم بغير عذر، والأصل في ذلك قوله صلَّى الله عليه وسلم: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: "وأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي"" طه:14، رواه البخاري، ومسلم.

- كيفية قضاء الفائتة:

المعتبر في قضاء الصلاة هو وقت فواتها، فلو فاتته في الحضر قضاها حضرية، وإن كانت سَفَرِيَّة قضاها سَفَرِيَّةً، فإن فاتته  الصلاة في الحَضَر فسافر قضى الصلاة حضرية باعتبار أصل فواتها، وتقضى الصلاة كذلك بأصل صفتها من حيث السرِّ والجَهْر، فتقضى السرِّيَّة سرِّيَّة ولو في محل الجهر كأن تكون في وقت الليل، وتقضى الجهرية جهرًا ولو في محل السرِّ كالعشاء وقت النهار مثلاً فيقضيها جاهرًا بالقراءة فيها، ويُحرم عليه تأخير القضاء مطلقًا سفرًا أو حضرًا، صحيحًا أو مريضًا، ولو كان ذلك الوقتُ وقت نهى كوقت طلوع الشمس، أو وقت غروبها إلا إن كانت الصلاة مشكوكًا في فواتها من عدم فيؤخرها إلى غير وقت الكراهة.

- ترتيب الفوائت:

يجب في قضاء الفوائت في نفسها سواء قلَّت أو كَثُرت بشرط الذِّكْر والقدرة وهذا الوجوب ليس شرطًا بحيث أنه لو خالف الترتيب صحت المُقَدَّمَةُ على غير محلها ولكنه يأثم بذلك، ولا إعادة عليه.

ويسير الفوائت هي خمس صلوات فأقل على المشهور من المذهب، فمن كان عليه خمس صلوات فإنه يصليها قبل الصلاة الحاضرة ولو ضاق وقتها، وللمُصلِّي في ذلك أحوال ملخصها:

1- إن قدَّم الحاضرة: عن تعمُّدٍ صحت مع كونه يأثم بذلك، ويندبُ له إعادتها بعد قضاء الفوائت المتروكة ولو في الوقت الضروري.

2- قدَّم الحاضرة نسيانًا: أن عليه فوائت ولم يتذكر ذلك حتى انتهى من الصلاة فإنها صحيحة أيضًا، ويزاد أنه لا إثم عليه ويُندب له إعادة الحاضرة ندبًا كما سبق.

3- تذكَّر الفوائت أثناء الحاضرة: فإن تذكرها قبل تمام ركعة من الحاضرة بسجدتيها فيجب عليه قطعها وجوبًا، وقضاء الفوائت المتروكة، سواء أكان منفردًا أم إمامًا، وفي حال كونه إمامًا فإنَّ من يصلي خلفه يقطعُ تبعًا له، ولا يجوز لإمام هذا حاله أن يتمَّ بنفسه أو أن يستخلف من يتم بالمصلين ويقطعها بسلام؛ لأنها صلاة منعقدة، فإن كان مأمومًا فلا يقطع لحقِّ الإمام، ويُندب له إعادتها بعد قضاء الفوائت ولو بالوقت الضروري.

4- تذكَّر الفوائت بعد تمام ركعة: بسجدتيها فإنه يضم إليها ركعة أخرى ويجعلها نافلة ويسلم منها ثم يرجع إلى قضاء الفوائت، ثم يعيد الحاضرة وذلك على سبيل الندب، وهذا ينطبق على جميع الصلوات إلا المغرب وذلك لضيق وقتها فيتمها مغربًا على المعتمد.

5- تذكَّر الفوائت بعد تمام ركعتين: من صلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ففي هذه الحالة يتم صلاته، ثم يصلي الفوائت المتروكة، ويعيد الصلاة الحاضرة على سبيل الندب ولو بالوقت الضروري.

6- تذكَّر الفوائت وهو في صلاة نَفْل: فيتمه مطلقًا وذلك لوجوب النفل بالشروع فيه إلا إذا خاف خروج وقت حاضرة لم يكن صلاَّها، هذا إذا لم يعقد من النفل ركعة وإلاَّ فيقطعه في هذه الحالة، فإن أتم ركعة أكمل النفل ولو خرج وقت الحاضرة.

- كثير الفوائت:

وأما إن كانت على المصلي ست صلوات فأكثر، وهو حدُّ كثير الفوائت على المعتمد فإنه يقدِّم الصلاة الحاضرة عليها على سبيل الاستحباب إن كان وقت الحاضرة متسعًا، ووجوبًا إن ضاق الوقت فلم يكفِ لقضاء الفوائت ثم الحاضرة.

- الحاضرتان المشتركتان في الوقت:

يجب ترتيب الصلاتين الحاضرتين اللتيْن تشتركان في الوقت وهما الظهر والعصر، والمغرب والعشاء سواء أكانتا مجموعتين أم لا، وذلك بأن يؤدى الظهر قبل العصر، والمغرب قبل العشاء وذلك بشرط الذِّكر والقدرة، فإن أكره على التقديم أو كان التقديم نسيانًا فإنها تصح كأن لا يتذكر الظهر حتى فرغ من العصر، فيندب له إعادة العصر بعد قضائه الظهر في الوقت، فإن صلى العصر في وقتها الاختياري وهو متذكر أن عليه الظهر أو طرأ عليه هذا التذكُّر في أثناء العصر فالعصر باطلة في الحالتين.

- تنبيه:

الصلاتان لا تكونان حاضرتين إلا إذا وسعهما الوقت الضروري، فإن ضاق بحيث لا يسع إلا الأخيرة اختصت به الحاضرة، ويدخل في هذه الحالة في قسم الحاضرة مع يسير الفوائت.

- حُكم من جهل الصلاة الفائتة:

القاعدة العامة المقررة في المذهب هي أن من جَهِلَ عدد ما عليه من القضاء، فإنه يصلي عددًا لا يبقى معه شكٌ بحيث يحيط بجميع ما شك فيه يقينًا وعلى ذلك فقد ذكروا صورًا منها:

1- إذا كانت الصلاة المتروكة مجهولة أو منسية في صلاة الليل (المغرب والعشاء) ولا يتذكَّر أيهما، صلى صلاتين.

2- إذا كانت منسية في صلاة النهار (الصبح، الظهر، العصر) ولا يتذكَّر عينها، صلى الثلاث كلها.

3- ومن ترك ثلاثًا مرتبة أو أربعًا أو خمسًا لا يعلم الأولى منها، فإنه يصلي الخمس مرتَّبة.

4- فإن ترك صلاة كثيرة لا يتذكَّر عددها صلى مع الخمس خمسًا أخرى، فإن شكَّ أوقع من العدد ما يحيط بحالات الشكوك قاله ابن الحاجب.

- تنفُّل من عليه قضاء:

من كان عليه قضاء صلوات فائتة لا يصلى النفل كالضُّحى، وقيام رمضان، وذلك لأنَّ ذمته مشغولة بالفرائض، فيجب عليه المبادرة بفراغه منها، ولا يتشاغل بما ليس واجبًا عليه من النوافل، وقد استثنوا من ذلك السُّنن المؤكد كالشفع والوتر، والفجر والعيدين، والخسوف والاستسقاء لاعتناء الشرع بها وتأكُّد طلبها.

قضاء الفائتة في جماعة:

ويجوز لمن عليهم القضاء أن يُصلُّوا جماعة إذا استوتْ صلاتُهُمْ كأن تكون الفائتة من الجميع ظهرًا مثلاً.

سجود السهو

السَّهو لغة: نسيان الشيء والغفلة عنه، وذهاب القلب إلى غيره.

قال ابن الأثير: "السَّهْو عنه تركه مع العلم، انظر: "اللسان"، "النهاية"، ومنه قوله تعالى: "الذين هم عن صلاتهم ساهُونَ" الماعون: 5.

واصطلاحا: خلل يوقعه المصلي في صلاته، ويكون السجود في آخر الصلاة جَبْرًا لذلك الخلل.

صفة السهو: وهو على حالين:

أ- أن يكون بعد السلام (السجود البعدي): وهو سجدتان بنيَّة وجوبًا يكبر في خفضه ورفعه منهما، ويعيد مقدار التشهد فقط دون الدعاء الذي يُقال معه.

وواجباتها خمس: النية ، السجدة الأولى، السجدة الثانية، الجلوس بينهما، والسلام.

وأما سننه فاثنتان: التكبير والتشهد.

ب- أن يكون قبل السلام (السجود القبلي)، وهو مثل السابق إلا أن نيته مُنْدَرجة في عموم نيَّة الصلاة، والسلام منه هو السلام للصلاة نفسها.

سبب السهو ومَحَلّه:

السهو في الصلاة يكون لثلاثة أحوال:

1- الزيادة في الصلاة: سواءٌ أكانت هذه الزيادة فعلاً ام قولاً، سواء أكانت هذه الزيادة من جنس الصلاة – كزيادة ركعة أو سجدة – أم من غير جنسها كالكلام الأجنبي عنها.

ويُشترط في هذه الزيادة أن تكون قد وقعت بسهو وقَلَّة، فإن كَثُرَت أبطلت الصلاة سواءٌ أكانت من جنسها، كزيادة أربع ركعات سهوًا في صلاة رباعية، وركعتين في ثُنائية كالصبح.

أم من غير جنسها: ككثير كلام أو أكل، أو حَكٍّ لجسد ونحو ذلك.

وأما الزيادة القولية: التي من جنس الصلاة فلا يُسْجَدُ لها إلا في أمرين: تكرير الفاتحة سهوًا، إبدال السِّر بالفرض بما زاد على أدنى الجهر، وذلك لأن الجهر مكان السرِّ زيادة، كما أن السِّرَّ مكان الجهر نقص، وأمَّا لو أتى فيما ذكر بأدنى الجهر بأن أسمع نفسه ومن يليه بخاصة فلا سجود عليه لخفة ذلك، بخلاف الصورة المتقدمة قبلها فإنها سهو بزيادة يسجد لها بعد السَّلام.

2- النقص في الصلاة: لسنة مؤكدة فأكثر، أو سنتين خفيفتين من سُنن الصلاة حيث تنجبر بالسجود إذا تُركت.

السُّنن المؤكدة التي يُسجَدُ لها:

وهي ثماني سُنن يُسجد لها منفردة إذا تُركت:

1-  قراءة ما زاد على الفاتحة.

2- السِّرُ والجهر في الفريضة كلُّ في محله.

3- التكبير مرتين فأكثر سوى تكبيرة الإحرام.

4- قول سمع الله لمن حمده مرتين.

5- التشهد الأول.

6- الجلوس له.

7- التشهد الأخير.

8- الجلوس له.

ولا يسجد لغير هذه الثمانية، فمن ترك شيئا منها سجد سجدتين قبل السلام ثم يتشهد ويُسَلِّمُ ولا يعيد في تشهده للسهو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

3- الزيادة والنقص معًا: في الصلاة، كأن يزيد فعلاً من أفعالها، ويترك سُنَّة ولو خفيفة من سُننها سهوًا، ومحلّ السجود لذلك قبل السلام تَغْليبًا لجانب النقص على الزيادة، ولا يشترط للمصلي حتى يُحْدِثَ هذا السجود أن يكون محققًا للزيادة والنقص، بل لو شكَّ فيهما، أو في أحدهما أتى به.

حُكم سجود السهو:

- أولا: السجود القبلي: وقد قدمنا أن محلَّه بعد الفراغ من التشهد ودعائه، ويجب على المصلي أن يعرف أن الصلاة لا تبطل بترك السجود القبلي عمدًا أو سهوًا، وإن ترتب عن ترك سنتين خفيفتين فقط، ويسجده استنانًا إن قَرُب زمن الفصل ولم يخرج من المسجد، وأمَّا إن كان السجود مرتبًا على ترك ثلاث سُنن فأكثر، فإن لم يطل الفصل وسَجَدَهُ صَحَّت صلاته، فإن طال الفصل أو خرج من المسجد وطال فتبطل الصلاة بذلك، ولا يصح السجود القبلي في صلاة الجمعة إلا في المسجد التي صُلِّيت به، أو في رحبته أو طرقه ومثاله في الجمعة من فاتته الركعة الأولى منها، ثم قام لقضائها فنسى السورة التي بعد الفاتحة وخرج من المسجد ولم يطل زمن الفصل، فإنه يرجع للمسجد الذي صلاها فيه ويسجده، ولو اقتدى المصلي بإمام يرى السجود بعد السلام مطلقًا (كما هو مذهب أبي حنيفة)، فإنه يتابعه ويسجد معه بعد السلام، ويكره تأخير السجود القبلي عن السَّلام ولا تبطل الصلاة بذلك.

- ثانيا: السجود البعدي: من ترك السجود البعدي الذي بفعل بعد السلام عمدًا أو نسيانًا فليسجده وإن طال الزمن؛ لأنه ترغيم للشيطان فناسب أن يسجده، وإن بَعُدَ الزمن وترك السجود البعدي مكروه، ولا تبطل الصلاة بتركه، والسجود البعدي في صلاة الجمعة يصح إيقاعه في أي مسجد تصلى فيه الجمعة، ولا يشترط أن يوقعه في مسجدها الذي أدَّاها فيه، ويُحَرَّمُ تقديم السجود البعدي قبل السَّلام، ولا تبطل الصلاة بذلك.

السهو عن فرض في الصلاة:

الفرائض التي يسهو عنها المصلي أثناء صلاته:

1- فرائض لا يمكن تداركها: وهي النية وتكبيرة الإحرام، فلو سها عنها المصلي بطلت صلاته ويجب عليه أن يبتدِئَها.

2- فرائض يمكن تداركها أثناء الصلاة: وذلك بالنسبة للفرائض غير النية وتكبيرة الإحرام، فإن أمكنه التدارك، فإنه يأتي به على تفصيل سيأتي بيانه.

3- فرائض يمكن تداركها بعد التسليم: بشرط عدم الإطالة أو الخروج من المسجد، كمن تذكَّر أنه نَسِيَ الركوع أو السجود من ركعة، فإنه يلغيها، ويأتي بركعة بدلها.

4- فرائض لا يمكن تداركها: وهي ما تُرك من فرائض الصلاة بعد التسليم منها، ثم تذَكَّرها بعد زمن طويل نسبيَّا، فيفوت التدارك وتبطل الصلاة في هذه الحالة وتجب إعادتها، والمرجع في القرب والطول إلى العرف.

- تدَارك الفرض أثناء الصلاة:

عرفنا مما سبق بيانه أن من نسيَ رُكنًا من أركان الصلاة كالركوع أو السجود ثم تذكَّره وهو في الصلاة لم يخرج منها، ولذلك صور منها:

- كأن ينسى سجود ركعة من صلاته، فيتذكَّر ذلك وهو في الركعة الثانية، فإن كان ذلك قبل أن ينزل إلى ركوع الثانية، فإنه يسجد السجود الذي فاته سواء أكان سجدة أم سجدتين، ثم يقوم ويبتدئ القراءة للركعة الثانية ويشرع في إكمال صلاته.

- وإن تذكَّر هذا المنسيَّ بعد أن شرع في ركوع الركعة التي تليها، فإنه يلغي الركعة التي سها عن بعض فرائضها ويبني على غيرها من الركعات، فإن كانت ركعة النقص هي الأولى صارت الثانية مكانها هي الأولى، ثم يكمل صلاته بانيًا عليها، فإن كانت ركعة النقص هي الثانية صارت الثالثة ثانية، ثم يكمل صلاته بانيًا عليها.

