الفقـــــه

برنامج المادة:

أهداف الدرس:
  1. أن أتعرف على كيفية زكاة عروض التجارة
  2. أن أدرك الفرق بين زكاة المحتكر وزكاة المدير من التجار
  3. أن أدرك الحكمة من هذه الأحكام وآثارها الاجتماعية والاقتصادية
 تَمْهِيدٌ: من الأموال التي تجب فيها الزكاة عروض التجارة، والتجارة نوعان: تجارة إدارة وتجارة احتكار، فما كيفية إخراج زكاة عروض التجارة ؟ وما الفرق بين زكاة المحتكر والمدير من التجار ؟ النَّـــظْمُ: قال الإمام ابن عاشر رحمه الله: والعرض ذو التَّجْرِ ودين من أدار*** قيمتها كالعين ثم ذز احتكار زكــى لقبض ثمن أو دين *** عيناً بِشَرْطِ الْحَوْلِ لِلأَصْلَيْنِ الفَهْـمُ
  • شرْحُ المفردات:
العرض: ما سوى النقدين مما لم تجب الزكاة في عينه.ذو احتكار: الذي يتربص بسلعته الأسعار المناسبة لهالحول: العامُ، يقال: حال عليه الحَولُ إذا مضى عليه العامُ.  
  • اِسْتِخْلاَصُ مَضَامِينِ النَّظْمِ: 
  1. أستخلص من المتن أنواع العروض وأنواع التُّجَّارِ.
  2. أُحدد كيفيةَ زكاة العُروض ودين التَّاجر المُدير.
  3. أُلخِّص ما في البيتين من أحكام زكاة التاجر المدير والمحتكر.
التَّحْلِـيـلُ: يشتمل هذا الدرس على ما يلي:

أوَّلاً: زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ

أنواع العرض والتِّجارة:
  • أنواع العرض أربعة، وهي:
  • عَرَضُ قِنْيِةٍ: وهو: ما يقتنيه المرء لاستعماله في شؤون حياته. وهذا لا زكاة فيه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ". [صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس على المسلم في فرسه صدقة].
  • عَرَضُ تِجَارَةٍ فَقَطْ، وهو: ما يشتريه المرء ويعرضه للبيع. وهذا تجب فيه الزكاة، لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع". [سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة].
  • عَرَضُ تِجَارَةٍ وَقِنْيَةٍ، وتجب فيه الزكاة، لنية التجارة فيه.
  • عَرْضٌ لِلْغَلَّةِ والْكِرَاءِ، ولا تجب فيه الزكاة، بل في غلته بشركها.
  • التِّجِارَةُ نَوْعَانِ، وَهِي:
  • تِجَارَةُ إِدَارَةٍ، وهي أن تستقر السلعة بيد صاحبها، بل يبيعها بما يجد من الربح قليلا كان أو كثيراً، كأرباب الحوانيت وجالبي السلع من البلدان.
  • تِجَارَةُ احٍتِكَارٍ، وهو أن يشتري السلعة ولا يبيعها حينها، بل يرصد بها السوق فيمسكها حتى يجد الربح المناسب، ولو بقيت عنده أعواماً.

ثَانِياَ: شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارةِ

تجب الزكاة في عروض التجارة على كل من ملكها، مديراً كان أو محتكراً، إذا توفرت الشروط التالية:
  1. أَنْ يَكُونَ الْعَرَضُ قَدْ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فلا زكاة في عرض الهبة والميراث حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولا.
  2. أَنْ يَنْوِيَ بِالْعُرُوضِ الَّتِي اشْتِرَاهَا التِّجَارَةَ، أو ينوي التجارة والاقتناء، فإن لم ينو شيئا من ذلك فلا زكاة عليه حتى يبيع ويستقبل بالثمن حولاً.
  3. أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فِي العَرَضِ نَقْداً أضوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ، فإن كان عرض قنية، فلا زكاة حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولا.

ثَالِثاً: كَيْفِيَّةُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ التِّجَارِيَّةِ

  • إذا كان التاجر مديرا: يقوِّمُ في كل عام ما عنده من عروض التجارة بثمنها الحالي الذي تباع في السوق، ويضم إليها ما عنده مما ناضٌّ من النقود، ويزكي الجميع.
  • إذا كان التاجر محتكراً: زكى ما باع من سلعته عند قبضه الثمن لسنة واحدة فقط من يوم ملك الأصل إذا كان قد مر على تجارته حول كامل، ولو أقامت العروض عنده أعواماً.
  • إذا كان التاجر محتكرا ومديراً، على السواء، أو كان الاحتكار أكثر: زكى كل مال لوحده. أما إن كانت المداراة أكثر فإنه يزكي الجميع في كل عام، لأن الحكم للغالب.

رَابِعاً: زَكَاةُ الدَّيْنِ

الدين إما أن يكون صاحبه مديراً أو محتكراً:
  • إنْ كَانَ مُدِيراً: قوم الديون المرجو خلاصها وزكاها مع الجميع. وكيفية التقويم: أن يقوم العرض بالثمن الذي يمكن أن يباع به ويزكي تلك القيمة، لحديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة. وفي زكاة المدير قال الناظم:
والعَرَضُ ذُو التَّجْرِ وَدَيْنُ مَنْ أّدَارْ *** قِيمَتُهَا   كَالْعَــــيْــــــنِ ...
  •  إِنْ كَانَ مُحْتَكِراً: فَإِنَّهُ يُزَكِّي دَيْنَهُ بِشُرُوطٍ نُجْمِلُهَا فيما يلي:
  1. أن يكون الدين مترتبا عن أصل كان بيد المحتكر، فإن ترتب عن أصل لم يكن بيده، كدين ورثه، استقبل به الحول بعد قبضه.
  2. أن يكون أصل الدين مالا أو عرض تجارة، فإن كان أصله عرض قنية، فإنه يستقبل بثمنه العام بعد قبضه
  3. أن يقبضه، فلا زكاة عليه قبل قبضه.
  4. أن يكون المقبوض عينا، فلو قبضه عرضا لم تجب الزكاة فيه.
فإذا اجتمعت هذه الشروط زكاه زكاة واحدة بعد مضي حول أصله، لا حول الدين، فلو مكث عنده نصاب ثمانية أشهر ثم داين به شخصا، فأقام عنده أربعة أشهر ثم أخذه فإنه يزكيه، لتمام الحول من أصل الدين. وكذا لو بقي عند المدين أعواما فإنه يزكيه إذا قبضه لعام واحدٍ. وفي هذا قال الناظم: ثم ذو احتكار *** زكى لقبض ثمن أو دين *** عينا بشرط الحول للأصلين  ومما يستفاد من هذا الدرس:
  • عدل الإسلام في تشريع الزكاة بناء على ترويج المال واستثماره.
  • تيسير الإسلام في عدم إيجاب الزكاة فيما لم يستثمر من الأموال.

أهداف الدرس

  • أن أتعرف نصاب زكاة الإبل وسِنَّها.
  • أن أتعرف القدر الواجب إخراجه منها.
  • أن أدرك حكم هذه الأحكام وأثرها.

تمهيــــــد

لا شك أن الإسلام قائم على أساس أن الدين لا ينفصل عن واقع الحياة، وأنه يعمد إلى إسعاف الناس وضمان حاجتهم المعاشية؛ ومما يحقق ذلك إخراج الزكاة مما أنعم الله به على عباده من بهيمة الأنعام التي تعج من أعظم غناء.

فما هي طريقة إخراج زكاة الإبل؟ وما هو نصابها؟ وما الواجب فيها؟

النظــــــــــم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

"في كل خمسة جمال جذعة....يهون"

الفهـــــــــم

الشرح

جذعة: من الضأن ما بلغ السنة الثانية، ما بلغ أربع سنوات ودخل في الخامسة.

ابنة اللبون: بنت الناقة إذا دخلت في السنة الثالثة.

استخلاص مضامين النظم:

  • استخلص كيفية زكاة الإبل قبل بلوغها العدد (25).
  • ألخص ما في الأبيات من أحكام زكاة الإبل.

التحليـــــل

يشتمل هذا الدرس على ما يلي:

أولا: زكاة الإبل:

تنقسم زكاة الإبل إلى قسمين:

  • زكاة من غير جنسها:

لا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغتها أخرجت زكاتها من غير جنسها، شاة عن كل خمس. وهكذا حتى تبلغ خمسا وعشرين. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: (في كل خمسة جمال جذعة.....من غنم). وذلك وفق ما يلي:

  1. عدد الإبل: من 1 إلى 4: والقدر الواجب إخراجها: لا شيء فيها.
  2. عدد الإبل: من 5 إلى 9: والحكم الشرعي: زكاتها من غير جنسها (الغنم)، والقدر الواجب إخراجها: شاة.
  3. عدد الإبل: من 10 إلى 14، الحكم الشرعي: زكاتها من غير جنسها (الغنم)، والقدر الواجب إخراجها: شاتان.
  4. عدد الإبل: من 15 إلى 19، الحكم الشرعي: زكاتها من غير جنسها (الغنم)، والقدر الواجب إخراجها: ثلاث شياه.
  5. عدد الإبل: من 20 إلى 24، الحكم الشرعي: زكاتها من غير جنسها (الغنم)، والقدر الواجب إخراجها: أربع شياه.
  • زكاة من جنسها

فإذا بلغت الإبل خمسا وعشرين فما فوق وجب إخراج الزكاة من جنسها، وذلك حسب ما يلي:

عدد الإبل: من 25 إلى 35، الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنت مخاض.

عدد الإبل: من 36 إلى 45: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنت لبون.

عدد الإبل: من 46 إلى 60: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، القدر الواجب إخراجه: حِقَّة.

عدد الإبل: من 61 إلى 75: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: جِذعة.

عدد الإبل: من 76 إلى 90: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنتا لبون.

عدد الإبل: من 91 إلى 120: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها والقدر الواجب إخراجه: حِقتان.

عدد الإبل: من 121 إلى 129: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: 3 بنات لبون أو حِقتان.

عدد الإبل: 130: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: حِقة وابنتا لبون.

فإذا تجاوزت الإبل مائة وثلاثين وجب إخراج حِقة عن كل خمسين ناقة، وبنت لبون عن كل أربعين، هكذا...

ثانيا: الدليل على زكاة الإبل

والدليل على زكاة الإبل حديث أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمان الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله؛ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط؛ في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها من الغنم، من خكس شاة؛ إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى؛ فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى؛ فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل؛ فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة؛ فإذا بلغت يعني ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل؛ فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ ومن لو يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها؛ فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة". (صحيح البخاري، كتاب الزكتة، باب زكاة الغنم).

وفي ذلك قول الناظم:

(بنت المخاض مُقنعة إلى قوله: وهكذا ما زاد أمره يهون).

ومما يستفاد من هذا الدرس:

من مقاصد تشريع الزكاة في الإسلام دفع حاجة الفقير وسد خلته، وتحقيق الألفة والمودة بين المسلمين.

أهداف الدرس:

  • أن أتعرف أحكام زكاة البقر.
  • أن أتعرف أحكام زكاة الغنم.
  • أن أدرك حكم هذه الأحكام وآثارها الإيمانية والإجتماعية.

تمهيــــــــــد

من أصناف الأموال التي تحقق زكاتها التكافل الاجتماعي الأنعام، خصوصا البقر والغنم.

فما نصاب زكاة البقر؟ وما نصاب زكاة الغنم؟ وما السن والقدر الواجب إخراجه منهما؟

النظــــــــــم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

"عجل تبيع في ثلاثين بقر..... أن ترفع"

الفهــــــــــم

شرح المفردات: تُستطر: تكتب؛ يقال: استطر أي كتب. تُظـــم: تُجمع.

استخلاص مضامين النظم:

  • أبين القدر الواجب إخراجه من البقر إذا بلغت مائة بقرة.
  • أحدد القدر المخرج من الغنم إذا بلغت مائة وثلاثا وعشرين شاة.
  • ألخص من الأبيات كيفية زكاة البقر والغنم.

التحليــــــليشتمل هذا الدرس على ما يلي:

أولا: أحكام زكاة البقر

لا زكاة في البقر إلى تسع وعشرين؛ فإذا بلغت ثلاثين وجب فيها عجل تَبيع، وإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، وإذا بلغت ستين ففيها تبيعان، وإذا بلغت سبعين ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وهكذا...

ويمكن تلخيص زكاة البقر كما يلي:

  1. عدد البقر: من 1 إلى 29: الواجب إخراجه: لا زكاة فيه، سنه: لا زكاة فيه.
  2. عدد البقر: من 30 إلى 39: الواجب إخراجه: عجل تبيع، سنه: ما دخل في الثانية
  3. عدد البقر: من 40 إلى 59: الواجب إخراجه: بقرة مسنة، سنه: ما دخلت في الرابعة.
  4. عدد البقر: من 60 إلى 69: الواجب إخراجه: تبيعان، الواجب إخراجه: تبيع ومسنة.
  5. عدد البقر: من 80 إلى 89: الواجب إخراجه: مسنتان، 
  6. عدد البقر: من 90 إلى 99: الواجب إخراجه: ثلاثة أتبعة.

ودليل زكاة البقر ما رواه الترميذي عن معاذ بن جبل قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة" (سنن الترميذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر)

وإلى حكم زكاة البقر أشار الناظم بقوله:

"عجل تبيع في ثلاثين بقر ... مسنة في أربعين تستطر ... وهكذا ما ارتفعت"

ثانيا: أحكام زكاة الغنم

لا زكاة في أقل من أربعين من الغنم؛

  • فإذا بلغت أربعين ففيها شاة، ولا يزال يعطي واحدة إلى مائة وعشرين؛
  • فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتين؛
  • فإذا بلغت مائتين وواحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين؛
  • فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه. ثم لا يعتبر بعد ذلك إلا المئون، فلا يزال يعطي أربعا إلى أن تكمل خمسمائة ففيها خمس شياه، ثم كذلك إلى ستمائة ففيها ست شياه، وهكذا في كل مائة شاةٍ شاةٌ؛ ويمكن تلخيص زكاة الغنم كما يلي:
  1. عدد الغنم: من 1 إلى 39: الواجب إخراجه: لا زكاة فيه.
  2. عدد الغنم: من 40 إلى 120: الواجب إخراجه: شاة/ جذعة (ما دخل في الثانية).
  3. عدد الغنم: من 121 إلى 200: الواجب إخراجه: شاتان.
  4. عدد الغنم: من 201 إلى 399: الواجب إخراجه: ثلاث شياه.

واللازم إخراجه في زكاة الأنعام إنما هو الوسط، فلا تؤخذ كرائم أموال الناس؛ كالبهائم التي تسمن لتؤكل ذكرا كانت أو أنثى، وكالفحل المعد للضراب، وكذات الولد، وذات اللبن؛ كما لا تؤخذ شرارها: كالسخلة، وهي الصغيرة، وكالعجفاء، وهي كالمريضة، وكذات العيب مطلقا.

ودليل وجوب زكاة الغنم حديث أنس رضي الله عنه في الصحيح وفيه: "... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين الى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم). وفي زكاة الغنم قال الناظم:

"ثم الغنم شاة لأربعين إلى قوله: شاة لكل مائة إن ترفع"

ومما يستفاد من هذا الدرس

عدل الإسلام في إخراج الوسط في زكاة الأنعام، حيث لا تؤخذ كرائم أموال الناس، كما لا تؤخذ شرارها وذوات العيوب منها.

أهدافُ الدَّرس:

  • أنْ أتعرَّف حُكْمَ وكيفيَّةَ زكاةِ الأرباحِ والنَّسل.
  • أَنْ أتعرَّف الأصنافَ التي لا تُزَّكى.
  • أَنْ أُدرِكَ الحِكمةَ مِنْ عَدَمِ إيجابِ الزكاة فيما لا زكاةَ فيه

تمهيدٌ:

أَوجَبَ الشَّرعُ الزكاة في الأُصولِ الماليَّةِ والأنعامِ، كما أوجَبَها فيما يَتْبَعُها مِنْ أرباحٍ ونَسْلٍ. واسْتَثْنى السَّادةُ المالكية مِن الزَّكاة أصنافاً؛ لِعَدَمِ اشتمالها على الشُّروط التي تُناطُ بها الزكاة.

فمَا حُكْمُ زكاة الأرباحِ والنَّسلِ؟ وما هيَ الأصنافُ التّي لا تُزَكّى؟

النَّظمُ:

وحول الأرباح ونسل كالأصول *** والطَّاري لا عمّا يُزَكَّى أن يحـول

ولا يُزكَّى وقص من النّعــم *** كذاك ما دون النصاب وليعُـم

وعسل فاكهة مع الخضـــر *** إذ هي في المقتات مما يدَّخـــر

شرح المفردات:

وَقَصٌّ: هو ما بينَ الفَرْضَيْنِ في زكاة الماشيةِ، المُقتاتُ: ما اتَّخَذَهُ النَّاسُ قوتاً لهم يقتاتونهُ ويعيشون بهِ، يُدَّخَرُ: يُخَبَّأُ؛ والمرادُ ما يطولُ بقاؤُهُ دون أَن يفسُدَ.

التَّحليل:

أوَّلاً: حَوْلُ رِبْحِ المال

الرِّبحُ: ما زادَ على ثمنِ الشَّيءِ المُشتَرى للتِّجارة بسبب البيع، والحَوْلُ المُعتَبَر في الرِّبح هو: حَوْلُ أصلِ هذا المال، ولا فَرق:

  • بيْنَ أن يكونَ أصلُ الرِّبح نصاباً؛ كمَنْ عندهُ مَبلغٌ ماليٌّ يُساوي النِّصابَ وأقامَ عندَهُ عشرةَ أَشهُرٍ، ثمَّ اشترى به سلعةً بقيتْ عندهُ شهرينِ، ثُمَّ  باعها بقدْرِ النِّصابِ، فإنَّهُ يَزكِّي  حينئذٍ الأصلَ وربحَهُ.
  • وبينَ أن يكونَ غيرَ بالغٍ للنِّصاب؛ كمَن عندهُ مبلغٌ ماليٌّ دونَ النصاب أقامَ عندَهُ بعضَ الحَولِ، ثمَّ اشترى بهِ سِلعةً، ثمَّ باعها عند كمال الحَولِ بقدر النِّصاب، فيزكِّي حينئذٍ؛ لتقديرِ الرِّبحِ كامناً في أصلِهِ مِنْ أوَّل الحَوْلِ.

ثانياً: حولُ نَسلِ الأنْعَام

المُعتَبر في حَول نسل الأنعام هو حولُ أمهاتها. ولا فرقَ:

  • بينَ أن تكونَ الأمهاتُ أقلَّ مِن النّصاب؛ فمن كان عندَه ثلاثونَ مِنَ الغنم، فتوالدت عند قربِ الحول وصارت أربعينَ ولو قبل الحول بيومٍ، وَجَبَ عليهِ زكاتُها كُلِّها؛ لأنَّ حولَ ما ولدتْهُ حولُ أمّهاتها.
  • وبينَ أن تكونَ الأمهات نصاباً: كمَن كانَ عندَهُ ثمانونَ شاةً، فلمّا قَرُبَ تمامُ الحَولِ توالدتْ وصارت مائةً وإحدى وعِشرين فإنَّهُ تجِبُ فيها شاتانِ؛ لأنَّ حولَ النَّسل حولُ الأمّهات. وفي حُكمِ زكاةِ الرِّبح والنَّسل قال النّاظمُ: (وحولُ الأرباح ونسلٍ كالأُصول).