- وإن تذكَّر وهو في جلوس التشهد الثاني أو بعد السلام بقرب – أنه ترك رُكنًا من الركعة الأولى مثلاً، فتنقلب الركعات فإن كان في صلاة رباعية مثلاً تصبح الثانية هي الأولى في حقه، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة، ثم يأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة فقط، ويسجد قبل السلام لنقص السورة والتشهد الأول؛ لأنه صار في حُكم الملغى بوقوعه بعد الأولى.

- فإن تذكَّر أنه نسِيَ ركنًا من الركعة الأخيرة بعد التسليم بقرب أو أثناء التشهد الأخير، فإنه يأتي بركعة بدلها بنية وتكبير، وإن نَسِيَ من الركعة الأخيرة سجدة لم يسجدها بعد أن تشهَّد، فإذا لم يسلم، فإنه يأتي بالسجدة المتروكة، ويعيد التشهد؛ لأنه واقعٌ في غير محلِّه، فإن لم يتذكرها حتى سلَّم فمشهور المذهب أن يقضي ركعة بِجُملتها.

- كيفية تدارك الركن أثناء الصلاة:

عرفنا مما سبق أن المصلي إذا لم ينزل إلى الركوع من ركعة تلي الركعة التي وقع فيها النقص فإنه يمكنه تدارك ما فاته من فرائض الصلاة كما يلي:

1- الفتحة: إن تركها وهو في أثناء قيامه فقرأ السورة بعدها، فإنه يقرأ الفاتحة ثم يعيد السورة بعدها، فإن تذكرها وهو ساجد أو راكعٌ رجع قائمًا فيقرؤها ثم يتم ركعته.

2-  الركوع: فإن تركه ثم تذكَّره في السجود، أو في الجلسة بين السجدتين أو في التشهد، فإنه يرجع قائمًا، ويُستحبُّ له أن يقرأ شيئًا من القرآن ليقع ركوعه بعد قراءة.

3- الرفع من الركوع: فمن تركه فإنه يرجع مُنحَنِيًا مُقَوَّسًا حتى يصل إلى حدِّ الركوع ثم يرفع منه قائلاً: "سمع الله لمن حمده".

4- السجود: وله حالان:

الأول: أن يترك سجدة ثم يتذكَّرها وهو قائم، فإنه يجلس ليأتي بها من جلوس.

الثاني: إن ترك سجدتين، فإنه ينحطُّ لهما من قيام، فإن ترك سجدة ثم تذكَّرها وهو في جلوس التشهد، فإنه يسجدها وهو جالس ثم يعيد التشهد.

- إبدال السرِّ محل الجهر والعكس:

إذا ترك المصلي الجهر في محلِّه وأتى بَدَلَهُ بالسرِّ فقد حصل منه نقصٌ كما سبق ويترتَّب عليه السجود قبل السلام بشرط أن يقتصر في قراءته على تحريك لسانه؛ لأنَّ ذلك يعتبر أدنى السِّرِّ، بخلاف ما أبْدل الجهر، بأعلى السِّرِّ وهو القراءة بحيث يسمع نفسه فلا يلزمه أن يسجد للسهو.

- وأما من ترك السِّرَّ فيما يُسَرُّ به، وأتى بالجهر بدل ذلك، فقد وقعت منه زيادة، ويترتب عليه أن يسجد بعد السلام بشرط أن يرفع صوته فوق إسماع نفسه ومن يليه، فإن لم يرفع صوته فلا سجود عليه، وما تقدَّم خاص بالفرض أما النفل فلا يطالب بسجود السهو إذا خالف صفة الجهر أو الإسرار فيه.

- السهو عن سُنة غير مؤكدة أو مستحب:

سبق أن عرفنا السُّنن الثمانية المؤكدة التي يسجد لتركها مفردة، فمن ترك شيئًا منها سجد لها قبل السلام، أما السُّنة الواحدة الخفيفة إن تركها أو زادها فلا سجود عليه، أما لو نقصها وزاد ركنًا، أو سُنة مؤكدة فإنه يسجد قبل السلام.

- وأما إن ترك سُنتين خفيفتين فأكثر، فإنه يسجد قبل السلام، وفي الزيادة يسجد بعد السلام إذا أبدل السرَّ بالفرض بأعلى الجهر، أو زاد تشهدًا في غير محلِّه سهوًا.

وأما لزيادة غيرهما من السُّنن فلا يسجد، كأن يزيد السورة مع الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من رُباعية، أو يزيد تكبيرتين فأكثر أو تسميعتين فأكثر.

- ما لا يُسجدُ فيه للسهو:

هناك مواطن لا يُطالبُ فيها المصلي بسجود السَّهو من أهمها:

1- من شكَّ هل سلَّم أو لم يسلِّم؟ فإنه يُسلِّم ولا سجود عليه.

2- من شكَّ هل سجد للسهو السجود القبلي أم لا؟ فإنه يسجده ولا يلزمه شيء.

3- من خرج أثناء القراءة من سورة إلى أخرى.

4- من زاد سورة في الرَّكعتين الأخيرتين مع الفاتحة من رباعية "كالظهر والعصر والعشاء" أو في واحدة (كثالثة المغرب) فلا سجود عليه.

5- من جهر في القنوت قلا سجود عليه، ويكره له تعمد الجهر في القنوت.

6- من سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فصلَّى عليه فلا شيء يلزمه سواءٌ أكان ساهيًا أم عامدًا.

7- من أشار بيده في صلاته أو برأسه فلا شيء عليه من حيث سجود السهو وإن كان يُكرهُ له؛ لأنه من العبث المنهى عنه على جهة الكراهة.

8- من خرج منه قيء أو قَلْس (وهو الطعام أو الشراب يخرج من البطن أو الجوف إلى الفم سواء ألقاه أو أعاده) غَلَبةً وكان الخارج قليلاً طاهرًا ولم يعتمد بلع شيء منه، فلا شيء عليه، بخلاف ما إذا كان الخارج كثيرًا، أو نجسًا - وهو المتغيِّر -–أو ابتلع شيئًا منه عامدًا فقد بطلت صلاته، أما إذا ابتلعته ناسيًا أو مغلُوبًا بعدما أمكن طرحه، قال ابن القاسم: "يكون ذلك سهوًا ويسجد بعد السلام".

9- إذا جهر زيادة على سماع من يليه فيما يُسرُّ فيه، أو سرَّ بحركة اللسان فيما يُجهرُ فيه بآية من الفاتحة أو السورة، فلا سجود عليه، وإنما يترتب عليه السجود فيما إذا أعلن أو أسرَّ في نصف الفاتحة فأكثر.

10- إذا أعاد قراءة السورة بأن قرأها على خلاف سنتها من سرٍّ أو جهر، فتطلب منه إعادتها والإتيان بها على سُنتها، ولا سجود عليه لذلك، بخلاف ما إذا أعاد الفاتحة لمخالفته لصفتها من حيث الإعلان أو الجهر فعليه السجود.

11- إذا أدار الإمام مأمومه إذا وقف يساره فلا سجود عليه، وكذا الأفعال اليسيرة كالتفات حكِّ جسد وإصلاح سترة أو مشى لصفين لسدِّ فرجة.

12- إذا اقتصر في الصلاة الجهرية على إسماع نفسه، أو إسماع من يليه في صلاة سرية فلا سجود عليه.

- الشكُ في الصلاة:

من شكَّ في كمال صلاته أتى بما شكَّ فيه، ولذلك صورٌ منها:

1- إذا شكَّ هل صلى أربعًا أو ثلاثًا، فإنه يبني على المحقق أو الأقل وهو الثلاث ويأتي بركعة ويسجد بعد السلام.

2- إذا شكَّ هل سجد سجدة أو اثنتين، أو هل قرأ الفاتحة أو لا؛ فإنه يأتي بما شكَّ فيه ويسجدُ بعد السلام.

3- إذا شكَّ في السلام من الصلاة سَلَّم ولا شيء عليه إن كان قريبا ولم يقم من مقامه ولم ينحرف عن القبلة، وإذا قام من مقامه ولم يطل الفصل فإنه يرجع بتكبيرة ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، فإذا انحرف من القِبْلة فإنه يستقبل، ويُسَلِّم ولا يتشهَّد ولا إحرام عليه، ويسجد بعد السلام، فإن طال الفصل بَطَلَتْ صلاته.

4- إذا شكَّ المصلي هل انتقل من صلاته الأولى إلى الثانية أو لا؟، فإنه يبني على اليقين، ويعتبرُ نفسه أنه ما زال في صلاته الأولى، ومثال ذلك من شكَّ هل خرج من الشفع إلى الوتر؟ أو من الظُّهْر إلى العصر، فإنه يبني على الأقل ويقدر أنه في أخيرة الظهر، ويكمل صلاته، ويسجد بعد السلام ثم يأتي بالصَّلاة الثانية التي شكَّ في انتقاله إليها.

- من استنكحه الشَّكُّ:

من استنْكَحَهُ الشَّكُّ وهو عند الفقهاء من يأتيه الشك كل يوم لو مرة في صلاة من الخمس، إذا شكَّ هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، فإنه لا يبني على الأقل، ولا يأتي بما شكَّ فيه، ولا يسترسل الموسوس مع شكوكه، بل يعرض بقلبه عنها ولا إصلاح عليه، وإنما يسجد بعد السلام ترغيمًا للشيطان ودفعًا لوسوسته، فإن بنى على الأقل وأتى بما شك فيه لم تبطل صلاته بذلك.

- السَّهوُ المُسْتنكِحُ:

السهو المستنكح هو الذي يعتري المصلِّي كثيرًا ولو كل يوم مرة، وهو أن يسهو ويتيقن أنه سها، وحكمه أنه يصلح ما سها فيه إن أمكنه ذلك ولا سجود عليه.

ومثال ذلك لا يمكنه إصلاحه: من يكثرُ سهْوُهُ عن السورة بعد الفاتحة كثيرًا فلا يشعر بذلك إلا بعد أن يركع، أو من يكثرُ سَهْوُهُ عن التشهد الأوسط فلا يشعر به حتى يُفارقَ الأرض بيديه ورُكبتيه، فإنه يكمل صلاته في الحالتين ولا يلزمه السجود للسهو.

وأما من كثر سهوه عمَّا يمكن إصلاحه كمن كثر سهوه عن السجدة الثانية مثلاً، ثم لا يتذكَّر ذلك إلا بعد استقلاله قائمًا فإنه يتداركها – كما سبق بيانه في مبحث تدارك الفرض – ولا يسجد للسهو.

حُكم المسبوق:

المسبوق: هو الذي أدرك مع الإمام ركعة فأكثر، فإذا سها المأموم أثناء كونه مع إمامه فله عدة أحوال من أهمها:

1- إذا سها المأموم حال القدرة بإمامه بزيادة أو نقص عن سُنة مؤكدة أو سُنتين خفيفتين فأكثر فلا سجود عليه؛ لأن الإمام يحمله عنه.

2- يلزم المأموم أن يسجد مع إمامه للسهو السجود القبلي، وإن كان لم يَسْهُ معه ولا حضر سهوه إذا أدرك مع الإمام ركعة واحدة.

3- لا يسجد المأموم السجود البعدي إلاَّ بعد قضاء ما عليه من الركعات الفائتة فإن قدَّمه بطلت صلاته.

4- إذا سها المأموم أو نَعَسَ، أو زُوحم عن الرُّكوع مع الإمام، وهو في غير الركعة الأولى (كالثانية، والثالثة) فإن طمع في إدراك الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية، فإنه يركع الركوع الذي فاته، ثم يشرع في متابعة الإمام، وإن لم يطمع بأن غلب على ظنه أنه إن ركع لا يدرك إمامه قبل أن يفرغ من السجدة الثانية، فإنه يتر الركوع، ويتابع الإمام فيما هو فيه من أعمال الصلاة، ويقضى ركعة أخرى بدل الركعة التي فاته ركوعها لكونها قد بطلت عليه بترك رُكن من أركانها وذلك بعد سلام الإمام ولا سجود عليه للسهو إن كان متحققًا لترك الركوع، وإلاَّ سجد بعد السلام.

5- وإذا سها المأموم عن السجود أو زُوحم أو نَعَسَ حتى قام الإمام إلى ركعة أخرى، فإنه يسجد ما فاته إن طمع في إدراك الإمام قبل عَقْدِ الركوع وإلا تركه وتَبع الإمام وقضى ركعة أخرى مكانها كما سبق.    

حُكم سجود التلاوة:

السجود للتلاوة سُنة وليس بواجب على المشهور عند المالكية خلافًا لقول بعضهم أنه فضيلة.

ويخاطب به القارئ مطلقًا، والمستمع بشروط أربعة هي:

1- أن يقصد الاستماع أو كان جالسًا للتعلم من القارئ.

2- أن يصلح القارئ للإمامة بأن يكون ذَكَرًا مُحَققًا بالغًا عاقلاً غير فاسقٍ.

3- أن تجتمع فيه شروط الصلاة من طهارة وستر عورة واستقبال قبلة ونحو ذلك.

4- أن لا يكون جالسًا لِيُسمِعَ الناس حُسن صوته، فإن جلس للإسماع فلا يُطَالبُ مُسْتَمِعَهُ بالسُّجود؛ لأنَّهُ مُرَاءٍ فلا يكون أهلاً للاقتداء به، انظر: "منح الجليل".

- صفة الجلوس للتلاوة: سجدة التلاوة سجدة واحدة بلا تكبير للإحرام، ولا تسليم فيها، وإنما يكبر ساجدها إذا هوى نازلاً إليها، ثم يضع جبهته على الأرض ويطمئن ثم يرفع رأسه بتكبير، وليس لها سلام بعدها قال بعض المالكية: "إلا أن يُسَلّم خروًا من الخِلاَفَ فلا شيء عليه".

- مواضع السجود:

هي عند المالكية في إحدى عشرة آية، وتفصيلها كما يلي:

1- في الأعراف: "إنَّ الَّذينَ عِندَ ربِّكَ لا يَستكْبِرونَ عن عِبَادتِهِ ويُسَبِّحونَهُ ولهُ يَسْجُدُونَ"، الأعراف: 206.

2- في الرعد: "ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالُهُم بالغُدُوِّ والأصال"، الرعد: 15.

3- في النحل: "يخافونَ ربَّهم مِّن فوقهمْ ويفعلونَ ما يُؤمرونَ"، النحل: 50.

4- في الإسراء: "ويَخِرُّونَ للأذْقَانِ يَبْكونَ ويزيدُهمْ خُشوعًا"، الإسراء: 109.

5- في سورة مريم: "إذا تُتْلى عَلَيْهمْ آياتُ الرَّحمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا"، مريم: 58.

6- في الحج: "ألمْ ترَ أنَّ اللهَ يَسجُدُ لَهُ مَن في السماواتِ ومن في الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنُّجومُ والجبالُ والشَّجرُ والدَّوابُّ وكثيرٌ من النَّاسِ وكثيرٌ حقَّ عليهِ العَذابُ ومن يُهِنِ اللهُ فَما لهُ، مِن مُّكْرِمٍ إنَّ اللهَ يَفْعلُ مَا يشاءُ"، الحج: 18.

7- في الفرقان: "وإذا قيلَ لهُمُ اسجُدُوا للرَّحمانِ قَالوا وما الرَّحمانُ أَنَسجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ورَادهُمْ نُفُورًا"، الفرقان: 60.

8- في النمل: قوله تعالى: "اللهُ لا إِلَاهَ إلاَّ هُوَ ربُّ العَرشِ العَظِيمِ"، النمل: 26.

9- في السجدة: قوله تعالى: "إِنَّمَا يُؤمِنُ بِئَايَاتِنَا الَّذينَ إذا ذُكِّروا بِها خَرُّوا سُجَّدًا وسبَّحوا بِحمْدِ ربِّهمْ وهُمْ لا يَسْتكبرونَ"، السجدة: 15.

10- في سورة ص: قوله تعالى: "قال لقدْ ظَلَمكَ بِسُؤالٍ نَعْجتكَ إلى نِعاجِهِ وإنَّ كثيرًا مِّن الخُلَطَاءِ لَيبغِي بَعضُهمْ على بعضٍ إلاَّ الَّذينَ آمنوا وعمِلُوا الصَّالِحاتِ وقَليلٌ مَّا هُمْ وظَنَّ دَاوُودُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فاستغفر ربَّهُ وخَرَّ راكعًا ولأَنَابَ"، ص:24.

11- في فصلت: "ومنْ آياتِهِ الَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمسُ والقمرُ لاَ تَستجِدُوا للشَّمسِ ولا للقَمرِ واسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إن كُنتمْ إيَّاهُ تَعبُدونَ فَإنِ اسْتكبرُوا فالَّذينَ عِندَ ربِّكَ يُسَبِّحونَ لهُ بالَّيلِ والنَّهارِ وهُمْ لا يَسْئَمُونَ"، فصلت: 37،38.

ومحل السُّجود منها هو عند قوله: "إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعبدونَ" وهو مشهور المذهب، وعليه نصَّ مالك في "المدونة"، وقيل عند قوله: "يَسئمُونَ" قال ابن الموَّاق: "وكلٌ واسعٌ والأوَّل أحبُّ إلينا"، انظر تفصيل ذلك في "المدونة"، "التاج والإكليل"، "شرح الخرشي".

- ما يُستحبُّ في سجود التلاوة

1- أن يجهر الإمام بها عند القراءة ولو في صلاة سرِّية كالظهر ليُسْمِعَ المأمومين فيتَّبعوه في سجوده، ولو قرأها سرًّا وسجد تابعه من خلفه؛ لأن الأصل عدم السهو من الإمام، فإن لم يتَّبع الإمام في سجوده للتلاوة صَحت صلاتهم.

2- ويُستحبُّ لمُجاوزها في القراءة بآية أو آيتين أن يسجد بلا إعادة القراءة لِمَحَلِّها سواءٌ في صلاة أو غيرها ولكن يقيد في الصلاة بما إذا كان لم ينحن للرُّكوع فإذا انحنى للركوع فاتته فلا يعود لقراءتها في الركعة الثانية للفرض، وأما النفل فيعود لقراءتها في ثانيته استحبابًا.

3- إذا جاوز القارئ السجدة بكثير استُحبَّ له إعادة القراءة حتى يرجع إليها ثم يسجد عندها ولو في صلاة فرض.

4- يُندب لمن سجدها بصلاة أن يقرأ بعدها شيئًا من القرآن ولو من سورة أخرى ليقع ركوعه بعد قراءة كمن قرأ السجدة من آخر الأعراف فيستحبُّ له أن يقرأ ما تيسَّر له من الآيات من الأنفال بعدها، أو من سورة أخرى.

- ما يكره في سجود التلاوة:

1- يُكرهُ الاقتصار على قراءة آية السجدة وحدها دون ما قبلها وما بعدها بقصد السجود فق في صلاة الفرض، أما في صلاة نفل فلا يكره، وسبب الكراهية أنه إنما قصد السجود دون التلاوة وهو خلاف عمل السلف.

2- يُكرهُ مجاوزة محل السجدة بلا سجود عندهم لمتطهر طهارة صغرى وقت جواز لها، فإن لم يكن متطهرًا أو كان الوقت وقت نهى فالصواب أن يجاوز الآية بمتامها لئلا يُغير المعنى.

3- يُكرهُ السجود للتلاوة في خطبة الجمعة لما فيه من الإخلال بنظامها.

4- يُكرهُ للقارئ قراءة آية السجدة وقت النهي كوقت طلوع الشمس أو في غروبها، ولا يسجُدُ إلا أن يكون في صلاة فرض، فإن كان فيها سجدة سجدها قولاً واحدًا.

5- يُكرهُ للقارئ تعمُّد قراءة سورة فيها سجدة في الفريضة كما هو مشهور المذهب ونصّ مالك في "المدونة" وعلَّل ذلك بأنه قد يُخلِّطُ على الناس صلاتهم كقراءة (الم) السجدة في صبح الجمعة (وفي المذهب قول آخر بعدم كراهية قراءتها صبح الجمعة لما ثبت في البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، واب عباس رضي الله عنهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالسجدة وبالقيامة في صبح الجمعة وهو مروي عن جمع من الصحابة والتابعين كما قال ابن بطَّال، وهي رواية لابن وهب عن مالك أنه لا بأس أن يقرأ الإمام بالسجدة، وصححه ابن بشير واللَّحمي لمداومته صلَّى الله عليه وسلم على ذلك، وقال ابن بشير: "وعلى ذلك كان يواظب الأخيار من أشياخي وأشياخهم". انظر: "التاج والإكليل"، "شرح الرسالة"، "عمدة القارئ".

- ما يُكْرَهُ في القراءة:

1- يُكره قراءة القرآن بِتلحِينٍ، أي: تطريب الصوت وترجيعه تَرْجيعًا لا يخرجُهُ عن حدِّ القرآن وإلاَّ حَرُمَ كمدِّ المقصور وفكِّ المُدْغَم ونحو ذلك.

2- يُكره الجهر بالقراءة والذِّكر في المسجد لاسيما مع وجود مُصَل يقعُ له التشويش بسببه.

3- يُكره قراءة جماعة يجتمعون فيقرؤون شيئًا من القرآن معًا كسورة يس بصوت مشترك؛ لأنه ليس من عمل السلف؛ ولأنه يلزم منه تَخْليط بعضهم على بعض، وعدم إصغاء بعضهم لبغض وهو مكروه، وأما اجتماع جماعة يقرأ واحدٌ منهم رُبْعَ حِزْب مثلاً، وآخر ما يليه فهذه جَوَّزها مالك.

- حُكم سجود الشكر:

يُكره عند مالك سجود الشكر في المشهور عنه (وذهب مالك فيما عزاه إليه ابن القصَّار وهو قول ابن حبيب من المالكية وعليه جمهور الفقهاء الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى مشروعية سجود الشكر؛ لأنه قد ورد فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وكذا عن غير واحد من الصحابة منهم أبو بكر، وعلي، وعمر رضي الله عنهم وغيرهم. انظر: "التاج والإكليل"، "شرح الخرشي"، "منح الجليل"، "المغنى"، "المجموع" للنووي، "تلخيص الحبير".) عند سماع بشارة أو سجود عند زلزلة بخلاف الصلاة لهما فهي مندوبة.

النفل لُغة: الزيادة، والمراد به في هذا الباب ما زاد على الفرض والسُّنة والرَّغِيبَة.

واصطلاحًا: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُداوم عليه بأن كان يتركه في بعض الأحيان ويَفْعَلُهُ في بعضها الآخر.

والسُّنَّة لُغة: الطَّريقة. واصطلاحًا: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره حالة كونه في جماعة وداوم عليه ولم يَدُلَّ عليه دليلٌ على وجوبه.

- والمؤكد من السُّنن: ما كَثُر ثوابُهُ كالوتر.

- والرَّغيبة: لُغة: ما حُضَّ عليه من فعل الخير. واصطلاحا: ما رغَّبَ فيه الشارعُ وحدَّه ولم يفعله في جماعةٍ، ومعنى قولنا: حدَّه: أي بيَّن عدده بحيث لو زيد فيه أو نقص منه عمدًا بطل، أو كان خارجًا عن المطلوب كركعتي الفجر، انظر: "حاشية الدسوقي"، "شرح الخرشي".

- الحكمة من النوافل القبلية والبعدية:

قال ابن دقيق العيد: في تقديم النوافل عن الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيفٌ مُناسبٌ، أمَّا في التقديم: فلأنَّ النفوس لاشتغالها بأسباب الدنيا بعيدة عن حالة الخشوع والحُضور في الصلاة التي هي رُوحُ العبادة، فإذا قُدِّمت النَّوافل علة الفرائض أَنِست النفس بالعبادة وتَكَيَّفَتْ بحالةٍ تُقَرِّبُ من الخشوع. وأمَّا تأخيرها فقد وَرَدَ أن النَّوافل جَابرةٌ لنقص الفرائض، فإذا وقعَ الفرضُ ناسب أن يقع بَعْدَهُ ما يَجْبُرُ الخلل الذي يقع فيه.

- بيان النوافل المطلوبة:

يُندب النفل مؤكدًا قبل صلاة الظهر، وبعدها، وقبل صلاة العصر، وبعد صلاة المغرب، وكذا بعد العشاء بِلا حَدٍّ في الجميع، ويكفي في تحصيل الندب ركعتان، وإن كان الأولى أربع ركعات إلاَّ بعد المغرب، فالمندوب ست ركعات، وتُندب صلاة الضحى على وجه صلاة العشاء، وأفضل أوقاته الثلث الأخير من الليل.

- التراويح: جمع ترويحة، وسُمِّيت هذه الصلاة بذلك لأنَّهُمْ كانوا يتروَّحون عقبها: أي يستريحون، وكانوا يُسَمُّون كل أربع ركعات ترويحة (انظر في حقيقة هذه الصلاة وحال سلفنا الصالح فيها كتاب: "ليل الصالحين وقصص العابدين")، وكانوا يصلونها في رمضان بعد العشاء، وهي عشرون ركعة غير الشفع والوتر، ومن المندوب أن يختم القرآن كله فيها، وذلك بأن يُقرأ في كل ليلة جزءٌ يفرقه على ركعاتها العشرين، ويُستحب الانفراد بفعلها في البيوت بشروط ثلاثة وهي:

1- ألا يترتب على ذلك تعطيل فعلها بالمساجد.

2- وأن ينشط لفعلها في بيته كما ينشط لفعلها مع الجماعة.

3- وألاَّ يكون من غير أهل الحرمين الشريفين؛ لأنَّ الأفضل في حقه فعلها بهما لكثرة ثواب النافلة فيهما.

- تحية المسجد: وهما ركعتان يصليهما من يدخل المسجد بنية المكث فيه إذا كان الوقت يحل فيه أداء النافلة، ولا تسقط بالجلوس ولو طال، وتتأدى التحية بأداء الفرض فيسقط طلبها بصلاته، فإن نوى الفرض والتحية حصلا وتحية الحرم المكي هي: الطواف بالبيت سبعًا وركعتاه لآفاقي، أي من ليس من أهل الحَرم المكي، وغيره إلا المكي فإنه ليس مُطالبًا بالطواف إذا لم يكن داخلاً لأجله، بل لقراءة أو علم ونحو ذلك، فتحيته الركعتان، ويُندب البدء بتحية المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قبل البدء بالسلام عليه.

- ركعتا الفجر: وهما رَغِيبه – بمعنى أهما فوق المندوب ودون السُّنة، وهما ركعتان تؤديان قبل صلاة الصبح، وتحتاجان إلى نية تخصصهما، ووقتهما من طلوع الفجر الصادق إلى صلاة الصبح.

- الأحكام المتعلِّقة بركعتي الفجر:

ويمكن تلخيص الأحكام المتعلقة بهما في النقاط الآتية:

1- يجوز قضاء ركعتي الفجر في يومها من وقت حِلِّ النافلة إلى الزوال، ولا يقضي نفلٌ سواها.

2- إذا أُقيمت صلاة الصبح، وفي المسجد من يركعهما، فإنه يخرج منها وجوبًا ويدخل مع الإمام، ثم يقضيهما بعد حِلِّ النافلة.

3- من كان خارج المسجد فإنه يركعهما إذا لم يخشَ فوات ركعة من الصبح.

4- يُندب لمن دخل المسجد لصلاة الصبح أن يصلي الفجر بالمسجد ويجزئه ذلك عن تحية المسجد.

5- من صلى ركعتي الفجر في بيته ثم أتى المسجد ولم يقمْ لصلاة الصبح، فإنه يجلس ولا يصلي تحية المسجد حتى تقام الصبح، ولا يجوز له أن يعيد ركعتي الفجر، ولا تحية المسجد؛ لأن هذا الوقت تُكْرهُ فيه النافلة.

6- يُندب الاقتصار فيهما على الفاتحة، وقد حُكِيَ من فعل مالك، والأصح ما رواه ابن وهب عن مالك أنه أعجبه أن يقرأ فيهما بـ "قُلْ يا أيها الكَافرونَ"، وسورة الإخلاص، وأيده ابن عبد البر وغيره وهو مروي عن أبي هريرة وابن مسعود، وعائشة رضي الله عنهم من فعله صلى الله عليه وسلم (انظر: "التاج والإكليل"، "التمهيد"، والحديث في مسلم، والنسائي في "الكبرى"، وأبي داود)، ويُندب كذلك الإسراء فيهما.

- ركعتا الشفع: وهما سُنة خفيفة يصليها المصلي قبل الوتر، ويكره إيقاع الوتر بدونه، ويُستحب أن يقرأ في ركعتيه بسورتي الأعلى في الأولى، والكافرون في الثانية.

- الوتر: وهو سُنة مؤكد من آكد السُّنن، وهي على التفصيل خمس: الوتر، وصلاة العيدين الفطر والأضحى (وهما في الفضل سواء)، والكسوف، والاستسقاء، وسيأتي تفصيل الكلام على جميع ذلك كلٌّ في بابه.

وقته: وقت الوتر الاختياري يكون بعد صلاة عشاء صحيحة في وقتها؛ ولذلك من قدَّم العشاء جامعًا معها المغرب لعذر شرعي كالمطر أو السفر فلا يجوز له أن يصلي الوتر حتى يغيب الشفق الذي يدل على دخول وقت العشاء.  

ويمتد وقت الوتر لطلوع الفجر، وأمَّا وقت الوتر الضروري: فهو من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح بتمامها، فإذا صلى المسلم الصبح ولم يكن قد أدى وتره فقد فاته ولا يقضى.

- فروع تتعلَّق بالوتر:

1- يُندب للمنفرد الذي نَسيَ الوتر فلم يتذكره إلا بعد دخوله في صلاة الصبح أن يقطع صلاته ليدرك الوتر، ثم عليه بذلك أن يعيد ركعتي الفجر، ثم يصلي الصبح.

2- يُندب لمن كان له عادة التهجد (أو الصلاة من آخر الليل) أن يُؤخر وِتره ليكون خاتمة صلاته، فإن حَدَثَ وقدَّم الوتر ثم استيقظ فصلى تهجده فلا يعيد الوتر.

3- يجوز لمن صلى الوتر أول الليل أو آخره أن يتنفل بعده بشرط ألا يكون قد نوى التنفل بعده قبل الشروع فيه، ويشترط كذلك ألا يُوصلَ النَّفْلَ بالوتر وذلك بأن يكون بينهما زمنٌ كمقدار تجديد وضوء، أو ذهاب إلى المسجد ونحو ذلك.