ثالثاً: ما لا يُزكّى

هناكَ أموالٌ لا تدخُلها الزَّكاةُ عندَ علماءِ المالكيَّة؛ منها:

  1. الطَّارئُ على الماشية؛ وهو: ما يطرأُ على الماشيَةِ مِنْ غيرِ ولادةٍ بل بشراءٍ أو إرثٍ أو هِبَةٍ، فإذا طرأ على ما لا يزكّى منها؛ لكونه أقلَّ من النصابِ فإنَّهُ لا تجبُ فيه الزَّكاةُ وقتَ طُرُوِّهِ حتى يحولَ الحولُ على مجموعهما؛ فيستَقبلُ بالجميع: ما كانَ عِنْدَهُ وما طرأَ عليه حَولاً مِنْ حين كمالِ النِّصاب؛ فمَنْ كانَ عندَهُ وما طرأَ عليهِ حولاً مِنْ حينِ كمالِ النِّصاب؛ فَمَن كان عنده ثلاثونَ شاةً مِنَ الغنمِ، وأقامتْ عِندَهُ أَحَدَ عشرَ شَهراً، ثمَّ اشترى عشرة أخرىٰ أو وُهِبَت له أو ورثها، فإنَّه يستقبلُ حولاً بالجميعِ. وفي هذا قولُ النّاظمِ: (والطَّاري لا عمَّا يُزكّى أَنْ يحولْ).
  2. الوَقَصْ؛ وهو: ما بينَ الفرضين مِن زكاةِ النَّعَم؛ فلا تَجِبُ فيه الزَّكاةُ. فَمَن كانَ عنده مائةٌ وعشرون نت الغنم فالواجب عليه شاةٌ واحدةٌ، والثمانونَ الَّتي بين الأربعينَ والمائة والعشرينَ وقَصٌ لا زكاةَ فيها. وذلك قولُ النّاظم: (ولا يُزكّى وقَصٌ مِن النَّعَم).
  3. ما دونَ النّصاب؛ فلا تجبُ الزّكاة فيما دونَ النِّصاب في جميعِ ما يُزكّى مِن الأموالِ؛ لحديثِ أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليس فيمَا دونَ خمْسِ ذَوْذٍ صَدَقةٌ، وليسَ فيما دونَ خمسِ أواقٍ صدقةٌ، وليسَ فيما دونَ خمسةِ أَوْسُقٍ صدقةٌ»((الموطأ، كتاب الزكاة، ما تجب فيه الزكاة)). وهذا مرادُ الناظمِ بقوله: (كذاكَ ما دونَ النِّصابِ ولْيُعَم).
  4. العَسل: فلا تجبُ الزكاة في العسل؛ لحديث أبي بكرٍ بنِ حزمٍ أنه قال: «جاءَ كتابٌ مِنْ عمَرَ بنِ عبد العزيزِ إلى أبي وهُوَ بِمِنىً: أَنْ لا يأخذَ من العسلِ ولا مِنَ الخَيلِ صدقةً»((الموطأ، كتاب الزكاة، ما جاء في صدقة الرقيق، والخيل والعسل)).قال البخاريُّ: «ولَمْ يَرَ عُمَرَ بن عبد العزيزِ في العسل شيئاً»((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء)).
  5. الفواكه والخُضَر؛ لأنها إنما تجب فيما يقتات ويدخر، والفواكه والخضر ليست كذلك؛ لحديث معاذ رضي الله عنه أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات، وهيَ البُقُول؟ فقال: «لَيْسَ فيها شيءٌ». [سُنن الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الخضراوات] وقال مالكٌ: «السُّنَّة التي لا اختلافَ فيها عندنا، والذي سمعتُ مِن أهل العلمِ أنَّهُ ليس في شيءٍ مِن الفواكِهِ كُلِّها صدقةٌ: الرُّمان، والتينِ وما أشبهَ ذلكَ...»((الموطأ، كتاب الزكاة، ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول)). وفي كلِّ ذلك قولُ الناظم:

(وعسلٌ فاكِهَةٌ مَعَ الخُضَر *** إِذْ هيَ في المُقْتاتِ  مِمَّا يُدَّخر).

ممَّا يُستفادُ من هذا الدَّرس:

  • يسر الإسلام وحكمته في عدم إيجاب الزكاة في بعض أنواع الأموال.
  • الرفق بالفقراء والمحتاجين في إيجاب الزكاة في الربح والنَّسل.

أهداف الدّرس:

  • أَنْ أتعرَّف الأصناف التي يضم بعضها إلى بعض في الزكاة.
  • أن أدرك الفرق بين هذه الأصناف، وكيفية إخراج زكاتها.
  • أن أدرك الحكمة من ضم بعض الأصناف في الزكاة.

تمهيدٌ:

قد يكون بعض الأصناف ناقصاً عن النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وحتى لا يضيع حق الفقراء شرعت الشريعة ضم بعض الأصناف إلى بعضٍ.

فما الأصناف التي يضم بعضها لبعض؟ وما كيفية إخراج زكاتها؟

النَّظم:

ويحصل النِّصـاب من صنفين *** كذهب وفضة من عين

والضَّأنُ للمعز وبُخْتُ للعراب *** وبقر إلى الجواميس اصطحــاب

القمح للشَّعيرللسُّلتِ يُصـار *** كذا القطاني والزبيب والثمار

شرح المفردات:

الجواميسُ: مفردهُ جاموسٌ، نَوْعٌ مِن البقر بالمشرقِ، السُّلْتُ: نوعٌ مِن الشَّعير لا قِشْرَ لهُ، يُصارُ: يضمُّ بعضه إلى بعضٍ.

التحليل:

يشتمل هذا الدرس على ما يلي:

أولاً الضَّمُ بين أصنافِ الزكاةِ

لا يشترطُ في كمالِ النِّصاب كونُهُ من صنفٍ واحدٍ، بل لا فرقَ بين كونه من صنف واحد أو من صنفين أو أكثر، وذلك حسب التفصيل الآتي:

  1. الضَّم في زكاةِ العَيْنِ: لا فرق في زكاة العين بين كونها صنفا واحداً أو ملفقة من صنفين أو ثلاثة؛ فمن كان عنده نصف النصاب من الذهب (عشرة دنانير)، والنصف الآخر من الفضة (مائة درهم)، وجبت عليه الزكاة لاكتمال النصاب، وهذا قول الناظم:

(ويحصُلُ النِّصـابُ مِن صنفين *** كذهبٍ وفضةٍ مِـــــن عينِ)

  1. الضم في زكاة الماشية: لا فرق في زكاة الماشية بين كون نصاب الغنم كله ضأنا، أو كله معزاً أو ملفقا منهما؛ كعشرين من كل منهما، ولا بين كون نصاب الإبل كله عراباً، أو كله بختا أو ملفقا منهما؛ كاثنينِ من العراب وثلاثة من البخت، ولا بين كون نصاب البقر كله بقرا، أو كله جواميسَ أو ملفقاً منهما؛ كخمسة عشرَ من كلّ منهما. وإلى جميع ذلك أشار الناظم بقوله:

(والضَّأنُ للمَعْزِ وبُختٌ للعِرابْ *** وبَقَرٌ إلى الجواميس اصطحاب)

  1. الضَّم في زكاة الحرث: لا فرق في زكاة الحرث بين كون النصاب كله قمحاً أو شعيراً أو سُلتاً، وبين كونه ملفقا من الثلاثة، أو من اثنين منهما؛ لأنّ هذه الثلاثة أنواعٌ لجنس واحد، ولا في القطاني بين كون النصاب من نوع واحدٍ، أو ملفقاً من نوعينِ أو أكثر، على المشهور، ولا في الزبيب بين كون النِّصاب كله أحمَرَ، أو كُلِّه أسودَ، أو ملفقاً منهما، ولا في التَّمر بين كونِ النصاب كله من صنفٍ واحد أو أكثر. وإلى الجمع في زكاة الحرث يشيرُ الناظمُ بقوله:

(والقَمْحُ للشَّعيرِ للسُّلْتِ يُصارْ *** كذا القطاني والزَّبيبُ والثِّمار)

ومِمّا يُستفادُ من هذا الدّرس:

  • طاعةُ المؤمن بأداءِ ما أوجبه الله من الزكاة فيما يضمّ من الأصناف.
  • توسيعُ قاعدة التضامنِ في المجتمعِ بضمِّ الأصناف لبعضها البعض.

أهداف الدرس:

  • أن أتعرف الأصناف التي تصرف لها الزكاةُ.
  • أن أدركَ أحكام زكاة الفطر وحكمتها.
  • أن أستشعر فضل الزكاةِ في رعاية حقوق الله وحقوق العباد.

تمهيد:

بيَّن القرآن الكريم الأصناف التي تصرف لها الزكاة حتى تصرف في وجوهِ المستحقين من أهل الفاقة والحاجة رعايةً لحقوقهم؛ سواءٌ في زكاةِ الأموالِ أو في زكاة الفطر اهتمّت الشريعة كذلك ببيانِ أحكامها وحكمها.

فما الأصناف التي تُصرَف لها الزَّكاةُ؟ وما هيَ أحكامُ زكاة الفِطر.

النَّظم:

قال الإمام ابن عاشرٍ رحمه الله:

مَصْــرِفهَا الفَقير والمسكينُ *** غازٍ وعتقُ عاملٌ مديــــنُ

مُؤلَّفُ القلبِ ومحتاجٌ غـريبْ *** أحرارٌ إسلامٌ ولم يُقبل مُريــب

فصل زكاة الفطر صاعُ ُ وتَجِب *** عَنْ مُسْلِمِ ومَنْ بِرِزْقِهِ طُلِبْ

مِنْ مُسْلِمٍ بِجُلِّ عَيْشِ القَــوْمِ *** لِتُغْنِ حُراً مُسلماً في اليـومِ

شرح المفردات:

مُريبٌ: مشكوكٌ في أَمْرِهِ، صاعٌ: الصَّاعُ أربعةُ أَمْدَادٍ (حَفَناتِ بيَدَيْنِ متوسِّطتينِ غَيْرِ مَقبوضتينِ ولا مبسوطَتَيْنِ).

التحليل:

أولاً: الأصنافُ التي تُصرف لها الزَّكاةُ

الذين تدفع لهم الزكاة هُمُ الأصناف الثمانيةُ المذكورونَ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾((التوبة: 60)) ولا يُطلبُ دفع الزكاة لجميع الأصناف الثَّمانية، بل يجوزُ إعطاؤها لصنفٍ أو لصنفينِ، فاللامُ في قوله تعالى: ﴿للفقراء﴾ لبيان المصرف والاستحقاقِ للمِلك. وتفصيلُ الأصنافِ كالتّالي:

  • الفقيرُ: وهوُ مَن مَلك شيئاً لا يكفيهِ لعامِهِ؛ فيُعطى مِن الزكاة ما يتم به كفايةَ عامه.
  • المِسكينُ: وهو من لا يملكُ قوتَ يومِه. وفي حكم الفقير والمسكين، قال الناظم: (مَصْرِفُها الفقيرُ والمسكينُ).

قالَ اللَّخميُّ: «من ادَّعى أنه فقيرٌ صُدِّق ما لم يَكُنْ حالُه يوحي بخِلاف ذلك، ومن ادَّعى أنَّ له عيالاً ليأخذَ لهم كُشِفَ عن حاله، وإن كانَ معروفاً بالمال كُلِّف بيانَ ذهابِ ماله». وعليه نبَّه الناظم بقوله: (ولَمْ يُقبَل مُريبْ).

  • الغازي في سبيل الله تحت راية إمام المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿وفي سبيلِ الله﴾((التوبة: 60)).
  • تحريرُ الرِّقاب، وهذا مِن محاسِنِ الإسلامِ فقد دعا إلى تحرير الإنسانِ من كل أشكالِ الرِّق لتخلُصَ العبوديَّة لله تعالى، وتتحقق كرامة الإنسان.
  • العاملُ عليها؛ وهُوالمكلَّف من قِبَلِ السلطان بجلبها وتفريقها. ويعطى من الزكاة ولو كانَ غنيّا؛ لأنه يأخذها على أنها أُجرتُهُ.
  • المَدينُ؛ وهو: المرادُ في الآية بالغارمِين؛ فمن كان عليه دينٌ استدانه في مباحٍ، وعجز عن تسديدهِ أعطيَ مِنَ الزَّكاةِ.
  • المُؤلَّفة قلوبهُم؛ وهُم حديثوا العَهْدِ بالإسلامِ يُعطَوْنَ من الزكاة إكراماً لهم، وتأليفاً لِقلوبهم.
  • المسافر الغريب: وهو المراد بابنِ السَّبيل؛ فتدفع له كفايتُه ولو كانَ غنيا ببلده؛ ليستعينَ بذلكَ على الوصول لبلده أو على استدامة سفره، ولا يلزمه ردها إذا وصل إلى بلده. وفي حُكمِ المُؤَلَّفة قلوبهم والمسافرِ قال النَّاظم: (مُؤَلَّفُ القلبِ ومحتاجٌ غريبْ).

ثانياً: أحكامُ زكاة الفِطر

زكاة الفطر صدقةٌ للفقراء والمساكين عند الفطر من رمضان، طُعمةً للمساكينِ وطُهرةً للصائم. وسميت زكاة الفطر؛ لأنّ الفطر من رمضان يومَ العيدِ سببٌ لوجوبها؛ وبيانُ أحكامها في الآتي:

      1. حكمها:

زكاةُ الفطر واجبةٌ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعيرٍ على العبد والحر، والذّكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين...». ((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر)).

      1. قدرها:

المقدار الذي يُخرج في زكاة الفطر صاعٌ؛ وهو: أربعةُ أمدادٍ من طعامٍ بمُدِّه عليه الصلاة والسلام؛ لحديثِ أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ».[صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاعاً  من طعام]. وفي قدْرِهَا قال الناظم: (فَصْلُ زَكَاةُ الفِطر صاعٌ).

      1. على من تجب؟

تجب على المسلم إذا قدر على أدائها؛ فيخرجها عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته من زوجة وأبوينِ وأولادٍ إذا كانوا مسلمينَ. وذلك قول الناظم: (وتَجِبْ *** عَن مسلمٍ ومَن برزقه طُلِب *** مِن مُسلمٍ) .

      1. مم تخرج؟

يخرجها المسلم من غالب قوت البلد؛ فإن كان قوته أفضل من قوت أهل البلد استُحِبَّ له أن يخرج منه ويجزئهُ؛ وإن كانَ دونَ قوت البلد أخرج مِن قوت البلد. وهذا ما أشار له النَّاظمُ بقوله: (بِجُلِّ عَيْشِ القَومِ).

      1. لمن تُدفَع؟

تختصُّ زكاة الفطر بالفقير والمسكين، فلا تدفع للأصناف الأخرى؛ لأنها طُهرةٌ للصائمِ وطُعمَةٌ للمساكين.

      1. هل يجوز إخراجُها نَقداً؟

المشهورُ في مذهب مالك أنها تخرج من قوت البلد؛ لكن تُجزئُ القيمةُ عمَّن أخرجها نقداً، وقد أصدرت الأمانةُ العامة للمجلس العلمي الأعلى فتوى تتضمن جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة.

      1. متى تُخرج؟

في وقت إخراج زكاة الفطر قولان:

الأوَّلُ: إخراجُها بعد طلوعِ الفجر من يوم الفِطر إلى حين الغُدُوّ للمُصلّى؛ لحديث ابنِ عُمَرَ رضيَ الله عنهما: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلَّم أمَرَ بزكَاةِ الفِطْرِ قَبلَ خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ»((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد)).

الثَّاني: إخراجها قبل العيد بمدة يسيرةٍ كاليوم واليومينِ ونحو ذلك؛ لحديثِ البخاريِّ: «وكَانوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيومٍ أَوْ يَوميْنِ»((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الحر والمملوك)).

والمستحبّ إخراجها بعد طلوع الفجر وقبل الذهاب إلى المصلى.

      1. هل تسقط بمَضيِّ زَمنها؟

لا تَسقُط زكاة الفطر عن المسلم بمضيّ زمنها، بل هيَ باقيةٌ في ذمّته أبداً حتى يخرجها ولو مضى عليها، ويأثمُ مَنْ أخَّرها عن يومِ العيد لغيرِ عذرٍ شرعيّ.

      1. مكان إخراجها:

تُخرج زكاةُ الفطر حيثما صام الإنسان؛ ولا يُعدل عن ذلكَ إلاّ لحاجةٍ أو مصلحةٍ، ويستحب للمسافر إخراجها في المكان الذي هو فيه عن نفسه وعن أهله، فإن أخرجها أهله عنه أجزأه.

ومِمّا يستفاد من هذا الدرس:

  • سدّ حاجات المحتاجين من الفقراء والمساكين والمدين وابن السبيل.
  • تطهير الصائم من اللَّغو والرَّفث
  • إغناءُ المحتاجِ عن السؤال يوم عيد الفطر بإخراج زكاة الفِطر قبل صلاةِ العيد.

أهداف الدّرس:

  1. أَن أتعرف أحكام الصّيام.
  2. أن أدرك الفرق بين الصيام الواجب والمندوب.
  3. أن أستحضر الأسبابَ الشَّرعية لثبوتِ شهر رمضان.

تمهيدٌ:

الصومُ من العبادات العظيمة؛ وهو نوعان: واجبٌ، وتطوّع؛ ومن الواجب صيام شهر رمضان، وقد وضع الشَّرع لثبوته علاماتٍ.

فما صيامُ الفرض؟ وما صيام التطوع؟ وما حكم صيام شهر رمضان؟ وما العلامات التي يثبتُ بها شهر رمضان؟

النَّظم:

قال الإمام ابنُ عاشر رحمه الله:

صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَبَا *** فِي رَجَبٍ شَعْبَانَ صَوْمٌ نُدِبَا

كَتِسْعِ حِجَّةٍ وَأَحْرَى الآخِرُ *** كَذَا الْمُحَرَّمُ وَأَحْرَى الْعَاشِرُ

وَيَثْبُتُ الشَّهْرُبِرُؤْيَةِ الْهِلاَلْ *** أَوْ بِثَلاَثِينَ قُبَيْلاً فِي كَمَالْ

شرح المفردات:

الهلالُ: القَمَرُ عندَ ما يبدو أوَّل الشهر، قُبيلاً: تصغيرُ قَبلَ، ضدّ بعد.

التّحليل:

أولاً: تعريفُ الصِّيام وحُكمه وأنواعه

      1. تعريف الصيام في اللغة:
مطلق الإمساك والكفّ؛ فكلّ من أمسكَ عن شيءٍ يقال فيه: صائمٌ عنه، كمن أمسك عن الكلام فهو صائم عنه.

في الشرع: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى.

      1. حكم صيام رمضان

صيام شهر رمضان واجبٌ؛ لأنه ركن من أركان الإسلام. دليل ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ﴾((البقرة: 182-183))، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ﴾((البقرة: 184))، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَان»((صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي: بني الإسلام على خمس))، وإلى حكم صيام رمضان أشار الناظم بقوله: (صِيامُ شهرِ رمضانَ وَجَبا).

ثانياً: ثُبوتُ دُخول شهرِ رَمضان

يثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال رؤيةً مستفيضةً، أو بشهادة عدلين أنهما رأياهُ، أو بإكمالِ عدة شعبان ثلاثين يوماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»((صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)).

وإلى بيان ما يثبتُ به دخول شهر رمضان يشير الناظم بقوله: (ويثْبُتُ الشَّهرُ برؤيةِ الهِلال *** أَوْ بثلاثينَ قُبَيْلاً في كَمَال).