4- يُكره التنفل بعد الوتر بشرط أن ينوي ذلك قَبله كما تقدَّم، وكذا وصل النفل المتأخر عن الوتر به، وتأخير الوتر للوقت الضروري بغير عذر.

- من أدرك الصبح ولم يصلِّ الوتر فله عدة أحوال:

1- إذا كان الوقت لا يتسع إلا لركعتين فقط قبل خروج الوقت فإنه يصلي الصبح.

2- إذا اتسع الوقت لثلاث ركعات أو أربع، فلا يترك الوتر، بل يصليه ولو بالفاتحة فقط، ثم يصلي الصبح، ويؤخر الفجر لحلِّ النافلة كما سبق بيانه.

3- إذا اتسع الوقت لخمس أو ست فإنه يصلي الشفع إذا لم يكن قد صلى بعده العشاء نفلاً ولو ركعتين، فإن صلى اقتصر على الوتر، ثم يصلي ركعتي الفجر والصبح فيما بقي.

4- إذا اتسع الوقت لسبع ركعات فإنه يزيد على الشفع والوتر ركعتي الفجر، ثم يدرك فرض الصبح فيما بقي.

حدُّ الوتر: الوتر ركعة عقب شفع، واختلف هل ركعتا الشفع قبله، هل هما شرط كمال، فيجوز الاقتصار على ركعة الوتر، أو شرط صِحَّةٍ فلا يجوز أن يقتصر عليها، ومشهور المذهب على الأول كما قال ابن الحاجب (انطر: "المنتقي"، "التاج والإكليل"، "كفاية الطالب".) وشهَّر الباجي الثاني فقال: "مشهور المذهب أنه لابد من شفع قبلها".

حُكم الجماعة: الجماعة شرطٌ لصحة الصلاة وذلك بالنسبة للجمعة، وهي سُنَّة مؤكدة في غيرها من الصلوات المفروضة، وكذلك في السُّنن المؤكدة (كالعيدين، والاستسقاء، والكسوف ماعدا الوتر) وهي كذلك فرض على سبيل الكفاية في كل بلد من بلاد المسلمين بحيث لو اتفق أهل بلدة على تركها لقُوتلوا على ذلك، وهي في التراويح مندوبة مُستحبَّة.

- فضل الجماعة: وهو ثابت بأحاديث كثيرة منها قوله صلَّى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة". رواه البخاري، ومسلم، ومالك في "الموطأ".

- ما يَحصلُ به إدراك الجماعة وفضلها:

يدرك المصلي فضل الجماعة إذا أدرك مع الإمام ركعة بركوعها وسجدتيها، وأقل ما تُدرك به الركعة أن ينحني المأموم للركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع معتدلاً، ولو لم يطمئن في ركوعه إلا بعد رفع الإمام، فإن كبَّر المأموم قبل ركوع الإمام وفاته الركوع مع إمامه لسهو أو نُعاس، أو لكونه قد زُوحم فلم يستطع الركوع معه حتى رفع الإمام معتدلاً ترك المأموم الركوع وجوبًا وسجد مع الإمام، ثم يكمل صلاته معه لا غيًا هذه الركعة قاضيًا أخرى مكانها.

حدُّ الجماعة: وأقلُّ الجماعة اثنان فصاعدًا، بشرط أن يكون المقتدى أو المأموم بَالِغًا ولو امرأة بخلاف صبي، فلو اقتدى صبيٌ بإمام، فيستحبُّ لذلك الإمام أن يعيد إذا وجد جماعة وذلك لفضلها.

- من يندب لهم إعادة الصلاة في الجماعة:

هناك أحوال يُستحبُّ فيها إعادة الصلاة مع الجماعة لتحصيل أجرها منها:

1- من صلَّى منفردًا أو بصبي.

2- من أدرك دون ركعة مع الجماعة يُندب له أن يعيد صلاته مأمومًا ليحصِّل فضل الجماعة، ولو في الوقت الضروري مع جماعة اثنين فأكثر، لا من واحد.

- ما ينويه المُعيد: أما من يعيد لتحصيل فضل الجماعة فإنه ينوي بإعادة الصلاة الفريضة مع تفويض الأمر إلى الله في قبول فريضة أي الصلاتين على المعتمد في المذهب، ويجب أن يُعلم أن من حصَّل فضيلة الجماعة فلا يعيد صلاته في جماعة أخرى ولو كانت الجماعة الثانية أكثر عددًا.

- ما لا يُعادُ من الصلوات: لا يجوز لمن صلى المغرب منفردًا أن يعيدها في جماعة وذلك لأنها تصير إذا أُعيدت مع الأولى شفعًا، وقد جعلها الشارع ثلاثًا لتوتر صلاة النهار، وقد قالوا: صلاتها أول الوقت في انفراد أفضل من صلاتها مع الجماعة إذا اُخِّرت وذلك لضيق وقتها، وكذلك لا يجوز إعادة العشاء إذا صلَّى الوتر بعدها، فإن أعادها وأعاد الوتر بعدها لزم مخالفة حديث "لا وتران في ليلة"، رواه أبو داود، والنسائي في "الكبرى"، وابن خزيمة، وصححه غير واحد. انظر: "تلخيص الحبير"، ولذلك قالوا: من شرع في إعادة ما تقدَّم ذِكُرُه ساهيًا فله أحوال:

1- ان لم يعقد ركعة (أي يكملها) فتذكَّر في خلال ذلك قطع صلاته.

2- إن أتمَّ ركعة فيستحبُّ له شفعها بأن يضيف إليها أخرى ويسلم.

3- إن كانت المعادة صلاة مغرب وقد أتمَّهَا مع الإمام فإنه يأتي بركعة رابعة إن قَرُبَ الفصل ويسجد بعد السلام، فإن بَعُدَ الفصل فلا شيء عليه.

- مسائل تتعلَّقُ بالإمام الراتب:

لا يجوز أن يبتدئ المصلي صلاة سواءٌ أكانت فرضًا أم نفلاً وذلك بعد الإقامة للإمام الرَّاتب في صلاته وذلك إن خشي بإتمام ما هو فيه أن تفوته ركعة مع الإمام سواءٌ أكانت نافلة أم فريضة غير المقام لها أو هي نفسها، وسواءٌ أكمل منها ركعة أم لا.

وإن لم يخشَ فوات ركعة بإتمامها فلذلك أحوال:

1- إن كان في نافلة أو فريضة غير المُقامة فإنه يتم صلاته سواء عقد منها ركعة أم لا.

2- وإن كان في الصلاة التي يُقَامُ لها كأن يكون في العصر مثلاً فأقيمت ولم يخشَ بإتمامها أن تفوته ركعة مع الإمام، فإن عَقَدَ منها ركعة أضاف إليها أخرى وسَلَّم خارجًا منها، فإن كان في الثانية أكملها وسلَّم، وإن كان في الثالثة قبل كمالها بسجودها فإنه يرجع للجلوس فيتشهد ويُسلِّم.

تنبيه: هذا التفصيل السابق مَحِلُّه إن كانت الصلاة رباعية (الظهر، والعصر، والعشاء) أما إن كانت صلاة صبح أو مغرب فإنه يقطع صلاته مطلقًا سواء عَقَدَ ركعة أم لا، ويدخل مع الإمام لئلا يصير متنفلاً بوقت نهى.

3- فإن كان قد أكمل الركعة الثانية بسجودها في المغرب أو الصبح، أو الركعة الثالثة من صلاة غيرهما (الظهر، والعصر، والعشاء) أكملها بنية الفريضة ودخل مع الإمام في غير المغرب، أما في المغرب فيخرج وجوبًا من المسجد؛ لأن جلوسه في المسجد بغير دخول مع الجماعة قد يؤدي إلى الطعن في الإمام، وكذلك إن كان قد صلَّى العشاء وأوتر بعده، فإن لم يوتر دخل مع الإمام كما سبق.

4- من كان يصلي فرضًا أو نفلاً في غير المسجد بأن كان بيته مَحِلِّ عمله وأقيمت الصلاة بمسجد لراتبه، فإنه يتم ما هو فيه وجوبًا، وكذا لو أقيمت بغير مسجد، أو بمسجد ليس به إمام راتب.

5- يُكره للإمام إطالة الركوع أكثر من المعتاد لداخل معه في الصلاة، إلا لضرورة كأن يكون في الركعة الأخيرة من صلاته؛ لأن عدم إطالته يُفَوّت على المأموم ثواب الجماعة، وخصوصًا إذا كانت هذه الركعة ثانية الجمعة، أما التطويل في القراءة لأجل إدراك الداخل فالمعتمد أنه لا يكره، أما المنفرد فلا كراهة في إطالة ركوعه للداخل.

6- يُندب للإمام ألا يبقى في مكانه إذا سلَّم من الصلاة إلا بمقدار استغفاره ثلاثًا، وقوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" لثبوت ذلك عنه صلَّى الله عليه وسلم وعلَّة ذلك لئلا يخالطه العجب والرياء، فإن كان الإمام في داره أو رحله فجلوسه في محله جائز لأمنهِ ذلك.

7- إذا جاء الإمام الرَّاتب في وقته المعتاد ولم يجد أحدًا، فأذَّن وصلى، فيحصل له فضل الجماعة، وينوي الإمامة ولا يعيد في جماعة أخرى، ولا يُصلي بعد الإمام الرَّاتب جماعة، ويجوز له أن يجمع ليلة المطر.

- مسائل تتعلَّق بإعادة الصلاة:

1- لا تجوز صلاتان لفرض في يوم واحد إلا لتحصيل فضل الجماعة، ولذلك قالوا: "من صلى الظهر منفردًا يحرمُ عليه إعادتها منفردًا لغير سبب مُوجبٍ لإعادتها، وكذا يُحرَّمُ عليه إعادتها إمامًا".

2- من أدى الصلاة في جماعة يُحرم عليه إعادتها ولو في جماعة أخرى ولو كانت الثانية المراد الإعادة فيها أكثر عددًا، أو تقوى وصلاحًا على مشهور المذهب.

3- من صلى فرضًا وهو إمام يحرم عليه إعادته مطلقًا، وكذا يُحرم الاقتداء بمن يعيد صلاته لتحصيل ثواب الجماعة، وذلك لأنها صلاة فرض خلف نفل، ويجب إعادتها مطلقا ولو جماعة.

- مسألة مهمة: إذا أقيمت الصلاة على مَنْ في المسجد، وكانت عليه صلاة قبلها كمن أقيمت عليه العصر وهو لم يصلِّ الظهر فقد اختلف فيه على أقوال أربعة: أرجحها أنه يدخل معه بنيَّة الظهر ويُتابعُهُ في الأفعال بحيث يكون مُقتَديًا به صورة فقط. قال الدسوقي: "وهذا أقوى الأقوال كما قرَّره شيخنا"، انظر: "حاشية الدسوقي"، "مواهب الجليل".

- شروط الإمامة:

1- الإسلام: فلا تصح إمامة كافر ولا صلاته ولا صلاة من ائتم به ويعيدون أبدًا حتى لو لم يعلموا بكفره حال الاقتداء به.

2- الذُّكورة: فلا تصح إمامة المرأة للرجال في فرض أو نفل ولا إمامة الخنثى المشكل، أما إمامة المرأة لنساء مثلها في فرض أو نفل فمشهور المذهب أنها لا تصح، وروى ابن أيمن عن مالك قال: "تؤم أمثالها من النساء"، وهو أقوى لموافقته لعمل الصحابة حيث ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانتا تؤمان النساء وتقومان معهن في الصف في صلاة الفرض والنفل، وهو قول غير واحد من الصحابة. انظر: "الذخيرة"، "جامع الأمهات"، "المنتقى"، "مصنفي ابن أبي شيبة"، وعبد الرزاق، "المحلى".

3- العقل: فلا تصح إمامة مجنون مطبق، وكذا السكران، والصبي غير المميز، أما المجنون الذي يفيق أحيانا فتصح إمامته إن وقعت حال إفاقته.

4- البلوغ: فلا تصح إمامة الصبي لبالغين في صلاة الفرض، أما في صلاة النفل فتصح مع الكراهة، وتصح إمامة الصبي لمثله في فرض أو نفل.

5- القدرة على الأركان: فإن عجز عن ركن منها فلا تصح الصلاة لمن ائتم به إلا أن يكون مساويًا له في العجز في ذلك الركن، فتصح صلاته خلفه كأخرس بمثله، أما من فرضه الإيماء من قيام أو جلوس ونحو ذلك فلا تصح على مشهور المذهب، وذلك لأن الإيماء لا ينضبط.

6- ألا يكون مأمومًا: فلا تصح الصلاة خلف مَأموم إلا أن يكون قد أدرك مع الإمام ما دون الركعة، فإذا قام لأداء صلاته صح الاقتداء به، وينوي الإمامة بعد أن كان ناويًا كونه مأمومًا.

7- ألا يكون معتمدًا للحَدث: فلا تصح خلف معتمد للحدث، فإن كان ناسيًا ولم يعلموا به أو غلبه الحَدَث في أثناء صلاته كريح وبول صح للمأموم دون الإمام بشرط ألا يعلم، أو علم بحدثه ولم يعمل معه عملاً من أعمال الصلاة، كمن رأى على ثوب إمامه نجاسة، فإن أعلمه بذلك فورًا فلا يضر، وأما إن عمل معه عملاً بعد ذلك ولو السلام فقد بطلت عليه.

8- أن يكون عالمًا بما تصح الصلاة به: من فقه وقراءة، والمقصود بالفقه هنا العلم بالأمور التي تتوقف صحة الصلاة عليها، مثل فرائض الصلاة وشروطها، ويكفي مجرد علم كيفية ذلك ولو لم يميز بين الفرض والسُّنة، وأمَّا اللحن في القراءة من غير تعمد فلا يُفسد الصلاة، ويأثم المقتدي إن وجد غيره ممن يحسن القراءة فلم يصلِّ خلفه وإلا فلا إثم إن لم يجد غيره.

وأمَّا من يقلب بعض الحروف كمن يقلب الحاء هاء، أو الرَّاء لامًا، أو الضاد دالاً، فإن كان غير تعمد فتصح الصلاة خلفه، أمَّا من يتعمد اللحن أو تبديل الحروف بغيرها فلا يصح الاقتداء به.

9- الحرية والإقامة: وهما شرطان خاصان بالجمعة، فلا تصح جمعة خلف عبد ولا مُكاتب، ولا خلف خارج عن بلده.

- من تُكرهُ إمامته مطلقًا:

تُكره الصلاة مطلقًا سواء كان الإمام راتبًا أو غير راتب فاسق الجارحة كالسارق وشارب الخمر ونحو ذلك.

وتُمنعُ إمامة فاسق الاعتقاد الذي اختلف في تكفيره كالخارجي والقدري على المشهور، وقيل: "تُكره والمعتمدُ الأول، وتُعادُ الصلاة في الوقت الضروري".

وتُكره كذلك إمامة الأعرابي، أو البدوي الذي يسكن البادية للحضري الذي يسك المدن، وصاحب العذر (كالسَّلسِ) للخالي منه، وصاحب القُرُوح للصحيح، وكذا الأغْلَف (غير المختون)، سواءٌ ترك الختان لعذر أو لا.

وتُكره إمامة من كَرِه الناسُ إمامته كلهم أو جلهم أو أهل الفضل منهم ولو قلوا لأمر ديني بأن كان مغتابًا أو كثير الكذب أو السب وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها الشارع، وأما كراهتهم في أمر دنيوي كخصومة في حق مالي وما أشبه ذلك فلا عبرة به.

- من تُكره ترتيب إمامته:

أمَّا من يُكرهُ جعله إمامًا راتبًا في الفرائض أو السُّنن كالعيدين والكسوف فهم:

1- الخصى: وهو مقطوع الخصيتين.

2- المَجْبُوب: وهو مقطوع الذَّكر والخصيتين.

3- المأبُون: وهو الذي يتكسَّر في كلامه كالنساء أو يتشبه بهن، أو من كان يفعل فعل قوم لوط ثم تاب.

4- مجهول النسب: كاللقيط.

5- ولد الزنا.

6- العبد: في غير الجمعة.

- من تجوز إمامته مطلقًا:

وأما من تجوز إمامتهم في الصلاة مطلقًا بلا كراهة فهم:

1- الأعمى.

2- المخالف في الفروع كالحنفي والشافعي والحنبلي، وليُعْلَمَ أن ما كان شرطه في صحة الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام، وما كان شرطه في صحة الاقتداء فالعبرة فيه بمذهب المأموم.

3- العِنِّين: وهو من له ذّكَر صغير لا يتأتَّى به الجماع.

4- الأقطع: وهو من قُطِعَ بعض أعضائه.

5- المجذوم: إلا من اشتدَّ جذامه.

6- الأشَلُّ: والمستحب للإمام أن يكون سليم الأعضاء.

7- الألْكَنُ: وهو من لا يكاد يخرج بعض الحروف من مخارجها.

8- المحدود: لقذف أو شرب خمر أو نحو ذلك إن تاب وحسنت توبته.

9- الصبي بمثله.

- ما يكره في المسجد والجماعة:

1- الصلاة بين الأساطين (جمع أسطوانة والمقصود بها العمود).

2- صلاة المأموم أمام الإمام بلا ضرورة وإلا فلا تُكره كأن يكون المكان ضيقًا.

3- يُكره اقتداء مَنْ بأسفل السفينة بمنْ بأعلاها، وذلك لعدم تمكنهم من ملاحظة الإمام بخلاف على عكس فلا يُكره.

4- يُكره اقتداء من بجبل أبي قبيس (وهو جبل عالٍ اتجاه ركن الحجر الأسود) بمن يُصلي في المسجد الحرام لعدم تمام التَّمكُّن من أفعال الإمام.

5- تُكره صلاةُ رجل بين النساء والعكس.

6- تُكره الإمامة بمسجد بلا رِدَاء يلقيه الإمام على كتفيه بخلاف المأموم والفذِّ فلا يُكره لهما عدم الرِّداء، وإن كان الرداء يُندب لكل مصلِّ لكنه في حق الإمام أوكد.

7- يُكره تنفل الإمام بالمحراب؛ لأنه لا يستحقه إلاَّ أثناء الإمامة.

8- يُكره تنفل المصلي بالموضع الذي أدى فيه فريضته.

9- تُكره صلاة جماعة بمسجد قبل إمامه الرَّاتب، أو بعده وإن أذن بذلك. وتحرم الإقامة معه، ووجب على المصلين الخروج منها عند قيامها للراتب.

فائدة: للإمام الراتب الجمع في مسجده إن جَمَع غيره فيه قبله بلا إذن منه، وذلك إذا لم يتأخر عن عادته كثيرًا، فإن أذن لغيره، أو أخَّر كثيرًا كُره له الجمع. وإن دخل جماعة مسجدًا فوجدوا راتبه قد صلى خرجوا منه ندبًا ليجمعوا خارجه إلا بالمساجد الثلاثة فيصلون فيها أفذاذًا؛ لأن صلاة المنفرد بها أفضل من صلاته جماعة في غيرها، فإن لم يدخلوها جمعوا في خارجها.

- ما يجوز في المسجد والجماعة:

1- الإسراع لغرض إدراك الجماعة بلا هرولة (وهي ما بين المشي والجري) انظر: "المصباح المنير"، فهي مكروهة؛ لأنها تذهب الخشوع.

2- قتل العقرب والفأرة بالمسجد.

3- إحضار صبي إلى المسجد إذا كان لا يعبث، أو كان من شأنه العبث ولكنه يكف إذا زُجِرَ ونُهى.

4- البصقُ في المسجد مُحَصَّبٍ (وهو المفروش بالحَصْبَاء وهي صغار الحصى) تحت فراشه أو داخل الحصباء، ويمنع بمسجد مبلط، وكذا فوق فرش المسجد وحصيره وعلى حائطه.

5- ويجوز خروج المرأة المُتَجَالَّة (وهي التي لا حاجة للرجال فيها) لأداء الجماعة في المسجد، وكذا السُّنن المؤكدة كالعيدين، والجنازة، ويجوز كذلك خروج شابة غير مُفْتِنَةٍ لمسجد وجنازة قريب من أهلها، ولزوجها أن يمنعها من ذلك، وأمَّا إذا خشيت الفتنة فلا يجوز لها الخروج مطلقًا.

6- ويجوز الفصل اليسير بين المأموم والإمام كنهر صغير، أو طريق لا يمنع من رؤية أفعال الإمام أو سماعه.

7- ويجوز اتخاذ مُسمِّع، وهو من نُصِّبَ ليسمع الناس برفع صوته بالتكبير والتحميد والسلام؛ ليتمكن الناس من الاقتداء بالإمام من خلاله اقتدائهم بسبب سماعه، ويجوز كذلك الاقتداء برؤية الإمام أو مأمومه وبسماع أحدهما، ولو كان المأموم بدار والإمام بالمسجد.

8- يجوز علو المأموم على إمامه ولو بسطح في غير الجمعة، ويُكره علو الإمام على مأمومه إلا بشيء كَشِبْر ونحوه لضرورة، وكذا لقصد تعليم.

وأما من قصد بعلوه الكِبر فتبطل صلاته سواءٌ كان إمامًا أو مأمومًا.

- شروط اقتداء المأموم بإمامه: وهي ثلاث شروط:

1- أن ينوي الاقتداء بإمامه قبل تكبيرة الإحرام لا بعدها، وتكفي كذلك النيَّة الحكمية، كانتظار المأموم إحرام إمامه، وأمَّا من يصلي منفردًا فلا يجوز أن ينتقل إلى جماعة دون أن يخرج من صلاته التي كان يصلي فيها أولاً، وهو منفرد، وكذا لا ينتقل المصلي في جماعة إلى الانفراد، فإن حدثَ بطلت الصلاة في الصورتين.

2- مساواة المأموم في ثلاثة أشياء:

أ- عين صلاة: كظهر خلف ظهر، فلا يصح ظهر خلف عصره، ولا فرض خلف نفل، أمَّا أداء النفل خلف الفرض فيصح مع كراهة ذلك.

ب- وصفة الصلاة: كأداة خلف أداء، أو قضاء خلف قضاء، فلا يصح قضاء عصر السبت خلف من يقضي عصر الأحد وكذا العكس.

- الأحوال التي يجب فيها على الإمام نيَّة الإمامة:

وهي واجبة في أربعة أحوال:

1- حال صلاة الجمعة.

2- حال صلاة الجمع بين العشاءين لمطر أو طين مع الظلمة.

3- حال صلاة الخوف.

4- حال صلاة الاستخلاف. بمعنى أن كل صلاة يُشتَرَطُ فيها الجماعة، فلابد فيها من نية الإمامة.

- أحكام المسبوق:

إذا دخل المسلم المسجد فوجد الجماعة قائمة ولكن قد فاته بعض الصلاة معها فحكمه أنه يُكبر تكبيرة الإحرام عند دخول الصلاة، ويدخل مع الإمام كيفما وجده، فإن وجده راكعًا أو ساجدًا فإن عليه أمرين:

الأول: أن يُكبِّر للإحرام.

والثاني: أن يُكبِّر تكبيرة أخرى للركوع أو السجود.

أمَّا إن وجد الإمام قائمًا، أو جالسًا للتشهد الأول أو الثاني فلا يُكبَّر إلا تكبيرة الإحرام فقط.

- تكبير المسبوق عند القيام للقضاء:

أمَّا إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته، فإنه يقوم بتكبير وذلك إذا جلس في ثانية صلاته، كمن أدرك مع الإمام الركعتين الأخيرتين من صلاة رباعية أو ثلاثية، وأمَّا في غير الحالة المتقدمة فلا يقوم بتكبير؛ لأن جلوسه في غير محلِّه (لأن الجلوس لا يكون إلا بعد ركعتين، وإنما يفعله لأنه يجب عليه موافقة الإمام في الحالة التي يكون عليها)، وإنما فعله لمطاوعة (أي موافقة) الإمام، وأمَّا من أدرك ما دون الركعة، فإنه يقوم بالتكبير؛ لأنه كمفتَتِح صلاة جديدة.

- كيفية أداء المسبوق لما فاته من صلاته:

إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته من الصلاة مع إمامه، فإنه يقضي القول، والمقصود بالقول عندهم: خصوص القراءة وصفتها من سر أو جهر، ومعنى أنه يقضي القول: أنه يجعل ما فاته قبل دخوله مع الإمام أول صلاته، وما أدركه معه آخرها، ويبني الفعل (والمراد به: ماعدا القراءة من تسميع وتحميد وتشهد) وذلك بأن يجعل ما أدركه أول صلاته، وما فاته آخرها فيكون كالمصلى وحده، وإيضاح ذلك فيما يلي:

1- إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية من صلاة رباعية، فإنه يأتي بعد سلام الإمام بركعة بفاتحة وسورة جهرًا في العشاء وسرًّا في الظهر والعصر لقضاء ما فته، وتُسمى هذه الصلاة عند الفقهاء ذات الجناحين لوقوع السورة في طرفيها.

2- إذا أدرك الإمام في الركعة الثالثة من رباعية فإنه يأتي بركعتين بالفاتحة، وسورة جهرًا في العشاء وسرًّا في الظهرين قضاء بما فاته من القول، وتُسمى هذه الصلاة المقبولة لوقوع السورة في ركعتيها الأخيرتين.

3- إذا أدرك الإمام في الركعة الرابعة من رباعية فإنه يأتي بركعة بفاتحة وسورة جهرًا في العشاء وسرَّا في الظهر والعصر قضاء لما فاته من قول ثم يجلس للتشهد، ثم يقوم فيأتي بركعة بفاتحة وسورة جهرًا في العشاء وسرًّا في الظهر والعصر لقضاء ما فاته من قول، ثم يأتي بركعة بالفاتحة فقط سرًّا، ويتشهد ويسلم.

4- إذا أدرك الإمام في الركعة الثالثة من المغرب، فإنه يقوم بلا تكبير، ويأتي بركعة بالفاتحة والسورة جهرًا، ثم يجلس للتشهد، ثم يأتي بركعة بفاتحة وسورة جهرًا.

5- إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية من الصبح، فإنه يَقنُتُ في ركعة القضاء.

- حُكم من أحرم دخوله الصَّفّ:

إذا دخل المصلي المسجد فوجد الإمام راكعًا، وخشى أنه إذا مشى إلى الصف أن يرفع الإمام رأسه فيفوته الركوع، فإنه يجوز له أن يحرم أي يكبر تكبيرة الإحرام ويركع دون الصف، ثم يَدبُّ – أي يَسيرُ على هيئة وهو راكعٌ – داخلاً إلى الصف، وإذا غلب على ظَنِّه أنه لن يدرك الإمام في أثناء ركوعه تمادى إلى الصف دون إحرام، ثم يدخل معه على الحالة التي هو عليها ولو فاته الركوع إلاَّ أن تكون هذه الركعة هي الأخيرة من الصلاة، فإنه يُحْرِمُ ويركع ويَدبُّ كما سبق بيانه، ويجوز مثل ذلك الفعل المتقدم صفتُه لمن رأى فرجة في الصفوف أثناء الصلاة أمامه أو عن يمينه أو يساره مسافة صفَّيْنِ غير ما خرج منه ودخل فيه.

- من يُستحبُّ تقديمه للإمامة:

يستحبُّ للجماعة إذا اجتمعوا بمكان، وكلٌّ منهم يَصلُحُ للإمامة أن يقدموا السلطان على غيره من رعيته وذلك إذا لم يطلب التقدُّم، فإن طابه وجب تقديمه، ثم ربُّ المنزل لأنه أعرف بقبلة منزله، ثم المستأجر يقدَّم على المالك لأنَّهُ مالكُ المنفعة وهو أخبر بعورة المنزل، ثم الزائد في الفقه؛ لأنه أعلم بأحكام الصلاة، ثم الزائد في الحديث؛ لأنه أحكم لسُنَّة الصلاة، ثم الزائد في القراءة لأنه أمكن من غيره للحُرُوف، ثم الزائد في العبادة، ثم المسن في الإسلام، ثم القرشي ثم ذم النسب، ثم حُسن الخُلُق، ثم حُسن اللباس؛ لأنه أشرف للنفوس وأبعدُ للنجاسات.

الاستخلاف: هو إنابة الإمام أو غيره من المصلين خلفه من كان صالحًا للإمامة ليكمل الصلاة بدل الإمام لعذر طرأ عليه يمنعه من إتمامها.

- حُكمه: الاستخلاف واجب في الصلوات التي يُشترط لها الجماعة، كالجمعة وصلاة الجمع، ومندوب في غيرها.

- صفته: يختار الإمام خليفة له من بين الأقربين إليه مكانًا، ويجوز أن يتقدم بعض المصلين من تلقاء نفسه إذا علم أن الإمام لا يستطيع إكمال الصلاة؛ لسقوطه مريضًا، أو لإصابته كما حدث في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما طُعِن وهو في الركعة الأولى من صلاة الصبح، فتقدم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأتمَّ بالناس الصلاة.

- أسباب الاستخلاف: وهي ثلاث أسباب:

1- سبب خارج عن الصلاة: كما إذا خاف من الاستمرار في الصلاة تلف مال يضر بصاحبه ولو كان غير الإمام، أو تلف نفس محترمة كما لو تذكَّر أنه ترك طفلاً صغيرًا وحده في منزل وخشى عليه.

2- سبب متعلق بالصلاة وهو مانع من الإمامة: كمن طرأ عليه ما يمنعه من الإمامة كالعجز عن الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة ونحو ذلك من الأركان.

3- سبب متعلق بالصلاة وهو مانع منها ومن الإمامة: كمن يطرأ على الإمام ما يبطل صلاته كغلبة حدث أو تذكر وقوعه، فإن حدث سبب من الأسباب المفسدة لصلاة الإمام فإنه يُندب له أن يستخلف بشرط أن لا يعمل بهم عملاً من أعمال الصلاة بعد سبق الحَدَث أو تذكره، فإن عمل بعد الحَدَث عملاً من أعمال الصلاة بطلت على الجميع، ويُستحب استخلاف الأقرب له؛ لأنه أدرى بأفعاله ولسهولة تقدمه، كما تصح إن تقدَّم غيره، وتصح الصلاة إن أتموا أفذاذًا أو بإمامين تقيم كل فرقة منهم إمامًا.