ثالثاً: الصِّيامُ المُستحَبُّ

من الشهور التي يستحبّ الصوم فيها:

  • رجبٌ؛ لقول عثمان بن حكيمٍ الأنصاريِّ: سألتُ سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ عن صومِ رجبٍ ونحنُ يومئذٍ في رجب فقال: سمعتُ ابنَ عبَّاس رضي الله عنهما يقول: «كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم يصومُ حتَّى نَقولَ: لا يُفطِرُ، ويُفطرُ حتَّى نقولَ: لا يَصُومُ»((صحيح مسلم كتاب صيام، باب صيام النبي في غير رمضان، واستحباب أن لا يخلي شهراً عن صوم)).
  • شهر شعبان، ويستحب الإكثار من الصيام فيه لاسيَّما نصفه الأول؛ لقول عائشة رضيَ الله عنها: «مَا رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ»((السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصيام، باب الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء)).
  • صوم التِّسعِ الأوّل مِنْ شهر ذي الحجة، ويتأكَّد استحبابُ صوم الأخير منها، وهو يوم عرفة لغير الحاجّ؛ لقول حفصة رضي الله عنها: « أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ  : صِيَامَ عَاشُورَاءَ ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْغَدَاةِ»((سنن النسائي الكبرى، كتاب الصيام، كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر)).
  • صيامُ شهر المحرم؛ ويتأكد استحباب العاشر منه وهو يوم عاشوراء؛ لقوله عليه الصَّلاة والسلام لمّا سُئِلَ: أيُّ الصِّيام أفضل بعد شهر رمضانَ؟: «وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ».((صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم))، وفي صيامِ النَّدب قال النَّاظِمُ: (في رجبٍ صَوْمٌ نُدِبَا..إلى كَذا المُحَرَّمُ وأحْرَى العَاشِر).

ممّا يستفادُ من هذا الدرس:

  • اكتسابُ التقوى وضبطُ النّفس والجوارح.
  • تنبيه الصائم على مواساة المُحتاجِ ورحمته.
  • استحبابُ الإكثار مِن صيام النَّفل.

أهداف الدرس:

  • أَن أتعرَّفَ فرائض الصيام.
  • أن أدرك شروط الصيام وموانعه.
  • أن أتمثل هذه الأحكام في صيامي.

تمهيد:

مِن معالم الشريعة وأركان الإسلام صوم رمضان؛ ووجوبُه معلومٌ من الدِّين ضرورةً، وله فرائض وشروط وموانع.

فما فرائض صيام رمضان؟ وما شروطه؟ وما موانعه؟

النَّظمُ:

فَرْضُ الصِّيَامِ نِيَّةٌ بِلَيْلِه *** وَتَرْكُ وَطْءٍ شُرْبِهِ وَأَكْلِهِ

وَالْقَيْءِ مَعْ إِيصَالِ شَيْءٍ لِلْمَعِدْ *** مِنْ أُذُنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ أَنْفٍ وَرَدْ

وَقْتَ طُلُوعِ فَجْرِهِ إِلَى الْغُرُوبْ *** وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ

وَلْيَقْضِ فَاقِدُهُ وَالْحَيْضُ مَنَعْ *** صَوْمًا وَتَقْضِي الْفَرْضَ إِنْ بِهِ ارْتَفَعْ

شرح المفردات:

القَيْءُ: يقالُ: قاءَ ما أَكَلَهُ، ألقاهُ مِن فمهِ، للمَعِدِ: جمعُ مَعِدَةٍ؛ وهيَ: موضعُ هَضْمِ الطَّعام قبل انحِدَارِهِ إلى الأمعاءِ.

التّحليل:

أولاً: فرائِضُ الصِّيام

الصيام سواء كان واجباً أو مندوباً، له فرائضُ لا يصحّ إلا بها، وهيَ:

  1. النِّية؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾((البيّنة: 5))، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَم يُبَيِّتْ الصِّيامَ قبلَ طُلوعِ الفَجْرِ فلا صيامَ لهُ»((سنن الدارقطني، كتاب الصيام، باب بعد الشهادة على رؤية الهلال))، وينبغي تبييتُ النية من الليل؛ بأن ينويَ الصيام في جزء من أجزاء الليل ولا يُشترط اقترانها بالفجر؛ لصعوبة ذلك، ويصحُّ إيقاعها في جميع أجزاء الليل إلى الفجر، وفي فرض النّية يقول الناظم: (فَرضُ الصِّيامِ نيَّةٌ بليله).
  2. تركُ الوطء ومقدّماتِه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ؛ وَقَعْتُ على أَهلي في رمَضَانَ قال: «أَعْتِقْ رَقبةً... الحديث»((صحيح البخاري، كتاب الآداب، باب التبسم والضحك)).
  3. عدم إيصال طعام أو شراب إلى الحَلق أو المعدة مِن منفذٍ واسع:كالفم والأنف والأذن؛ لقول ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما: «الصَّومُ مِمّا دَخَلَ وليسَ مِمَّا خَرَجَ»((البخاري، كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم)). وإلى هذه الفرائض يشيرُ النّاظمُ بقوله: (وتركُ وطءٍ شُربِهِ وأَكْلِه).
  4. تركُ إخراج القيء؛ فمن استقاء عامداً ولم يرجع شيئاً إلى جوفه فعليه القضاءُ؛ وأمّا غلبةً دون استقاءٍ فلا شيءَ عليه إن لم يرجع شيءٌ إلى البطن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن ذَرَعَهُ قَيْءٌ وهو صائِمٌ، فليسَ علَيْهِ قَضاءٌ، وإِنْ اسْتَقاءَ فَلْيَقْضِ»((سنن أبي داود، كتاب الصيام، باب الصائم يستقي عامداً)). قال ابنُ القَاسِم: «والفَريضَةُ والنَّافِلَةُ في ذلكَ سَواءٌ».

ثانياً: شُروطُ الصِّيام

تتنوَّعُ شروط الصيام إلى ثلاثة أنواع:

      1. شُروطُ وجوبٍ فقط؛ وهيَ ثلاثةٌ:

أ. البلوغ؛ فلا يجبُ على من لم يبلغ حدّ التكليف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «رُفِعَ القَلَمُ عَن ثلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيْقِظَ، وعَنْ المُبْتَلى حتَّى يَبْرَأْ، وعن الصَّبِيِّ حتَّى يَكْبَر»((سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق)).

ب. الصِّحة؛ فلا يجبُ الصوم على المريض.

ج. الإقامة؛ فلا يجبُ على المسافر؛ لقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ ﴾((البقرة: 183)).

      1. شروطُ صِحَّة فقط؛ وهيَ اثنانِ:

أ. الإسلامُ؛ فلا يَصِحُّ الصيام من غير المسلم.

ب. الزَّمان القابل لوقوع الصوم الواجب؛ وهو شهرُ رمضان لا غيرُ.

      1. شروط وجوب وصحة؛ وهي ثلاثةٌ:

أ. العقل؛ فلا يجب على المجنون والمعتوه ولا يصح منهما؛ لفقدان العقل. وذلك قول الناظم:  (وذلك قول الناظم:  (وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ وليَقضِ فاقدُهُ).

ب. النّقاء من دم الحيض والنفاس؛ فلا يجبُ الصوم على الحائضِ والنَّفساء ولا يصحّ منهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ»؟ قُلْنَ: بلى. قال: «فَذَلِكَ مِنْ نُقصانِ دينِهَا»((صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم)).

ج_ ثبوتُ دخول شهر رمضان؛ فلا يجبُ ممَّن صامه قبل دخوله؛ لأنه لم يجب عليه بعدُ.

ثالثاً: موانعُ الصِّيام

الحيضُ مانع من الصوم، سواء كان الصوم واجباً أو غير واجب؛ فإذا ارتفعَ الحيض وجب على المرأة قضاءُ صوم الفرض دون الصلاة؛ لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: «كانَ يُصيبُنا ذلكَ فَنُؤمَرُ بِقضاءِ الصَّومِ ولا نُؤمَرُ بقضاءِ الصَّلاةِ»((صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض...)).

وفي اعتبار الحيض مانعاً من الصوم قال الناظم: (................ والحيضُ مَنَعْ *** صَوْماً وتَقْضي الفَرْضَ إِنْ بِهِ ارتَفَع).

ومما يستفاد من هذا الدرس:

  • عقد العزم على العبادة قبل أدائها.
  • وجوب قضاء ما فات من العبادات.
  • تحرِّي مجانبةُ إبطال العبادة بفعل ما يُنافيها.
  • يُسرُ الإسلام ورحمتُه بالمرأة.

أهداف الدرس:

  • أن أتعرف مكروهات الصيام.
  • أن أدرك ما يباح في الصيام.
  • أن أتجنب المكروهات في صيامي.

تمهيد:

يمتنع المسلمون في شهر رمضان المفطرات نهارا، غير أنه قد يصدر من بعض الناس مكروهات تتنافى وقُدسية الصيام في رمضان، أو أمور يغتفر وقوعها في الصيام.

فما مكروهات الصيام؟ وما الأشياء المغتفرة في الصيام؟

النظم:

قال الإمام ابن عاشر رحمه اللهُ:

وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْبًا مِنَ الْمَذْيِ وَإِلاَّ حَرُمَا

وَكَرِهُوا ذَوْقَ كَقِدْرٍ وَهَذَرْ *** غَالِبُ قَيْءٍ وَذُبَابٍ مُغْتَفَرْ

غُبَارُ صَانِعٍ وَطُرْقٍ وَسِوَاكْ *** يَابِسٌ اصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ

الشرح:

اللَّمسُ: المَسُّ باليدِ، يقالُ: لمَسَهُ إذا مسّهُ، هَذَرٌ: الهَذَرُ، الكلامُ الذي لاَ يُعْبَأُ به ولا فائدةَ منهُ مِثلُ الهَذَيانِ.

التحليل:

أولاً: مكروهاتُ الصِّيام

مكروهات الصيام؛ هيَ: الأمور التي يكره للصائم فعلها في نهار رمضان، ولكن يبقى صيامه صحيحاً؛ وهيَ:

  1. لمسُ الزوجة؛ أو ما يقوم مقام اللمس، بلذة؛ والحكم في ذلك على التفصيل الآتي:
      • إذا تيقّن الصائم عادته السلامة من خروج المذي ففعله مكروه.
      • إن كان يعلم من نفسه عدم السلامة من خروج المذي ففعله حرام.
      • إذا شك في السلامة من خروج المذي فقيل: حرام، وقيل: لا يحرم.

قال مالكٌ: «لا أحِبُّ للصائِمِ أَنْ يُقَبِّل، فإن قَبَّلَ في رمضانَ فأنزل فعليه القضاء والكفارة، وإنْ قبَّل فأمْذَى فعليه القضاءُ ولا كَفَّارةَ عليه»((الاستذكار، ج:3 ص:293)). وإلى حكم اللَّمس في نهار رمضان أشار الناظم بقوله: (وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْبًا مِنَ الْمَذْيِ وَإِلاَّ حَرُمَا).

  1. ذوق الصائم للطَّعام؛ فيكرهُ للصائم ذوقُ القِدر من الملح وكل ما له طعم كذوق العسل ومضغ الطعام للصَّبي؛ لقول ابن عبَّاس رضي الله عنهما: «لا بَأْسَ أنْ يتطعَّمَ القِدْرَ أو الشَّيءَ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم)). ولذلك كره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
  2. الهَذَرُ؛ فيكره للصائم كثرة الكلام والثرثرة لغير منفعة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾((المؤمنون: 3))، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾((الفرقان: 72)).

كما يجبُ عليه أن يتجنب الكلام المحرم مثل: الغيبة والنميمة والكذب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم)). وفي ذوق الطعام وهذَرِ الكلام قال النّاظم: (وكَرِهوا ذوْقَ كقِدْرٍ وهَذَرْ).

ثانياً: مغتفراتُ الصِّيام

هناكَ أمورٌ اغتفر الشّرع وقوعها أو صدورها مِن الصائم؛ وهيَ:

  1. القيءُ الخارج من فم الصائم غلبةً؛ فيُغتفر، وليس فيه قضاءٌ، ما لم يرجع منه شيء مقدور على طرحه؛ قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ قيءٌ وهوَ صَائِمٌ فليس عليه قضاءٌ»((سنن أبي داود، كتاب الصيام، باب الصائم يستقيءُ عامداً)).
  2. الذباب الداخل في الفم غلبةً؛ فيغتفر ولا يجب فيه شيء على الصائم؛ لأنه مغلوب ومسلوب الاختيار؛ لقول الحسن البصريِّ: «إِنْ دَخَلَ حلقَهُ الذُّبابُ فلاَ شَيءَ عليهِ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا)).
  3. غبار الطرق والصُّناع؛ إذا دخل جوف الصائم، كغبار الدقيق، وغبار الطريق، وتصنيع الجبس، وتفتيت الحجارة؛ كل ذلك من المعفوّ عنه؛ إذ لا طاقة للإنسان أن يحترز منه. يقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾((التغابن: 16)).
  4. الاستياك بالسواك اليابس الذي لا يتحلل؛ فيُغتفر ولا يؤثر في الصيام؛ لقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه: «رَأَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم يَسْتاكُ وهُوَ صائِمٌ، ما لاَ أُحْصي أَوْ أَعُدُّ»((البخاري، كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم)).
  5. إصباح الصائم بالجنابة؛ بحيث لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر. فيغتفرُ ذلك للصائم وصيامُه صحيح؛ لقول عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهُما: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهله، ثمَّ يغتَسِلُ، ويصومُ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً)).

وفي هذه الأمور قال النَّاظم: (غَالِبُ قَيْءٍ وَذُبَابٍ مُغْتَفَرْ *** غُبَارُ صَانِعٍ وَطُرْقٍ وَسِوَاكْ *** يَابِسٌ اصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ)

ومما يستفاد من الدرس:

  • حفظ العبادة مما يُبطلها أو ينقص ثوابها أو يعرضها للكراهة.
  • الحرص على نظافة الجسد ووقايته مِنَ العوالق.

أهداف الدرس:

  • أن أدرك حكم النية في الصيام المتتابع في رمضان.
  • أن أدرك أحكام النية ومندوبات الصيام في رمضان.
  • أن أتمثل مندوبات الصيام في صيامي.

تمهيدٌ:

وضعت الشَّريعة للصوم فرائض وشروطاً بها يُعدُّ صحيحاً، ومندوبات بها يبرُز كماله وجماله، ويسرت القيام بكل ذلك، كما يُلحظُ في الاكتفاء بنية واحدة أو الشهر لصيام كل أيام أيام شهر رمضان.

فما حكم النية عند صيام شهر رمضان؟ وما مندوبات الصيام؟

النّظم:

قال الإمامُ ابن عاشرٍ رحمه الله:

وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابَعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ

نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ *** كَذَاكَ تَأْخِيرُ سُحُورٍ تَبِعَهْ

شرح المفردات:

سَحورٌ: -بفتح السين- ما يُؤْكَلُ ويُشْرَبُ وقتَ السَّحر اسْتِعداداً للإِمساكِ، وبالضَّم: اسمٌ للأكل.

التحليل:

أولاً: حكمُ النِّية في تَتَابُع الصِّيام

مِن فرائض الصِّيام: النِّية؛ ويختلف حكمها حسب التفصيل الآتي:

  1. فإن كان الصيام من الواجب الذي يجب تتابعه فإن حكم النية فيه بحسب اتصال الصيام وانقطاعه
  • فإن اتصل الصيام، ولم ينقطِع بمانع أو رخصة أجزأت نية واحدةً أول ليلة لجميع أيام الصيام الذي يجب تتابعه، كصيام رمضان، وكفارة تعمد الفطر في رمضان؛ لأنها عبادة واحدة متصلة.
  • وإن انقطع الصيام بسبب مانع مِن مرض أو سفر أو حيض فلا بدّ من تجديد النية؛ ثم تكفي نية واحدة لبقية الصوم إن كان متصلاً.
  1. وإن كان الصيام من الواجب الذي لا يجب تتابعه، كقضاء رمضان وصيام كفارة اليمين، فلا تكفي فيه نية واحدة، بل لا بدّ من تجديدها له كلَّ ليلة.

وفي النية في الصيام الواجبِ التّتابعِ قال الناظم: (وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابَعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ)

ثانياً: مَنْدوباتُ الصِّيام

يُندب للصائم أمورٌ:

  • أنْ يُعجِّل الفِطر؛ بشرط أن يتأكّد مِن غروب الشمس؛ لحديث سهلٍ بنِ سَعْدٍ السَّاعديِّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، ما عَجَّلوا الفِطْرَ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار)).

ولا يجوز التعجيلُ مع الشَّك في غروب الشمس، لأن الصوم كان بيقينٍ فلا يزول إلا بيقينٍ؛ فمن شكّ في الغروب حَرُمَ عليه الأكل اتِّفاقاً؛ فإنْ أَكَل ولم يتحقّق من الغروب فعليه القَضاءُ، كما قال في المُدَوَّنة: «ومَنْ ظَنَّ أنَّ الشَّمسَ غَرَبَت، فأَكَلَ في رمضانَ ثمَّ طَلَعَتْ، فلْيَقضِ».

  • أن يتناول طعام السحور إلى ما قبل أذان الفجر بقليلٍ ما لم يدخل الشّك في الفجر؛ لقول زيد بن ثابتٍ رضيَ الله عنهُ: «تسحَّرنا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم، ثمّ قامَ إلى الصَّلاةِ»، قلتُ: كَم كانَ بينَ الأَذَان والسَّحور؟ قال: «قَدْرُ خمسين آيةً»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب كم كان بين السحور وصلاة الفجر))، فَيُشترطُ لذلك تحقُّق عدم طلوع الفجرِ.
وفي هذه المندوبات قال الناظِمُ: (نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ *** كَذَاكَ تَأْخِيرُ سُحُورٍ تَبِعَهْ).

ومِمّا يستفاد من الدّرس:

  • أهمية النية والقصد في العبادات.
  • الحِرص على أسباب التَّقوي على الصيام.

أهدافُ الدرس:

  • أَنْ أتعرَّف أحكام القضاء والكفَّارة.
  • أن أتبيَّنَ مُبيحاتِ الفِطر في رمضان.
  • أنْ أستَحْضِر هذه الأحكام في صيامي.

تمهيدٌ:

قد يقع الصائم في الإفطار سهواً، وقد تعترضُهُ أمورٌ يُفطِر معها جهلاً أو عمْداً أو ترخيصاً، مِمَّا يترتّب عليه القضاء فقط، أو القضاءُ والكفارة.

فما أسبابُ القضاء؟ وما الكفَّارة؟ وما الأعذارُ المبيحة للإفطار؟

النَّظم:

قال الإمام ابنُ عاشر رحمه الله:

مَنْ أَفطَرَ قَضَاهُ ولْيَزِدْ *** كَفَّارةً في رمضانَ إنْ عَمَدْ

لأكلِ أو شُرْبِ فمٍ أو للمَنِي *** ولَوْ بِفِكْرٍ أو لِرَفْضِ ما بُنِي

بِلاَ تأَوُّلٍ قريبٍ ويُباحْ *** للضُّرِّ أو سَفَرِ قَصْرٍ أَيْ مُباحْ

شرح المفردَات:

كَفَّارةً: ما يَكَفَّرُ بهِ الإِثْمُ، يُباحُ: يجوزُ، يُقالُ: أباحَ الشَّيءَ: إذا أَجازهُ.

التّحليل:

أولاً: أحكَامُ القَضاءِ والكَفَّارة

مَن أفطَرَ في الصَّومِ الفَرض سواء كان ذلك الفرض رمضان أو غيره كالنّذر، فحكمه على التفصيل الآتي:

1. الإفطارُ نسياناً أو غلطاً

فمَن أفطر نسياناً أو غلطاً في التَّقدير؛ كَأنْ يعتقد غَروبَ الشمس أو عدم طلوع الفجر أو يخطئ في الحساب أول الشهر أو آخره، وجب عليه قضاء ما أفطر عليه فقط، ولا كفَّارة عليه.

2. الإفطار عمداً

والعمْدُ على نوعينِ:
  • عمدٌ لهُ سببٌ: وفيه التفصيل الآتي:
    • سببٌ يوجب الفطر، كفطر الحائض، أو المريض يخاف الهلاك.
    • سبب يبيحُ الفِطر، كالفِطرِ في السَّفر ونحوه من الأعذار.
    • سبب يكرهه على الفطر، كصب طعام أو شراب في حلق نائم.

فهذا يجب عليه فيه القضاء فقط؛ قال النّاظم: (مَنْ أَفْطَرَ الفَرْضَ قَضَاهُ).