- تقيد: هذا الذي ذكرناه سابقًا من صحة الإقامة بإمامين، أو فرادى إنما هو في غير الجمعة أما فيها فتبطل إن أتموها فرادى لاشتراط الجماعة فيها، أما إن أتموا الجمعة بإمامين فتصح لمن أتموا مع من أقامه الإمام الأصلي، وتبطل على غيرهم، وإن أقامها المأمومون صحت للسابق منهم متى استوفوا شروط الجمعة، فإن تساويا بطلت على الجميع وعليهم إقامتها من جديد.

- حدوث المانع حال الركوع أو السجود

إذا حدث المانع حال الرُّكوع، فإنه يرفع منه بدون تسميع، ثم يستخلف فيعيد الخليفة الرُّكوع الذي حَدَث فيه ما منع الإمام من الاستمرار في صلاته، وإن حدث أثناء السجود فيرفع منه بدون التكبير، ثم يستخلف خليفة له ويرفع المأمُومُون برفع الخليفة، فإن حدث ورفعوا برفع الإمام قبل الاستخلاف فلا تبطل صلاتهم بذلك، ويب عليهم العودة مع من قد استخلفه الإمام، فإن أتموا ركن الركوع أو السجود مع إمامهم الأصلي فلم يعُودُوا لم تبطل صلاتهم إذا رفعُوا برفع الأول.

- شروط الاستخلاف:

يجب أن المُستخْلَف قد أدرك مع الإمام جزءًا من الركعة التي حصل فيها العذر المانع من الإتمام قبل أن يتم الإمام رفع رأسه من الركوع على أقلِّ تقدير، وبالتالي فلا يصح استخلاف من فاته الركوع مع الإمام إذا حصل له العذر بعده في هذه الركعة، وكذلك لا يصح استخلاف من دخل مع الإمام بعد حصول العذر، وعلى المُستخلفِ أن يراعي نظم صلاة الإمام، فيقرأ من حيث انتهت قراءة الإمام، فإن شك في ذلك قرأ الفاتحة وآيات معها.

- إذا كان الخليفة مَسبُوقًا: كمن أدرك الركعة الثالثة مع الإمام من صلاة رباعية مثلاً فإنه يكمل بالقوم صلاة الإمام ويجلس للتشهد في الموضع الذي كان سيجلسه الإمام بهم، ثم يشير إلى من خلفه من المصلين بالانتظار فينتظرونه جالسين حتى يقضى ما عليه، ويقوم المُستخلف المسبوق بقضاء ما فاته من الصلاة مع الإمام الأصلي، فإن أتى يذلك سلَّم وسلَّم من خلفه بتسليمه، وإذا كان على الإمام الأول سجود سهو بعدي، فإن المُستخلف يؤخره حتى يقضى ما عليه، ويسلِّم بمن خلفه من المصلين ثم يسجد بعد ذلك.

- إذا كان في المأمومين مسبوق: فإنه لا يقوم لقضاء ما عليه حتى يُسلِّم المُستخلَف، فإن حَدَث وكان المُستخلف هو الآخر مسبوقا، فإنه – أي المصلي المسبوق -  ينتظره جالسًا حتى يقضي ما عليه ويسلم، فإن سلم قام هو لقضاء ما فاته خلف الإمام المستخلف، فإن لم ينتظره بطلت صلاته.

- إذا استخلف مسافرٌ مقيمًا: إذا كان الإمام الذي يؤمُّ القوم مسافرًا وخلفه مسافرون ومقيمون، فحدث للإمام المسافر عذرٌ فاستخلف مقيمًا، فإنه يتم بهم صلاة المسافر (الركعتين) ثم يشير إليهم بالبقاء جلوسًا حتى يأتي ببقية صلاته – كمقيم – فإذا سلَّم سلَّم معه المسافر، وقام من كان منهم مقيمًا لأداء بقية صلاته على الراجح في المذهب.

السَّفرُ لُغة: قطع المسافة، والمقصود بالسفر هنا: السفر الطويل المُجيزُ لقصر الصلاة وهو مسافة أربعة بُرُدٍ، والَريدُ: مصطلح يذكُرُهُ الفقهاء في تقدير المسافة التي يجوز فيها القصرُ والفطر في رمضان، والأربعة بُرُدٍ تساوي 48 ميلاً بالأميال الهاشمية، وقد قُدِّر حديثًا بمسافة 85 كيلو مترًا.والقصر: هو صلاة الرباعية اثنتين، وهو رخصة من الله لعباده تخفيفًا عليهم ورحمة بهم. والأضل فيه قوله تعالى: "وإذا ضَربتُمْ في الأرضِ فَلَيْسَ عليكمْ جُناحٌ أن تَقصُرُوا منَ الصَّلاةِ"، النساء:101. - حُكم القصر: 1- أن يكون السفر مباحًا، فالعاصي بسفره كقاطع الطريق والعاق لوالديه بسفره يُحرَّم عليه القصرُ إلاَّ إذا تاب وبقيت مسافة القصر المعتبرة بعد توبته. 2- أن يكون مسافة أربعة بُرُدٍ ذهابًا. 3- أن يعزم على قطع المسافة دفعة واحدة من غير تردُّد، فلا يُباح القصر لطالب رعى، أو هائم أي سائح في الأرض لا يقصد الإقامة بمحل مخصوص. 4- أن يشرع في السفر، فلا يقصر المسافر إلاَّ بعد أن يُجاوز المزارع أو البساتين الملحقة بقريته، أو مفارقته مباني البلدة، وينتهي القصر وتكمل الصلاة عند وصوله إلى مثل هذا المكان عند عودته إلى بلده، ويعتبر الرجوع سفرًا مستقلاًّ. - ما يقصر من الصلاة: الصلاة الرباعية (الظهر والعصر والعشاء) التي بوقتها الاختياري أو الضروري، فلا تقصر الصبح ولا المغرب. - ما يقطع حُكم السفر: 1- دخوله وطنه المار عليه، وكذا دخول محل زوجته التي دخل بها، أو دخوله بلده التي سافر منها. 2- نزوله مكانًا بنيَّة الإقامة به أربعة أيام صحاح، فإذا استأنف سفره بعد ذلك اعتبر المسافة الباقية، فإذا كانت مسافة قَصْرٍ قَصَرَ صلاته وإلا أتمها. 3- ملازمة صفة السفر له لضرورة العمل كالملاَّح بسفينة تذهب إلى أماكن بعيدة؛ لأنها قد أصبحت في حُكم بيته وموضع إقامته، بخلاف مَن هو في معسكر بدار الحرب فإنه يقصر صلاته مهما طالت إقامته، وكذا من نزل لقضاء حاجة يظن أنها تُقضى قبل أربعة أيام فلم تُقْضَ بها، فإنه يقصر ولو طالت مدة انتظاره، إلاَّ إذا علم أنه لابد أن ينتظر لقضائها أربعة أيام فأكثر فإن صفة سفره حينئذ تنقطع بنية إقامة الأربعة أيام. - اقتداء المقيم بالمسافر والعكس: يُكره أن يقتدي شخص مقيم بإمام مسافر لاختلاف نية الصلاة بينهما، وتشتدُّ الكراهة عند اقتداء مسافر بإمام مقيم، وذلك لمخالفة المسافر حينئذ لرخصة القصر. ويلزم المسافر في هذه الحالة أن يتم الصلاة معه وجوبًا، ويعيد الصلاة ولو في الوقت الضروري. وإذا ظن المأموم المسافر أن إمامه في الصلاة مسافر مثله فاقتدى به فظهر أنه مقيم بطلت صلاته وأعادها وجوبًا، وكذا يُقال في المقيم الذي ظنَّ إمامه مقيمًا فظهر أنه مسافرٌ وذلك لاختلافهما في النية. - حُكم من نوى الإقامة أثناء صلاة القصر: إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام صحاح وهو في الصلاة المقصورة، فإن كان لم يَعقِد منها ركعة قطعها، فإن عقد ركعة بسجدتيها، فيُندب له شفعها بأن يصلي بجانبها ركعة أخرى، ولا يجوز له أن يتم الصلاة حضرية – أربعًا – لعدم تقديم نية ذلك فبل الدخول في الصلاة، ولا يجوز كذلك أن يصليها سفرية لطروء نية الإقامة فيها، وإن نوى الإقامة بعد الفراغ منها أعادها بالوقت الاختياري. - إذا قام الإمام للإتمام سهوًا، أو جهلاً بعد نية القصر: فإن المأمومين يسبحون له، فإن رجع سجد لسهوه، وإن يرجع فلا يتبعه المأمومون، بل يجلسون حتى يسلم إمامهم، ويسلم المسافر بسلامه، ويتم من كان المأمومين مقيمًا، فإن سلم المأموم المسافر قبل إمامه بطلت صلاته، وكذا إذا قام غيره من المقيمين فأتم مع الإمام المسافر مُتَّبعًا له في سهوه بطلت عليهم صلاتهم لتعمدهم الزيادة.

الجمع: هو تقديم إحدى مشتركتي الوقت أو تأخيرها عن وقتها بوجه جائز مع العلم بأن الأصل في الصلاة أنها واجبة في وقتها إلا بعذر شرعي.

- أسباب الجمع: ستة أسباب:

1- السفر المباح ولو قصيرًا، بشرط أن يكون برًّا لا بحرًا قصرًا للرخصة على موردها.

2- المطر الغزير.

3- الطين مع الظلمة حضرًا.

4- المرض مطلقًا.

5- وجود الحاج بعرفة.

6- وجوده بمزدلفة.

- صور الجمع: للجمع ثلاث صور: جمع تقديم، وجمع تأخير، وجمع صوري

الأحوال التي يُجمع فيها للتقديم:

جمع التقديم يكون في مسائل خمس وهي:

1- إذا زالت الشمس والمسافر نازل بمكان كالاستراحات التي على الطريق وعلم أنه بعد استئنافه السفر لن ينزل إلا بعد غروب الشمس، فإنه في هذه الحالة يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، وذلك لأن أداء العصر في وقت مشترك قبل حلول وقتها الأصلي خيرٌ من قضائها بعد فوات وقتها، فإن علم أنه سينزل قبل الاصفرار أخَّر العصر لوقتها الاختياري وجوبًا، فإن قدمها مع علمه بذلك أجزأته مع الحرمة ونُدب إعادتها في وقتها الاختياري بعد نزوله، وإن نوى النزول بعد الاصفرار خُيِّر في العصر، فإن شاء قدَّمه، وإن شاء أخَّره وهو الأولى.

2- جمع العشاء مع المغرب لمن غربت عليه الشمس نازلاً، وعلم أنه لن ينزل بعد استئناف سفره إلا بعد طلوع الفجر، فإن نواه في وقت العشاء الاختياري أو الضروري فكالعصر على الراجح.

3- إذا خاف حدوثَ مرض أو إغماء عند دخول وقت الصلاة الثانية من هاتين المشتركتين في الوقت، واستمرار هذا الطارئ حتى خروج وقتها فإنه يجوز له الجمع حينئذ جمع تقديم، فإن قدَّمها ولم يحدث ما خشي وقوعه فيستحبُّ له الإعادة ولو في الوقت الضروري.

4- جمع العشاء مع المغرب ليلة المطر الغزير ولو كان متوقعًا، أو الطين الكثير مع الظلمة، وصفته أن يؤذن للمغرب كالمعتاد، وتؤخر قليلاً بمقدار ما يدخل وقت الاشتراك ثم تصلى، ثم يؤذن للعشاء في صحن المسجد على سبيل الاستحباب مع خفض الصوت وينصرفون وليعلم أنه يكره التنفل بينهما، وكذا بعدهما على المعتمد.

نيَّة الجمع: اعلم أخي المسلم أن نيَّة الجمع واجبة غير شرط على الإمام والمأموم عمد الصلاة الأولى، أمَّا نيَّة الإمامة فنجب على الإمام في الصلاتين وجوبًا شرطيَّا كما سبق ذكره.

5- جمع العصر مع الظهر وذلك للحاج بعرفة بأذان وإقامة لكل صلاة وهو سنَّة شُرعت لكي يتفرغ الحاج لمهام الوقوف بعرفة.

- الأحوال التي يُشرع فيها جمع التأخير:

1- جمع الظهر مع العصر لمن زالت عليه الشكس أثناء سيره، وكان قد نوى النزول عند اصفرار الشمس فإنه يجمع بينهما جمع تأخير.

2- جمع المغرب مع العشاء للحاج بمزدلفة بأذان وإقامة لكل صلاة وهو مسنون، ويفصل بين صلاة وهو مسنون، ويفصل بين صلاة المغرب والتأذين للعشاء بمقدار حطِّ الرحال.

3- جمع المغرب مع العشاء لمن غربت عليه الشمس سائرًا وكان قد نوى النزول في وقت العشاء أو في الثلث الأول أو بعده حتى قبيل الفجر، فإنه يجمع المغرب والعشاء جمع تأخير بأن يصلى المغرب مع العشاء عند النزول.

- الجمع الصوري: وله صورتان:

1- أن تزول الشمس على المسافر وهو في أثناء سيره، وكان يعلم أنه ينزل بعد الغروب، ففي هذه الحالة له أن يصلي الظهر والعصر في وقتيهما الاختياري، ثم يصلي العصر في أول وقتها الاختياري

2- أن تغرب الشمس على المسافر وهو أثناء سيره، وعلم أنه ينزل بعد الفجر، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمعًا صوريًّا، بأن يصلي المغرب في آخر وقتها الاختياري، ثم يصلي العشاء في أول الوقت الاختياري.

- وليعلم ان المسافر إذا لم يضبط وقت نزوله هل يكون بعد الغروب أو قبله، أو قبل الفجر أو بعده فإنه يشرع له هذا الجمع، كما يُشرعُ للمريض، بخلاف الصحيح فيُكره له مثل هذا الجمع.

صلاة الخوف: هي فعل فرض من الخمس ولو جمعة مقسومًا فيه المأمومون قسمين مع الإمكان، ومع عدمه لا قسم في قتال جائز، انظر: "شرح الخرشي".

حُكمها: صلاة الخوف سُن واجبة وجوب السُّنَن في الصلوات الخمس بما فيها الجمعة إذا خافوا العدو، ويشترط لها ثلاثة شروط:

1- أن تكون في القتال.

2- أن يكون هذا القتال مأذونًا فيه سواءٌ أكان واجبًا كقتال الحربيين والبغاة، أم جائزًا كقتال مريد المال من المسلمين (كاللصوص وقُطاع الطريق).

3- أن يمكن لبعض الجيش تركه.

دليلها: جاءت بمشروعيتها الكتاب والسُّنة، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع، والإجماع فقد أجمعت الأمة على مشروعيتها وفعلها الصحابة بعد وفاته صلَّى الله عليه وسلم وهي رُخصة شرعت في السفر والحضر جماعة وفرادى.

- صفتها: إذا كان الناس في مواجهة العدو فحلَّ وقتُ الصلاة فيُقام الأذان، ويجب على الإمام أولاً أن يشرح كيفية أداء هذه الصلاة حتى لا يلتبس الأمر على المصلين خلفه، ويمكن إيجازها في الخطوات الآتية.

1- يقسِم الإمامُ المصلين إلى قسمين: قسمٌ يبدأ معه الصلاة، وقسم آخر يأتي من بعد.

2- يصلي بالطائفة الأولى من المحاربين ركعة إذا كانت الصلاة ثنائية كالصبح أو مقصورة لسفر كالرُّباعية وهي (الطهر والعصر والعشاء)، فإذا كان القتال في الحضر صلَّ بالطائفة الأولى ركعتين في الرُّباعية وكذا في الثلاثية (كالمغرب).

3- بعد أن يفعل بهم الإمام ما سبق يقوم الإمام ويقومون معه فيبقى هو قائِمًا منتظرًا ساكتًا، أو يقرأ، أو يدعو، بينما يكمل من كانوا خلفه صلاتهم أفذاذًا، ثم ينصرفون إلى تجاه العدو.

4- يأتي القسم الثاني إلى الإمام الذي هو باق على انتظاره قائمًا فيدخلون الصلاة معه، ويصلون وراءه ركعة، ويجلسون معه، ويتشهدون فيسلمُ هو، ويقومون هم لركعتهم الثانية، فيكملون صلاتهم أفذاذًا.

5- إذا كانت الصلاة رباعية غير مقصورة فإن الإمام يصلي بالفريق الأول ركعتين، وبالثاني ركعتين، ويتم كل فريق منهم الركعتين المتبقيتين أفذاذًا، أمَّا في المغرب فيصلي الإمام بالفريق الأول ركعتين يتشهدهما مع الفريق الأول، ويُصلي الركعة الثالثة مع الفريق الثاني.

- حُكم السهو في صلاة الخوف:

إذا سها الإمام مع الأولى سجدت بعد تكميل صلاتها السجود القبلي قبل السلام، والبعدي بعده، وأمَّا الفرقة الثانية فإنها تسجد القبلي معه والبعدي بعد القضاء

- صلاة الالتحام: إذا اشتدَّ الخوف ولم يتمكن المحاربون من ترك القتال لاشتداد هجوم العدو، فإنهم يصلون فرادى آخر الوقت المختار استحبابًا إن رجوا انكشاف العدو وهزيمته، وأول الوقت إن يئسوا، ووسطه إن تردَّدُوا، فإن قدروا على الركوع والسجود فعلوهما، فإن لم يقدروا صلوا إيماء للسجود أخفض من الركوع، ويجوز في صلاة الالتحام المشي والهرولة والجري، والركض والضرب، وطعن العدو، وكل كلام احتيج إليه من تحذير وأمر ونهي وعدم توجه للقبلة، وكذا إمساك السلاح وقد لُطِّخ بدم العدو.

معنى العيد: العيد مشتق من العَوْدِ وهو الرجوعُ لتكرره، وقال القاضي عياض: "سُمِّي بذلك لعودِهِ على الناس بالفرح"، وقيل: "تفاؤلاً بأن يعود على من أدركه من الناس"، وأول عيد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، انظر: "حاشية الدسوقي".

- حُكم صلاة العيدين: صلاة العيدين سُنة مؤكدة على الأعيان على مشهور المذهب في حق من يُؤمَرُ بالجمعة وهو الذَّكر الحُرُّ البالغ المقيم ببلد الجمعة أو البعيد عنها بفرْسخ، ويُستحبُّ في حق من لم تلزمه الجمعة كالصبي والمرأة والعبد والمسافر الذي لم يَنوِ إقامة تقطع حكم سفره، ولا تُندب للحاج وذلك لأن وقوفه بالمشعر الحرام يوم النحر يكفيه عنه، ولا لأهل منًى فلا تشرع في حقهم جماعة، بل تُندب لهم فرادى إذا كانوا غير حُجاج، وعلة ذلك لئلا يكون ذريعة لصلاة الحجاج معهم.

- زمن أدائها: من حلِّ النافلة للزوال وذلك بارتفاع الشمس عن الأُفق قيد رُمح، وتُحَرَّمُ حال الشروق، ولا تجزئُ، وتكره بعد الشروق، ويمتدُّ وقت فعلها للزَّوال، ولا تصلى بعده لفواتها بخروج وقتها.

- صفة أدائها: يخرج لها الإمام والناس وليس فيها أذانٌ ولا إقامة، ويُصلي بهم الإمام ركعتين يقرأ فيهما جهرًا، ويكبر في الأولى ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ولا يفصل بين التكبير إلا بقدر تكبير المؤتم، فيفصل ساكتًا بقدره، ولا يرفع يديه إلاَّ في تكبيرة الإحرام فقط.

- التكبير:

1- التكبير محله قبل القراءة؛ لذا لو اقتدى في العيد بإمام حنفي فلا يؤخره.

2- كل تكبيرة تعتبر سُنة مؤكدة؛ ولذا فلو نسيها ثم تذكَّرها أثناء القراءة أو بعدها كبَّر ما لم يركع، ويُعيد القراءة ويسجد لزيادتها بعد السلام، فإن ركع تمادى في ركوعه وجوبًا.

3- من كان غير مؤتم (كمن فاتته صلاة العيد فأدَّاها منفردًّا أو امرأة تصليها منفردة، أو من فاتته ركعة منها) فإنه يسجد قبل السلام ولو لترك تكبيرة واحدة، وأمَّا من كان مؤتمًا وفاته بعض التكبير، فإن الإمام يحمله عنه.

- حُكم المسبوق الذي فاته بعض التكبير: له أحوال:

1- إذا أدرك بعضًا من التكبيرات مع إمامه كبَّر معه ما أدركه، ثم يكمل ما فاته من التكبيرات بعد شروع الإمام في القراءة.

2- فإن أدرك الإمام بعد شروعه في القراءة وفاته التكبيرات كلها، فإنه يُكبِّرُ سبعًا عند دخوله بتكبيرة الإحرام، فإن أدركه في قراءة الركعة الثانية كبَّر خمسًا، ثم إذا قام للقضاء كبَّر سبعًا بتكبيرة القيام.

3- إذا أدرك الإمام في سجود الثانية أو في التشهد فإنه يُكبر سبعًا بتكبيرة القيام، ويُكمل صلاته كما سبق.

مندوبات العيد: وهي كثيرة منها:

1- إحياء ليلته بالعبادة.

2- الغُسل له، ويدخل وقته بالسُّدس الأخير من الليل.

3- التطيب والتزين بثياب جديدة، وإن كان لغير مصلٍّ.

4- المشي في الذهاب فقط للقادر، والرجوع من طريق أخرى.

5- الفطر قبل الذهاب إلى المصلى في عيد الفطر ولو على تمرات أو بعض الماء.

6- إيقاع الصلاة بالخلاء لمداومته صلَّى الله عليه وسلم على ذلك إلا بمكة فصلاتها بالمسجد الحرام أفضل.

7- القراءة في الركعة الأولى بسورة الأعلى أو الغاشية، وفي الركعة الثانية بالشمس وضحاها أو سورة الليل.

8- الخطبتان كالجمعة، ويكونان بعد الصلاة وتعادان ندبًا إن فعلتا قبل الصلاة، ويُستفتحان بالتكبير، ويتخللهما بلا حد.

9- التكبير بعد الصلوات في أيام النحر ويكون بعد خمس عشرة فريضة وقتية من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع، والتكبير الوارد هو: "الله أكبر ثلاثًا"، فإن زاد بعد الثَّالثة: "لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد" فهو حسن، والأول أحسن وأولى.

10- يُكرهُ التنفل قبلها أو بعدها إذا أُدِّيت بالخلاء لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم عيد الفطر أو الأضحى فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما"، وثبت نحو ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما معزوًّا إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم، انظر: "صحيح البخاري"، والنسائي، وابن خزيمة، سُنن الترمذي.

الجُمعة: بضمِّ الميم أو سكونها من الجَمع لاجتماع الناس فيها، ولا خلاف في كونها فرض عين، وهي واجبة بالكتاب والسُّنة ولإجماع.

أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: "يَا أيُّها الَّذينَ آمنُوا إِذا نُدِيَ للصَّلاةِ مِن يَوْم الجُمعةِ فاسْعَوْا إلَى ذِكرِ اللهِ وذَرُوا البَيعَ" الجمعة: 9.

أمَّا السنة: فقوله صلَّى الله عليه وسلم: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبدٌ مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض"، رواه أبو داود، والحاكم، وصححه وكذا جمع من الحفَّاظ، انظر: "تلخيص الحبير"، "خلاصة البدر".

- وقت الجمعة وصفتها: ووقتها كالظهر، ويمتدُّ إلى الغروب، وآخر وقتها الضروري: أن يبقى قَدْر ركعة واحدة بعد الفراغ منها للغروب يُدرك بها العصر، وهي ركعتان يقرأ قَدْر ركعة واحدة بعد الفراغ منها للغروب يُدركُ بها العصر، وهي ركعتان يقرأ فيهما جهرًا، واختلفوا في الجمعة هل هي صلاة قائمة بنفسها أم هي ظُهر مقصورة، والأرجح أنها فرض يومها؛ لذا ينوى عند الإحرام بها صلاة الجمعة لا ظهر الجمعة.

شروط الجمعة: للجمعة نوعان من الشروط:

1- شروط وجوب: وهي ما يتوقف عليها وجوب الجمعة.

2- شروط صحة: وهي ما يتوقف عليها صحة أداء الجمعة.

أولاً: شروط وجوب الجمعة: وهي أربعة:

1- الذكورية.

2- والحرية.

3- والإقامة ببلدها: سواء أكان مقيمًا في قرية أم في أطرافها، وكذا تجب عليه ولو كان مسافرًا قد نوى إقامة أربعة أيام فأكثر؛ لأن مثل هذه الإقامة تقطع حُكم السفر، أو كان بقرية بعيدة عنها ثلاثة أميال وثلث، الميل يساوي 4000 ذراع وهو يساوي 1960 مترًا (حوالي ستة كيلو مترات ونصف تقريبًا).

4- السلامة من الأعذار المسقطة لها: كمريض لا يقدر على الذهاب إليها، وشيخ مسن ونحو ذلك.

ثانيا: شروط صحة الجمعة: وهي خمسة شروط:

1- الاستيطان: وهو الإقامة بقصد التأبيد وله شرطان:

أ- أن يكون ببلد أو أخصاص: وهي البيوت المتخذة من قصب أو أعْوَاد.

ب- أن يكون بجماعة تقوم بهم القرية في معاشها والأمن على نفسها عن غيرهم، ولا يحدُّون بعدد معين.

2- حضور أثنى عشر رجلاً: وذلك للخطبتين والصلاة زائدين عن الإمام وعلة هذا العدد ما ورد في الآثار أن الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين قدوم العير وخروج المسلمين إليها من الجمعة كانوا هذا العدد المذكور ويشترط فيهم أن يكونوا من أهل البلدة، فلا تصح من المقيمين بها لنحو حاجة من تجارة أو غيرها إذا لم يحضرها هذا العدد المشار إليه من المستوطنين من أهل البلدة.

3- الإمام: ويُشترط فيه أن يكون ممن تجب عليه الجمعة، فلا يصح أن يكون مسافرًا أو صبيًّا أو عبدًا، وأن يكون هو الخطيب إلاَّ لعذر يبيح له الاستخلاف كرُعاف وانقضاء وضوء، ويجب انتظاره للعذر القريب.

4- الخطبتان: ويشترط لهما شروط ثمانية:

- أن يكونا من قيام، فإذا خطب جالسًا صحت الجمعة وأَثِمَ الخاطب بذلك بناء على الأرجح في المذهب أن القيام واجب غير شرط.

- أن يكونا بعد الزَّوال، فإن كانتا قبله فلا تصح الصلاة.

- أن يكونا داخل المسجد، فإن خطب خارجه لم تَصِحَّا.

- أن يكونا قبل الصلاة.

- أن يكونا جهرًا باللغة العربية، ولو لأعجميين

- أن يكونا متصلتين بالصلاة ويغتفر الفصل اليسير.

- أن يكونا مما تسميه العرب خطبة ولو سجعتين كنحو: (اتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما عنه نهى وزجر)؛ فإن سبح أو هلل أو كبر فقط لم تصح الخطبة خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله.

- أن يحضرها اثنا عشر رجلاً بالشروط السابقة.

5- الجامع: وله شروط:

أن يكون مبنيًّا، وأن يكون بناؤه مساويًا للبناء المعتاد لأهل البلد، وأن يكون بالبلدة أو قريبًا منه، وأن يكون متحدًا في البلد لا متعددًا إلا لحاجة من كثرة المصلين أو ضيق المسجد العتيق أو وجود عداوة تمنع من الاجتماع في محل واحد، ولا يشترط أن يكون للمسجد سقفٌ، ويصحُّ أداء الجمعة برحبته (وهو الفناء الواسع المحوط لأجله) وبالطرق المتصلة به.

- سُنَنُ الجُمعة: وهي ثلاث سُنن مؤكدة:

1- الغسل لكل مصل ولو لم تلزمه الجمعة كالمسافر والصبي، ويشترط له شرطان:

أ- أن يكون عند طلوع الفجر أو بعده، وأما قبله فلا يصح.

ب- أن يكون متصلاً بالرواح إلى الجمعة، ولا يضرُّ الفصْلُ اليسير، فإن فصل كثيرًا سواءٌ أكان مضطرًّا أم مختارًا أعاده.

2- جلوس الخطيب: في أول كل خطبة على المشهور لفعله صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.

3- استقبال الخطيب: بذاته لا جهته فقط.

- مندوبات الجمعة: وهي:

1- تحسينُ الهيئة وذلك كقص الأظافر، والشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة إن احتاج إلى ذلك.

2- استعمال المسواك، وقد يكون واجبًا في بعض الأحيان لإزالة روائح كريهة كالبصل ونحو ذلك.

3- التجمل بالثياب وأفضلها البيض، والتطيب بما ظهر ريحه (لغير نساء).

4- المشي إليها، والتبكير بالذهاب إليها.

5- تقصير الخطبتين بحيث تكون الخطبة الثانية أقصر من الأولى، ورفع الصوت بهما وبدؤهما بالتحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وختم الثانية بـ (يغفر الله لنا ولكم) ويجزئ في الندب (اذكروا الله يذكركم)

6- أت يقرأ في الخطبة شيئًا من القرآن ولو آية والأولى سورة من قصار المفصل.

7- توكؤ الإمام على عصا أو قوس أو سيف.

8- قراءة "سورة الجمعة" في الركعة الأولى، وقال مالك: "لا تترك قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى، فإن لم يقرأها لم تَفسُدْ صلاته وقد أساء وترك ما يُستحبُّ، وأمَّا في الثانية فبسورة الأعلى، أو الغاشية، أو المنافقون" انظر: "التاج والإكليل".

9- يُندب حمد العاطس سرًّا حال الخطبة، وذا التأمين عند دعاء الخطيب والتعوذ والاستغفار عن ذكر سببه، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره فيُندب جميع ما تقدَّم بشرط الإسرار به ويكره الجهر.

- ما يجوز في الجمعة:

1- تخطى رقاب الجالسين قبل جلوس الخطيب على المنبر لفرجة، وكذا التخطي بعد الخطبة وقبل الصلاة مطلقًا لفرجة وغيرها.

2- المشي بين الصفوف ولو حال الخطبة.

3- الكلام بعد الخطبة إلى حين إقامة الصلاة، وأما الكلام حال الإقامة فمكروه.

4- نهى الخطيب حال الخطبة لمن وقع منه أمرٌ لا يليق وأمره، وإجابة المأموم للخطيب لإظهار عذره فيما فعله كان يقول فعلت كذا لأجل كذا

- ما يكره يوم الجمعة:

1- السفر بعد الفجر وقبل الزوال لمن لا يدركها في سفره.