  • عمدٌ ليس له سبب

وذلكَ كمن جامع زوجته في رمضان عندا بدون سبب، أو تعمد في رمضان وهو مختار غير مضطر فأكل أو شرب، أو تعمّد رفض نية الصيام، فهذا يجبُ عليه القضاءُ والكفَّارة؛ لانتهاكِه حُرمة رمضان؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بَيْنَما نحنُ جُلوسٌ عِندَ النَّبي صلى الله عليه وسلَّم، إذْ جاءَهُ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله هَلَكْتُ. قال: «مَا لكَ؟» قال: وقعتُ على امْرأَتي وأنا صائِمٌ، فقالَ رسول الله: «هلْ تَجِدُ رَقَبةً تَعتِقُها؟» قال: لا، قال: «فهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصومَ شَهرينِ مَتتابعَيْنِ»، قال: لا، فقال: «فَهَلْ تَجِدُ إطعامَ سِتِّينَ مِسكيناً». قال: «أينَ السَّائلُ؟» فقالَ: أنا، قال: «خُذْ هذا، فتَصَدَّقْ بِهِ»، فقال الرَّجلُ: أَعَلى أفْقَرَ مِنِّي يا رسول الله؟ فواللهِ ما بينَ لابَتَيْها-يريدُ الحرَّتَيْنِ-أهلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أهْلِ بيتي. فَضَحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم حتى بَدَتْ أَنْيابُهُ، ثمَّ قال: «أَطْعِمْهُ أهلكَ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامعَ في نهارِ رمضان)). ويُلْحَقُ الأكلُ والشُّربُ عمْداً بِالجِماعِ الواردِ في نصِّ الحديث؛ لأنّ العلَّةَ هي انتهاكُ حُرمة رمضان.

ويشترطُ في كفَّارة مَن أفطر في رمضان عَمْداً بدون سَبَبٍ أَنْ يكونَ غيرَ متأَوِّلٍ ولا جاهِلٍ؛ والتأويلُ نوعان:

  • تأويل قريبٌ؛ وهو ما استنَدَ فيه صاحبُهُ إلى سببٍ موجودٍ، ومِن أمثلتهِ:
    • مَنْ أَفْطَرَ ناسياً فظنَّ أنَّ صومه قدْ فَسَدَ وأنَّهُ لا ينفعُهُ الاستمرار في الصوم فأفطر فعليه القضاء فقط.
    • من طَهُرت من الحيض قبل الفجر فظنت أن صومها سيبطل لعدم اغتسالها، وأن الإفطار مباحٌ فأفطرت فعليها القضاء فقط.

ولا يعدّ هذا تأويلاً إذا كانَ يعلم الحكم الشَّرعي في المسألة.

  • تأويلٌ بعيدٌ؛ ومِن أمثلته:
    • من رأى الهِلالَ ولم تُقبَل شهادَتُهُ فظنَّ أنَّ عليه أن يُفطِر فأفطَرَ.
    • مَن أفطَر لحمَّى تأتيه في يوم معين فأصبحَ مفطراً ظاناً أنها ستأتيه.
    • من أفطرت لحيضٍ يأتيها في وقتٍ معين فأصبحَت فيه مفطرة قبل ظهور الحيض ثمَّ حاضت في ذلكَ النَّهار.

فهؤلاء جميعاً عليهم القضاء والكَفَّارة؛ لأن تأويلهم بعيدٌ. وفي حكم من تعمّد الفِطْر في صيامِ رمضان قال النَّاظمُ: (ولْيَزِدْ *** كفَّارةً في رمضان...إلى بلا تأوُّلٍ قريبٍ).

ثانياً: مُبيحاتُ الإفطار

يُباحُ للصائِمِ أن يُفطر لأحد أمرين:

  • لضرٍّ يلحقه بسبب الصيام؛ قال اللهُ تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ﴾((البقرة: 183))، قال ابنُ الحاجِب رحمه الله: «ويَجُوزُ الفِطْرُ بالمَرَضِ إذا خافَ تماديهُ أو زِيادَتَهُ أو حُدُوثَ مرضٍ آخرَ، أمَّا إذا أدَّى إلى التَّلَفِ أو الأذَى الشَّديدِ، فإنَّ الفِطْرَ واجِبٌ».
  • لسفر تُقْصَرُ فيه الصلاة؛ قال عليه الصَّلاة والسلام: «إنَّ الله تعالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاةِ، والصَّومَ عن المُسافِر...»((أبو داود، كتاب الصوم، باب اختيار الفِطر)).
  • ويَشْتَرطُ في السَّفر المُبيحِ للفِطْرِ:
    • أنْ يكونَ سفراً مُباحاً.
    • أنْ تكونَ فيه مسافةُ القَصْرِ.
    • أن يُقصَدُ قَطْعُها دُفعةً واحدةً، لا شيئاً فشيئاً.
    • أنْ يكونَ الشُّروعُ في السَّفر قبل طلوعِ الفجر.
    • أن لا ينوي الصيام في سفره، فإن نواهُ مسافِرٌ لم يَجُزْ لهُ الفِطْرُ.

وفي مبيحات الإفطار قال الناظم: (ويُباحْ للضُّرِّ أو سفَرِ قَصْرٍ أيْ مُباحْ).

ومِمَّا يُستفادُ من هذا الدرس:

  • ما يزالُ النّاس بخيرٍ ما عظموا حُرمةَ شهر رمضان.
  • الإسلامُ دين يسرٍ.

أهدافُ الدَّرس

  • أن أتعرف حكم القضاء في صيام النّفل.
  • أن أدرك أنواع الكفّارة.
  • أن أتمثّل هذه الأحكام في صيامي.

تمهيدٌ

من المعلوم قول المالكِيّة بمنع قطع صيام النفل لغير عذر، بوجوب الكفارة على وجه التخيير على مَن تعمّد الفِطر في نهر رمضان.

فما حكم من أفطر في صيام النّفل؟ وما هي أنواع الكفَّارة لمَن تعمّد الفِطر في نهار رمضان؟

النَّظم

قال الإمامُ ابنُ عاشِرٍ رحمه الله:

وَعَمْدُهُ في النَّفْلِ دونَ ضُــرِّ ***مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لا في الغَيْــــرِ

وَكَفَّرَن بِصَـوْمِ شَهْرَيْنِ وِلا *** أوْعِتْق مَمْلوكِ ِ بالإسلام حَــلاَ

وَفَضَّلُوا إطْعامَ ستِّينَ فقـــيرْ *** مُدَّا لِمِسْكينٍ مِــنَ العَيْشِ الكَثير

شرحُ المفردات

وِلاَ: الوِلاَءُ والتَّتبُّع، يقالُ: وإلى الشَّيءِ تابعهُ، الكثير: الغالِبِ عندَ أهلِ البَلَدِ.

التّحليل

أولاً: حُكْمُ القضاءِ في صيامِ النَّفل

من المسائل المقررة في المذهب المالكيّ أن نافلة الصوم تلزم بالشُّروع فيها، وأن من قطعها عمدا لغير ضرورة لزمه قضاؤها. وعليه فمن شرع صيام نفلٍ فلا يجوزُ لهُ الفِطرُ لغير عذرٍ؛ فإن أفطر فحكمه كالتَّالي:

  • إذا أفطر عمداً لضرر لحقه بالصيام فلا قضاء ولا إثم عليه.
  • إذا أفطر ناسياً فلا قضاء ولا إثم عليه.
  • إذا أفطر عمدا دون ضرر لحقه فعليه القضاءُ؛ لما رواهُ مالكٌ عن ابن شهابٍ: أنَّ عائشة وحَفصةَ رضي الله عنهما زوْجَي النّبي صلى الله عليه وسلَّم أصبَحَتا صائمتينِ متطوِّعتينِ، فأُهْدِيَ لهما طعامٌ فأفطَرَتا عليه فدَخل عليهِما رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقالت حفصةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إِلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ»((الموطأ، كتاب الصيام، قضاء التطوع)).

وفي القضاء في صيام النَّفل قال الناظمُ:

(وَعَمْدُهُ في النَّفْلِ دونَ ضُــرِّ ***مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لا في الغَيْــــرِ)

ثانياً: أنواعُ الكفّارة

على كُلِّ من وجبت عليه الكفارة أن يكفِّر بأحد أمور:

صومُ شَهرينِ متتابعَينِ؛ ويجبُ على المُكفِّرِ أن ينويَ الكفَّارةَ والتَّتابعَ؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اشترطَ التَّتابعَ عندما قال للَّذي جامَع: «فهَلْ تَسْتَطيعُ أَنْ تَصومَ شهرينِ مُتَتابِعينِ؟»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في نهار رمضان)).

عِتْقُ رَقبةٍ مُؤمنة؛ وقد عمل الإسلام على إنهاء الرِّق بالإعتاق الواجِبِ والمندوبِ رعايةً لكرامة الإنسانِ وحُقوقِه.

إطعامُ ستِّينَ مِسكيناً؛ مُدّا لكل مِسكينٍ بمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلَّم، مِنْ غالبِ عيشِ أهل ذلكَ الموضِع؛ ويُساوي حوالي (543 غراماً).

والإِطعَامُ: أفضلُ مِمَّا قبله؛ لأنَّه أعمّ نفعاً، ولوروده في الحديث. ويستوي مَن أكَلَ عمداً في رمضان بالمُجامِعِ في الكفَّارة مع القضاء؛ لأنهما سواءٌ في انتهاكِ حُرمة رمضان. وإلى حُكم الكفَارة وبيانِ الأفضل منها أشارَ النَّاظمُ بقوله:

(وَكَفَّرَن بِصَـوْمِ شَهْرَيْنِ وِلا *** إلى: مُدَّا لِمِسْكينٍ مِــنَ العَيْشِ الكَثير).

مِمّا يستفادُ من الدرس:

  • تنزيلُ النَّفل منزلة الفرض بالشروع فيه.
  • صونُ العبادة من كل ما يعد انتهاكاً لحُرمتها وقُدْسيَّتها.

أهداف الدّرس

  • أن أتعرَّفَ الحج وحكمه وأركانه وشروطه.
  • أن أميز بين أركان الحجّ وبينَ شروطِه.
  • أن أدركَ الحكمة من الحج.

تمهيد

إذا كان كل من الصلاة والصوم عبادة بدنية والزكاة عبادة ماليَّة فإن الحج قد جمع بينهما؛ فلذلك كان في ختم أركان الإسلام به حكمة بليغة.

فما هو الحجّ؟ وما حكمه؟ وما أركانه؟ وما شروطه؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ *** أَرْكَانُهُ إِنْ تُرِكَتْ لَمْ تُجْبَرِ

الاِحْرَامُ وَالسَّعْيُ وُقُوفُ عَرَفَةْ *** لَيْلَةَ الأَضْحَى وَالطَّوَافُ رَدِفَهْ

شرح المفردات

الاِحْرَامُ: نيَّةُ الدُّخول في النُّسُك.

تُجْبَرْ: تُسْتَدْرَك.

التحليل

أولاً: تعريف الحجّ وَحُكمُهُ

    1. تعريفه

الحجّ لغةً: القصد والزِّيارة؛ وقيلَ: تكرارُ القصدِ والزِّيارة. وشرعاً: عبادةٌ ذاتُ إِحرامٍ وطوافٍ وسعيٍ ووقوفٍ بعَرفة. وهو خاتمةُ أركان الإسلام الخمسة.

    1. حكْمُهُ وفَضلُه

الحجّ فرضٌ واجب على المكلَّف المستطيع مرة في العمر، ثم يستحبّ بعد المرة الأولى. والحِكمةُ في كونه مرة في العمر: ما فيه من زيادة المشقة والحرج، ولا سيَّما من البلاد البعيدة.

والأصلُ في وُجُوبه قوله تعالىٰ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ﴾((آل عمران: 97))، وقوله صلى الله عليه وسلّم في خطبته: «إنَّ الله قَدْ فَرضَ عَلَيْكُمْ الحَجَّ، فَحُجُّوا»((صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، ج4 ص 102))، وإجماعُ المسلمين على وُجوبه.

وقد جاءَ في فضل الحجِّ قوله صلى الله عليه وسلَّم: «مَنْ حَجَّ هذا البَيْتَ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كما وَلَدْتُهُ أُمُّهُ»((صحيح البخاري كتاب الحجّ، باب قول الله تعالى: ﴿فلا رفث﴾)).

ثانياً: أنواعُ الإِحرامِ

أنواعُ الإحرام ثلاثة، وهي: الإفرادُ، والقِرانُ، التَّمتع؛ وهي جائزةٌ بلا خِلافٍ، وأفضلها الإفراد في المذهب، وعليه نظْمُ ابنِ عاشرٍ هنا.

أ. الإفرادُ: أن يحرم بالحجّ وحده، ثمّ إذا فرغ يُسَنُّ له أَن يُحرِم بعمرةٍ، وإنْ شاء أخَّر العمرة؛ لأنَّ الإفرادَ لا يتوقَّف على عمرةٍ لا قبله ولا بعدهُ، بخلافِ القِران والتَّمتع فلا بدّ في تحقّقهما مِن فعل عمرة.

ب. القِرانُ: أن يحرم بالحج والعمرة معاً أو يقدم العمرة في نيته ثم يردف عليها الحج فيطوف ويسعى عن الحجِّ والعمرة، فتدخُل العمرة في الحجِّ، ويبقى مُحرِما حتى يكمل حجَّه. وعليه الهدي إن كان غريباً، وإن كان مكِّيا فلا هديَ عليه.

ج. التَّمتع: أن يعتمرَ في أشهر الحجِّ مَن حَجّ مِنْ عامِه؛ فيكون قد تمتع بإسقاط سفر الحج حيثُ لم يرجع إلى بلده. وعليه الهديُ إن لم يكن من أهل مكَّة أو ذي طُوى فإن لم يجد هدْياً صام ثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً إذا رجع إلى بلده. والإحرام بالتّمتع في هذا العصر أيسَرُ لكون الحاجّ لا يتحكّم في الرحلة، ممّا يؤدّي إلى قدرٍ مِن المشقّة في الإفرادِ إلاّ لمن تأخر في الوصول إلى مكة والله أعلم.

ثالثاً: أركَانُ الحَجِّ

للحجِّ أركانٌ إِنْ تُركت كلُّها أو تُرِكَ واحدٌ منها لم يتمّ الحَجّ، ولم يُجبَر ذلك المتروكُ بذبحِ الهَدي؛ إذْ لا يُجبَرُ بالهدي إلاَّ الواجباتُ غير الأركانِ.

وأركانُ الحجِّ هي:

  • الإحرامُ؛ وهو: نيّة أحد النُّسكين: الحج أو العمرة، أو نيّتهما معاً؛ فإنْ نوى الحجّ فمُفْرِدٌ، وإن نوى العُمرة ابتداءً في أشهر الحجّ فمُتَمَتِّعٌ، وإن نواهُما فقارِنٌ((الخلاصة الفقهيّة، ص209 بتصرّف)).
  • السّعي بين الصّفا والمَروة؛ ويكونُ بعدَ طوافٍ واجبٍ.
  • الوقوف بعرفة في جزءٍ مِن ليلة الأضحى؛ أمّا نهاراً فواجبٌ فقط.
  • طوافُ الإِفاضَة الذي يقع يوم النّحر؛ أمّا غيره فليس بركْنٍ.

والوقوف الرُّكنيُّ إنَّما هو الواقع باللَّيل؛ وأمَّا الوقوف نهاراً فواجبٌ فقط يُجْبَر تركُه بالدَّم. وذلكَ كُلُّه قول النّاظم: (الإحرامُ والسَّعيُ وقوفُ عَرَفة…).

وأركانُ الحجّ على ثلاثةِ أقسامٍ:

  1. قِسْمٌ يفوتُ الحجّ بتركِه : لا يترتبُ بسبب تَركِه شيءٌ، وهو الإِحرامُ.
  2. قسمٌ يفوتُ الحجّ بفواته: يُؤمَرُ فيه بالتَّحليل بأفعال عمرةٍ، والقضاء في قابلٍ، وهو الوقوفُ بعرفة.
  3. قِسمٌ لا يفوت الحجّ بتَركِهِ: لا يتحَلَّل إلاّ بفعله؛ ولو ذَهبَ رجع إلى مكَّةَ ليفعله، وهو طوافُ الإفاضة، والسَّعيُ.

رابعاً: شروطُ الحَجِّ

شروطُ الحجّ قسمانِ: شروطُ وجوبٍ، وشروطُ صِحَّة:
  • شروط الوجوب؛ وهيَ: البُلوغُ، والعقل، والاستطاعةُ؛ فلا يجبُ على الصَّغِير ولا على المجنونِ ولا على غيرِ المُستطيعِ.

والاستطاعةُ: إمكانُ الوصولِ إلى مكَّة بلا مشقّة عظيمة، بالقدرة على المشيِ أو الرُّكوب، وتيسر الزَّاد، والأمن على النَّفْس والمال، والقدرة على أداءِ الصلاة دون إخلالٍ بها وبأوقاتها، وعدم إضاعةِ من تَلْزَمُهُ نَفقتُهم.

ويُزادُ للمرأة في شرط الاستطاعة وجودُ زوجٍ أو محرَمٍ، فإنْ لم يوجَد فَرُفقةٌ مأمونةٌ في حجَّة الفريضة؛ أمّا في حجّة التطوع، فلا بُدّ مِن زوجٍ أو محرمٍ.

  • شروطُ الصّحة؛ وهي الإسلامُ فقط؛ وهو شرطٌ في كلّ العبادات.

مما يُستفاد مِن هذا الدّرس

  • حِرص الشّريعة على وحدة الأمة مِن اجتماعها في مكانٍ واحدٍ، ووقتٍ واحد، لعبادةٍ واحدة، تُؤدّى لإلهٍ واحدٍ، هو الله جلّ وعلا.
  • حِرصُ الشّريعة على ضمان الكفالة الأُسريّة باشتراطِ عدمِ إضاعة مَنْ تجِبُ نفقتُهم في وُجوبِ الحجِّ.

أهداف الدّرس

  • أن أتعرف واجبات الحج.
  • أن أميز المواقيت المكانية للإحرام.
  • أن أتمثل أحكام الواجبات والمواقيت استجابةً لله واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

تمهيد

للحجِّ واجباتٌ، هيَ دون الأركان في قوة الطلب، وفي أثر الإخلال بها؛ لكنها تشاركها في كونها مطلوبةَ الفِعل على وجه الإلزام؛ ومنها المواقيتُ التي شُرِعَ منها إحرامُ كلِّ بلدٍ بحسب ما يتيسَّر لهُ ويستقبلهُ في طريقه.

فما واجباتُ الحجِّ؟ وما مواقيتُ الإحرامِ بالحجِّ؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشرٍ رحمه الله:

وَالْوَاجِبَاتُ غَيْرَ الاَرْكَانِ بِدَمْ  *** قَدْ جُبِرَتْ مِنْهَا طَوَافُ مَنْ قَدِمْ

وَوَصْلُهُ بِالسَّعْيِ مَشْيٌ فِيهِمَا *** وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ إِنْ تَحَتَّمَا

نُزُولُ مُزْدَلِفَ فِي رُجُوعِنَا *** مَبِيتُ لَيْلاَتٍ ثَلاَثٍ بِمِنَى

إِحْرَامُ مِيقَاتٍ فَذُو الْحُلَيْفَةْ *** لِطَيْبَ لِلشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةْ

قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاقْ *** يَلَمْلَمُ الْيَمَنُ آتِيهَا وِفَاقْ

تَجَرُّدٌ مِنَ الْمَخِيطِ تَلْبِيــَه *** وَالْحَلْقُ مَعْ رَمْيِ الْجِمَارِ تَوْفِيَه

شرح المُفردات

جُبِرَتْ: استُدْرِكَ نقصُها وخَلَلُها، مِيقاتٍ: الميقاتُ: المَوْضِعُ المُحدَّدُ للإحرام، وِفَاقْ: موافِقٌ لأهْلِها في الإحرامِ بها، تَلْبِيهْ: قولُ لبّيك اللهمَ لبَّيكَ...

التحليل:

أولاً: واجباتُ الحجِّ

تنقَسِمُ أفعال الحجِّ إلى ثلاثة أقسامٍ كالآتي:

  • أركانٌ لا تَنجبرُ بالدَّم ولا بغيرِهِ.
  • واجباتٌ تنجبرُ بالدَّمِ.
  • سُنَن ومستحبَّاتٌ لا يجبُ بتركها شيءٌ.

أمَّا الأركان فقد تقدَّمت؛ وأمّا السُّنن فكغُسلِ الإحرامِ، وكونِه إثر صلاةٍ؛ والقصدِ إلى مكّة عقِبَ الإحرام، وتقبيل الحجر الأسود، وستأتي؛ وأما الواجبات المُنجبرة بالدم فقد عدها الناظم أحد عشر فعلاً، وهيَ:

  1. طوافُ القُدوم؛ للمفرِد غير النَّاسي والمراهق (المزاحِم عن الوقوف بعرفة وهو من ضاق عليه الوقت وخاف فوات الوقوف)، أما للمتمتّع فهو له طواف العمرة.
  2. وصلُ الطّواف بالسّعي؛ لغير الناسي والمراهق أيضاً؛ فتركهما معاً أو ترك أحدهما موجِب للهدي؛ أما الناسي والمراهق فلا يجب عليهما ذلك.
  3. المشيُ في الطواف؛ فمَن ركبَ وهو قادر على المشي أعاده إن كان قريباً؛ وعليه هديٌ إن فات على المشهور، ويجوز الرُّكوب لعجزٍ أو مرض.

والركوبُ في هذا العصر يُقصد به ركوب العربة المتحركة المعروفة.

  1. ركعتا الطواف الواجب؛ فيجب الهدي على مَن تركَ ركعتي طواف القدوم أو الإفاضة إذا بَعُدَ مِن مكة؛ جبراً للتفرقةِ بين الطواف والرّكعتين.
  2. نزول المزدلفة في الرجوع من عرفة ليلة النّحر؛ ولا يكفي إيقافُ المركوبِ حافلةً أو سيَّارةً أو غيرهما دون النُّزول، بل لابدَّ من حطِّ الرحال والأمتعة.
  3. المبيتُ بمِنىً ثلاثَ ليال لرمي الجِمار؛ فيجبُ الدَّم في تركه ولو جُلَّ ليلةٍ؛ والمرادُ: ليالي ما بعدَ عرفة، أمّا التي قبلها فلا دَمَ في تركها.
  4. الإحرامُ مِن الميقات؛ فمن جاوزَه قاصداً النُّسُك، فقد أساءَ؛ فإن رجعَ ولم يُحْرِمْ فأحْرَمَ منهُ، فلا هديَ عليه؛ وإنْ أحرَمَ بعد مجاوزتِه فعليه الهديُ.
  5. التّجرد من مخيطِ الثِّياب؛ فمَن تركَه ولَبِسَ المخيطَ لغير عُذرٍ فعليهِ الهديُ؛ وهذا للرَّجل دون المرأة؛ كما سيأتي في ممنوعات الإحرامِ.
  6. التّلبية؛ وهي قول: «لبَّيكَ اللهم لبَّيكَ، لبَّيْكَ لاَ شريكَ لَكَ لبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَريكَ لَكَ». وتركُها موجِبٌ للهدْيِ.
  7. الحَلْقُ أو التّقصير؛ فمَن تركه حتى رجع إلى بلده، أو طالَ، فعليه الهديُ.
  8. رميُ الجِمار؛ فيجبُ الهديُ في تَرْكِهِ رأْساً، وفي تَرْكِ جمرةٍ واحدةٍ مِنَ الجِمار الثَّلاث، أوْ تَرْكِ حَصاةٍ مِن جَمْرَةٍ منها إلى اللَّيلِ.

ومِن واجبات الحجّ المُنجَبِرة بالدّم مما لم يذكره النَّاظم رحمه اللهُ: الجَمْعُ بعرفَةَ والمُزْدَلِفة (جمع الظُّهر والعصر بعرفة جمعُ تقديمٍ، وجمعُ المَغرب والعِشاء بالمُزدلِفةِ جمعُ تأخيرٍ).

ثانياً: مواقيتُ الإحرامِ

  1. الميقاتُ الزَّمانيُّ؛ للإحرامِ بالحجِّ ميقاتٌ زمنيٌّ، وهوَ: أشهُرُ الحجِّ الثلاثةُ التي يُحرِمُ فيها الحاجُّ: شَّوالٌ وذو القعدة والتِّسعُ الأولى مِن ذي الحِجَّة.
  • فوقتُ الإحرامِ بالحجّ مُفرِداً أو قارناً مِن أوَّلِ شوال إلى طُلوعِ فجرِ يومِ النَّحرِ. وأصلُ ذلك قوله تعالى: ﴿الحجُّ أشهرٌ معلوماتٌ﴾((البقرة : 196)).
  • ووقتُ الإحرام بالعمرة جميع السَّنة إلاّ لِمَن أحرمَ بحجٍّ أو قِرانٍ، فحتّى يكملَ حجَّه وتمضي أيَّام التشريق.
  1. الميقاتُ المكانيُّ؛ للحجِّ والعمرة ميقاتٌ مكانيٌّ؛ وهو: المكانُ الذي يُحرِمُ منه من أَرَاد حَجّاً أو عمرةً؛ وهو كالآتي:
  • أهلُ طَيْبَة: ذو الحُلَيْفَةِ؛ وهو أبعدُ المواقيتِ ويُسمَّى أبيَارَ عليٍّ.
  • أهلُ الشَّام ومصرَ والمغرب: الجُحفةُ؛ وهي المكانُ المُسمَّى بِرَابِغٍ.
  • أهلُ نَجْدٍ: قَرْنٌ؛ ويقالُ له: قرْنُ المنازِلِ؛ وهو أقربُ المواقيتِ.
  • أهلُ العِراق: ذاتُ عِرقٍ؛ وهو على مرحلتينِ من مكَّة.
  • أهل اليمن: يَلَمْلِمُ؛ وهو على ليلتينِ مِن مكَّة؛ ويقال فيه: أَلَمْلَمُ.

فلا يجوزُ مجاوزةُ هذه الأماكِنِ لمن يريد الحجّ والعمرة إلا وهوَ مُحرِمٌ، لحديثِ عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»، قَالَ عبد الله: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»((صحيح مسلم، كتاب الحجّ، باب مواقيت الحجّ والعمرة)).

وأوَّلُ الميقاتِ أفضَلُ، ويُكرَهُ تقديمُهُ، ومَنْ قدَّمَه لَزِمَهُ؛ ولا كراهةَ في حقِّ مَن قدَّمَهُ لضرورةٍ، كمَنْ كان على مَتْنِ الطَّائرةِ، ولَنْ ينزلَ إلاَّ بعدَ الميقاتِ.

ويُحرِمُ مِنْ هذه المواقيتِ من مرَّ بها مِن أهلها، ومن غير أهلها، كما قالَ النَّاظمُ: (آتيهَا وِفَاقْ)، إلاّ أهلَ الشام ومِصْرَ ومَن وراءَهُم كالمَغربِ إذا مَرُّوا بذي الحُلَيفةِ، لأنَّهُ ميقاتُهُ صلى الله عليه وسلَّم.

ومَنْ أحرمَ بالعُمرةِ أو بالحجّ قارناً وهو بمكَّة فلابدّ أن يخرُجَ إلى الحِلِّ، والأفضلُ الجِعِرَّانةُ ثمَّ التَّنعيمُ، كما قالَ النَّاظِمُ: (وفي التَّنْعيمِ نَدْباً أحْرِمَا).

ممَّا يستفادُ من هذا الدّرس:

  • الإحرام بالحجّ وسيلةٌ تربويّة لحمل النَّفسِ على اجتنابِ كلِّ ما لا يليقُ بمكانةِ التقوى.
  • التَّذكيرُ بما ينبغي مِن تجرُّدِ النَّفسِ مِن الحُظوظِ الدُّنيويَّةِ وتوجُّهها إلى الإعدادِ للآخرةِ.

أهداف الدَّرس

  • أنْ أتعرَّف آداب دخول مكة وصفة الطواف.
  • أن أميز أعمال الطواف وأحكامها.
  • أن أتمثَّل صفة الطواف وأحكامه.

تمهيدٌ

الطَّواف من أهم أعمال الحجّ؛ وهو متعدِّد من حيث النوع، مختلف من حيث الحكم، متحد من حيث الصفة إلا في أشياء يسيرة.

فما صفة العمل في الطواف؟ وما أحكامُ أعمال الطواف؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشِر رحمه الله:

إذا وصلت للبيوت فاتركا *** تلبية وكل شغل واسلكا

للبيت من باب السلام واستلم *** الحجر الأسود كبِّر وأتم

سبعة أشواط به وقد يَسَر *** وكبِّرنْ مقبِّلاً ذاك الحجر

متى تحاذيه كذا اليماني *** لكن ذا باليدِ خذ بيانِ

إن لم تصل للحجر ألمس باليد *** وضع على الفم وكبِّر تقتدي

وارمل ثلاثا وامش بعد أربعا *** خلف المقام ركعتين أوقعا

وادع بما شئت لدى الملتزم *** والحجر الأسود بعد استلمِ

شرحُ المفردات

أشواطٌ: جمعُ شوطٍ، وهو دورةٌ كاملةٌ حول الكعبة، يَسَر: كان على اليسار، المَلتَزَم: ما بين باب الكعبة والحجر الأسود.

التحليل

أولاً: آداب دخول مكة والمسجد الحرام

عند وصول المحرم إلى بيوت مكة والبيت الحرام يقوم بأمور، وهي:

  1. قطعُ التَّلبية؛ إن كان محرما بالحج أو بالعمرة عندما يصل إلى بيوتِ مكَّة؛ وإلى هذا يشير الناظم بقوله: (إذا وَصَلْت للبيوتِ فاترُكَا تلبيةً).
  2. تركُ كل شغل؛ عند دخول مكَّة، وقصد المسجد ليطوف بالبيت طواف القدوم إن كان منفرداً، أو طواف الركن إن كان متمتِّعا، إلا أن يخاف على أمتعته الضياع فيؤويها قبل الطواف، وعلى ذلك نبَّهَ الناظم بقوله: (وكلَّ شغلٍ واسلُكَا للبيتِ).
  3. دخول المسجد مِن باب بني شَيبة؛ وهو باب السَّلام إن تمكَّن من ذلك، وإلاَّ دخلَ من أي أبواب المسجد؛ وفي ذلك قال الناظم: (واسلُكا للبيتِ من باب السلام).
  4. تقديم الرِّجل اليمنى في الدخول؛ ويقول: «بسم الله. والسَّلامُ على رَسولِ الله. اللَّهم اغفِرْ لي ذُنوبي وافتَحْ لي أَبْوابَ رحْمَتِكَ»((سنن ابن ماجة، باب الدعاء عند دخول المسجد)). ويستحضر الخضوع والخشوع ما أمكنه.

ثانياً: صفة العمل في الطَّواف

أعظمُ مقصود عندما يصل المُحرِم إلى مكة هو الطواف بالبيت فيقصد إلى الطواف بلا ركعتي التحية إلاّ أَن تحضر الصلاة المكتوبة فيصلّي، ثم يطوف كما يلي:

  1. ينوي طواف القدوم؛ أو طواف العمرة إن كان فيها.
  2. يبدأ من عند الحجر الأسود؛ فيقبِّله بفيه، ويكبر بعده؛ وذلك قول الناظم: (واسْتَلِمْ الحجر الأسوَدَ كبِّر)؛ وإن زوحم عن تقبيله لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم كبر ومضى؛ وذلك قول الناظم: (تَصِلْ للحجر الْمِسْ باليَدِ...)؛ فإن لم يصل إليه بيده كبّر ومضى؛ لأن تقبيل الحجر الأسود إنما هو من سنن الطَّواف، فمن لم يقدر عليه لزحام ونحوه كبَّر إذا قابله ومضى، وإن لم يفعل فلا حرج عليه.
  3. يشرعُ في الطّواف؛ فيطوف، والبيت عن يساره، سبعة أشواطٍ؛ يبتدئُ عند الحجر الأسود؛ وذلك قول الناظم: (وأتِمَّ سبعة أشواطٍ به وقد يسر).
  4. يلمس الرُّكن اليمانيّ باليد؛ ثم يضعها على الفم من غير تقبيل، ثم يكبر ويمضي؛ وفي هذا قال الناظم: (كذَا اليمانيّ لكنَّ ذا باليَدِ خُذْ بياني).
  5. يرمُل في الأشواط الثلاثة الأُوَل؛ من هذا الطواف ويمشي في الأربعِ بعدها؛ وذلك قول الناظم: (وارمُلْ ثلاثاً بعدُ أربعَا).
  6. يدعو-استحباباً-بعد الطواف؛ بما شاء من أمور الدين والدنيا بالملتزَم؛ وهو ما بين الباب والحجر الأسود، فيلتزمه ويعتنقه، واضعاً صدرَهُ ووجههُ وذراعهُ عليهِ، باسطاً كفَّيْهِ، كما فعل ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، وقال: رأيتُ رسول الله يفعلُ ذلكَ؛ وعلى ذلكَ نبَّهَ النَّاظم بقوله: (وادْعُ بما شِئتَ لَدى المُلتَزمِ).
  7. يصلِّي ركعتينِ؛ _وُجُوباً_بعدَ الطَّواف خلفَ المقام أو حيثما أمكَن؛ يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص مع الفاتحة؛ قال الناظم: (خَلْفَ المقامِ ركْعَتَيْنِ أوقِعا).
  8. يُقبِّل الحجر الأسود؛ عند الفراغ من الطواف وركعتيهِ، كما بدأ به أول الطواف؛ وذلكَ قول النَّاظم: (والحجَر الأسوَد بعدُ استَلِم).

ثالثاً: أحكامُ الطواف

واجبات الطواف؛ للطوافِ واجباتٌ، وهيَ: طهارة الحَدَث، وطهارة الخَبث، وستر العورة، والبدء بالحجر الأسود، وإكمال سبعة أشواطٍ، وموالاةُ الأشواط، وكون الطواف داخل المسجد، وخارجاً عن الشَّاذِرْوان وعن ستّة أَذرعٍ من الحِجْر، وكونُ البيت عن يساره. فمَن تركَ أحدها لم يصحَّ طوافه إلاّ طهارة الخَبث، وستر العورة؛ فمَن طاف بالنجاسة سهواً وذكر الطواف نزعها وبنى؛ وكذلك ستر العورة.

ومن طاف محدثاً أعاد الطَّواف؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلَّم قال لها حينَ حاضت: «افعلي كما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أَنْ تَطُوفي بالبيْتِ حتى تطهُري»((سنن أبن ماجة، كتاب المناسك)).

سنن الطّواف؛ يُسَنّ في الطواف أربع سنن وهيَ:

تقبيل الحجر الأسود أوّل الطواف؛ ولمسُ الركن اليمانيّ في الشوط الأول فقط؛ والدعاء مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم وما في معناهما؛ والرَّمَل للرجال لا للنِّساء في طوافِ القُدوم، أو طوافِ الإفاضة للمُراهِق.

مما يستفاد من هذا الدرس:

  • تقبيل الحجر الأسود وغيره رمزٌ للامتثالِ التَّام لأمر الله تعالى.
  • ترك إيذاء الناس مقَدَّمٌ على تقبيل الحجر؛ لأنّ الرغبة في الأجر لا تُبيح الإيذاء.
  • اجتماع المسلمينَ عند قبلتهم يعزِّز تماسُكهم وتوحيد كلمتهم.

أهداف الدَّرس

  • أن أتعرف صفة السعي بين الصفا والمروة.
  • أن أميز أحكام السعي بين الصفا والمروة.
  • أن أتمثل صفة وأحكام السعي بين الصفا والمروة.

تمهيد

السَّعي بين الصفا والمروة من أركان الحجّ، وكذلك العمرة، ومن اللَّازِمِ أن يكونَ بعد طواف صحيح.

فما صفة السَّعي بين الصفا والمروة؟ وما أحكام الأعمال فيه؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

واخرج إلى الصفا فقف مستقبلا *** عليه ثم كبِّرن وهلِّلا

واسعى لمروة فقف مثل الصفا *** وخُبّ في بطن المسيل ذا اقتفا

أربعَ وقفات بكلّ منهما *** تقف والأشواط سبعا تمِّما

وادعُ بما شئت بسعيٍ وطواف *** بالصفا ومروةٍ مع اعتراف

ويجب الطهران والسترُ على *** من طاف ندبُها بسعيٍ اجتلى

وعد فلبِّي لمصلَّى عرفه *** وخطبة السابع تأتي للصفه

شرح المفردات

خُبَّ: فعل أمر من خَبَّ؛ والخَبَبُ: السرعة في المَشيِ، اقْتِفَا: المرادُ: اقتِفاءٍ، أيْ اتِّباعٍ، لَبِّ: فعل أمرٍ مِنْ لَبَّى يُلَبِّي، أي أَجابَ يُجيبُ.

التحليل

أوَّلا: صفة العمل في السعي بين الصَّفا والمروة

  1. يُقَبِّلُ الطائف الحجر الأسود؛ بعد ركعتي الطواف إن أمكنه ذلك ثم يخرجُ إلى السعي فيرقى على الصَّفا.
  2. يقِفُ مستقبل القِبلةِ؛ ولا يُستحَبُّ رفع يديهِ على المشهور؛ ثم يقرأ: ﴿إنّ الصفا والمروة........شاكرٌ عليم﴾((البقرة: 157))؛ ثم يقول: الله أكبر (ثلاثا)، لا إله إلا الله وحده، لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو؛ يقول ذلك ثلاث مرات.
  3. ينزِل من الصفا؛ ويشتغلُ بالذِّكر والدّعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم؛ ويمشي خَبَباً ما بين المِليْن الأخْضرين، ثم يرجع إل. المشي حتى يبلغ المروة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان: «إذا نزلَ مِنَ الصَّفا والمَرْوَة مَشَى حتى إذا انصَبَّتْ قَدَماه في بطْنِ الوادِ يسعى حتَّى يَخْرُجَ مِنهُ»((الموطأ، جامع السعي، ج1 ص 419))، والخَبـبُ أسرعُ مِنَ الرَّمل.
  4. يرقى على المروة؛ ويفعل كما تقدَّم في الصَّفا، ثم ينزلُ ويفعل ما تقدَّم مِن الذِّكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم والخَببِ؛ هكذا يفعلُ حتى يستكمل سبعة أشواط: يَعُدُّ الذهاب للمروة شوطاً، والرجوع منها للصَّفا شوطاً؛ فيقِفُ أربعَ وقفاتٍ على الصَّفا، وأربعاً على المروة؛ يبدأ بالصفا ويختمُ بالمروة؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «نَبْدَأُ بما بدأَ الله بِهِ، فبدأ بالصَّفا، وقرأ: ﴿إنّ الصفا والمروة من شعائر الله﴾»((سنن الترمذي، كتاب الحج))، وإلى صفة السَّعي وبعض ما يتعلَّق به أشارَ النّاظم بقوله: (واخرُج إلى الصَّفا...) الأبيات الثلاثة.

ثمّ بعد الفراغ من السعي يقوم بما يلي:

  1. يرجع إلى التّلبية؛ (لبَّيك اللهم...)، ويستمرّ عليها حتى تزولَ الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مُصلَّاها، فيقطَعُها حينئذٍ؛ وإلى ذلكَ أشار النَّاظم بقوله: (وعُد فلَبِّ لمصلَّى عَرفه).
  2. يحضر خطبة اليوم السابع من ذي الحجة؛ حين يأتي الناس إلى المسجد الحرام وقت صلاة الظهر، فيصلي الإمام الظهر، ثم يخطب خطبة واحدة، يفتتحها ويخللها بالتكبير كخطبة العيد، يعلِّمهم فيها ما يفعلونَ إلى زوال الشمس يوم عرفة؛ وذلك قول الناظم: (وخطبةَ السَّابع تأتي للصِّفة). وقد تُرِكَ العمل بها في هذا العصر.