2- ترك العمل يوم الجمعة إذا قصد الاستنان بذلك لما فيه من التشبه بأهل الكتاب في السبت والأحد إذا لم يقصد بذلك الراحة ونحو ذلك.

3- تخطى الرِّقاب قبل جلوس الخطيب على المنبر لغير فرجة؛ لأنه يؤذي الجالسين.

4- ترك الخطيب الطهارى في الخطبتين بأن يخطب وهو محدث فيهما الحَدَث الأصغر إذ ليس من شرطهما الطهارة على المشهور.

5- يكره التنفُّلُ عمد الأذان الأول لا قبله لجالس في المسجد، لا لداخل خوفًا من اعتقاد العامة وجوبه، ويكره كذلك التنفل بعد صلاتهما أيضًا إلى أن ينصرف الناس من المسجد، ويكره كذلك تنفل الإمام قبل الخطبة إن كان جالسًا في المسجد.

6- يكره حضور شابَّة غير مُفْتنة للجمعة، وأما المُفْتِنة فيحرم حضورها.

- ما يُحرَّم يوم الجمعة:

1- السفر عند الزوال لمن وجبت عليه الجمعة إلا لضرورة فلا يكون حرامًا.

2- تخطي رقاب الجالسين أو تكلمهم حال الخطبتين بالمسجد ولو لم يسمعوا الخطيب لبعد أو صمم.

3- السلام من داخل أو جالس على أحد، وكذا ردُّه ولو بالإشارة.

4- تشميت العاطس بأن يقول له (يرحمك الله) وكذا الرد عليه.

5- الأكل والشرب.

6- البيع والشراء: عند الأذان الثاني إلى أن يُسلِّم الإمامُ.

7- ابتداء النافلة: عند صعود الخطيب للخطبة ولو لداخل إلى المسجد عند صعود الإمام حتى تنتهي الصلاة.

8- حضور شابَّةٍ يخشى منها الفتنة إلى الجمعة.

- الأعذار التي تبيح التخلف عن الجمعة:

1- المطر الشديد، والوحل الكثير.

2- الجُذامُ: الذي تضر رائحته بالناس، وكذا وجود رائحة كريهة تؤذي الجماعة ولا يستطيع صاحبها إزالتها.

3- المرض: الذي يسقُّ معه الإتيان إلى الجمعة.

4- التمريض: لمن لا يكون عنده من يقوم به ويخشى عليه الضيعة من تركه، وأما الزوجة أو الصديق الملاطف فيجوز التخلف لهذا الغرض عنده، ولو وجد من يعوله.

5- القيام بشئون مُحتَضِر أشرف على الموت، وكذا القيام بتجهيز ميت.

6- الخوف من ظلم ظالم: أو حبْسِه أو أخذ مال يضرُّ به، وكذا خوف معسر من حبس غريم له.

7- عدم وجود قائد للأعمى: إذا لم يهتد بنفسه، أو علم أنه إذا سَار في الطريق لا يرشده أحدٌ، فإن اهتدى بنفسه إلى المسجد وجبت عليه الجمعة.

8- فقدان ما يستر العورة.

صلاة الكسوف

الكسوف: ذهاب ضوء الشمس كلاًّ أو بعضًا وهو الغالب.

حُكمها: صلاة الكسوف سُنة مؤكدة على الأعيان يخاطب بها كل من يؤمر بالصلاة ولو ندبًا، فتخاطب بها النساء والعبيد والصبيان والمسافر والحاضر في ذلك سواء، وتصليها المرأة في بيتها، لأن الجماعة فيها ليست مشروطة بل مستحبة للرجال في المساجد.

دليلها: دلَّ على مشروعيتها الكتاب والسُّنة والإجماع. قال القرفي: "أجمعت الأمة على مشروعيتها دون صفتها"، انظر: "الفواكه الدواني".

وقتها: من حلِّ النافلة للزَّوال، فلو طلعت الشمس مَكسوفة لمْ تُصلَّ حتَّى يأتي وقت الحلِّ، وإذا كسفت بعد الزَّوال لم تصل على مشهور رواية "المدونة".

صفتها: هي كالصلاة المعهودة بزيادة قيام وركوع في كل ركعة منها، بأن يقرأ الفاتحة وسورة ولو من قصار المفصل، ثم يركع ثم يرفع منه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، ثم يركع ثم يرفع، ويسجد السجدتين، ثم يفعل مثل ذلك في الركعة الثانية، ويتشهد ويسلم.

ما يُندب فيها:

1- أن تُصلَّى بالمسجد.

2- إسرار القراءة فيها على المشهور، وفي المذهب قولٌ بالجهر واستحسنه اللَّخمي وابن ناجِي، ومشى عليه جمعٌ من شيوخ المالكية لئلا يسأم الناس خصوصًا مع تطويل القراءة فيها.

3- تطويل القراءة فيها بنحو البقرة وآل عمران ونحو ذلك من السور.

4- أن يكون الركوع في الطول نحو القراءة، وكذا تطويل السجود كالركوع إلاَّ لخوف الوقت أو ضرر بالمأمومين.

5- فعلها في جماعة والموعظة بعدها، وإذا حدث أن انجلت الشمس قبل ركعة أتمها كسائر النوافل، وإن انجلت بعدها – أي بعد ركعة – أتمها على سنتها بلا تطويل على الراجح.

صلاة الخسوف

الخسوف: خسف القمر إذا ذهب ضوؤه، والمراد به عندهم: ذهاب ضوء القمر كله أو بعضه، انظر: "لسان العرب"، "الذخيرة".

صفتها: هي ركعتان جهرًا كسائر نوافل الليل بقيام وركوع معتاد كسائر الصلوات ونُدب تكرارها حتى ينجلي القمر أو يغيب في الأفق أو يطلع الفجر، ويُندب فعلها في البيوت، ويكره فعلها في المسجد سواء أكان ذلك جماعة أو أفذاذًا، ولا يخاطب بها الصبي وإنما يُكلَّف بها البالغون.

وقتها: الليل كله.

الاستسقاء لُغة: طلب السُّقيا، وشرعًا: طلب السقيا من الله لقحط نزل بالناس، أو بدوابهم أو لقلة مطر ونحو ذلك بالصلاة المَعهودةِ التي سنبِينها، انظر: "الفواكه الدواني".

- حُكمها: هي سُنة مؤكدة مشروعة عند جمهور الأئمة، ودلَّ على مشروعيتها: الكتاب في قوله تعالى: "وإذِ اسْتسقَى مُوسَى لِقومهِ"، البقرة: 60، والسُّنة وذلك لما روى من أنه صلَّى الله عليه وسلم خرج يستسقي بأصحابه فتوجه إلى القبلة يدعو وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، رواه البخاري، ومسلم.

- وقتها وصفتها: هي في وقتها وصفتها كالعيد إلاَّ أنه يبدَّل التكبير بالاستغفار بلا حدٍّ، وأمَّا صفتها: فيخرج الإمام لها كما يخرج للعيدين ضُحْوةً فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بالشمس وضُحاها، ثم يتشهد ويسلم، ثم يستقبل الناس بوجهه فيجلس جَلْسَة فإذا اطمأن قام مُتوكئًا على قوس أو عصا، فيخطب ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب الثانية، فإذا فرغ استقبل القبلة فحوَّل رداءه بأن يَجْعَلَ ما على مَنْكبه الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ولا يقلِبُ ذلك، وليفعل الناسُ مثله وهو قائم وهُمْ قُعُودٌ، ثم يدعوا كذلك ثم ينصرف وينصرفون، ولا يُكبِّرُ فيها غير تكبيرة الإحرام، والخفض والرَّفع ولا أذان فيها ولا إقامة، انظر: "كفاية الطالب".

- ما يشرع لأجله طلبُ السُّقْي:

تخلف مطر أو نيل أو قلتهما، أو لقلة جرى عين، أو غورها سواءٌ أكان المستسقون في بلدٍ أم بادية، حاضرين أم مسافرين، حتى ولو كانوا في سفينة، ويجوز تكرار الصلاة في أكثر من يوم إذا لم يحصل السقي أو حصوله ولكنه لا يكفي حاجتهم.

- من يخرج لها: يخرج لها الإمام والناس مشاة بثياب المهنة مع خشوع وخضوع، ويخرج لها كذلك المسلمون الأحرار المكلفون والعبيد، والمسنات من النِّساء، وكذا الصبيان الذين يعقلون القُرَب (الطاعات)، أمَّا من لا يخرج لها باتفاق فالشَّابات الجميلات اللواتي يخشى منهن الفتنة، والحُيَّضِ والنُّفَساء، وأما أهل الذمة فالمشهور أنهم يخرجون مع الناس لا قبلهم ولا بعدهم، ولا يَنْفَرون بيوم.

- ما يُنجب في صلاة الاستسقاء:

1- الاستغفار بلا حدٍّ في خطبتي صلاة الاستسقاء كالتكبير في خطبتي العيد.

2- الخطبتان بعد الصلاة.

3- تحويل الأرْدية للرجال دون النساء بلا تنكيس، وقد تقدَّمت صفته.

4- مبالغة الإمام في الدعاء والتضرع والابتهال في رفع القحط.

5- صيام ثلاثة أيام قبلها، والصدقة بما تيسر، وأمر الإمام بهما وبالثوبة، ورد المظالم والحقوق ونحو ذلك.

ويجوز التَّنفُّلُ في المُصَلَّى قبلها وبعدها بخلاف العيد، والفرق أن المقصود من الاستسقاء الرجوع إلى الله والإقلاع عن الخطايا والتطهر منها، والاستكثار من فعل الخَير.

الاستخارة لُغة: طلبُ الخِيرةِ في الشيء، واصطلاحًا: طلب الاختيار، أي: طلب صرْف الهمَّة لما هو المختار عند الله، والأولى بالصَّلاة أو الدعاء الوارد في الاستخارة.

مشروعيتها: أجمع العلماء على مشروعية الاستخارة؛ لما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها"، كالسورة من القُرآن، "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة.." إلى آخر الحديث. رواه البخاري، والنسائي في "كبرى"، وأبو داود عن جابر رضي الله عنه.

الحكمة من مشروعية الاستخارة: الخروج من التدبير والتسليم لأمر الله والتبرؤ من الحول والطَّوْل والالتجاء إلى الله ليختار له تعالى ما هو خيرٌ له في دنياه وأُخراه. قال ابن أبي حمزة: "والحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خَيرى الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قَرع باب الملك سبحانه وتعالى، ولا شيء لذلك أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء والافتقار إليه

ما تجرى فيه الاستخارة من الأمور:

اتفق العلماء على أن الاستخارة لا تكون إلا في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما الأمور الواجبة والمحرمة والمكروهة، وكذا كل ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف أو شرِّه كالمعاصي والمنكرات فلا حاجة للاستخارة فيها، وقد تكون في الواجب المخيَّر كالحجِّ هل يكون فعله في هذا العام أفضل أم في غيره، وكذا في الرُّفقة فيه، أيرافقُ فلانًا أم لا؟ والاستخارة في المندوب لا تكون في أصله؛ لأن المعروف وجه الخير في فعله، وإنما تكون عند تعارض أو تداخل أمرين من وجوه الخير بأيهما يبدأ.

ما يجب أن يكون عليه المُسْتَخِيرُ:

يجب على مريد الاستخارة أن يصفي نفسه من الميل والهوى والرغبة عند الاستخارة؛ لأن الأمر إذا تمكن منه وقويت فيه عزيمتهُ وإرادتُهُ، فإنه يصير إليه ميلاً وحبًّا، وعند ذلك تنعدم فائدة الاستخارة، ويُستحب أن يستشير قبل الاستخارة من يعلم منه النصح والشفقة والخبرة والثقة بدينه ومعرفته.

كيفية الاستخارة: للاستخارة عدة صور:

1- أن تكون بركعتين غير الفريضة بنيَّة الاستخارة، ثم يكون الدعاء المأثور بعدها.

2- أن تكون بالدعاء فقط من غير صلاة، إذا تعذَّرت الاستخارة بالصلاة والدعاء معًا، كما في تحية المسجد.

3- بالدعاء عقب أي صلاة كانت مع نيتها وهو أولى أو بغير نيتها.

وقت الاستخارة: الاستخارة بالدعاء تجوز في أي وقت من الأوقات، أما الاستخارة بالصلاة والدعاء فجائزة في لأي وقت غير أوقات الكراهة.

- ما يقرأ في صلاة الاستخارة:

يُستحبُّ أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الكافرون، وفي الركعة الثانية بـ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" قال القرطبي: "واستحبَّ بعض المشايخ أن يقرأ في الركعة الأولى بـ "وربُّكَ يخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَخْتَارُ ما كَانَ لَهُمْ الخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وتَعالَى عَمَّا يُشركُونَ"، القصص:68، وفي الركعة الثانية: "ومَا كَانَ لِمُؤمنٍ ولاَ مُؤمِنةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورسولُهُ أمْرًا أن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرةُ مِنْ أمرِهِمْ"، الأحزاب: 36، وكلٌّ حسن.

دعاء الاستخارة:

ويدعوا بدعاء الاستخارة بعد السلام كما جزم بذلك القرطبي وغيره، وذهب العدوى من المالكية إلى جوازه أثناء الصلاة في السجود أو بعد التشهد قبل السلام، واعتمده ابن حجر من الشافعية وابن تيمية من محققي الحنابلة.

- وَصِفةُ الدعاء:

"اللهم إني أستخيرُكَ بِعلمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وأسأَلُك من فَضْلِكَ العَظيم، فإنَّكَ لا تَقدرُ ولا أَقدرُ، وتَعلَمُ ولا أَعْلَمُ، وأنت علاَّمُ الغيوب. اللَّهمَّ إن كُنتَ تَعلمُ أنَّ هذا الأمر (ثم يُسَمِّي حاجته) خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال – عاجل أمري وآجله – فاقْدُرهُ لي ويسِّرْهُ لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنتَ تَعلمُ أنَّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال عاجل أمري وآجله – فاصرفْهُ عَنِّي واصرفني عنهُ، ثم اقدُرْ لي الخيْرَ حيثُ كان، ثم ارْضِني به".

ويُستحبُّ افتتاح الدعاء المذكور بالحمد والصَّلاة والسلام على نبيِّه وختمه بذلك، كما يُستحبُّ كذلك أن يستقبل فيه القبلة رافعًا يديه مراعيًا آداب الدعاء.

توصيف المادة:

أهداف المادة :

تعميق المكتسب المعرفي في فقه العبادات. التمرن على تنزيل الأحكام الفقهية إغتاء في الحياة الخاصة والعامة. اكتساب مهارة توظيف المكتسب المعرفي في الجواب عن الأسئلة الفقهية. التمرن على تنظيم السلوك والعلاقات بالآداب الشرعية السمحة. التمكن من تنظيم الحياة بالعلاقات السمحة وفق الآداب الشرعية.

المراجع المعتمدة:

كتاب: العَرْفُ النَّاشِرْ في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر في الفقه المالكي - تأليف المختار بن العربي مؤمن الشنقيطي.

كتاب:  الفقه المالكي الميسر - لأحمد مصطفى قاسم الطهطاوي.


الأستاذ
كريم الريضاوي