ثانياً: أحكام السعي بين الصفا والمروة

مِن أحكام السعي بين الصفا والمروة:

  1. أنَّه يُشترطُ له شروطٌ ثلاثةٌ:
    • إكمال سبعة أشواط؛ كما قال النَّاظم: (والأشواطُ سبعاً تمِّما).
    • البدءُ بالصَّفا؛ كما يفهم من قول الناظم: (واخرُج إلى الصَّفا).
    • تقدّم طوافٍ صحيح عليه؛ ولا يُشترطُ كون الطواف واجباً.
  1. أنّه يُسَنُّ لهُ تقبيل الحجر؛ بعد ركعتي الطواف، والرُّقي على الصَّفا والمروة، والإسراعُ بين الميلين الأخضرين في الأشواط السَّبعة، والدعاء.
  2. أنه يُستحبُّ له شروطُ الصلاة؛ مِن طهارة حدث، وطهارة خَبثٍ، وسَتر عورةٍ. وفي هذا قول الناظم: (ندْبُها بسَعْيٍ يُجْتَلى).

ومما يستفاد من هذا الدّرس:

  • السَّعي بين الصفا والمروة اقتداءٌ بسَنَن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
  • استشعار أن من أطاع الله لا يضيعه الله ولا يردُّ دعاءَه؛ وأنَّه يتولَّى أمره؛ كما تولى أمر هاجر وابنها الرضيع إسماعيل عليه السَّلام.

أهداف الدَّرس

  1. أن أتعرَّف صفة العمل في الخروج إلى مِنىً والوقوف بعرفة.
  2. أن أتبيَّن أحكام الأعمال في الخروح إلى مِنى والوقوفِ بعرفة.
  3. أن أتمثَّلَ صفة وأحكامَ العمل في الخروج إلى مِنىً والوقوف بعرفة.

تمهيدٌ

تقدم بيان صفة العمل في الحجِّ إلى حدود اليوم السَّابع من ذي الحجة؛ وبقيَ من الأعمال ما يتعلَّق باليوم الثامن والتاسع وما بعدهما.

فما صفةُ العمل في الخروج إلى منىً ثامن ذي الحجة؟ وما كيفية الوقوف بعرفة في يوم التاسع؟ وما أحكام هذه الأعمال؟

النّظم

وَثَامِنَ الشَّهْرِاخْرُجَنَّ لِمِنَى *** بِعَرَفَاتٍ تَاسِعًا نُزُولُنَا

وَاغْتَسِلَنْ قُرْبَ الزَّوَالِ وَاحْضُرَا *** الْخُطْبَتَيْنِ وَاجْمَعَنَّ وَاقْصُرَا

ظُهْرَيْكَ ثُمَّ الْجَبَلَ اصْعَدْ رَاكِبَا *** عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّكُنْ مُوَاظِبَا

عَلَى الدُّعَا مُهَلِّلاً مُبْتَهِلاً *** مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيْ مُسْتَقْبِلاً

هُنَيْهَةً بَعْدَ غُرُوبِهَا تَقِفْ *** وَانْفِرْ لِمُزْدَلِفَةٍ وَتَنْصَرِفْ

فِي الْمَأْزَمَيْنِ الْعَلَمَيْنِ نَكِّبِ *** ........................

شرح المفردات

هُنيهةً: وقتاً قليلاً، انفِرْ: اذهَب بِسُرعةٍ؛ وفي المصباح: نفروا إلى الشيءِ أسرعوا إليه، العَلَمينِ: الجَبلين.

التحليل

أولاً: صفةُ العمل في الخروج إلى منى والوقوف بعرفة

  1. العمل في الخروج إلى منى

يقومُ الحَاجّ يوم التروية بما يلي:

    • يحرم بالحج من لم يكن أحرم قبل ذلك، وهو المتمنِّع.
    • يطوفُ الناس سبعاً إذا زالت الشّمس من اليوم الثامن.
    • يخرجون مُلبّين  من مكة إلى مِنى بقدر ما يدركونَ بها صلاة الظهر.
    • ينزلون بمنى إذا وصلوا إليها حيث شاؤوا، ولا ينزلون خارجها.
    • يصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصُّبح، كل صلاة في وقتها، ويقصرون الرباعية بمِنىً للسنة إلاّ أهل منى فيتمُّونها، ومن خافَ خروجَ وقت الظهر في الطريق صلاَّها وقصرها على الأحسن.
    • يصلي الإمام بالناس بِمِنىً إذا كانَ يوم التروية يوم جمعةٍ ركعتين سرّا بغير خطبة، عند مالكٍ.
    • يبيتُ الناس بمنىً؛ ويكثرون فيها من الصلاة والدعاء والذكر. وإلى الخروج لمِنىً أشار الناظم بقوله: (وثَامِنَ الشَّهر اخرجنَّ لِمِنى).
  1. العمل في الذهاب إلى عرفة والوقوف بها
    • يتوجّه الحاج بعد المبيت بمِنىً إلى عرفة بعد طلوع الشمس من تاسِع ذي الحجَّة (يوم عرفة) بقدر ما يصل إليها قبل الزوال إن أمكن.
    • ينزل بنَمِرة إن أمكن، وفي ذلك قال النّاظم: (بعَرفاتٍ تاسعاً نزولنا).
    • يغتسل كما يغتسل فب دخول مكة عند قرب الزوال إن أمكن.
    • يروحُ إلى مَسجدِ نَمِرة عند زوالِ الشَّمسِ إنْ أَمْكَنَ.
    •  يقطعُ التلبية عند الوصول إلى مسجد نَمِرة على المشهور إلاَّ أن يكونَ أحرمَ في عرفة فلْيُلَبِّ حينئذٍ ثمَّ يقطعُ؛ إذْ لابدَّ لكل إحرام من التلبية.
    • يخطب الإمام بعد الزوال خُطبتينِ يجلسُ بينهما، يعلِّمُ الناس فيهما ما يفعلونَ إلى اليوم الثاني من يوم النَّحر.
    • يصلّي الإمام بالناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً، لكل صلاة أذانٌ وإقامة؛ ومن لم يُصـلِّ مع الإمام جمع وقصر في رحله؛ ويُتِمُّ أهل عرفة بها؛ وإذا كانَ يوم جمعة فلا تصلى جمعةً، بل ظهراً سِرية؛ قال الناظم: (واغتسِلْنَ قربَ الزَّوالِ واحضُرا الخُطبتين واجمعنَّ واقصرا ظُهريكَ).
    • الحُجاج داخل حدود عرفة، وقد روى جابرٌ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم وقف بعرفة، فقال: «قد وقفتُ ههُنا، وعرفةُ كُلُّها مَوْقِفٌ»((سنن أبي داود، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلَّم)).
    • يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. ولا يزال كذلك مستقبِل القبلة ملتزماً أنواعَ الذكر إلى أن يتحقَّق غروب الشَّمس. وفي ذلك قول النَّاظم: (ثُمَّ الجَبَلَ اصعدْ راكباً... إلى: هُنيهةً بعد غروبها تَقف).
    • يدفعُ الحجَّاج بعد تحقّق غروب الشَّمس إلى المزدلفة بسكينة ووقارٍ، ويجدُّ في سيره إذا وجدَ فرجةً ولم يُؤَدِّ إلى زُحمةٍ، ويذكُرُ الله في طريقه، ويؤخِّر المغرب حتى يصل إلى المزدلفة. وهذا قول الناظم: (وانْفِر لمُزدلفةٍ).

ثانياً: أحكام أعمال الخروج إلى منىً والوقوف بعرفة

مِن أحكام هذه الأعمال:

  1. أنه يُكره التَّراخي عن الخروج إلى منىً في اليوم الثامن إلاَّ لعذر، كما يُكره الخروج إليها قبله، وأنَّ السنة عدم الخروج إلى عرفة إلاّ يوم عرفة.
  2. أنَّ ليلة المبيت بمِنىً من اللَّيالي التي يُطلب إحياؤها بالعبادة؛ وهذه سنّة، فينبغي المحافظةُ على إحيائها إذا أمكن.
  3. أن النزول بنَمِرة سُنَّة؛ وقد تُرِكت اليوم غالباً، وإنما ينزل الناس في موضع الوقوف، فينبغي المحافظة على إحياءِ هذه السُّنة إذا أمكنَ.
  4. أن الوقوفَ الرُّكني لا يتحقَّق إلاّ بالمكث بعرفة في جزء من ليلة النَّحر؛ فمن خرج من عرفة قبل الغروب ولم يعد إليها حتى طلع فجر يوم النَّحر، فقد فاته الحج؛ فيتحلَّل منه بعمرة؛ وعليه القضاءُ في عام قابلٍ والهدي.
  5. أنه ينصرفُ إلى مزدلفة بعد غروب شمس يوم عرفة في المأزمين (الموضع المذكور) إن أمكنَ ولم تكثر الزُّحمة؛ وفي هذا قال الناظم: (وتَنْصَرِفُ=في المَأزَمَيْنِ العَلَمَيْنِ نكِّب). وينبغي لِمن يقتدى به أن يخرج من ناحية أخرى ليعلم النَّاس أنه ليس بشرط.

ومما يستفادُ من هذا الدرس:

  • التزامُ الفرد جماعة المسلمين وإمامهم.
  • إظهارُ أهل العلم والصلاحِ الشَّرائعَ للناس ليُقتدى بهم في حسن الامتثال والتَّخلق.

أهداف الدرس

  1. أن أتعرف صفة الأعمال في مزدلفة ويوم النحر.
  2. أن أميز بين أعمال مزدلفة وبين أعمال يوم النَّحر.
  3. أن أتمثَّل أحكامَ الأعمالِ في مزدلفة ويوم النَّحر.

تمهيد

بقيت طائفةٌ مِن المناسِكِ، منها: المبيتُ بمزدلفة وأعمالها، وأعمال منىً ويوم النَّحر.

فما صفةُ العمل في مزدلفة ومنىً ويوم النحر؟ وما أحكام هذه الأعمال؟

النّظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

..................... *** وَاقْصُرْ بِهاَ وَاجْمَعْ عِشًا لِمَغْرِبِ

وَاحْطُطْ وَبِتْ بِهَا وَأَحْيِ لَيْلَتَكْ *** وَصَلِّ صُبْحَكَ وَغَلِّسْ رِحْلَتَكْ

قِفْ وَادْعُ بِالْمَشْعَرِ لِلإِسْفَار *** وَأَسْرِعَنْفِي بَطْنِ وَادِي النَّارِ

وَسِرْ كَمَا تَكُونُ لِلْعَقَبَةِ *** فَارْمِ لَدَيْهَا بِحِجَارٍ سَبْعَةِ

مِنْ أَسْفَلٍ تُسَاقُ مِنْ مُزْدَلِفَه *** كَالْفُولِ وَانْحَرْ هَدْيًا انْ بِعَرَفَه

أَوْقَفَتْهُ وَاحْلِقْ وَسِرْ للبيتِ *** فطُفْ مِثْلَ ذَاكَ النَّعْتِ

وَارْجِعْ فَصَلِّ الظُّهْرَ فِي مِنًى وَبِتْ ***..................

شرح المُفردات

واحْطُطْ: ضَعْ رِحالَكَ، المَشْعَر: اسمٌ لمُزْدَلِفة، والمرادُ به هنا موضِعٌ بأطرَافِ مُزدلفة جهةَ مِنىً، بطْنِ وادي النَّار: وادٍ بين مُزدلفة ومِنىً.

التحليل

أولاً: الأعمال في مزدلفة ومنىً ويوم النحر

  1. في مزدلفة؛ عند وصول الحاجِّ إلى مزدلفة يوم بما يلي:
  • يصلّي المغرب والعشاء جمعاً وقَصْراً بأذانَيْنِ وإقامتينِ مع الإمام إنْ تيسَّرَ لهُ، ويُتِمُّ أهل مزدلفة بها؛ ولا يشتغلُ بحطِّ الرِّحال إلاَّ الشيء الخفيف
  • يكثر فيها من الذِّكر والدُّعاء، إحياءً لهذه اللَّيلة بالعبادة
  • يبيتُ بمزدلفة ويصلي بها صلاة الصبح مغلِّساً بها في أول وقتها، والظلمة لا تزال قائمةً؛

وفي هذه الأعمال قال الناظم: (واقصُر بها واجْمَع عِشا لمغربِ *** واحطُطْ وبتْ بها وأحْي ليلتكَ *** وصلِّ صُبحك).

  • يقفُ بالمشعر الحرام مستقبل القبلة، والمشعرُ عن يساره، فيُثني على الله تعالى، ويصلّي على نبيِّه، ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمينَ.
  • يلقطُ من المزدلفة سبعَ حصياتٍ لجمرةِ العَقبة، ويلقطُ بقيَّة الجمار من أيِّ موضع شاء مِنْ مِنىً أو غيرها.
  • يدفعُ قرب الإسفار إلى مِنىً، ويسرع ببطنٍ محسِّر، وهو موضعٌ بينَ مزدلفة ومنى بقدر رمية الحجر، نزل فيه العذاب على أصحاب الفيل.
  1. في مِنىً ويوم النَّحر؛
  • يأتي عند الوصول إلى منىً جَمرةَ العقبة على هيئتِه من ركوب أو مشيٍ إلاّ أن يكون في ذلكَ إذايةٌ للناس، فيحط رحله ثم يأتيها.
  • يستقبل جمرة العقبة، ومنىً عن يمينه، ومكة عن يساره، ثم يرميها بسبعِ حصياتٍ متوالياتٍ، يكبِّر مع كلِّ حصاة.
  • يحلقُ جميع شعر رأسه، أو يقصِّره؛ والحلق أفضل.
  • يأتي مكة بعد الرمي والنحر والحلق، فيطوف طواف الإفاضة إن أمكنه ذلك، وإلا أخَّر الطواف إلى حين انقضاء أيَّام التشريق، ثم يصلي ركعتين، ثمّ يسعى سبعة أشواطٍ إنْ لم يَسَعْ بعد طواف القُدومِ، فإنْ سعى بعده كفاه.
  • يرجعُ إلى مِنىً بلا تأخير؛ لأنَّ إقامته بها حينئذٍ أفضلُ من إقامته بمكّة، والأفضل له أن يصلّي بمنى إن أمكنه
  • يبيتُ بمنى ثلاث ليالٍ إن لم يتعجَّل، وليلتين إن تعجَّل؛ وفي التغليس من المزدلفة إلى المبيت بمنىً قال الناظم: (وغلِّسْ...إلى: في منىً وبِتْ).

ثانياً: أحكام الأعمال في مزدلفة ويوم النّحر

من الأحكام المتعلقة بأعمال مزدلفة ويوم النحر ما يلي:

  1. أن الضابط في تقصير الحجّاج الصلاة بمواطن الحجّ: أن أهل كل مكان يُتِمُّون به، ويقصرونَ فيما سواه.
  2. أن السنة الجمع بين الصلاتين أول ما يصل الحاجّ لمزدلفة؛ فلا يشتغل بحطّ الرحال والأمتعة والمحامل، ولا يتعشّى إلاّ بعد الصلاتين، إلاّ أن يكون شيئاً خفيفاً فلا بأسَ بحطِّه قبل صلاة المغرب، أو عشاء خفيفا فلا بأس بتناوله بعد صلاة المغرب وقبل العشاء؛ وبعدهما أولى.
  3. أن النزول بمزدلفة واجبٌ، والمبيت به إلى الفجر سُنَّة؛ فإن لم ينزل بالكلية فعليه الدَّم، ولابدّ فيه من حط الرحل والاستمكان من اللُّبثِ. ودليله حديث جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «وقَفْتُ هَهُنا، وجَمْعٌ كُلُّها مَوقفٌ»((سنن أبي داود، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلّم)).
  4. أنه يستحبّ إحياء ليلة مزدلفة بالعبادة؛ والمكث فيها إلى أن يصلي بها الصبح في أول وقتها؛ والارتحال عنها في الغَلَس؛ والوقوف بالمشعر للدُّعاء ما بين صلاة الصبح والإسفار؛ وإسراع المشي في بطن محسّر.
  5. أنه يستحبّ رمي جمرة العقبة من أسفلها؛ ويجزئ من فوقها.
  6. أنَّ رمي جمرة العقبة يوم النحر يحصل به التحلل الأصغر، فيحلُّ به للمحرم كل شيء ممنوعٍ إلا الجماع والصيد؛ ويكره له الطِّيب.
  7. أن المبيت بمِنىً واجبٌ ثلاثَ ليالٍ لمَنْ لم يتعجَّل، وليلتين للمتعجِّل؛ فمَن تركه جُلَّ ليلة فعليه دمٌ. ودليله حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أفاضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّمَ مِنْ آخِرِ يَومِه حينَ صلَّى الظُّهر ثمَّ رجعَ إلى مِنىً فمكثَ بها لياليَ أيَّامِ التّشريق»((سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب 1973\78)).

ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:

  • الإكثارُ من ذِكر الله والدعاء من علامات الحجّ المبرور.
  • بناءُ الشَّريعة على اليُسر والترخيص لأهل الضرورة.

أهداف الدّرس

  • أن أتعرّف صفة العمل في رمي الجمرات الثلاث.
  • أن أدركَ الأحكام المتعلقة برمي الجمرات الثلاث.
  • أن أتمثل أحكام رمي الجمرات الثلاث، وأعمال أيام التشريق.

لم يبقَ من أعمال الحجّ ومناسكه إلاّ أعمال أيام التشريق، ومنها: المبيتُ بمِنىً، وقد مضى حكمه، ورمي الجمرات الثلاث.

فكيف العمل في هذا الرَّمي؟ وما هي أحكامه؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

......................... *** إِثْرَ زَوَالِ غَدِهِ ارْمِ لاَ تُفِتْ

ثَلاَثَ جَمْرَاتٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتْ *** لِكُلِّ جَمْرَةٍ وَقِفْ لِلدَّعَوَاتْ

طَوِيلاً اثْرَ الأَوَّلَيْنِ أَخِّرَا *** عَقَبَةً وَكُلَّ رَمْيٍ كَبِّرَا

وَافْعَلْ كَذَاكَ ثَالِثَ النَّحْرِ وَزِدْ *** إِنْ شِئْتَ رَابِعًا وَتَمَّ مَا قُصِدْ

شرح المفردات

لا تُفِتْ: لا تُخرج رمي الجمرات عن وقته، جمْراتٍ: جمعُ جَمْرَةٍ، وهي موضِعُ الحَصَى، لا البناءُ القائِم، حَصَيَاتٍ: جمعُ حَصاةٍ، وهي صِغار الحجارة.

التحليل

أولاً: صفة العمل في رمي الجمرات الثلاث

يقومُ الحاج برمي الجمرات الثلاث بعد زوال أيام التشريق  التي هي اليوم الحادي عشر والثاني عَشر والثالث عشر من ذي الحجة؛ وسُمِّيت بذلك لأنّ لحومَ الهدايا تُشَرَّق فيها، والعمل في ذلك كما يلي:

  1. رمي الجمرات الثلاث؛ الصُّغرى والوُسطى والكبرى، بِسبع حصيات مُلتَقطة مِن منىً أو مِن أيّ مكان لكل واحدة من الجمرات.
  2. تقديم الصّغرى التي تلي مسجدَ مِنىً؛ ثم الوسطى، وتأخير الكُبرى التي تلي جهة مكّة، وهي جمرة العقبة.
  3. التكبير عند رمي كل حصاة؛ من حصيات الرّمي.
  4. الوقوف للدّعاء؛ إن أمكن، بعد الجمرتينِ الأوليَيْنِ؛ لما وردَ أن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما كان يقف عند الجمرتين الأوليينِ وقوفاً طويلاً، يكبِّر الله ويسبِّحه ويحمده ويدعو الله، ولا يقف عند جمرة العقبة((الموطأ، رمي الجمار، القسم الأول، ص447)).
  5. رمي الجمرات الثلاث؛ ثالث أيام النحر بعد الزوال قبل صلاة الظهر، وتقديم الجِمَار بعضها على بعض، والوقوف إثر الأُوليينِ، والتَّكبير مع كلِّ حصاةٍ؛ كما فعلَ في اليوم الثاني.
  6. قيام غير المتعجِّل برمي الجمرات الثلاث؛ بنفس الصفة في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ أمّا المتعجِّل فيُرَخَّص له في تركِ رمي اليوم الثالث، بشرط خروجه مِن مِنىً قبل الغروب من اليوم الثاني من أيام التشريق؛ فإن لم يخرج زاد رمي اليوم الثالث.
  7. النَّفرُ من مِنىً؛ وتأخير الظهر حتى الوصول إلى الأبطح (المُحصَّب) إن لم يخف خروج الوقت؛ ووسَّع مالكٌ لمن لا يُقتدى به في تركِه، ودليلُه ما رُوِي عن نافعٍ: «أنَّ ابنَ عُمَرَ كان يرَى التَّحْصيبَ سُنَّة»((صحيح مسلم، كتاب الحجّ، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به))، وبهذا تتم أعمال الحجّ.
  8. القدومُ إلى مكَّة؛ والإكثار فيها من الطواف ومن شرب ماء زمزم والوضوء به؛ وملازمة الصلاة في الجماعة.
  9. الخروج استناساً إلى الجِعِرَّانة أو التَّنعيم؛ وهذا لِمَن أحرم بالإفراد؛ فيُحرمُ بعُمرةٍ ثمَّ يدخلُ إلى مكَّة فيطوفُ وبسعى ويحلِق، وقد تمَّت عمرته.
  10. الطَّواف بالبيت طواف الوداع؛ عند العزم على الخروج من مكَّة، وجعله آخر عهدٍ ببيتِ الله الحرام.
  11. ثانياً: الأحكام المتعلقة برمي الجمرات الثلاث.

ثانيا: من الأحكام المتعلقة برمي الجمرات:

  1. أنه يجبُ لصحّة الرمي في يوم النحر وفي أيام التشريق؛
  • أن يكونَ بحَجَرٍ، لا بطينٍ ولا بمعدنٍ.
  • أن يكونَ رمياً؛ فلا يُجزِئُ وضع الحصاة على الجمرة.
  • أن تكون الحصاة قدر حَصى الخَذْف؛ ولا تُجزئُ الصَّغيرة جداً.
  • أن يكون الرَّمي على الجمرة نفسها، لا على البناء القائم وسطها؛ وتجزئ إن رَمى البناء ووقعت في أيِّ موضع مِن الجمرة.
  • أن يكونَ رمي جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الفجر إلى الغروب، وأفضله من طلوع الشّمس إلى الزوال.
  1. أنه يجبُ في الرّمي في غير يوم النحر:
  • الترتيب بين الجمار؛ فلا يصحّ رميُ الثانية إلاّ بعد الأولى، ولا يصحُّ رمي الثالثة إلا بعد الثانية، أما الموالاة بينها وبين الحصيات فمُستحبة.
  • أداء رمي الجمرات الثلاث؛ في أيام التشريق من الزوال إلى الغروب؛ لحديث: «رمَى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم الجَمْرَةَ يومَ النَّحر ضُحىً، وأمَّا بعدَ ذلكَ فإذا زالتِ الشَّمسُ»((صحيح مسلم، كتاب الحجّ، باب بيان وقت استحباب الرمي)).
  • قضاءُ جمراتِ كل يومٍ؛ إذا فاتَ وقتُ أدائها من غروب شمسه إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق؛ وليس لليوم الثالث وقت قضاء.
  • الهَدي بتأخير رمي الجمرات؛ إلى وقت القضاء على المشهور.
  • ومِمّا ينبغي أن لا يُغْفَل مِن الأحكام المتعلقة بطواف الوداع:
  • أن حكمه الاستحباب؛ لقوله صلى الله عليه وسلَّم: «لا ينفرَنَّ أحدٌ حتّى يكونَ آخِرُ عهدِهِ بالبَيْتِ»((صحيح مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض)).
  • أنه يرجع إليه مَن تركَه، إن لم يَخَف فوات رُفقته.
  • أنه يعيده من أقام بعده يوماً أو بعض يوم.
  • أنه لا يبطُلُ إذا اشتغلَ بعده بشغلٍ خفيف مِن بيع أو شراء أو تحميل.
  • أنه إن حاضت المرأة قبل طواف الوداع تركته وسافرت، بخِلاف ما إنْ حاضت قبل طواف الإفاضة، فتنتظِرُ حتى تطهُر.
  • أنَّ الطّائف للوداع يقِفُ بالملتزَم ويدعو ويخرجُ ولا يرجع القَهْقَرى.

ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:

  • استشعارُ الاقتداء بخليل الرحمٰن إبراهيمَ عليه السلام في رمي الجمرات، تحقيقاً لامتثال قوله تعالى: ﴿قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم﴾((الممتحنة:4)).
  • الرَّميُ إشارةٌ إلى عداوة الشيطان المأمور بها في قوله تعالى:﴿إن الشيطان لكم عدو فاتحذوه عدوا.....السّعير﴾((فاطر:6)).

أهداف الدّرس

  • أن أتعرَّف ممنوعات الإِحرام.
  • أَن أدركَ حِكَم ممنوعات الإحرام.

تمهيدٌ

الإحرامُ عبارةٌ عن الدُّخول في العبادة، وقد شُرِع بسببه منعُ كُلِّ ما ينافيه ولا يتناسبُ مع حرمة العبادة، كالصّيد ولبس الثياب ونحو ذلك.

فما ممنوعات الإحرامِ؟ وما الذي يلزمُ المُحرِمَ إن فعَل شيئاً مِنها؟

النَّظم

قال الإمام ابن عاشِرٍ رحمه الله:

وَمَنَعَ الإٍحْرَامُ صَيْدَ الْبَرِّ *** فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ لاَ كَالْفَأْرِ

وَعَقْرَبٍ مَعَ الْحِدَا كَلْبٍ عَقُورْ *** وَحَيَّةٍ مَعَ الْغُرَابِ إِذْ يَجُورْ

وَمَنَعَ الْمُحِيطَ بِالْعُضْوِ وَلَوْ *** بِنَسْجٍ أَوْ عَقْدٍ كَخَاتَمٍ حَكَوْا

وَالسَّتْرَ لِلْوَجْهِ أَوِالرَّأْسِ بِمَا *** يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَكِنْ إِنَّمَا

تُمْنَعُ الأُنْثَى لُبْسَ قُفَّازٍ كذا *** سَتْرٌ لِوَجْهٍ لاَ لِسَتْرٍ أُخِذَا

شرح المُفردات

تَجُورُ: تعْدُو على غيرِها، قفّاز: هو ما يُصنع على صِفة الكَفّ من قُطنٍ ونحوه ليقيَ الكفّ.

التحليل

أولاً: ممنوعات الإِحرام

يمنع في حالة الإحرام بالحج أشياء، وتُسمّى محظورات الإحرام؛ وهيَ على ثلاثة أقسام:

  1. محظورٌ مُفسِدٌ للحجِّ؛ يجبُ فيه القضاءُ والهَديُ، وإليه أشار النَّاظم بقوله: (وأفَسد الجماعُ) وسيأتي بيانه في الدّرس المقبل.
  2. محظورٌ غير مُفسِد؛ يُجبرُ بالجزاءِ أو بالدَّم أو بالفِدية، فمَنْ فعله فعليه الدَّم، وإليه أشار النَّاظم بقوله: (ومَنَعَ الإحرامُ صيدَ....إلى: وإن عُذِر).
  3. محظورٌ لا يجبُ بفعلِهِ شيءٌ؛ ولم يذكُره النّاظم، إذْ يُفهم أنّ ما عدا الأوَّلين لا يجب بفعله شيء؛

والحَظرُ: المنع؛ والمرادُ به في الأولينَ: التحريم، وفي الثّالث: الكراهةُ.

ثانياً: ما يُمنعُ بالإحرامِ مِن قتل الصَّيد وما يلزَم فيه

يُمنع بسبب الإحرامِ بالحجّ أو العمرة أمورٌ، منها:

التّعرض للحيوان البَريّ، سواءٌ كان المُحرم في الحرم أو في الحِلّ، كما يُمنَعُ على مَن في الحرم ولو كانَ حلالاً؛ وبيانُ ذلكَ في الآتي:

  1. فلا يجوزُ قتل الحيوان البَرّيّ؛ مُباحاً كان أو لاَ، وحْشِيّا أو مُستأنساً، مملوكاً أو غيره. ويجبُ فيه الجزاء؛ وهو ذبح مثل ما قتَل من النَّعم.
  2. ولا يجوز التعرض له ولا لأفراخه؛ بنصبِ شرَك أو حِبال، أو بطردٍ أو جرحٍ أو رميٍ أو إفزاعٍ أو نحوها؛ ويجبُ الجزاء بذلك إن ماتَ.

ويستثنى من هذا المنع: الغُراب والحِدَأة والفأرة والعقرب والحيَّة وابن عِرْس؛ فيقتلهنّ المحرم والحلال في الحلّ والحرم، وإن لن يبتدئنَ بالأذى؛ وصغيرها ككبيرها، العَقور؛ وهو الكبير من السباع العادية كالأسد والنمر والذئب ونحوها.

  1. ولا يجوزُ قتل سباع الطير؛ إلا أن يبتدئنَ بالأذى؛ فيجوز قتلها.
  2. ولا يجوزُ قتل الزُّنبور ولا البَقِّ ولا الذُّباب ولا البَعوض ولا البُرغوث؛ إلاّ أن يُؤذيَ. وفي تحريم ما ذُكر قال الناظم: (ومنعَ الإحرام صيدَ......).

ثالثاً: ما يُمنع بالإحرام من الثياب وما يلزم في لبسها

يُمنع على المحرم بسبب الإحرام لبس ثياب غير ثيابِ الإحرام؛ ويختلف الرجل عن المرأة في الآتي:

  1. فيَحرمُ على الرجل ستر محلّ إحرامه؛ وهو وجهه ورأسه، بما يُعدُّ ساتراً مِن عمامة وقلنسوة وطاقيةٍ وخِرقةٍ وعصابةٍ وطينٍ ونحو ذلك.
  2. ويحرُم عليه ستر جميع بدنه أو عضو منه؛ بالملبوس المعمول على قدر جميع البدن أو على بعضه إذا كان يُلبَس له.
  3. ويحرمُ عليه لُبس المُحيط بالعض كالقميص والسراويل ونحو ذلك؛ وله أن يستر بدنه بنحو الإزار والرّداء والمِلحفة.

وأمّا المرأة فإحرامُها في وجهها وكفَّيها، فيَحرُم عليها ستر وجهها بنقابٍ أو لثام أو نحوهما؛ ولُبس قفّاز في يديها، لأنّ إحرامها في وجهها وكفَّيها؛ ولها سَدل ثوب على وجهها مِن فوق رأسها للستر، ولها إدخالُ يديها في كُمِّها وجلبابها. وفي كُلِّ ذلك قال الناظم: (ومنعَ المحيطَ بالعضو...) فإنْ فعلَ أحدهما شيئاً مِمَّا حرُم عليه من ذلك، فعليه الفديةُ بشرط حصول الانتفاع به، بالاتّقاء من حرّ أو بردٍ، أو بطولٍ كاليوم وإن لم ينتفع به، وتجب الفدية في ذلك، سواءٌ كان لضرورة أو لغير ضرورة، ويأثمُ مَن فعلهُ لغير ضرورة.

ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:

  • تربية النّفس على الزهد والرغبة فيما عند الله والدار الآخرة.
  • حِرص الحاجّ على الاستجابة لأحكام الله تعالى في الفعل والترك.

أهداف الدرس

  • أن أتعرَّف بقيّة ممنوعات الإحرام.
  • أن أتعرف أحكام التحلل من الإحرام
  • أن أميز التحلل الأصغر من التحلل الأكبر.

تمهيدٌ

تقدَّم بيان طائفة من ممنوعات الإحرام تتعلَّق بالصّيد واللِّباس، وبَقِيت طائفةٌ أخرى من الممنوعات؛ ولكلّها حدّ يُتحلَّل منها عنده.

النّظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

وَمَنَعَ الطِّيبَ وَدُهْنًا وَضَرَرْ *** قَمْلٍ وَإِلْقَا وَسَخٍ ظُفْرٍ شَعَرْ

وَمَنَعَ النِّسَا وَأَفْسَدَ الْجِمَاعْ *** إِلَى الإِفَاضَةِ يُبَقَّى الاِمْتِنَاعْ

كَالصَّيْدِ ثُمّ َبَاقِي مَا قَدْ مُنِعَا *** بِالْجَمْرَةِ الأَوْلَى يَحِلُّ فَاسْمَعَا

وَجَازَالاِسْتِظْلاَلُ بِالْمُرْتَفَعِ *** لاَ فِي الْمَحَامِلِ وَشُقْدُفٍ فَعِ

وَيَفْتَدِي لِفِعْلِ بَعْضِ مَا ذُكِرْ *** مِنَ الْمُحِيطِ لِهُنَا وَإِنْ عُذِرْ

شرح المفردات

ويفتدي: يُخرجُ الفِديَة، الاسْتِظْلال: التّعرض للظِّل.

التحليل

أولاً: بقيّة ممنوعات الإحرام

مِن ممنوعات الإحرام ترفُّه المحرم باستعمال الطيب ودهن البدن؛ وإلقاء الوسخ عن البدن، أو بعض الهوان كالقمل عن البدن أو الثوب؛ والاقترابِ من النساء بالجماع ومقدّماته، أو بعقد النِّكاح لنفسه أو لغيره؛ فيُمنع عليه كل ذلك، وبيانه فيما يلي:

    1. الطّيب والدُّهن وأحكامهما

أ.يمنع الطّيب على المحرم:

والمراد: المُؤنّث منه؛ وهو: ماله جِرمٌ يعلق بالجسد والثوب، كالمسك والعنبر والكافور والزّعفران؛ وأما مذكّره كالياسمين ونحوه فلا يمنع، وإنما يكره؛ والحناء عندهم من المذكّر.

والمراد منع استعماله، فلا يضر حمل قارورته دون استعمالٍ له؛ ومعنى استعماله إلصاقه باليدِ أو بالثَّوب. وتجب الفدية باستعماله وبمسِّه، ولو لم يعلَق به، أو عَلِق وأزاله سريعاً على المشهور؛ كما تجبُ في لُبس الثوب المزعفر والمورَّس والمعصفر من الثّياب.

ولا فديةَ فيما يتطيَّب به قبل إحرامه وبقيت رائحتُه بعد الإحرام؛ ولا فيما ألقته الرّيح أو ألقاه غيره عليه وأزاله في الحين؛ فإن تراخى لَزِمت الفدية.

والمرأة كالرّجل في ذلك كلّه؛ وفي منع الطِّيب قال الناظم: (ومَنعَ الطيب)؛ وفي وجوب الفدية في استعماله قال: (ويفتدي لفعل بعض ما ذكر...).

ب. ويمنع عليه الدُّهن:

والمراد: ما يُدهَن به لتليينِ بشرة الجلد، أو لإزالة الضرر عنها؛ والمراد بمنعه منع استعماله؛ فيَحرُمُ على المحرِم دهنُ اللِّحية والرأس، ولو كان أصلع، وكذا سائر الجسد.

وتجب الفدية بذلك، ولو لم يكن فيه طيبٌ، أو كانَ استعماله لضرورة.

    1. إلقاء الوسخ والهوامّ وحكمه

من ممنوعات الإحرام: ترفّه المُحرم بإزالة الوسخ، كقلم الظُّفر، أو إزالة الشَّعر، أو قتل القمل أو طرحه، أو الاقتراب من النّساء؛ فيحرُم عليه:

  • قصّ الأظفار؛ وتجبُ الفِدية إن قصَّ ظفراً واحداً لإماطة الأذى، أو لمداواة قرحة تحته، أو ظفرين من غير كسر. ويطعم حفنةً (ملءَ اليد) إن قصَّ ظُفراً واحداً لا لإماطةِ أذىً ولا لكسرٍ.
  • إزالة الشَّعَر، وتجب الفدية في الكثير منه كموضع المحاجم والشارب والإبط والأنف وغيرها.
  • قتل القمل؛ وطرح القمل كقتله؛ وإلى منع ذلك أشار الناظم بقوله: (وضرر قمْلٍ وإلقا وسخٍ ظُفر شَعر)، كما يُفهمُ وجوب الفدية مِن قوله: (ويفتدي لفعلِ بعض ما ذُكر...).

ولا فرق في وجوب الفدية بين أن يفعل ذلك لعذر أو باختيارٍ، قال الناظم: (وإنْ عُذِر) إلاّ أن الفاعل عن اختيار آثم دون المضطر، فلا إثم عليه.

    1. الاقتراب من النساء وأحكامه

يُمنع على المحرم من ذلك أمورٌ: الجماع ومقدّماته والإنزال، وعقد النّكاح.

  • فالمفسد منها للحجّ: الجماعُ والإنزالُ.
  • وغير المفسد منها: مقدّمات الجماع دون إنزال، وعقد النكاح.

ثانياً: التحلل من الإحرام وما يكون به

يستمرّ المنع من محظورات الإحرام إلى التحلل؛ ثم تصير حلالاً لا شيء على فاعلها؛ وللحجّ تحلُّلان: أصغر، وأكبر:

  • فيكون الأصغر رمي جمرة العقبة، أو خروج وقت أدائها؛ ولا يمنع بعده إلاّ: الاقتراب من النساء، والصيد، ويُكره الطِّيب، وفيه الفدية.
  • ويكون الأكبر بطواف الإفاضة؛ وبه يرتفع منع الاقتراب من النساء والصيد، وكراهة الطيب.
وفي نهاية المنع من النساء والصيد وبقية الممنوعات قال الناظم: (إلى الإفاضة يُبَقّى....إلى قوله: يحِلُّ فاسمَعا).

وإنّما يكون طواف الإفاضة تحَلُّلاً أكبر لمن سعى قبل الوقوف، وإلا فلا يحصل التحلل إلا بالسّعي بعد طواف الإفاضة، ويحلّ به كل شيء إنْ حَلَق. ومنتهى المنع في العمرة السّعي.

ويستثنى من الممنوعات بالإحرام استظلال المُحرم بشيء مرتفع على رأسه، مما هو ثابت كالبناء والشّجر، فيجوزُ الاستظلالُ به، دون ما ليسَ بثابتٍ كالمحمل والشُّقدُف، فلا يجوز الاستظلالُ فيه.

ومما يستفاد من هذا الدّرس

أن للحجّ مقاصد وحكماً عظيمة، منها:

  • تزكية النّفس والتّحلي بمحاسن الأخلاق.
  • التآخي والتعارف.
  • تعظيم حرمات الله وشعائره.
  • توحيد الله تعالى وإقامة ذكره.
  • الشعور بالمواساة بين العباد.
  • مشاهدة آثار الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضوان الله عليهم.

أهداف الدرس

  1. أن أتعرف العمرة وأحكامها وصفتها.
  2. أن أتبيّن آداب زيارة المسجد النبوي والروضة الشريفة.
  3. أن أتمثل آداب تعظيم الحرمات والرجوع إلى الأهل والأقارب.

تمهيدٌ

شُرِع إلى جانب الحجّ المفروض حجُّ التطوع، كما سُنّت العُمرة للاستزادة من الخير، وشرع لكلّ ذلك آدابٌ تابعةٌ ينبغي مراعاتها والحرص عليها.

فما العمرة؟ وما حكمها وصفتها وأحكامها؟ وما الآداب المطلوبة في النّسكين؟ وما آداب زيارة المسجد النبوي والرَّوضة الشريفة؟

النظم

قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:

وُسُنَّةُ الْعُمْرَةِ فَافْعَلْهَا كَمَا *** حَجٍّ وَفِي التَّنْعِيمِ نَدْبًا أَحْرِمَا

وَإِثْرَ سَعْيِكَ احْلِقَنْ وَقَصِّرَا *** تَحِلَّ مِنْهَا وَالطَّوَافَ كَثِّرَا

مَا دُمْتَ فِي مَكَّةَ وَارْعَ الْحُرْمَةْ *** لِجَانِبِ الْبَيْتِ وَزِدْ فِي الْخِدْمَهْ

وَلاَزِمِ الصَّفَّ فَإِنْ عَزَمْتَ *** عَلَى الْخُرُوجِ طُفْ كَمَا عَلِمْتَ

وَسِرْ لِقَبْرِ الْمُصْطَفَى بِأَدَبِ  *** وَنِيَّةٍ تُجَبْ لِكُلِّ مَطْلَبِ

سَلِّمْ عَلَيْهِ ثُمَّزِدْ لِلصِّدِّيقْ *** ثُمَّ إِلَى عُمَرَ نِلْتَ التَّوْفِيقْ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَا الْمَقَامَ يُسْتَجَابْ *** فِيهِ الدُّعَا فَلاَ تَمَلَّ مِنْ طِلاَبْ

وَسَلْ شَفَاعَةً وَخَتْمًا حَسَنَا *** وَعَجِّلِ الأَوْبَةَ إِذْ نِلْتَ الْمُنَى

وَادْخُلْ ضُحًى وَاصْحَبْ هَدِيَّةَ السُّرُورْ *** إِلَى الأَقَارِبِ وَمَنْ بِكَ يَدُورْ

شرح المفردات

التَّنعيمُ: اسمُ موضِعٍ قُربَ أطرافِ الحَرم، الحُرمةِ: ما عَظَّمهُ الله تعالى وأمَر بتعظيمِه وعدم انتهاكِه، الصَّفُّ: صفُّ صلاةِ الجماعةِ مع الإمام.

التحليل

أولاً: صفة العمرة وحكمها

العمرة: عبادةٌ ذاتُ إحرام وسعي وطواف. وهيَ: سُنَّة مؤكدة مرَّةً في العُمُرِ على القولِ المشهور؛ فعن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنه: أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلَّم: أواجبةٌ العمرة؟ قالَ: «لا، وأن تعتمر خيرٌ لكَ»((السّنن للبيهقي، باب من قال العمرة تطوع)).

وتقدَّم أنّ وقت الإحرام بها حميع العام، ويَكرهُ تكرارها في العام الواحد على المشهور، وأجازَ ذلك مُطرِّفٌ وابنُ الماجِشُون.

ويستحبُّ الإحرامُ بها من التّنعيم بالنسبة للحاج بالإفراد، وهو ما درجَ عليه النّاظم؛ لأنه الراجح في المذهب، وأما المتمتع فقد دخل مكة محرماً من الميقات بعمرة، وهو ما عليه أكثر الناس اليوم طلباً للتيسير؛ لأنّ الحاجّ لا يتحكم في رحلة الحجّ التي تحكمها ضوابطُ إدارية؛ وكذلك الحاجّ بالقران فقد أحرم من الميقات لقرانه بين الحج والعمرة.

ومن أدلة الإحرام من التنعيم: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسولَ الله، يرجعُ النَّاس بنُسكين، وأرجِعُ بنُسُكٍ واحد، فأمر عبد الرحمن بنَ أبي بكرٍ إلى التَّنعيم((السنن الكبرى للنسائي، ج6 ص 413))...

وصِفةُ العمرة في الإحرام واستحباب الغُسلِ والتّنظيف، وفيما يلبسُهُ وما يحرُم عليه من اللباس والطِّيب والصَّيد وغير ذلك، وفي التلبية والطواف والرَّمَل والرُّكوع بعدَه والسَّعي بعده كالحجّ سواءً بسواء؛ ولذلك قال الناظم رحمه الله: (فافعَلْها كما حجٍّ).

وتختلفُ عنه في أنَّ أركانها تنحصِر في ثلاثةٍ: الإحرام والطَّواف والسعي، وأن التّحلل منها يكون بعد الفراغ من السَّعي بالحلق أو التقصير؛ وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: (وإِثْرَ سعيكَ احلِقَنْ أو قصِّرا تحلَّ منها).

ثانياً: أحكامُ أعمال العمرة

تنقسم أعمال العمرة باعتبار أحكامها إلى ثلاثة أقسام: أركانٌ لا تُجبر، وواجباتٌ تُجبر، وسُنن لا شيءَ في تركها. فأركانها ثلاثةٌ: الإحرامُ والطَّواف والسَّعيُ. وواجباتها المُنجبرة بالدم كالحجّ فيما يستويانِ فيه، ومنها الحِلاق؛ فيُجبر بالدَّم إذا تركه حتى رجع لبلده، أو طال الزَّمن كما تقدّم في موجبات الدّم. وأمّا السّنن والمستحبّات فكالحجّ أيضاً فيما يستويان فيه من ذلك.

ثالثاً: آداب ما بعد الحجّ والعمرة والزيارة الشريفة

  1. آداب ما بعد الحجّ والعمرة؛

للحجِّ والعمرة آدابٌ تابعةٌ ينبغي إتيانها؛ فيُستحبُّ للآفاقيّ ما يلي:

  • أن يُكثر الطواف بالبيت، ومِن شرب ماء زمزم، مادامَ بمكَّة لتعذّر هذه العبادة العظيمة عليه بعد خروجه منها.
  • أن يراعي حرمة مكة المشرّفة لجانب البيت الحرام الذي جعله الله مباركاً؛ فيتجنّب فيه الرَّفث والفسوق والعصيان، ويكثر فيه من فعل الطاعات، ويلازم فيه الصلاة في الجماعة، وغير ذلك من أفعال البر.

على أنّ ذلك مطلوبٌ في كل مكانٍ وزمانٍ، إلا أنه يتأكد في هذا المكان أكثر، لما تقرر من أن الطاعة تعظُم بالزمان والمكان فيكثُر ثوابها.

  • أن يطوف إن عزمَ على الخروج مِن مكة طواف الوداع على الصفة المعلومة من الابتداءِ بتقبيل الحجر إلى آخر صفة الطواف. وقد سُئلَ الإمام مالك رحمه الله: أيهما أحبّ إليك: المجاورة أو القُفول؟ فقال: السنة: الحَجّ، ثم القفول.
  1. زيارة المسجد النبويّ والقبر الشريف
  2. يُندب للحاجّ بعد الفراغ مِن مناسك الحجّ:
  • أن يخرج من مكة من كُدىً، ويقصد زيارة المسجد النبوي الشريف؛ لأنها سنة مجمعٌ عليها، وفضيلة مرغّب فيها، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلّم أيضاً لأداءِ أدب السّلام عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وغيره من المقاصد الشريفة؛ مراعياً الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلَّم، والنزول خارج المسجد.

فإذا وصل المسجد بدأ بالصلاة إن كانَ وقتاً يجوز فيه الصلاة، وإلاّ بدأ بالقبر الشريف؛ وتكون صلاتهُ في محراب النبي صلى الله عليه وسلّم إن قدَرَ، أو في الرّوضة، أو في غيره من المواضع.

ثمّ يتقدم إلى القبر الشريف، ولا يلتصق به، ويستقبله وهو متصف بالذُّل والمسكنة والانكسار والفاقة والاضطرار، ويستشعر أنه واقفٌ بين يديه صلى الله عليه وسلَّم، إذ لا فرقَ بين موته وحياته، فيبدأ بالسلام عليه؛ قال مالك: فيقول: السَّلام عليكَ أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته؛ ثمّ يسلّم على أبي بكر، ثمّ عمر، رضي الله عنهما.

وكره مالكٌ لأهل المدينة الوقوف بالقبر كلّما دخل أحدهم المسجد وخرج؛ قال: ولا بأسَ لِمَن قدِمَ مِن أهل المدينة مِن سفرٍ أو خرجَ إلى سفرٍ، أن يَقِفَ عند القبر، فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلَّم، ويدعو له ولأبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما.

  • أن يزورَ البقيع والقبور المشهورة فيه، ومسجدَ قُباء، ويتوضأ من بئرِ أريسٍ، ويشرب منها؛ وعدّ بعض العلماء المقام عنده صلى الله عليه وسلّم أحسَن ليغتنم مشاهدته أكثر، ولأنها لا تمكن في غير هذا المقام.
  • أن يكثرمن الدّعاء لنفسه ولوالديه ولكل المسلمين بالتوفيق والوحدة والنصر والتمكين والختم بالحسنى في الدنيا، ونيل الشفاعة العظمى في الآخرة؛ يلازم ذلك في كلّ حينٍ، راجياً أن تُستجابَ دعوته في ذلك المقام.

د. أن يعجّل الرجوع إلى أهله وبلده؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «السَّفَرُ قطعةٌ مِن العَذابِ، يمنعُ أحدكم نومَه وطعامَهُ وشرابهُ، فإذا قضى أحدكم نَهمتَهُ من وِجهتِه فليعْجَل إلى أهلِهِ»((الموطأ، ما يؤمر به من العمل في السفر، ج2ص 344)).

هـ. أن يأتيَ أهله نهاراً، ولا يطرقهم ليلاً، كي تمتشِطَ الشَّعثةُ وتستحِدَّ المُغيبةُ؛ والأفضل أول النهار ضُحىً، كما قال الناظم: (وادخُل ضُحىً).

و. وأن يستحبّ هديةً يدخل بها السرور على أقاربه ومن يدور به من الحَشَم ونحوهم؛ وذلك سنةٌ ماضيةٌ في حقّ من لم يلحقه في ذلك كُلفةٌ. وذلكَ قول الناظم: (واصْحَبْ هديَّة السُّرور إلى الأقارب ومن بكَ يدور).

ومِمّا يستفاد من هذا الدرس:

  • عِظمُ الزمان والمكان مدعاةٌ إلى الجِدّ في الطّاعة والتّحفظ من المعصية.
  • تعظيمُ حرمة البيت يقتضي اغتنام الأوقات في أنواع الطاعات المتنوعة.
  • للمدينةِ حرمةٌ كما أن لمكة حُرمة.

أهدافُ الدَّرس

  1. أن أتعرَّفَ ثمرات مرتبة الإحسان في الدِّين.
  2. أن أُدرِكَ أن التوبة والتقوى أساسُ السُّلوكِ إلى مرتبة الإحسانِ.
  3. أنْ أحرِصَ على تزكِيةِ نفسي بالتَّوبة والتقوى لأنال حبّ الله تعالى.

تمهيدٌ

الدِّين مراتبٌ: إسلامٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، والعبادة قسمانِ: عبادةٌ بالجوارحِ، وعيادةٌ بالقَلبِ؛ كما حثَّ الإسلام على إصلاحِ أعمالِ الجوارحِ، حَرَصَ على إصلاحِ أعمال القُلوبِ أيضاً لبلوغِ مرتبة الإحسان.

فما السَّبيل إلى سلوكِ طريق الإحسان؟ وما ثمرتُهُ؟

النَّظمُ

قال الإمام ابنُ عاشِرٍ رحمه الله:

كتاب مبادي التّصوف وهوادي التعرف

وَتَوْبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ يُجْتَرَم *** تَجِبُ فَوْرًا مُطْلَقَا وَهْيَ النَّدَمْ

بِشَرْطِ الاِقْلاَعِ وَنَفْيِ الإِصْرَارْ*** وَلْيَتَلاَفَ مُمْكِنًا ذَا اسْتِغْفَارْ

وَحَاصِلُ التَّقْوَى اجْتِنَابٌ وَامْتِثَالْ *** فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ بِذَا تُنَالْ

فَجَاءَتِ الأَقْسَامُ حَقًّا أَرْبَعَةْ *** وَهِيَ لِلسَّالِكِ سُبْلَ الْمَنْفَعَةْ

يَغُضُّ عَيْنَيْهِ عَنِ الْمَحَارِم *** يَكُفُّ سَمْعَهُ عَنِ الْمَآثِمِ

كَغِيبَةٍ نَمِيمَةٍ زُورٍ كَذِبْ *** لِسَانُهُ أَحْرَى بِتَرْكِ مَا جُلِبْ

يَحْفَظُ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ *** يَتْرُكُ مَا شُبِّهَ بِاهْتِمَامِ

يَحْفَظُ فَرْجَهُ وَيَتَّقِي الشَّهِيدْ *** فِي الْبَطْشِ وَالسَّعْيِ لِمَمْنُوعٍ يُرِيدْ

وَيُوقِفُ الأُمُورَ حَتَّى يَعْلَمها *** مَا اللهُ فِيهِنَّ بِهِ قَدْ حَكَمَا

يُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الرِّيَاءِ *** وَحَسَدٍ عُجْبٍ وَكُلِّ دَاءِ

شرحُ المفردات

المَبادِئُ: جمعُ مبدإٍ: ما يتوقَّفُ عليهِ المَقصودُ، التَّصوف: علمٌ يُعرَفُ به كيفيَّةُ إصلاحِ القلوبِ وتزكية النَّفس تَقَرُّباً إلى الله تعالى، هوادي التَّعَرُّفِ: الهوادي جَمْعُ هادٍ؛ والتَّعَرُّف طلبُ المعرفةِ، وهوادِي التَّعرُّف هيَ الأمورُ التي تدُلُّ على الله تعالى، الشَّهيدْ: على وزنِ فعيلٍ بمعنَى فاعِلٍ، أيْ الحَاضِرُ وهو الله عزّ وجلَّ.

التحليل

خَتمَ النّاظم رحمه الله هذا النَّظْمَ بكتابٓ مبادي التصوّف، وهوادي التَّعرف وفاءً بِمَا وَعَدَ به أوَّلَ النظم في قوله: (وفي طَرِيقةِ الجُنَيدِ السَّالِك)، وتفاؤُلاً بأَنْ يكونَ السَّعيُ في تصفية القلب وتطهيره خاتمَةَ العملِ لمن أرادَ سلوكَ الإحسانِ.

أولاً: ثمراتُ بلوغِ مرتبةِ الإحسانِ

الإحسانُ مرتَبةٌ عظيمةٌ مِن مراتِبِ الدِّين، عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلَّم بقوله: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراهُ فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإنَّهُ يرَاكَ»((متفق عليه))؛ فمَنْ جاهدَ نفسَهُ في سلوكِ طريقها، وتحقَّقَ بمعانيهَا وتحلَّى بأخلاقِها؛ حصَّلَ ثمراتٍ كثيرةٍ منها:

  • مرتبةُ الإحسان.
  • محبَّةُ الله تعالى.
  • لذَّةُ العباداتِ ويُسْرُ الطاعاتِ.
  • التّوازنُ بينَ مطالبِ الرُّوحِ والجَسد.
  • محبَّة الخير للخَلْقِ.
  • النَّظرُ إلى وجهِ الله الكريمِ في الجنَّة.
  • جمالُ الظَّاهِر والباطِن.
  • حلاوةُ الإيمانِ.
  • التَّحرر من عبوديَّة ما سِوى الله.

ثانياً: الاستِقامَةُ ظاهراً وباطناً مِفتاحُ طريقِ الإحسانِ

أوّل ما يلزمُ سالكَ الطّريق إلى مرتبةِ الإحسانِ الاستقامَةُ ظاهراً وباطناً، وذلكَ بالتوبة النَّصوحِ والتقوىٰ الكَامِلة، وفيما يأتي تفصيلُ ذلك:

أ. التوبة وشروطها

التًّوبة، هي الرّجوع إلى الله تعالى والإقلاع عن كلِّ الذنوب والمعاصي، والنَّدم على فِعلها. وإنَّما يكون النّدم المذكور توبةً بثلاثة شروطٍ، وهيَ:

الأوَّل: الإقلاع عن الذنبِ في الحَال.

الثاني: نيَّةُ عَدَم العَوْدِ إلى ذلك الذّنب أبداً؛ وهو المُراد بنفي الإصرار.

الثالث: تلافي ما يُمكِن تداركُهُ، كرَدِّ المَظالمِ لأصحابها. أمَّا واستغفارُه فشرطُ كمالٍ لا شرطُ صِحَّة.

ب. التَّقوى وأقسامها

التقوى طريق السَّالك إلى الله تعالى، وهي الأساسُ المتين للتَّرقي في الدِّين ونيلِ ثمراتِ الإحسانِ، وتتحصَّل التقوى باجتِنابِ المَنهيَّات، وامتثالِ المأموراتِ في الظَّاهر والباطِنِ؛ فهي أربعةُ أقسامٍ.

وينبغي لمَن أرادَ التَّخلق بالتقوى في الظاهر والباطن القيام بما يأتي:

  • حِفظُ الجوارح، بغَضِّ البصر عن المحارم وكفّ السمع واللّسان عن كلِّ ما يأثمُ بسماعه، كالغيبةِ والنّميمة والزور والكذب ونحوها، وبِحِفظِ البَطنِ مِن أكل الحرام، وحِفظ الفَرْجِ مِن الشهوة الحَرام.
  • اتِّقاءُ الشُّبهات، ومراقبةُ الله تعالىٰ في السِّر والعلانية
  • التّوقف عن الأمور حتى يَعْلَمَ حُكْمَ الله فيها، لقوله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذِّكر إن كُنتم لا تعلمون﴾((النحل: 43)).
  • تطهير القلب من الرِّياء والحَسَد والعُجب وما معها مِن أمراض القلوب.

مِمَّا يُستفاد من هذا الدّرس:

  • التوبة بداية الطريق والسّير إلى الله تعالى.
  • مرتبةُ الإحسان تربيةٌ على المحبَّة والخير والكمال، وهي ثَمَرة الدِّين العُظمى.
  • لا تكتمل شروطُ السَّير في طريق التصوف إلاّ بالتقوى، وعِمادُ التقوى تركُ الشبهات وإخلاص العبادة لله تعالىٰ.

توصيف المادة:

نتشرف بأن نقدم لكم مقرر الفقه الإسلامي للمستوى الثالث من برنامج الدراسات الإسلامية من خلال منظومة ابن عاشر رحمه الله المسمى المرشد المعين على الضروري من علوم الدين بشرح مختصر الدر الثمين للعلامة محمد بن أحمد المشهور بميارة، وقد جاء محتوى هذا المقرر جامعا بين العلم بالأحكام الفقهية على مذهب مالك رحمه الله، ودراسة مبادئ علم السلوك على مذهب الإمام الجنيد السالك رحمهم الله، وذلك وفق خطوات منهجية تراعي مبادئ الحنيفية السمحة، ومعالم علم التربية والمستجدات التربوية، المنسجمة مع روح الإصلاح والتزكية، وتربط الإنسان بالقيم الإسلامية السمحة، وبهوية الأمة وثوابتها. وقد اشتملت مفردات مقرر هذه المستوى على فقه الزكاة والصيام والحج، وسلكنا في تحقيق أهداف مادة المقرر مقاربة تربوية واضحة المعالم، تجمع بين بيان الحكم الشرعي واستخلاص المفاهيم وتحليل المضامين، وصولا إلى اكتساب معارف فقهية جديدة تعزز المكتسبات الفقهية وتمكن الطالب من تنمية قدراته، كما تنبني المادة العلمية على مراحل تعد مفتاحا لدراسة هذه المادة العلمية الأساس من خلال قراءة النظم المعتمد وتحليله استنادا إلى شرحه الذي ييسر فهم معانيه.

أهداف المادة :

الأهداف التي يرجى تحقيقها نهاية كل درس. تمهيدا يشوق المتعلم للاطلاع على محاور الدرس. نص الأبيات - النصاب المقرر في كل درس- ربطا للمتعلم بالنظم. الأحكام الواردة في نص النظم والشرح؛ تحليلا لهذه الأحكام وبيانا لها. المقاصد الشرعية والقيم الخلقية المستنبطة من هذه الأحكام.

المراجع المعتمدة:

منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين للإمام ابن عاشر بشرح مختصر الدر الثمين للعلامة محمد بن أحمد المشهور بميارة.


الأستاذة
أمينة بنحمو